كسب الرأي العام هل ينقذ العراق؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2019-02-04 05:00

من القضايا المعروفة والتي يتفق عليها العلماء والمفكرون أن الإنسان المكتمل هو أولى بإنقاذ نفسه من غيره في حال كان جاهلا أو ضعيفا أو مخترقاً، والإنسان المكتمل هو الذي لا يعاني من عاهة جسدية أو نقص في العقل، وقادر على استقبال المعلومات التي تسهم في تطوير وعيه وتفكيره، هكذا طراز من الناس لا يصح أن يستنجد بالآخرين لإنقاذه لأنه هو المسؤول الأول عن خلاصه، من خلال اعتماد أساليب كثيرة يقف في المقدمة منها تحصيل الوعي من خلال التثقيف واستقطاب البؤر الفكرية الفاعلة.

الحاجة إلى الثقافة والوعي تبقى مستمرة طالما الإنسان باق في الوجود، وهذا ينطبق على الأمة، الجماعة، الشعب، فالأخير يجب أن يذهب وراء وسائل ومسببات التثقيف والتوعية، لأن الهدف الأول منهما هو كسب الرأي العام، وفي حال تحقق هذا الهدف، أمكننا إنقاذ بلدنا العراق من كل ما يحيط به من مؤامرات ودسائس وأطماع معروف المصادر، فالسلطة الفاسدة لا ترغب بإنقاذ العراق وشعبه، والدكتاتور لا يهمه إن خضع البلد للمستعمر أم بقي مستقلا، ما يهم السلطة والدكتاتور حماية الكرسي وامتيازاته، لذلك حتى تحقق هدفك يجب أن تكون واعيا مثقفا، حتى يمكنك أن تكسب الرأي العام وتنقذ العراق.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (الرأي العام ودوره في المجتمع):

(يلزم توظيف الرأي العام لإنقاذ العراق).

إن وسال كسب الرأي العام كما يرى الإمام الشيرازي يمكن أن تتحقق عبر وسائل النشر المختلفة ومنها طبع الكتب والمجلات والصحف وتنمية واعتماد كل وسائل التوصيل، لأن هذا الأسلوب يضمن فوائد مهمة وكبيرة منها تحقيق خطورة الدفاع عن النفس، فمن يكسب الرأي العام سوف تتبلور حوله حماية شعبية فاعلة ومؤثرة حتى لو كانت أساليب الأعداد ماكرة وخادعة، لأن الوعي والثقافة تجعل من العقول أكثر استعدادا لفهم ما يدور في الساحة، وتفهم الأساليب المخادعة للأعداء وتحد من خطورتهم بشكل كبير ثم تقضي عليها.

وهناك فائدة مهمة أخرى تتمثل بالقدرة على كسب المناصرين والمدافعين عن الشعب والبلد، وتعطي دفعات معنوية كبيرة ومستمرة لمقارعة الأعداء بعد القدرة على تشخيصهم من خلال الوعي المكتسب والتثقيف الثر، ثم يأتي بعد ذلك التغلب على الأعداء وفضح أساليبهم العدوانية الخبيثة ومعرفة مآربهم وما يريدون الوصول إليه والحصول عليه، ومن فوائد كسب الرأي العام حماية الحقوق واسترجاع المهدور منها، وهو هدف يتحقق بالمحصلة من توحيد الرأي العام عبر وسائل التوعية والتثقيف.

يقول الإمام الشيرازي في المصدر السابق:

(إذا استطعنا أن نكسب الرأي العام بواسطة طبع الكتب ونشرها وإصدار المجلات والصحف ووسائل الإعلام والتواصل، فسوف نحصل على فائدتين: الدفاع عن أنفسنا مقابل ما يحاك ضدنا من المؤامرات، وكسب الأنصار والمدافعين مما يؤدي إلى التغلب على الأعداء والأخذ بالحقوق المهدورة).

دور الوعي والثقافة والتثقيف

ومن يسعى في اتجاه محدد بعد حصر الهدف سوف يصل إلى ما يرغب ويخطط ويريد، بعد أن يربأ بنفسه بعيدا عن الجهل الخنوع، ويرفض أساليب الخداع والتدليس بسبب الوعي والثقافة العالية التي سيحصل عليها أبناؤنا، وهذا هو المهم، فحين يكون الأبناء واعين لما يدور حولهم وما يستهدفهم، نكون نحن الكبار قد وفرنا لهم الحماية من الخنوع والجهل.

كذلك من يراك جادا في حماية نفسك وأولادك بالفكر والثقافة، سوف يصطف إلى جانبك ويحترم مساعيك في كسب الرأي العام بعد توضيح ما يُخفى عليه من أساليب المخاتلة والخداع الذي يستخدمها الأعداء، فسلاحك هنا هو الرأي العام الذي يوف يزلزل الأرض تحت أقدام الخبثاء الأعداء الذين يرومون السيطرة على الشعب باستخدام كل أساليب الحيلة والخداع والتجهيل.

يقول الإمام الشيرازي في الرأي العام:

(بمجموع ما ذُكر من طبع ونشر وإصدار وغيرها سيُكرَّس الوعي والثقافة لدى أبنائنا أولاً، ثم يمكن كسب الآخرين للتضامن معنا ثانياً؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام: من عمل بالحق غنم).

ويؤكد الإمام الشيرازي مرارا وتكرارا أهمية أن يتثقف الفرد والمجتمع ويتسلح بالوعي، فهذا هو السبيل الأقوى والأسرع لتوحيد الرأي العام وأهميته الكبيرة كما يبان من قول الإمام الشيرازي: (لا يخفى أثر الوعي والتثقيف في حياة الشعوب، فهو شيء واضح وملموس).

لذلك ستكون المحصلة خلق مجتمع واع مثقف، وقادر على الاستمرار بالحياة والتطور بقوة هائلة مما يعني تطوير الحياة الجمعية والفردية، وحين تبني مجتمعا مسلحا بالمعرفة فإن الكثير مما يستعين به الأعداء من أساليب التفرقة والزيف ونشر الجهل سوف ينتهي إلى الهزيمة والزوال، كونه صار معروفا للرأي العام، فلا يكون له تأثير على العاطفة والعقل، وسوف تكون هزيمة الأعداء محققة.

يقول الإمام الشيرازي:

(إذا كسبنا الرأي العام سنعرف أن ذلك جاء كحصيلة لتوجّههم نحو الوعي والثقافة والتثقيف، وهذا سينعكس على أوضاعهم وحياتهم الجماعية والشخصية أيضاً).

التحول من الانحطاط إلى العزة

ومن الفوائد الكبير لتوحيد الرأي العام وكسبه، زرع الحيوية في عموم المجتمع، فالكل سوف يشعر بقوة كبيرة ومعنويات عالية وقدرة على تجاوز العقبات الخداعية التي يسعى الخبثاء الأعداء لزرعها ونشرها بين الناس، بأساليب خبيثة وعبر وسائل عديدة، منها التواصل وبث الإشاعات والتجهيل ومحاولات التضليل المدروسة مسبقا، لكنها جميعا سوف تبوء بالفشل بسبب تبلور المتراكم الثقافي حيث سيحسم كفة الصراع لصالح الشعب.

يُضاف إلى ذلك تنمية الثقافة التي تحصل بتنامٍ كبير نتيجة توحد الرأي العام وكسبه عبر التوعية والتثقيف واستخدام كل الوسائل المتاحة، حيث يعمل الرأي العام على رص الصفوف المجتمعية المتنوعة حتى لو كانت من مكونات مختلفة الانتماء، لأن الوعي والثقافة العالية سوف تزيل الحواجز بين المكونات التي يصنعها الخبثاء الأعداء طمعا في تعطيل الرأي العام ومنع وحدة الكلمة بأساليب أقل ما يُقال عنها أنها مخادعة ومزيفة ولا يمكنها الصمود أمام الوعي والتثقيف.

يقول الإمام الشيرازي: (من فوائد كسب الرأي العام أنه سوف يحوّل الجميع إلى كتلة من النشاط والتسلح بالثقافة الإسلامية).

ومن الملاحظات الأكيدة أن التفرقة والتشتت حين يصيب المجتمع، فإنه سوف يُصاب بحالة مؤسفة من الانحطاط، وهذا ما يجعله فريسة للاستغلال والعبودية، فحين يشعر المجتمع بأنه في حالة انحطاط نتيجة لأساليب الأعداء الخبيثة في تجهيله وخداعه، فإنه سيجعل منه خانعا واقعا بسهولة تحت طائلة الاستعباد، وسوف يكون قابلا للاستغلال بسهولة.

على العكس من ذلك أي حين يكون واعيا متمسكا بالتثقيف ومحتميا بالمعرفة، فإنه سوف يكون قادرا على تحويل حالات الانحطاط إلى ما يعاكسها تماما، وسوف يطيح بمن يسعى لاستغلاله أو محاولة تركه تحت قبضة العبودية.

وطالما أن الهدف المعترف به، أو الذي يسعى إليه الجميع، هو التقدم والاستقلال ودحر مخططات العدو، فإن الإمام الشيرازي يوجهنا نحو العلاج الناجع وهو الثقافة والحصول على الوعي من منابعه الصحيحة، ولو أننا كعراقيين عملنا بالنصاح التي يقدمها لنا الإمام، فإننا سوف نكون في مأمن من الدساس والخداع، وأننا سننجح في توظيف الرأي العام بالطريقة التي تضمن لنا العيش بسلام في وطن آمن موحد تحت مظلة حكم ديمقراطي قوي متطور وحامي للحريات.

يقول الإمام الشيرازي:

(بالوعي والتثقيف يمكن التحول من الانحطاط والاستغلال والعبودية إلى العزة والتقدم والاستقلال).

الرأي العام إذاً يتم صنعه بالثقافة والوعي، والاستعانة بالكتب وطرائق التوصيل المختلفة، أما فوائده للعراقيين فهي كثيرة وغير محدودة، ويكفي أن نتوحد في رأينا إزاء قضية وطنية لنعرف مدى قوة تأثير الرأي العام في تحقيق نتائج مذهلة لصالح العراق والعراقيين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي