كيف نخرج من أزمة سوء الإدارة في العراق؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2018-07-17 02:05

هناك دعامتان يرتكز عليهما تقدم وتطور الأفراد والمجتمعات، الدعامة الأولى تختص بسلامة التخطيط ودقته واستناده إلى العلمية والواقعية، والدعامة الثانية تخص حسن الإدارة وتوفير أساسيات العمل الناجح، وهذا يعود إلى جملة من العوامل منها الخبرة والمؤهلات والذكاء، وعلى العموم من يريد نتائج مضمونة وثمار جيدة، عليه أن يركز على جانبين أساسين هما، التخطيط والإدارة.

لدينا أمثلة كثيرة تاريخية وواقعية حول تأثير التخطيط وحسن الإدارة على النتائج، فحين نبحث في أسباب انتقال بعض الدول من خانة النامية إلى التطور، وانتقال المتخلفة إلى مرتبة الدول النامية، سنجد أن المسعى الأول لحكومات هذه الدول التي قفزت من مرتبة أدنى إلى مرتبة أعلى، هو حسن التخطيط والإدارة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسواها.

ولو أننا أخذنا العراق كعيّنة لتطبيق هذا الرأي، سنجد أن الحكومات العراقية افتقدت إلى الدعامتين المذكورتين في صدر هذه المقالة، فمعظم تلك الحكومات (الملكية، الجمهورية الانقلابية، والديمقراطية بعد 2003)، أهملت التخطيط وحسن الإدارة، لذلك جاءت الثمار بما يتناسب والأخطاء التي ارتكبتها تلك الحكومات، يُضاف إلى ذلك مشكلة أكبر أن الحكومات المتعاقبة لم تستفد من أخطاء بعضها، بل غالبا ما كانت تضيف أخطاء جديدة تُسهم في بقاء العراق في مرتبة الدول المتأخرة.

ولهذا شاعت في العراق الأماني السياسية الفارغة، حيث يعلن المسؤول أن النتائج القادمة ستكون في قمة النجاح لكنه لم يخطط جيدا لتحقيق ذلك، كما أن إدارته غالبا ما تكون ارتجالية آنية، وهذا ما جعل الثمار مفقودة أو رديئة في أفضل الأحوال.

يقول الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (شروط تقدم الجماعات):

(إن الأماني بضائع النوكى، أي الحمقى، كما يقول علي (عليه السلام)، فالقدرة لا تأتي بالأماني، وإنما بالتخطيط السليم، ووضوح الرؤية المستقبلية، وتحري الوسيلة التي تؤدي إلى الهدف، بأيسر الطرق وأقربها).

التهيؤ لقطف الثمار الناضجة

إذا زرعت شجرة فالهدف من ذلك أنك تنتظر منها الثمار التي تساعدك على استمرارية الحياة، ولكن هل يكفي أن تقوم بغرسها في الأرض وانتهى الأمر، أم هناك عوامل لاحقة عليك أن تدعم بها هذا المزروع، بالطبع إذا لم تسقِ الشجرة كما يجب فإنها ستموت أو أنها تكون عليلة وثمارها أما مفقودة أو عجفاء أو قليلة، كما أن تهيئة الأرض وتنقيتها وتسميدها، كل هذه الأعمال تساعد الشجرة على الإنتاج الوفير والجيد والأفضل.

هذه الشروط نفسها تنطبق على الأهداف الأخرى للفرد أو الجماعة أو الحكومة أيضا، فمن يريد أن يكون راضا بالنتائج سعيدا بها، عليه أولا أن يهيئ جميع الأسباب التي تصل به إلى النتائج الطيبة، ومن أهم عوامل وخطوات التهيؤ الناجح، هو التخطيط السليم والإدارة الناجحة، ولو أننا حاولنا بحث الوضع العراقي في ضوء هذه التطبيقات، فإننا سنلاحظ عدم دقة في التخطيط، وفقدان أركان الإدارة السليمة، لهذا لا يمكن للعراقيين أو غيرهم أن ينالوا السعادة المرتقَبة ما لم يكون هناك التزام بثنائية التخطيط والإدارة السليمة.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع:

(إن مَنْ ينال السعادة، هو الذي يهيّئ كل الأسباب الممكنة، مثله في ذلك مثل من ينال الصيد، فإنه ليس كل أسباب الصيد بيد الإنسان، لكن مع ذلك الذي ينال الصيد هو الذي هيأ أسبابه الممكنة، وإلى غير ذلك من الأمثلة).

