كيف يقلِّص المسلمون فجوة التخلف؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2019-02-18 04:59
هناك ضعف في المجتمعات الإسلامية من الخطأ أن ننكره، أو نقفز عليه كي لا نعالجه، خصوصاً الحكومات التي يجب أن تتصدى لمفاصل الضعف، وتسعى لتقليص فجوة التقدم بين المجتمعات الغربية مثالا، ومجتمعات الدول الإسلامية، فعلى الرغم من العيوب التي تعاني منها المجتمعات الغربية، وخصوصا في مجال القيم، إلا أنها درست غرائزها جيدا، وربما حققت نجاحا في وضع الضوابط الكابحة للتجاوزات بأنواعها، فوضعت تنظيما عقابيا صارما لحصر الفعل الغريزي في الإطار المقبول، حيث تحتاج النفس البشرية الى موانع تحد من غرائزها ورغباتها غير المنضبطة، وهذه الضوابط او المحددات وردت عبر الرحلة البشرية في الأديان السماوية وفي الفكر الإنساني للأمم المختلفة، وكلها تضع حدودا ومحرمات على الإنسان أن يلتزم بها، فالالتزام هو السبيل الأهم للقضاء على هشاشة البنية المبدئية والقيم التي لابد أن تقود الأنشطة المختلفة للناس.
ومما لاحظه الدارسون والباحثون الاجتماعيون في الكثير من بحوثهم الميدانية والنظرية، أن الغرب لم يتقدم علينا لأنه أفضل منا ذكاءً أو أكثر منا في الموارد البشرية والطبيعية، لكنه أكثر تنظيما، ومع ذلك لم يأبه الغرب بالقيم الإنسانية، إذ يلاحظ المتابعون والمعنيون من العلماء والمصلحين والمفكرين، أن المبادئ الإنسانية التي رسختها الأديان السماوية والأفكار المتنورة، تمر في العصر الراهن في منحدر خطير، قد يؤدي بالبشرية الى مزالق مهلكة نتيجة الصدامات وتضارب المصالح الحيوية وما شابه، الأمر الذي جعل كوكبنا مثل كرة نار مشتعلة بنيران الاحتقان والتطرف والإرهاب المصنوع بأيدي غالبا ما يُقال أنها غربية، حيث تقوم قوى ودول في الغرب بصناعة التنظيمات الإرهابية لأسباب باتت معروفة للداني والقاصي، وأهمها ديمومة عمل الشركات الغربية وخصوصا المنتجة للسلاح، ولعلنا سنكون على صواب تام عندما نحكم على ما يخالف الفطرة بالفشل والانتكاس، فالسلوك الذي ذكرناه آنفا مخالف لفطرة البشر، ولا يمكن أن يكتب له النجاح، لذلك فإن المبادئ الإنسانية تموت أمام مرأى البشر، والأسباب باتت معروفة كونها تتعلق بتدني مستوى القيم وهشاشتها.
لذلك يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم (من أسباب ضعف المسلمين):
(لقد رأى العالم كيف تموت المبادئ غير الصحيحة والتي تخالف فطرة الإنسان، فلم تنتشر إلا في ظروف خاصة يحكمها الجهل حتى إذا ما وعت الشعوب ولو بعد مضي سنوات أو قرون نبذوها وراء ظهورهم).
ماذا ينتج عن الظلم والاستبداد؟
هناك جهات تعمل على صناعة الجهل والتخلف، للسيطرة على الشعوب وثرواتها، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تم صناعة الجهل لتنتشر الظواهر السلبية، في الأوساط الاجتماعية من خلال صنع بيئة التخلف، وهذه البيئة الخطيرة تتولد في ظل الاستبداد والقمع الذي تنتجه الحكومات المتجبرة والحكام الطغاة بالتوافق مع قوى غربية باتت معروفة، لهذا تبدو الحاجة للفكر الوضاء كبيرة جدا، لأن غياب الفكر الذي يتسق مع فطرة الإنسان يشكل فراغا نفسيا وفكريا وماديا هائلا بين الناس، ويضطرهم الى ملء هذا الفراغ بالشعوذة والخرافات والظواهر الفكرية المتخلفة، لهذا يدعو العلماء والمصلحون ورجال الفكر القويم، الى أهمية ملء الفراغ الفكري بالمبادئ الإنسانية الراسخة التي تقترب من ميول الإنسان الفطرية.
يقول الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع: (لقد رأى العالم كيف أن الغرب المسيحي رفض المسيحية واستبدلها بالعلمانية والمادية، وذلك لأن الإنجيل المحرف لا يملك من القدرة والشمولية ما يستوعب الحياة في كافة مراحلها، حيث لم يبق منه سوى بعض الوصايا وقد بدلوها أيضاً ولم يعملوا بها).
إن القوى الغربية والشركات المهيمنة على ثروات العالم أجمع، تدعم وتخطط وتمول كل المخططات التي من شأنها إضعاف من يرفض أسلوبها الاحتكاري الخبيث، ولابد أننا نلاحظ ما يعانيه المسلمون في عموم الدول ذات الأنظمة القمعية، من تشرذم وتشتت وضياع في الهوية الإسلامية، حيث ينتشر الجهل وتنتهك حقوق المسلمين، ويتم سرقة ثرواتهم وأموالهم، وهم يعانون من قلة التعليم والوعي، مع غياب شبه تام لممارسة الحقوق المدنية، والسبب دائما موت المبادئ الإنسانية وتنمّر الطغاة على شعوبهم من المسلمين، باتفاق وتوافق وتخطيط ودعم من القوى التي تتحكم بحركة الاقتصاد العالمي وثرواته وموارده.
فيتم التنسيق مع الأنظمة العميلة الخانعة للغرب وللقوى المشبوهة، من أجل حماية عروشها، فيما تتعامل بأقصى أساليب القمع والتعذيب والتجويع مع شعوبها، والمشكلة أن نتائج هذا القمع وهذه التبعية للأجنبي لا تقتصر أضرارها على الجيل الحالي بل ستطول الأجيال اللاحقة أيضا، وهذا ما حدث في المجتمع الإسلامي بوجه خاص.
كما أكد على ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (إن ما نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور عديدة، من أهمها ما سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، على مر التاريخ من الأوائل والأواسط والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره حتى اليوم).
الغرب يستفيد من قوانين الإسلام
ومن أهم الأسباب التي تقف وراء قوة الغرب، وضعف المسلمين، أنهم تركوا العمل بمبادئ وتعاليم القرآن، ولو ان المسلمين عملوا بقوانين الإسلام وتعاليمه، حول تنظيم الحياة، وحماية الحقوق الفردية، وحق الإنسان بالانتخاب والتصويت والمشاركة الفعلية في اختيار القادة السياسيين، لما تعرض المسلمون الى شتى أنواع الجهل والمعاناة، والدليل أن الغرب الذي اخذ بقوانين الإسلام، استطاع ان يحقق نجاحا في مجال الحريات، والحد من ظواهر القمع والتجاوز على حقوق المواطنين، على الرغم من أنه لا يؤمن بالقيم وحضارته في طريقها الى الاضمحلال والزوال.
يقول الإمام الشيرازي:
(لقد تقدم الغرب علينا عندما أخذوا بالعمل ببعض قوانين الإسلام، مثل حق الانتخاب والتصويت، وخلع الحكام الطغاة المستبدين، ومطالبة الحقوق والحريات، ومثل النظم في الأمور، والإتقان في العمل، وما أشبه ذلك).
هذه القيم التي دعا لها الإسلام، لم يقم المسلمون بالأخذ بها ولم يعملوا على تطبيقها لكن أخذها الغرب، درسها وتعلم كيف يستفيد منها في تنظيم حياته، لذلك انتقد الإمام الشيرازي حال المسلمين، مقارنا بين ما كان عليه المسلمون في صدر الرسالة الإسلامية، ومزاياهم الكبيرة والعظيمة، وبين ما هم عليه الآن من تراجع ونكوص وضعف في الهمة والإيمان، فضلا عن التعامل الشكلي مع الدين الإسلامي وتعاليمه، وعدم اعتماد جوهر الدين لخدمة الفرد والمجتمع، بسبب موت المبادئ الإنسانية أو ضعفها في أفضل الأحوال.
يقول الإمام الشيرازي:
(المسلمين اليوم يصلّون ويصومون، ويزكون ويحجون، ولكنهم تركوا الكثير من القوانين الإسلامية. مضافاً إلى إنه هل إن الكل يصلي ويصوم، ويزكي ويحج؟ وهل في بلادنا لا توجد محرمات ومنكرات؟ وهل نملك نحن المسلمين اليوم تلك العزيمة اللازمة، والفكر الكافي، والوعي الإسلامي، والإيمان الثابت، والجهاد الصادق؟).
إن الخلاص من واقع الضعف في المجتمع الإسلامي يحتّم على الأحزاب والحركات المتحررة منع عودة الأنظمة الدكتاتورية وإطاحة الموجود منها في عالم اليوم الذي لم يعد القمع والاستبداد يتوافق معه، فقد ولّت الحقبة التي كان فيها الحاكم يختصر الشعب بشخصه، فاليوم يجب أن تكون الأنظمة ديمقراطية متحررة حتى يتخلص المسلمون من ضعفهم وتأخرهم.