الحج اقوى مظهر اسلامي

باسم حسين الزيدي

2018-08-18 05:50

(الحج يمثل أرقى وأشرف تجمع للإنسانية لما يتضمنه من فوائد ومنافع روحية)
الامام الراحل محمد الشيرازي

 

الحج من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد الى ربه، وهو ركن وثيق من اركان الإسلام ومن اهم الفرائض التي امر الله (عز وجل) بها لما لها من جنبة معنوية ومادية تنقسم اثارها بين الدنيا وحسن ثواب الاخرة، وقد تناولتها آيات القران الكريم والسنة الشريفة وأحاديث اهل البيت الاطهار (عليهم السلام) وعلمائنا الاعلام من زواياها المختلفة وافاضت في شرح فلسفتها وثمارها وابعادها التي لا حصر لها والتي عبر عنها الإمام الراحل محمد الشيرازي في كتابه (فلسفة الحج) بانها "أقوى مظهر إسلامي".

وبينت الآيات القرآنية في سورة الحج المباركة أهمية هذه الفريضة وعظمتها في قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، كما أوضح الله (عز وجل) آدابها في سورة البقرة بقوله (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(197).

وتأتي عظمة ركن الحج كونه تجارة رابحة بين العبد وربه، ينال فيها العبد نصيبه في الدنيا وفي الاخرة وافراً غير منقوص، وقد ورد في الحديث بأن (الحج والعمرة سوقان من أسواق الآخرة، العامل فيهما في جوار الله)، وقد نقل عن الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) قوله (وحجّ البيت والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر، ويكفّران الذنب، ويوجبان الجنة) وقوله (عليه السلام) ايضاً (جعله الله سبباً لرحمته ووصلة الى جنّته).

والملاحظ في الآيات المعظمة والاحاديث الشريفة انها ركزت وجمعت بين الاثار الدنيوية للحج والرحمة الإلهية في الاخرة والتي ينالها في الدارين من مارس هذه الشعيرة واعطاها حقها ، وروي عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت فقال: (إن الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل الاجتماع فيه من الشرق والغرب ليتعارفوا ولتعرف آثار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلد وسقطت الجلب والأرباح وعميت الأخبار ولم تقفوا على ذلك فذلك علة الحج) (الوسائل/ ج11/ ص14).

فوائد الحج عند الامام الشيرازي

كما ذكرنا انفاً للحج فوائد لا حصر لها، لكن يمكن ذكر بعضها للفائدة والعبرة، ومن لطائف ما ذكره الإمام الارحل محمد الشيرازي في تفسيره للآية الكريمة (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ): "اللام هنا للتعليل والمعنى: يأتون لشهادة منافع لهم، أو يأتون فيشهدون منافع لهم، وقد أطلقت المنافع ولم تتقيد بالدنيوية أو الأخروية"، ويقسم الامام الشيرازي الفوائد الدنيوية الى ثلاث فوائد هي:

1. الفوائد الاجتماعية: حيث يقول "إن من أهم فوائد الحج تلك الفوائد التي تتقدم بها حياة الإنسان الاجتماعية، ويصفو بها العيش" وفي سياق هذه الفوائد يذكر الإمام محمد الشيرازي أبعاد القضية الاجتماعية التي يعيشها الإنسان فيقول: "الإنسان بفطرته مدني بالطبع، وتميل نفسه إلى الاجتماعات والتآلف مع الآخرين، والركون إلى الجماعة والاختلاط بها، وهذا هو سبب تكون المدنية وإنشاء المدن والمجتمعات الكبيرة، وهذا الميل عبارة عن غريزة فطرية موجودة في الإنسان الساعي سعيا دائبا مستمرا لإشباع غرائزه، فميله نحو التوطن ضمن مجموعة من الناس، والعيش معهم عبارة عن إشباع لغريزته هذه، وتكوين الأسرة أيضاً صورة أخرى من صور إشباع الغريزة الاجتماعية وغريزة الاجتماع تؤمن للإنسان حسن الألفة والاختلاط البشري ومنافع أخرى".

2. الفوائد الاقتصادية: والتي يقول عنها الإمام الشيرازي: "ينفع كثيرا من الناحية الاقتصادية والتبادل التجاري، بانتقال أنواع السلع واكتساب تجارب الآخرين بعد الاطلاع عليها".

3. الفوائد النفسية: فإلى جانب الفوائد التي تقدم ذكرها يحصل الحاج على فوائد نفسية كثيرة، كإشباع غريزة حب الاستطلاع والسياحة والمشاهدة للبلاد الأخرى ولأناس آخرين.

اما الفوائد الأخروية فيقسمها الى ثلاث فوائد هي:

1. التقرب إلى الله تعالى

2. كسب الثواب الإلهي

3. غفران الذنوب

ولم يقتصر الإمام محمد الشيرازي في حصر هذه المنافع على هذه الفوائد فقط بل كان يعتقد بضرورة إقامة العديد من المؤتمرات في الحج، وكان قد ساهم بصورة شخصية في إقامة المؤتمر السنوي في بعثته الدينية التي كان يرسلها إلى الديار المقدسة، وهو لا يرى في هذا المقدار كفاية، فكان يدعو إلى عقد مؤتمر كبير يضم كافة الحجاج القادمين من مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، فإن الحج بصورة عامة هو مؤتمر موسع: "إن الحج ملتقى سنوي عام يرتبط فيه الإنسان بربه وبأفراد أمته بأوثق رباط، فهو فرصة كبرى لكل المسلمين، فبمقدورهم أن يتبادلوا فيها شؤونهم وشجونهم الدينية والدنيوية، ومن الضروري انتهاز هذه الفرصة الإلهية القيمة لمحاسبة النفس، ما الذي عملت؟ وما الذي قدمت طوال السنة أو السنين الماضية، كما ينبغي وضع برنامج متكامل مادي معنوي للسنين القادمة".

من فوائد الحج ايضاً أن المسلم يتعرف على أخيه المسلم، يتعرّف على مشاكله ومعاناته وما يلاقيه من ظُلم وتعسف وقهر، فأغلب البلاد الإسلامية واقعة تحت نير الظلم والاستبداد، والحج فرصة ذهبية للتعرف على معاناة الشعوب الإسلامية، ومنهم الشعب العراقي المظلوم الذي حظي باهتمام بالغ من لدن الإمام محمد الشيرازي.

ويرى السيد الشيرازي، من فوائد الحج ضرورة الاهتمام بالآثار الإسلامية المتبقية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وغيرهما من البلاد، وكذلك الآثار المرتبطة برسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع) وأصحابه المكرمين، ومن هنا أفتى بوجوب إعادة بناء تلك المشاهد المشرفة في البقيع الغرقد.

ويعتبر فترة الحج موسماً للعودة إلى ما خلفه رسول الله (ص) في أمته من الثقلين: الكتاب والعترة، ونبذ الفرقة والتعصب، حيث ذكر في كتابه القيم (الشيعة والتشيع): بأن (المسلمون يوم كانوا سادة العالم كانوا بحاجة إلى التآلف، فكيف بهم اليوم الذي وقد أحاط بهم الأعداء من الخارج وفرّقوا صفوفهم من الداخل؟ فلنقترب نحن المسلمين بعضنا من بعض، ولنتمسك بما أمر الله ورسوله (ص) به، تاركين حملات التشويه التي لا تخدم إلاّ الكفار والمستعمرين).

واذا تأملنا قليلاً مفاهيم الحج لوجدنا أن كل خطوة من خطوات الحاج هو تطبيق لأحد أهداف الإسلام الكبيرة، فمن هذه الأهداف:

1. الحرية: حيث يكون الحج تطبيقاً عملياً للحرية عندما يتغلب فيه المسلم على طغيان الأهواء والشهوات ويقضي على روح الاستبداد في ذاته يقضي على استبداد وطغيان الآخرين عندما يفيض من بلاده إلى أرض الله تعالى التي تكون فيها العبودية والطاعة والتلبية له وحده لا شريك له، فالحج هو تحرر من عبودية الذات وقيود الغير الاستبدادية.

2. الأخوة الإسلامية: فلا يوجد في الحج تمايز بين الفقير ولا الغني ولا الأبيض ولا الأسود ولا العربي ولا الأعجمي بل الكل يتحد ويتلاحم في طريق واحد ملبين لرب واحد وهدف واحد.

3. الأمة الواحدة: فإذا كانت الحدود الجغرافية قد فرقت بين المسلمين فإن الحج يزيل كل هذه الحواجز المصطنعة ويصهر الناس كلهم في أمة واحدة لا تعرف التمايز القومي والإقليمي.

إن الحج هو بالفعل تلك القدرة الهائلة التي يختزنها الإسلام لتعبئة أبنائه في أهدافه وبرامجه، وبالفعل هي تلك النعمة الكبيرة التي أنعم الله بها على المسلمين ليـــكونوا دائماً في رحاب الإسلام وهديه ولا ينفصلوا عنه، ويعطيهم القدرة الدائمة على الاندماج الحضاري والسياسي في أهدافه ومناهجه.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2018Ⓒ
http://shrsc.com

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة