كيف يكسب العراقيون الرأي العام؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2018-11-05 07:09
تعريفات الرأي العام تعددت من علماء ومصادر علمية مختلفة، فمنهم من رأى أنه يمثل (التعبير عن آراء جماعة من الأشخاص إزاء قضايا، مسائل أو مقترحات معينة تهمهم، سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين لها، بحيث يؤدي موقفهم بالضرورة إلى التأثير السلبي أو الإيجابي على الأحداث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في لحظة معينة من التأريخ. وهناك من عرّف الرأي العام بأنه (حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء ويرتبطون بمصالح مشتركة إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية).
وتعريف آخر ذهب إلى أنه الرأي الغالب أو الاعتقاد السائد أو إجماع الآراء أو الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمر أو ظاهرة أو قضية أو موضوع معين يدور حوله الجدل، وهذا الإجماع له قوة وتأثير على القضية أو الموضوع الذي يتعلق به، بالنتيجة فإن الرأي العام هو تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما، أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة، وتخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي، فيعترض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد.
وفي رأينا أن الرأي العام هو البوصلة التي توجّه أكثرية الآراء في اتجاه واحد ليكون تأثيرها حاسماً للمؤيد وقاصماً للمناوئ، وطالما أن الرأي العام له هذه الطاقة من الحسم، فإننا من هذه الصفة تحديدا يمكننا القيام بالتقدير السليم والواقعي لقدرة الرأي العام على قلب الطاولة، وتغيير الاتجاهات والنتائج في نفس الوقت، لذلك هناك حاجة كبير للرأي العام وتوظيفه من أجل إنقاذ العراق من الظروف الحرجة التي تحيط به، والمخططات العلنية والسرية التي تُحاك د سلامته ووحدته وقوة اقتصاده.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، تنبّأ بهذه الحاجة الكبيرة لتوظيف الرأي العام من أجل حماية العراق والعراقيين وصيانة حقوقهم الجمعية والفردية، وقد وردَ هذا التأكيد في كتابه القيم، الموسوم بـ (الرأي العام ودوره في المجتمع) حين قال:
(لابد من توظيف الرأي العام لإنقاذ العراق).
بعد ذلك هناك وسائل وأساليب لإنجاز كبير بحجم كسب الرأي العام، ومن هذه الوسائل، التثقيف ومضاعفة الوعي، وهذا الهدف يمكن أن يُنجَز بالتدريج عبر المطبوعات بأنواعها وأهمية مضامينها والأفكار التي تحملها بين دفتيها، لاسيما أننا على إطلاع بمستوى الوعي الفردي والجمعي، إذ نعلم بأن الأنظمة السياسية التي حكمت العراقيين والظروف القاسية التي أحاطت بهم ولوَّنت حياتهم بالفقر والعوز والجهل، جعلتهم أبعد ما يكون عن الثقافة، لهذا ينبغي التركيز على الوعي وكسب الثقافة في حال أراد العراقيون كسب الرأي العام.
يقول الإمام الشيرازي في المصدر السابق نفسه: ينبغي (أن نكسب الرأي العام بواسطة طبع الكتب ونشرها وإصدار المجلات والصحف).
ماذا نحصد بعد التثقيف؟
قد يتساءل البعض، ما الذي يمكن أن يحصدهُ من المطبوعات والالتزام بقراءتها وصرف الوقت في مطالعتها؟!، وهو في الغالب سؤال ينطلق من سببين، الأول هو العجز وقتل الوقت في التوافه، والثاني سذاجة التفكير الذي لا يرى أهمية في مطالعة الكتب والمطبوعات، وهي خزائن الفكر ومحرك التغييرات المحورية في تأريخ الأمم، ودليل ذلك تلك الأرضية الفعلية التي هيأتها روايات وكتابات المفكرين والكتاب الفرنسيين لإشعال فتيل الثورة الفرنسية التي غيرت وجه فرنسا وانعكس على العالم.
لذلك فإن الوعي السليم والثقافة العميقة الفاعلة هما رهن بطون الكتب دائما، لذلك كان لهما قصب السبق في حياة الشعوب والأخ بيدها نحو التغيير الكلي صوب الجودة والتفوق، ولا أحد يمكنه أن ينفي هذا الـتأثير أيّا كانت الحجة أو التبرير الذي يسوقه في سبيل التقليل من أهمية دور الثقافة الوعي بحياة الأمم عبر التاريخ.
ونستشهد هنا بكلمة الإمام الشيرازي في كتابه (الرأي العام) حين يقول:
(لا يخفى أثر الوعي والتثقيف في حياة الشعوب، فهو شيء واضح وملموس). وهناك وظائف كثيرة يتصدى لها الوعي والعمق الثقافي، وقد دلّ على ذلك المعادلة التي صنعتها الحياة بنفسها، وأثبتت فيها الحيوية المصيرية التي تقف وراءها الثقافة عند الأمم من دون استثناء، حيث تتمكن الأمة الواعية المثقفة من كشف الحبائل التي تحاك حولها وتجد لها الأدوية المناسبة التي تقوم بإفشالها وإعاقة مآربها.
من هنا يقول الإمام الشيرازي: من خلال التثقيف يمكننا (الدفاع عن أنفسنا مقابل ما يحاك ضدنا من المؤامرات).
ليس هذا فحسب، فالإنسان الواعي والمجتمع المثقف، يستطيع أن يكسب المؤيدين ويضاعف من أعدادهم نتيجة لثقافة السامية ووعيه المتفرّد، ولعلنا نفهم أن كسب المؤيدين يعني بشكل حتما الفوز على الأعداء في نهاية المطاف.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك بقوله: يمكننا (كسب الأنصار والمدافعين مما يؤدي إلى التغلب على الأعداء والأخذ بالحقوق المهدورة).
الثقافة تمحو الانحطاط
لو استوعب العراقيون الذين يمرون اليوم بمرحلة مربِكة وحرجة للغاية، ولو فهم النخب القيادية خصوصا ما جاء في أقوال الإمام الشيرازي في أعلاه، فإننا كعراقيين نكون قد قطعنا مسافة كبيرة نحو التغيير والانتقال من دائرة الجهل (السياسي الاقتصادي الثقافي الاجتماعي وغيرها)، إلى فضاء التقدم والاستقرار، بفضل الثقافة والوعي، حيث ركز الإمام الشيرازي عليهما، لذلك فإن كسب الرأي العام لا يمكن أن يأتي من فراغ، وعلى العراقيين أن يفهموا ذلك جيدا، أي أنهم مطالبون بالسعي نحو تطوير أنفسهم بلا هوادة، فلا طريق أمامهم غير هذا الطريق، لاسيما النخب الثقافية الفكرية بكل عناوينها ومسمياتها، حيث يقع عليها الوزر الأكبر في كسب الرأي العام من خلال تعضيد الثقافة والوعي.
يقول الإمام الشيرازي: (إذا كسب العراقيون الرأي العام سنعرف أن هذا حصيلة توجههم نحو الوعي والثقافة والتثقيف، وهذا ينعكس على أوضاعهم وحياتهم الشخصية أيضاً، حيث يتحول الجميع إلى كتلة من النشاط).
أما النتائج التي سيقطفها العراقيون، إذا سعوا إلى كسب الرأي العام بالتثقيف النوعي الجاد، ومضاعفة الوعي، فهي تقع على أنواع، ولعل من أهمها الشعور بالحيوية والنشاط، وتحقيق الذات، وهذا يؤدي إلى كسب الثقة بالنفس، وتصاعد النزعة التفاؤلية ومغادرة حالات الإحباط والحراك الفردي المشتت، فيصبح المجتمع برمته (كتلة من نشاط)، كما يصفه الإمام الشيرازي.
ولم يبق هذا الشرط مختصاً بالعراقيين وحدهم، فالمسلمون كأمة واحدة يمكنهم أيضا أن يستوعبوا عوامل القدرة على التغيير والانتقال من النكوص والتكاسل إلى الانتاج والحركة والإبداع، فعندما تكون الأمة مثقفة، وحاصلة على شروط الوعي من حيث المدخلات والمخرجات، فإن النتائج سوف تكون باهرة حقاً، وهكذا يستطيع عامل كسب الرأي العام أن يحسّن حياة العراقيين ويُنسب بلدهم إلى الدول المتطورة، كما يمكن أن تحصل النتيجة نفسها لأمة المسلمين، ولكن علينا أن نفهم أولا أن الطريق إلى كسب الرأي العام والتخلص من العبودية وتحصين الاستقلال بأشكاله كافة، يبدأ وينتهي بتطوير الوعي والثقافة بلا كللٍ أو ملل.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك بقوله: (وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأمة الإسلامية بكاملها فبالوعي والتثقيف يمكن التحول من الانحطاط والاستغلال والعبودية إلى العزة والتقدم والاستقلال).