التشاؤم المدمر والتفاؤل التقدمي
قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الامام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-
محمد علي جواد تقي
2018-09-01 05:10
مقدمة:
ما يزال الجدل دائراً بين دعاة الحديث عن الوقائع والحقائق من خلال رؤيتهم السلبية، وبين الدعاة الى الايجابية من خلال رؤيتهم الموضوعية.
هذا الجدل يتفاقم كلما كانت الحاجة قائمة الى الحديث عن الوقائع والحقائق في بلاد غارقة بالازمات الاقتصادية والسياسية، مثل العراق، حيث ترى شريحة من المثقفين، من رجال سياسة واعلام، أنهم بحديثهم عن الاسقاطات والهزائم والفشل لهذا الشخص او لتلك الجماعة ما يكشف الحقيقة امام الجمهور المتعطش لمعرفة سبب المحن والمعاناة التي يعيشها، أما الجانب السلبي في الموضوع، فهو ليس إلا ثمن الحقيقة المرة –حسب تصورهم-.
بيد أن الذي يغيب عن هذه الشريحة، الاثار الارتدادية لهذا الشحن السلبي على الحالة المعنوية للمواطن العراقي، وأي مواطن آخر في البلاد المأزومة الاخرى وما يمكن ان تخلقه من يأس وإحباط وحالة من العبثية واللاهدفية في حياتهم، ومن ثمّ؛ التسبب في إقصائهم من أي دور في الحياة السياسية او الاقتصادية، عندما يرون الطبقة السياسية والشريحة المثقفة همّها ومستوى عملها التسابق الى التشهير والحديث السلبي بدعوى البحث عن الحقيقة، فهو يضيع بين متصارعين وتضيع معه حقيقة وضعه وحقيقة مطالبه وتطلعاته.
الى ذلك يشير سماحة الامام الشيرازي –طاب ثراه- في هذا المقطع الصوتي الذي يخاطب الشريحة المثقفة ويحذرها مغبة الانجرار وارء الحديث السلبي بدعوى الكشف عن الحقيقة، وهي المغالطة التي يسقط فيها الكثير، لانهم سيكونوا أمام حقيقة وجود الايجابيات في الصورة او المشهد الذي يحوطونه بألسنتهم ووسائل اعلامهم.
لنقرأ ما يقوله الامام الشيرازي، وما هو مستوى التفكير المطلوب: الامام السجاد، وتنمية الروح الإيجابية "... نحن نظهر الحب والولاء للإمام السجاد، عليه السلام، كما نظهر الحزن على مصابه في واقعة الطف، وما جرى عليه بعد ذلك. هذا الإمام الملهم له كلمات ذات دلالات عظيمة وردت في دعاء مكارم الأخلاق: "اللهم سددني لأن أعارض من غشني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأخالف من اغتابني الى حسن الذكر...".
كما جاء في قصة نبي الله عيسى، عليه السلام، وكيف أنه تميّز عن سائر الحواريين من حوله في نظرتهم السلبية الى ذلك الكلب الميت والمتحلل الذي فاحت رائحته النتنة، فقال لهم: ولكن! ألا ترون بياض اسنانه...؟!
وهذا يدلنا الى ضرورة البحث عن النقاط الايجابية في أسرتك، وفي اصدقائك، وفي مجتمعك، بينما نلاحظ حالة البحث عن النقاط السيئة والسلبية في الذباب الذي يترك أجزاء جسم الانسان بعد خروجه من الحمام وهو نظيف، ويحطّ على بقعة علق فيها شيءٌ لم يتنظف.
واذا تسنّى لبعض الجماعات بأن تحكم على الجماعات الاخرى بعدم الفهم او الفشل او غير ذلك، فان هذه الجماعات ايضاً سترد بحكم مماثل. وهذه الحقيقة يشير اليها القرآن الكريم: {وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها}، وقد أقرها العلم بقانون الفعل ورد الفعل.
من يدفع ثمن التراشق والتشهير؟
من الغريب حقاً أن نشهد في عراق الديمقراطية والتنمية البشرية والحريات الفردية والعامة، احاديث تكرّس الفوضى، وتروج لليأس، وتقلل من شأن الحرية في عملية البناء والتغيير، ولعل المثال الأقرب؛ الانتخابات البرلمانية والظروف المعقدة المحيطة بها، ثم الانتقال الى نفق أزمة تشكيل الحكومة من قبل الكتلة البرلمانية الاكبر.
يمكن القول أننا شهدنا الموقف الايجابي من الجماهير العراقية في النسبة القليلة التي شاركت في الانتخابات وحملت معها الأمل بصعود وجوه جديدة الى البرلمان ثم الى السلطة التنفيذية، بيد أنه حتى هذه الشريحة البسيطة (المتفائلة) كوفئت بسيول من الاحاديث السلبية الباعثة على التشاؤم والاحباط، بل وحتى الندم على مشاركتهم في الانتخابات عندما يسمعوا من يتحدث بكل بساطة عن الدور الدولي والاقليمي في تشكيل حكومته وتقرير مصيره، وإن وجد من يتحدث عن الوطن والمواطن فانه يجعل التشهير بالعمالة لهذا البلد او ذاك، وسيلة لتنزيه نفسه وتلميع صورته الوطنية في عيون الناس.
واذا تعذر البحث عن ايجابيات في كيان معظم الاحزاب السياسية في العراق، على الاقل بامكان النواب المنتخبين ومعهم شريحة المحللين السياسيين والخبراء تسليط الضوء على النقاط الايجابية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي في العراق، وهل السياسة كل شيء عندنا؟ وهل نلغي دور العلماء والحكماء والمبدعين والطلبة المتفوقين واصحاب العقول المضيئة المتناثرين بين اوساط هذا المجتمع، وربما نجدهم في القرى والارياف وفي المناطق الشعبية الفقيرة، بمثل هؤلاء تقدمت دول مثل سنغافورة والصين والهند وكوريا الجنوبية.
علماء النفس الاجتماعي أكدوا ان انتشار حالة التشاؤم والهزيمة النفسية يأتي من بصورة عدوى انتقالية من شخص لآخر ومن فئة اجتماعي لأخرى، بيد أننا في العراق نجد هذا الترويج يأتي من الشريحة المفترض ان تكون مصدر إلهام للأمل استثمار الطاقات الكامنة في النفوس بشكل ايجابي لتكون "طاقات ايجابية"، كما يعبر عنها علماء النفس، بدلاً من ان تتحول الى طاقات سلبية تنخر في جسد المجتمع وتدفعه الى الانهيار.
نعم؛ المواطن العادي في العراق، كما هو في سائر البلاد المأزومة، ليس ذلك المواطن الذي يسمع بخبر صعود ضباط او حزب سياسي جديد الى قمة السلطة من خلال البيان رقم1 عبر الراديو، انما اليوم محاط بمختلف وسائل التواصل والاتصال التي تنقل الاخبار، بغض النظر عن مدى صدقيتها وموضوعيتها، لذا فهو بحاجة الى رؤية ايجابية تقدم افكار جديدة وبناءة في ظل هذا التجاذب السياسي الرهيب في المنطقة بما يحقق مصالحه كما يفكر بالشيء نفسه الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بالوضع العراقي والتي تجد حياتها ومصالحها الحيوية في حاضر ومستقبل العراق.
هذه الرؤية الايجابية يفترض ان تتوفر عند معظم – إن لم نقل جميع- ابناء الطبقة السياسية والشريحة المثقفة التي تحمل القلم والبيان والفكر من خلال وسائل الاعلام، لايجاد المعالجات الناجعة لما يمر به البلد، ثم مواجهة التحديات الخارجية الماحقة التي يهمها قبل كل تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية مهما كان الثمن.