هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2019-03-04 06:45

في تعريف الحزب السياسي إنه تنظيم سياسي يسعى إلى بلوغ السلطة السياسية داخل الحكومة من خلال مرشح في الانتخابات الرئاسية، وعادة من خلال المشاركة في الحملات الانتخابية، والأحزاب السياسية تمارس الديمقراطية في داخلها من خلال انتخاب أعضائها في أمانات الحزب المختلفة وصولا إلى انتخاب رئيس الحزب، وترشيح أعضاء ينتمون للحزب لخوض الانتخابات.

وكثيرا ما تتبنى الأحزاب السياسية أيديولوجية معينة ورؤى تمثل أفكارها ورؤيتها، ولكن يمكن أيضا أن تمثل التحالف بين المصالح المتباينة، أو يمكن تعريف الحزب السياسي بأنه تنظيم يسعى لبلوغ السلطة وممارستها وفق برنامج الحزب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أما في العلوم السياسية توجد عدة تعاريف للأحزاب السياسية، وقد ركّز علماء السياسة على دور الأحزاب السياسية باعتبارها أدوات للترويج والترشّح في الانتخابات وصولا للمناصب العامة.

ويُعرَّف الحزب السياسي أيضا بأنه جماعة منظمة، تؤدي وظائف لتثقيف الجمهور لقبول النظام فضلا عن الآثار المباشرة أكثر من اهتمامات السياسة العامة، ويشجع الأفراد لتولي المناصب العامة، والتي تشمل وظيفة الربط بين الجمهور ومتخذي القرارات الحكومية، ويقصد بالحزب السياسي جماعة من الأفراد داخل المجتمع، تعمل في الإطار القانوني بمختلف الوسائل السياسية لتولي زمام الحكم، كلاً أو جزءاً، بقصد تنفيذ برنامجها السياسي.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يرى في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الإسلام): بأن (الحزب، تجمعٌ لأفراد لهم مصالح مشتركة من وجهة النظر الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وأنه من أجل استلام السلطة ينشط ويتحرك في إطار برنامج عام).

ولكن تجربة الأحزاب في البلدان النامية ومنها العراق، لم تؤسس لحضور سياسي مكتمل ومؤثر سياسيا، لأسباب كثيرا، في المقدمة منها تعثّر عامل الثقة بالأحزاب، مع أهمية دورها في بناء النظام الديمقراطي، الاستشاري، من خلال انتهاجها هذا النظام داخل بنية الحزب وانتخاب رئاسته وقياداته عبر انتخابات حرة، يتعلم منها أعضاء الحزب العملية الديمقراطية لتنعكس على دوره في ترسيخ هذا المنهج لجعل الحكومة شعبية، أي أن الشعب فيها هو مصدر السلطات، ولكن هل تمكنت الأحزاب السياسية من بلوغ هذا الهدف، وهل استطاعت أن تكسب الجماهير وتمد لهم ومعهم جسور الثقة والتفاعل والانتماء في عمليات البناء الاستشاري التحرري؟.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (الشورى في الإسلام): (إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب السياسية في بلدانها).

ثم يتساءل الإمام الشيرازي عن الأحزاب الناشطة في بلداننا بوضوح تام: (هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة؟).

خطر الإدارة الدكتاتورية للحزب

من أكبر أسباب التعثّر الذي واجه الأحزاب في بلادنا أنها تناقض نفسها بنفسها حين تدعو للمنهج الديمقراطي، وهي نفسها لا تطبقه بالشكل المطلوب في دائرتها الخاصة، وهنا ينطبق القول المأثور عليها (فاقد الشيء لا يعطيه)، فالحزب الذي يدعو للديمقراطية ولا يطبقها في تنظيماته وانتخاب رئاسته وقياداته، من المحال عليه أن يؤثر في الجماهير ويسحبها نحو الإيمان بآليات الانتخاب لاختيار صنّاع القرار.

وحين يفتقد أعضاء الحزب لأسلوب الانتخابات الحقيقية ويعتمد الصورية منها، وتنخر في جسده التكتلات والاصطفافات ويهيمن عليه فرد أو مجموعة أفراد لا يغادرون مناصبهم القيادية طيلة عقود، فهذا يعني أن الدكتاتورية هي المهيمنة على رؤية وفكر ونشاط ها الحزب، وأمر طبيعي أن ينتفي تأثيره في الجماهير، أو يكون ضعيفا في أفضل الأحوال.

يقول الإمام الشيرازي: (عندما تكون آراء القائمين على حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه، فانّ قدرة التفكير والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره، تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها).

وحين لا يرى الناس أجواء الديمقراطية في أحزابها، والحكومة لا تعبأ بتلك الأحزاب، فمن الطبيعي أن تفتقد الجماهير مثل هذا السلوك الانتخابي في اختيار قادة الدولة وصناع قراراتها، بل أن الحكومة نفسها سوف تمنع مثل هذه التوجهات نحو ديمقراطية سليمة، لذلك يغلب على الأنظمة السياسية نظام خاطئ يسمى بنظام الحزب الواحد الذي يشكل حكومة تُقصي الأحزاب الأخرى وتمنعها من المشاركة السياسية باستثناء الصورية منها.

يقول الإمام الشيرازي عن ذلك: (في المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربة والممارسة الحزبية، فيما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين الأحزاب الصحيحة والسليمة، فانّ الأحزاب تصبح على شكل منظماتٍ لا تشعر الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا ترى فيها ما يُجسّد ويعكس خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية).

الديمقراطية لا غنى لها عن الأحزاب

من المقولات التي تتردد في الأدبيات السياسية لعدد من علماء السياسة، أن الديمقراطية لا يمكن تحقيقها بلا أحزاب تتنافس بحرية وشفافية فيما بينها لتحقيق أوسع مشاركة في صناعة القرار عبر التمثيل النيابي وليس الصياغة المباشرة، فمن حق الحزب السياسي أن يصل إلى السلطة ولكن هناك شرطان يجب أن يرافقا هذه المهمة، هذان الشرطان هما:

- أن لا تكون السلطة طريق الحزب لتحقيق مآرب ومصالح ذاتية، كالهيمنة على المناصب والحصول على الأموال والاستحواذ عليها والنفوذ والهيمنة.

- أن لا يكون هدف الوصول إلى السلطة على حساب مصالح الشعب، فذلك من شأنه تدمير العلاقة بين الحزب والجماهير.

لذلك كانت تجربة الأحزاب في البلدان النامية ومنها العراق غير مكتملة وتشوبها نواقص كثيرة أفقدتها طبيعتها الشعبية، فإذا كان هدف الحزب قيادة الشعب عبر الفوز بالسلطة، فإن هذا الأمر لا يعني مطلقا الانشغال بمصالح الحزب وأعضائه ونسيان مهمته الأكبر في إنصاف الشعب وتقويم الأنشطة الحكومية، لكن هناك مشكلة ظهرت في العمل الحزبي السياسي جعلت من العلاقة بين الجماهير والأحزاب الذاهبة إلى السلطة تعاني من إشكاليات كثيرة، أدت بالنتيجة إلى هبوط أو ضعف العلاقة بين الأحزاب الحاكمة والجماهير.

يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (في البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية، فإنّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبة السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها).

ولكن هذا لا يعني تجريد الأحزاب من دورها في صناعة الديمقراطية أو الحكومة الاستشارية التي تتحقق عبر الانتخابات، فالحقيقة الواقعية الناصعة تقول لا وجود للديمقراطية وصناعة النظام التعددي من دون الأحزاب، لكن توجد شروط حول هذا البند بالذات، حيث يحكم أهمية الأحزاب في الميدان السياسي شرط أساس هو أن لا يكون هدفها الأول السلطة لتنسى بعد ذلك واجباتها في تعزيز الحريات وحماية الحقوق والإيفاء بما قطعته للجماهير من وعود.

فلا يصح للحزب وقادته التنكّر للوعود التي قطعوها على أنفسهم، ولا يجوز الانشغال بالمنافع الحزبية الآنية على حساب ما ينبغي أن تقدمه الحكومة للجماهير، فالحزب الذي يصل السلطة عليه واجبات معروفة وقد طقتها أحزاب الدول المتقدمة بنسبة كبيرة، وهذا جعل المجتمعات المتقدمة غير قادرة ولا مستعدة للاستغناء عن الأحزاب حتى وإن كانت تتبنى الاقتصاد الديمقراطي، فقد احتفظت تلك المجتمعات بالأحزاب ووظفتها في ميدان الكفاح الاجتماعي.

يقول الإمام الشيرازي: (إن المجتمعات التي تتبنّى الديمقراطية الاقتصادية بما يجعلها في غنىً عن الأحزاب، تحتفظ في نفس الوقت بهذه الأحزاب بوصفها تنظيمات من أجل الكفاح الاجتماعي المُتواصل، وذلك لرفع مستوى الوعي السياسي).

بالنتيجة لا يمكن تحقيق منافسة جيدة لصنع قرارات جيدة بعيدا عن الأحزاب، ولكن هذا الأمر مشروط بتحسين كينونة الحزب من حيث التنظيم والأفكار والعمل الميدان الواقعي الذي يؤكد ميول الحزب لصالح الشعب قبل مصالحه.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي