العقيدة وحماية الشباب من بؤر الانحراف
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2015-06-15 06:25
يقول علماء النفس أن الانسان عندما يحل ضيفا على الحياة، فإنه يكون ازاء وضع غامض، فهو لا يعرف كيف أتى هذه الدنيا، وثمة الكثير من الافكار الغامضة سوف تحيط به، لذلك تدخلت الاديان والفلسفة لكي تعطي أملا للانسان، انه لا يعيش في متاهة، وفي الحقيقة كما يؤكد العلماء المعنيون، أن اكثر مرحل الانسان العمرية غموضا وتشتتا، هي مرحلة الشباب، حيث التناقض الشديد بين حماسة الشباب وغموض الحياة وارتباكها وامتلائها بالتناقضات، لذلك يكون الشباب في امسّ الحاجة للوضوح والايمان حتى تكون خطوط السير السليم واضحة لهم.
هنا يأتي دور العقيدة الصحيحة، لكي تسند الشباب وتضع أقدامهم في الطريق السليم، فالخطوط الفكرية كثيرة ومتشابكة مثلما هي أحداث الحياة المتناقضة، وهي تكاد لا تحصى، فضلا عن الفوضى التي تحيط بها، لذلك يجد الشباب أنفسهم ازاء غموض كبير متداخل في الافكار والسلوك، فيكونوا في هذه الحالة بحاجة لمن يضيء لهم الدرب حتى تطمئن قلوبهم وتهدأ نفوسهم وهم يخوضون في غمار الحياة.
فالمفاسد تحيط بالشباب من حدب وصوب، وهناك خطط تضعها دوائر كبرى تقف خلفها دول تسعى بكل ما تستطيع، أن تحرف مسار الشباب وان ينشغلوا في الجوانب التي لا تطور حياتهم او شعوبهم او دولهم، انها سبل الانحراف التي تكون متاحة لهم بل تفتح ابوابها للشباب على مصراعيها، فينحرف الشباب ويدخلوا في المسارات الخاطئة، هنا يبرز بقوة دور العقيدة، كونها الحصن الحصين للشباب، تدرأ عنهم مخاطر الانحراف، وتأخذ بأيديهم الى بر الأمان، في عالم أو كوكب يكتظ بالدسائس وسبل الانحراف التي تبعد الشباب عن المسار السليم.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (الشباب) حول هذا الموضوع: (إن العقيدة تعد من أهم المسائل المرتبطة بالشباب، فهي التي تحمي الإنسان في مختلف المراحل الحياتية.. والعقيدة الصحيحة بشكل كامل هي الضمان لعدم الانجراف في مختلف المفاسد).
إذاً فالعقيدة هي السد المنيع الذي يحمي الانسان من السقوط في مسالك الانحراف، كما أنها تعصم الانسان عموما، والشباب على وجه الخصوص، من الانزلاق في الخطأ، وتمنحه رؤية واضحة للأشياء والأحداث المتشابكة، وتجعله قادرا على الفرز بين (الصالح والطالح)، وتساعد العقيدة على تمسّك الشباب بالمبادئ الاسلامية والانسانية، وتعمل على حمايتهم من الشعور بالتشتت والتشرذم، وتقيهم من الافكار والثقافات الدخيلة.
لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور أعلاه: إن (العقيدة تمثل عصمة للإنسان وللمجتمع ولو في الجملة، ولذلك ينبغي على القادة والعلماء الاهتمام بعقائد الشباب كل الاهتمام، وإلاّ أصبح أمره مبعثراً).
العقيدة بين الشرق والغرب
بعد أن عرفنا ما هي العقيدة، وما هي الأهمية التي تمثلها للانسان بشكل عام، والشباب بصورة خاصة، نتساءل، هل استثمر الشرق ميزة العقيدة وقدرتها على تدعيم الشباب، وهل حصلوا على الحصانة الفكرية والعملية في متاهات الحياة؟، وهل قام القادة السياسيون في الشرق بدورهم في هذا المجال، أي هل اهتم القادة بالعقيدة الصحيحة وحرصوا على تزويد الشباب بها من خلال العلماء والمعنيين بهذا الامر، أم أنهم أهملوا العقائد وتجاوزوها، وبذلك تركوا الشباب في دوّامة التيه نهبا للأفكار اليائسة والثقافات التي تحط من قيمة الانسان، بدلا من أن ترفع مكانته، وتضاعف ثقته بنفسه، وتضيء له درب الحياة الطويل؟.
إن الإجابة في الحقيقة يمكن أن نأخذها من تاريخ الشرق القريب أو المنظور في اقل تقدير، فالتاريخ يمكن أن يكشف لنا بوضوح كيف تعامل قادة الحرب مع شعوبهم، وكيف أهملوا العقيدة وتعاملوا معها بإهمال وتجرّد، الامر الذي أساء لأمم وشعوب الشرق، وشبابهم الذين فقدوا الامل بحياة رصينة خالية من الحروب والطغيان، ولكن ما حدث هو العكس تماما.
كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (عندما تجرّد الشرق عن العقيدة إطلاقاً وأخذ يحاربها بمختلف صورها، سبّب في ذلك أكبر شقاء للبشرية وسجل مآسيه منذ التاريخ المحفوظ.. فقد ذكروا أن ستالين وحده قتل خمساً وعشرين مليونا، فضلا عن قتلاه في الحروب.. وأن - ماو- قتل تسعاً وثلاثين مليونا وكلاهما تحطما بعد مدّة). هكذا كان قادة الشرق يتعاملون مع شعوبهم، حيث القتل لديهم سجية، وإن بلغ بالملايين، فالمهم لديهم بقاؤهم في العرش، أما تدمير الشباب روحا وعقلا وقيما وعقائد، فهذه الامور لا تعنيهم بشيء أصلا، حتى لو بلغ الدمار المعنوي والمادي أقصى حدوده.
أما قادرة الغرب فقد فهموا الدرس جيدا، واستفادوا من الخطأ الذي سقط فيه قادة الشرق بإهمالهم للعقيدة، صحيح أن قادة الغرب تعاملوا بإهمال ولا مبالاة مع العقيدة، وتنكّروا لها، لكنهم في آخر المطاف شاهدوا ما حدث للشرق من سقوط وتدمير هائل بسبب اهمال قادتهم للشباب وللعقيدة معا، فبدأ هؤلاء سياسة من نوع آخر، تأخذ على عاتقها الاهتمام بالعقيدة والدين، حتى لا يقعوا في خطأ الشرق الذي جعل شبابهم في مهب الثقافات الوافدة لهم من خارج بلدانهم.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: إنَّ (الغرب وإنْ كان أظهر اللامبالاة أمام العقيدة والدين إلاّ أنه اضطر إلى تقوية الكنيسة واتباع رجالها في العقيدة المسيحية).
العقيدة مطابقة للفطرة الانسانية
ومن الفوائد الكبيرة للعقيدة، أنها تنظّم حياة الانسان وتبوبها، وتجعلها ذات أنساق واضحة ومدروسة، لدرجة أننا يمكن أن نصف العقيدة بالخريطة التي توضّح للانسان كيفية السير في طرق الحياة المعقدة والمتشابكة، من دون أن يناله الضرر او الغموض وما شابه، فالإنسان بمساعدة العقيدة يعرف من هو؟ وما هي الحياة، وكيف يمكن أن يتجاوزها بسلام، هنا يتضح لنا أن دور العقيدة هو تنظيمي بالدرجة الاولى، وهذا التنظيم ليس سطحيا، إنما يدخل الى اعماق الانسان، فيمنحه الاطمئنان والثقة، بأنه يسير في الاتجاه الصحيح، لذلك لن يعاني إنسان العقيدة من التشتت والارتباك والغموض الذي غالبا ما يحيط حياة الانسان الذي لا عقيدة له، أو ان المسؤولين عنه (القادة، الآباء، المدارس الاخلاقية والدينية وغيرها)، لم يقوموا بدورهم كما يجب، بخصوص الاهتمام بالعقائد، لأن إهمال العقيدة يعني حياة غير مستقرة للإنسان.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب بالكتاب نفسه: (إن الإنسان الذي لا ينظّم في مختلف مراحل حياته وفي مختلف أبعادها العقيدية يكون أمره فرطاً، لا يعرف من أين يأخذ وأين يعطي وأين يسير وماذا يعمل وكيف يبني).
من هنا جاء اهتمام المسلمين بالعقيدة، لاسيما أنها تتفق مع فطرة الانسان وعقله وتلتقي معهما، في النقاء والوضوح والجوهر الانساني السليم، فالعقيدة الاسلامية تستمد مضمونها وكل ما تطوي عليه من بنود فكرية وعملية، من صلب الاسلام ومبادئه، لدرجة يمكن أن نقول عن العقيدة انها امتداد للدين الاسلامي، وانها محصّلة طبيعية له، كونها مولودة من جوهر الاسلام وتلتقي معه في كل شيء، لذلك طالما أن العقيدة وفطرة الانسان يسيران على خط واحد، ويلتقيان في الجوهر والمعنى والسلوك المطلوب، فإن النتيجة هي لصالح الانسان طالما أنه آثر العقيدة واتقانها والتمسك بها، على التيه والهروب من مواجهة الحياة وإشكالاتها الكثيرة، علما أن من يسير في خط العقيدة، فإنه سيمضي الى نهاية المسار بأمن وسلام.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي بقوله: (إن العقيدة الإسلامية المباركة مطابقة للعقل والفطرة والدليل، لذلك يتقبلها الشباب بسرعة، والمهم هو أن يسير الشباب في أول الخط حتى يسير إلى آخره باستقامة وثبات إن شاء الله تعالى).