ثوابت الشخصية الاستثنائية للحسين (ع)
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2020-09-07 07:23
(لقد امتاز الإمام الحسين عليه السلام عن سائر الشهداء والثائرين بخصائص تفوق كل الشهداء) الإمام الشيرازي
الأمانة نفرض على الجميع أن يقرّوا لمنزلة الإمام الحسين ومكانته الاستثنائية، استنادا إلى تفرّده موقفا ومبادئ وسلوكا وأفكار، فلكل شخصية عظيمة تضحياتها ومواقفها التي ترتفع بها إلى مصاف العظماء الذين تركوا آثارهم على البشرية، وجعلوا من الحياة أكثر وضوحا ويسراً، وعندما يصبح العظيم عظيما باستحقاق واعتراف الجميع حتى المناهضين والأعداء.
وهذا الاعتراف لن يأتي من فراغ، فلابد أن تكون هناك شواهد فكرية مبدئية وعملية تقدم لمنجزاته التي خدم فيها الإنسانية، ويمكن أن تكون هذه الشواهد شهادات من أفذاذ عباقرة، أو على شكل جوائز، فما بالك عندما يشير القرآن الكريم إلى عظيم من عظماء أمتنا، وماذا لو كان من يشهد بعظمته الأنبياء وخاتمهم الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
هنا نكتب عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام، سيد الشهداء وثائر الإسلام الذي زعزع أركان الطغاة، وأطاح بركائز الظلم وبمن استخف بالإسلام ومبادئه، وحرفه عن مساره المحمدي، ذلك ما فعله يزيد الذي انشغل بشيئين في حياته، الشيء الأول اللهو ومعاقرة الشهوات والفجور، والثاني إرهاب قلوب المؤمنين ونشر سياسة التخويف والابتزاز، وإقامة الحد على كل من يتصدى لظلمه ويرفض مبايعته بسبب رعونته وخاء شخصيته واستهتاره بقيم الإسلام وقيمة الإنسان.
الحسين العظيم ليس كسائر الناس، إنه إمام معصوم، وهذه المكانة تمنحه درجة لا يرتقي إليها إلا أحباب الله والمقربين للذات الإلهية، فالمكانة والمقام التكويني والتشريعي تمنح الإمام الحسين قدرة قاطعة على هزيمة يزيد ومن يحيط به ويعمل بأوامره الرعناء.
في كتابه القيّم (قبس من الإمام الحسين ع) يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله): (إذا أردنا أن نتعرف قليلاً على الشخصية العظيمة للإمام الحسين عليه السلام، فإنه ينبغي أن نقرأ بعض الأحاديث التي تبين مكانة الإمام المعصوم عند الله عز وجل ومقامه التكويني والتشريعي).
ويُضاف إلى ذلك تلك الأحاديث الشريفة التي جاءت على ألسنة أئمة أهل البيت عليهم السلام، والتي حسمت مكانة الإمام، ودرجات المعرفة التي يحوز عليها، حيث تحيّرت العقول بها والألباب والعيون، ووقف البلغاء مبهورين أمام حقول المعرفة اللانهائية للإمام، عاجزين عن وصف فضائله.
يقول الإمام الشيرازي: (جاء عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: من ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره؟! هيهات هيهات! ضلّت العقول، وتاهت الأحلام، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغر العظماء، وتحير الحكماء.. وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير).
المحتوى الإنساني للفكر الحسيني
تأثر كثير من قادة الأمم والثوار منهم على وجه الخصوص بشخصية الإمام الحسين وثباته وإنسانية مواقفه، فمن يتتبع الفكر الحسيني والمبادئ التي أظهرها للوجود وبشّر بها ودعا إليها، سوف يكتشف فرادة ذلك الفكر، وقدرته على التأثير في توجيه البوصلة الإنسانية نحو السبل الدقيقة لنشر العدالة بين سكان الأرض، وتقليص الفجوات والفوارق الطبقية، وإنهاء المجاعات التي تعصف بملايين البشر، وإطفاء بؤر التطرف التي اجتاحت العالم المعاصر، فما دعا إليه الإمام عليه السلام كفيل بتعزيز النهج الإنساني في التعامل الدولي لإنهاء الاضطراب الذي يعصف بالبشرية كلها.
فالذي يدخل في رحاب الفكر الحسيني، ويستوعبه ويفهم مراميه سوف يدخل مملكة السعادة من أوسع أبوابها، ولا يقف الأمر عند ها الحد، فالدار الأخرى سوف تبقى مآلا ناجزا لمن يرقى إلى تطبيق والتزام المبادئ التي أفرزتها الثورة العاشورائية، فالمأمول من المسلمين والبشرية أن تلتهم الفكر الحسيني التهاما وتتشبع به وتهضمه وهذا ما سيجعل كوكبنا أكثر هدوءا وعدلا وإنسانية، وكل هذا كان ولا يزال ثمنه الدم الطاهر للإمام الحسين عليه السلام.
الإمام الشيرازي يقول: (من خلال الأحاديث الشريفة، يمكن أن نعرف بعض مكانة الإمام الحسين عليه السلام، وقربه من الله عز وجل ودوره في قيادة المجتمع الإنساني وهدايته، فإذا أردنا أن نحلّ بساحة الرحمة الإلهية، ونحصل على السعادة الدنيوية والأخروية، فلابد أن نتبع خطى الإمام الحسين عليه السلام).
كثيرة هي علامات ومؤشرات التفرّد عند الإمام الحسين عليه السلام، فقد تفرّدَ حتى في درجة الشهادة التي حصل عليها والمرتبة التي حازها باستحقاق تام، وهذه المكانة لم يحصل عليها الإمام لأنه إمام معصوم، ولا لكونه ذا قرابة بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، على الرغم من أنها تميزه عن جميع البشر، ومع ذلك فإن الأسباب التي ارتقت بمكانته وقيمته عند الله تعالى، عظمة شخصيته وتضحياته الكبيرة التي فاقت مواقف وتضحيات ثوار التاريخ الإنساني.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك إذ يقول: (لقد امتاز الإمام الحسين عليه السلام عن سائر الشهداء والثائرين بخصائص تفوق كل الشهداء، فأصبح سيد الشهداء من الأولين والآخرين، وهذا لا باعتباره إماماً معصوماً فقط، ولا لأنه سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته من الدنيا فحسب، بل لجلالة الأهداف التي فجّر ثورته من أجلها، وعظمة التضحية التي قدّمها).
ديمومة أسئلة الخلود
هناك شروط ومقومات لثبات المبادئ وخلودها، وبقاء المواقف العظيمة شاخصة في صفحات التاريخ الإنساني، وهذا ما يثير أسئلة الخلود، فما الذي يمكن أن يخلّد كائناً ما، وماذا يمكن أن يجعل إنساناً عاش أو يعيش عالمنا هذا متميزا عن سواه بمكانته وعظمته؟، إنها المواقف والأفكار العظيمة التي يخلّفها بعده.
أما إذا اقترنت بالتضحيات التي تصل حد الإيثار والتضحية بأغلى ما يملكه الإنسان، الروح، النفس، الدم، الأهل، الصحب، فهذه دلائل حاسمة على استحقاق الوسام الأعلى للشهادة، وهذا ما ناله الإمام الحسين (ع) بالفعل، وهو أيضا ما جعله حيّا في الضمائر ما بقيت الحياة قائمة، وهذا هو وعد الله الذي أورده في كتابه الحكيم.
هناك منْ يسأل ممَّ تأتَّتْ مكانة الإمام الحسين عليه السلام وكيف تخلّد في موقع الصدارة، إنها تلك الكرامات التي أغدقها الله على أئمة أهل البيت، فصار الغمام الحسين شفيعا للناس، والأئمة عليهم السلام شفعاء، ينقذون الإنسان من متاهة الدنيا وأدرانها، هذه الكرامات لا يزال محبو الإمام الحسين عليه السلام يرفلون بها، ويتمسكون بها كقوة تنصرهم على رداءة الدنيا وانتشار الظلم وتعثّر العدالة وتراجعها على الصعيدين الإسلامي والعالمي.
من هنا فإن الإمام الشيرازي يؤكد على: (إن الإمام الحسين عليه السلام حيّ وسيبقى حياً كما وَعَد الله بذلك في كتابه الكريم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً).
وتبقى شخصية الحسين عليه السلام متفردة استثنائية، تأخذ تفرّدها من عظمة هذه الشخصية، وانطلاقها من الجذور النبوية، وتمسكها بالمبادئ العظيمة، ويبقى أمر الاستفادة من النهضة الحسينية مرتبط بمسلمي هذا العصر وقادتهم، ومدى قدرتهم على التمسك بالخط الحسيني، وتوظيفه بصورة علمية عملية واقعية منصف تحسّن واقع المسلمين والعالم وتنقذهم من مشهد التوتر والاحتقان والظلم والتمايز بين بني البشر.