ولابد من التنبّه إلى أمر في غاية الأهمية، وهو عدم استعجال النتائج، أي أننا عندما نخطط لمشروع ما، ونبدأ به مع تقديم الجهد اللازم، علينا أن نصبر على قطف الثمار الجيدة، وأن لا نستعجل الوصول والحصول عليها، كما ينبغي أن لا نيأس أو نقنط أو نبتئس لأننا لم نصل إلى الثمار المبتغاة بسرعة، وليعلم أصحاب المشاريع بمختلف أنواعها، أن من يعمل بصورة صحيحة حتى لو لم يحصل على نتائج جيد في الوقت المتوقَّع، إلا أنه سوف يصل إلى ما يريد مستقبلا.

بمعنى أن الجهود العلمية والعملية التي يبذلها الإنسان في مشروعه لا يمكن أن تذهب سدى إذا كانت في الاتجاه الصحيح، فلا يمكن أن تضيع الجهود الصحيحة سدى، وهذا بالطبع يتعلق بصورة أو أخرى بثنائية التخطيط السليم والإدارة الجيدة، وثمة قانون ينبغي أن نجعله نصب أعيننا دائما، أن (من سار على الدرب وصل)، لذلك علينا أن لا نستعجل الحصول على الثمار الجيدة.

كما يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله:

(إن ما يجنيه الإنسان من ثمار طيبة إنما هو نتيجة جهد وعمل طويلين، قد يضرب بجذوره إلى ما قبل خمسين عاماً، فمن يسير على الدرب باستمرار يصل).

اختلاف الإنتاج في الزمان والمكان

من الأمور المهمة التي تصادف الإنسان في حياته، أنه قد لا يصل إلى نتائج جيدة كما كان يتوقع من جهوده التي يبذلها في هذا المجال أو ذاك، فقد يتعب الإنسان في مشروع ما، ويهيئ له ما ينبغي من شروط، لكن بالنتيجة لا يحصل الإنسان على ما كان ينتظره من نتائج، فها يعني هذا الركون إلى اليأس والقنوط والعزلة؟، بالطبع كلا، فقد يكون الواقع غير ما يراه أو ما ينتظره الإنسان، والمثال على ذلك أن بعض الأشجار تتأخر في إعطاء ثمارها إلى حين، ولكنها بالنتيجة تعطي الثمار الجيدة والمتميزة التي كان الإنسان ينتظرها.

هذا المثال ينطبق على الإنسان أيضا، فلا يمكن أن يذهب الجهد الجيد سدى، ولكن قد تتأخر النتائج الجيدة بعض الشيء، فالديمقراطية التي يسعى لتحقيقها العراقيون اليوم، تأخرت، وجوبهت بالكثير من التعويق والمشاكل، فهل يعني هذا أن نيأس ونتخلى عن حلمنا بالحصول على النظام الديمقراطي الذي يحمي حقوقنا ويحقق العدالة الاجتماعية ويحفظ لنا حرية الإعلام وما شابه؟ بالطبع ليس صحيحا أن نتخلى عن هدفنا هذا، فالنتيجة هي قطف ثمار الحرية وإن تأخّر ذلك بعض الشيء.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع:

(إذا أُصيب الإنسان بنوع من اليأس بسبب عدم حصوله على ثمار جهده، فليعلم أن الأعمال وإن كانت مضنية وثقيلة وبلا نتيجة في بعض الأحيان، إلاّ أن الواقع غير ذلك، فالجهد لا يكون ضائعاً، والتعثر ليس دائماً، وإنما بعض الأشجار تعطي الثمار بعد حين).

وثمة أمور جانبية أخرى قد تكون بمثابة عوائق أمام الوصول إلى الهدف أو النتائج المرتجاة، منها الاختلاف في الزمان والمكان، فهناك مثلا أشجار أو بذور اذا زرعها الإنسان في مكانين مختلفين وموسمين مختلفين فإنها لا تعطي الثمار نفسها من حيث الجودة والوفرة، مثال ذلك هناك بذور صيفية وأخرى شتوية، فينبغي زراعتها كل في موسمها الذي يناسبها، هذا ينطبق على الأعمال السياسية والإدارية أيضا، لذلك من الأفضل أو المطلوب أن تكون الجهود المبذولة مناسبة من حيث المكان والزمان حتى تكون النتائج كما هي متوقَّعة من حيث التخطيط ثم الإدارة.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب:

(كما أن البذور تختلف في الإنتاج، كذلك تختلف البذرة الواحدة في الإنتاج حسب شروط الزمان والمكان، كذلك الأعمال السياسية وبذل الطاقات والقدرات تختلف اختلافاً إنتاجياً، واختلافاً زمنياً).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي