ماذا بعد نجاح المظاهرات؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2019-12-02 05:00
بعد موجة العنف التي رافقت مظاهرات الأول من تشرين الماضي في العراق، وبعد أن آلت النتائج إلى إزاحة رئيس الوزراء بوسائل الضغط الجماهيري، بات العراقيون اليوم على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة عن كل الأحداث التي رافقت الاحتجاجات الجماهيرية، بل ينبغي أن تكون مختلفة على مستوى النشاطات والقرارات السياسية، وهذا التغيير الجاد الذي يضع مصالح العراق فوق مصالح الطبقة السياسية لا يمكن أن يتم إلا في أجواء السلام والانسجام والتفرّغ التام لتصحيح مسارات الأحزاب والكتل السياسية والدخول الفعلي في عهد ديمقراطي سمته الأساسية حفظ الحقوق والحريات وتوزيع عادل للثروات وهذا لن يتم إلا في ظل السلم والسلام.
الحوار هو السبيل إلى هذا الهدف، وترك العنف بصورة كليّة، مع أهمية أن تقول الجماهير كلمتها بعد أن صادرتها الأحزاب والكتل الكبيرة، لكن الجميع يعرف أن الحوار يمكن أن يحلّ أكثر المشكلات تعقيداً وأشدّها استعصاءً، انطلاقاً من أن المحور الأساس لمواصلة الحراك السياسي ينبغي أن يتم بعيدا عن وسائل العنف والتصادم والإكراه، فالجميع يرغب بالسلمية الفردية أو الجماعية، لهذا يجب أن يكون المنطلق هو الحفاظ على السلام في عموم البلاد.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه (فقه: السلم والسلام): (إن الإنسان ليس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غيره وسلمه وسلامه أيضاً).
وطالما أن العراق جزء من منطقة ملتهبة، يزداد فيها الاحتقان يوما بعد آخر، فضلا عن احتقان وتفجّر الوضع الداخلي للعراق، فإن المطلوب هو تقديم لغة السلام على غيرها، واعتماد وسائل وأساليب اللين والعفو والتسامح في الحوارات والنشاطات التي تهدف إلى معالجة المشكلات المختلفة خصوصا تلك التي نتجت عن الحراك الجماهيري الذي سمي بثورة تشرين، فقد نتجت مشكلات عنف هائلة، وهذا يتطلب جهودا كبيرة لإحلال السلام، على أن يتم ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة والدعوة إلى وأد الفتن بكل أشكالها، وإشاعة أجواء من السلام والتفاهم سواء على مستوى البلاد أو على مستوى المحافل الدولية، واعتماد أسلوب المؤتمرات والحوارات وصولا إلى النتائج التي ثار من أجلها الشباب في العراق.
الإمام الشيرازي يقول: (السلم والسلام كلمة ترددها الألسن في المحافل الصغيرة والكبيرة، الدولية والمحلية، خصوصا في هذا العصر الذي يتقدم في العلوم والحضارة).
إطفاء العنف في العراق
الوصول إلى (السلام) والانسجام، وإطفاء كل مظاهر العنف في العراق، تتطلب جهودا داخلية أولا، ويجب أن تظهر جميع الأطراف (شعبية) و (سياسية) حرصا كبيرا على هذا الهدف، ويجب أن يضع الجميع موجة العنف وما نتج عنها وراء ظهورهم، والاستفادة من الأخطاء التي رافقت المرحلة الماضية، والسعي لتعويض العراقيين عما خسروه من حقوق مادية أو معنوية، ويجب أن يغادر السياسيون الأساليب التي أدت إلى هذا الاحتقان الهائل لدى الجماهير.
وفي حالة حدوث العكس فإن العنف سوف يفرض نفسه بقوة على الأوضاع العامة، طالما أن الساسة قد يواصلون حراكهم ونشاطاتهم وقراراتهم بنفس الأساليب السابقة التي لا تراعي حقوق العراقيين، وتسعى للاستحواذ على كل شيء، وهذا ليس منهجا مقبولا خصوصا أن الإنسان بطبيعته يسعى لمصالحه أولا!، وهذا المنهج (الأناني) سوف ينتهي إلى تضارب الإرادات والمصالح، مما سيؤدي إلى حالات احتقان واحتراب متجددة.
الإمام الشيرازي يقول: (لأنّ الكل يريد كل الخير لنفسه ويريد إبعاد كل الشر عنها، تصادمت المصالح في إرادة الاستحواذ، وفي هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات وأسباب العنف).
ولابد من الاستفادة بصورة جيدة من كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل مرحلة ما بعد ثورة تشرين ومظاهرات العراقيين مختلفة عمّا سبقها، ويمكن الاعتماد الإعلام والتركيز على المطالبات بالسلام عبر وسائل الإعلام المختلفة التي باتت تصل إلى أبعد نقطة من العالم، وحين تشتد المطالبات بفرض السلام والتمسك به، فإن النتائج ستأتي في صالح الجميع من دون استثناء.
يبيّن لنا واقع ما بعد الاحتجاجات الجماهيرية بجلاء كم نحن بحاجة إلى تطبيق منهج خاص وعادل لمفردات السلم والسلام، عبر مجموعة من البنود ومن ضمنها قوانين يكون الهدف منها إعلاء كفّة السلم على سواها، بحيث يمكن أن يكون هذا المنهج بمثابة السفينة أو القارب الوحيد القادر على إنقاذنا من حالات الدمار والعنف والفتن والاحتقان الذي قد لا ينجو منه أحد، فما دفع الجماهير للثورة واضح ومعروف ولا ينبغي أن ننسى الأهداف التي تبلورت عبر الاحتجاجات وقد ذهبت إلى أهمية تغيير السياسات الخاطئة وتغليب مصلحة الوطن والمواطن على مصالح السياسيين، وهذا يستدعي تطبيق منهج أو قانون يرفض العنف جملة وتفصيلا، لاسيما في هذه المرحلة التي بلغها ووصل إليها العراقيون عبر تضحيات جسيمة.
فهم طبيعة المرحلة الجديدة
وعلى من يقود المرحلة الجديدة أن يفهم جيدا طبيعة الأوضاع، ويجب وضع القوانين والخطوات الملائمة التي تركّز على رفض العنف ونشر أساليب السلام المختلفة والتقريب بين وجهات النظر المتباعدة عبر الحوارات وليس بأساليب العنف التي لن تخدم أحدا من العراقيين مطلقا، وعلينا كعراقيين الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب التي مرّت بمثل ما مررنا به من صراعات داخلية، فأهمية قوانين السلام واعتماد أساليب وخطط اللاعنف هي السبيل المضمون الذي سوف يجنبنا مآسي كبيرة قد تضيّع ما حصدناه مكن نتائج كبيرة في هذا الحراك الجماهيري المتفرّد.
الإمام الشيرازي يقول: (من هنا تتضح الحاجة إلى تطبيق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته في مختلف مجالات الحياة).
إن العراقيين وعوا أهمية السلام، واتفقوا – وإن اختلفوا مع بعضهم- في قرارة أنفسهم، بأن السلم والسلام هو السبيل الوحيد لمواصلة الحياة، وما عدا ذلك، سيكون سببا في انحدار المكونات كلها في هاوية حرب طاحنة، تلقي بنتائجها المأساوية على الجميع، لذلك فإن الجميع مطالبون بالمشاركة الجادة والمسؤولة عن إخراج العراق من المأزق الذي يحيط به اليوم وينشب أنيابه فيه كي يجعله ينزف دماءه حتى الفناء التام، ولهذا نلاحظ أن لا أحد في العراق اليوم لا يعرف أين تكمن مصلحته، والجميع قطعا يرفضون العنف، وما على الحكماء سوى إدارة الأمور والأوضاع المعقد بما يضمن الوصول بالعراق إلى مرفأ السلام، لهذا نلاحظ التركيز الكبير من قبل عقلاء وعلماء وحكماء العراق على تجنب العنف وتغليب منطق السلام والحوار وإن كان صعبا أو معقّدا أو يحتاج إلى زمن أطول، فالحوار الذي يستغرق شهراً أفضل من العنف ليوم واحد، خصوصا إن العراقيين اليوم يفهمون ويعرفون أهمية السلام لصنع مستقبلهم الأفضل.
يقول الإمام الشيرازي: (التفت الإنسان إلى ضرورة البحث عن السلم والسلام، وصار الشغل الشاغل للناس في وسائل الإعلام وغيرها).
إن الصفحة الأشد والأكثر تعقيدا مما جرى ويجري في العراق قد مضت وانتهت بإقالة عادل عبد المهدي، لكن المرحلة القادمة هي الأشد صعوبة وربما خطرا على العراقيين، لذلك عليهم أن يكونوا أشد حذرا وأكثر حنكة ووعيا، نعم هناك من يتصيد بالمياه العكرة ويسعى إلى تخريب النتائج الجيدة التي أفصح عنها الحراك الجماهيري، لهذا يجب تثبيت منهج السلام وتدمير كل مسببات العنف ضمانا لحاضر جيد ومستقبل مشرق للشباب العراقي.