الحسينيات: آفاق مشرقة للوعي
قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام ا لراحل السيد محمد الشيرازي – طاب ثراه-
محمد علي جواد تقي
2017-10-03 06:00
"...ينبغي ان تكون حسينياتنا عاملة لا أن تكون خاملة، فهي نقطة انطلاق فكري وثقافي، وهذا يكون عندما يكون هنالك كلام تحت المنبر كما هنالك كلام فوق المنبر، بمعنى أن لا نكتفي بالكلمة المسموعة، لأن حدودها لا تتجاوز الساعة او اكثر بقليل، إنما نبحث عن الوسيلة التي تمد المستمعين وابناء المجتمع بالفكر والثقافة طوال الوقت، وهذه هي مهمة الكتاب، فان المستمعين للخطيب اشخاص محدودين، بينما الكتاب سيذهب الى البيت، ويقرأه من لم يحضر المجلس الحسيني، من ربة البيت او الشاب او الشابة او حتى الجيران.
إن الكتاب في المجالس الحسينية يجب ان يكون رديفاً لأقداح الشاي التي توزع في المجالس الحسينية، فهل يُسأل الداخل الى الحسينيات؛ هل هو عالم أم جاهل؟! وهل هو مثقف أو غير مثقف؟! وهل هو غني أم فقير؟! وهل هو متعلّم أم أمّي؟! لن يتعرض أحد للسؤال في باب الحسينية، إنما الابواب مفتوحة للجميع يدخلون ثم يقدمون لهم الشاي، وإن كانت هنالك وجبة طعام، تقدم ايضاً للجميع.
وهكذا الكتاب يجب ان يقدم لجميع الحاضرين في المجالس الحسينية، سواءً من الرجال او النساء، وإن كان الشخص المستلم للكتاب لا يعرف القراءة والكتابة، فانه سيأخذ الكتاب الى البيت ويقرأه آخرون.
وعن فائدة هذا العمل والنتائج المرجوة منه، فان عملية نشر الثقافة والفكر لن تؤتي ثمارها بين ليلة وضحاها، ولا بعد أيام او أشهر، وإنما بحاجة الى صبر و زمن طويل حتى تبين آثارها في المجتمع، كما هو الحال في طلبة المدارس والجامعات؛ يحصلون على الشهادات العلمية بعد سنوات من الدراسة والجد والاجتهاد، كذلك الثقافة؛ تنمو رويداً رويداً.
لقد تمكن يزيد من قتل الامام الحسين، في ظلام الجهل المخيم على الامة الاسلامية، وهذا ما تعاني منه الامة بشكل فضيع، ولو لم يكن هذا الظلام مخيماً على الامة، هل كانت الشعوب الاسلامية تعيش اليوم هذه المآسي والويلات؟
لذا نجد الامام الصادق، عليه السلام، يقول: "ليت السيّاط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا في الدين"، والفقه هو الفهم، ويستخدم الامام كلمة السوط بصيغة المبالغة، بمعنى كثير الضرب بالسوط، والفهم هو الذي يفتح امام الانسان آفاق العلم والمعرفة، ولا يكون أعمى القلب، لانه بذلك يكون انساناً آخر، والقرآن ينبه الى هذا المائز بأن {هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور}.
لذا علينا الانطلاق بسرعة في هذا المجال بنشر الكتب في جميع الحسينيات من خلال مفاتحة المسؤولين والقائمين عليها والاقتراح عليهم بأن يكونوا مساهمين في نشر الثقافة الدينية والاخلاقية في اوساط الشباب وأن يتعرفوا على سيرة النبي والأئمة المعصومين، عليهم السلام، وأن يتعرفوا على تاريخهم ورموزهم وتراثهم.
الكتاب يجعل المنبر في البيوت طيلة السنة
شريحة واسعة من خطباء المنبر الحسيني يعكفون على إثراء مواضيعهم برسائل وعي وتثقيف الى جانب الرثاء واستذكار المصاب واستدرار الدموع على ما جرى في واقعة الطف، وهذه نقطة ايجابية بارزة تحسب للمنبر الحسيني في الفترة الراهنة، فبعد خطاب الاستعبار طيلة العقود الماضية، والدوران في إطار التاريخ ورموزه في الجانب الايجابي، متمثلاً بمعسكر الامام الحسين، وبالجانب السلبي متمثلاً بمعسكر عمر بن سعد، والحديث اللاهب والمثير لمشاعر الحزن والأسى على ما جرى على الامام الحسين، وأهل بيته واصحابه، ومشاعر الكراهية لأمثال؛ شمر وحرملة وغيرهم، نشهد اليوم نقلة نوعية في المنهج و إيجاد مصاديق من الواقع لعوامل أدت ما آلت اليه أمر الامام الحسين في كربلاء، مثل؛ التضليل الاعلامي، وضعف الايمان، وقساوة القلب، والازدواجية، والركون الى الحاكم الظالم، وأكل مال الحرام، وغيرها من العوامل التربوية والثقافية.
هذه الخطوة الناجحة ينبغي ان تتبعها خطوات أخرى لتحقيق الهدف الأسمى؛ بأن يعيش الناس والاجيال في كل زمان ومكان، قضية الامام الحسين، والاهداف التي ضحى من أجلها، وهذا لن يتم إلا بوسيلة تواكب حياة افراد المجتمع طيلة أيام السنة، وليس فقط أيام شهري محرم الحرام وصفر الخير، والى ذلك يشير سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي، حيث يؤشر الى مسألة غاية في الاهمية في إثراء رسالة المنبر الحسيني، فما يتحدث عنه الخطيب، مهما علا شأنه وكثُر محبيه، محدود بفترة زمنية ربما لا تتجاوز الساعة أو اكثر قليلاً، ثم يذهب كلٌ الى حال سبيله، بينما الكتاب الذي يتحدث عن القضية الحسينية او عن الاخلاق والتربية والثقافة القرآنية والتاريخ الاسلامي وغيرها من الموضوعات التي يتناولها الخطباء، سيبقى بين يدي الشاب او الشابة والمرأة والرجل وحتى الشيخ الكبير، ويقرأه في الصباح او المساء، كله او اجزاء منه، وإن لم تسنح له الفرصة أعطاه لصديق او حتى لجاره.
هذا الكتاب يجب ان يوزع على الحاضرين في المجالس الحسينية على أنه أحد مفردات العطاء الحسيني للزائرين والمعزين في هذه الايام، فاذا كانت الحسينيات تفخر بكثرة تقديمها للطعام والشراب، كعنوان للضيافة والكرم المنسوب الى الامام الحسين، وأهل البيت، عليهم السلام، فان الكتاب، ينبغي أن يكون أحد مفردات هذه الضيافة لأنه يستجيب لأقوى نداء لهم، عليهم السلام، الى أبناء الامة عبر الاجيال، ألا وهو نداء الوعي والثقافة والعلم والمعرفة.
إن الدعوة المثيرة للإمام الشيرازي بأن يكون قدح الشاي مصحوباً بكتاب في الحسينيات، يمثل اقتراح قابل للتجديد والتنويع، فربما يكون على شكل منشور صغير، او كراس، او قرص ممغنط (سي دي) او غيره من وسائل النشر، او حتى بطاقات صغيرة تحمل أحاديث وكلمات قصيرة تختزل افكار كبيرة وربما تكون أسهل للفهم والاستيعاب والتفاعل ايضاً.
ولا يتحدث البعض عن قلّة المطالعة في اوساط الجيل الجديد، بل نلاحظ إقبال ملحوظ على المطالعة في اوساط الشباب والشابات من المتعلمين والباحثين عن الافكار الجديدة التي تعني بحياتهم وتثير فيها مشاعر القوة والثقة والامل، ومعظم هذه الكتب نجدها مترجمة لمؤلفين أجانب يشتريها الشباب بأسعار غير رخيصة.
منابر الوعي
كلما ننظر الى الأجواء العاشورائية تغمرنا حالة من الغبطة والارتياح بحجم القدرات التي تمنحها للمجتمع والامة، منها؛ القدرة على التغيير السريع والغريب – في كثير من الاحيان- لافراد المجتمع من الحالة السلبية الى الحالة الايجابية خلال شهري محرم وصفر، والقدرة على مواجهة التحديات؛ من واقع اجتماعي فاسد، او حاكم ظالم، او حتى تحديات الخارجية من غزو ثقافي او اختراق أمني وغيرها، كل هذا بفضل المفاهيم والقيم العاشورائية التي تضخها كربلاء في الامة.
إن مستوى النجاح الذي حققه المنبر الحسيني والشعائر الحسينية في نشر الوعي والثقافة، لم يكن لولا سلسلة طويلة من التضحيات والجهود المضنية بذلها علماء وخطباء وأدباء وغيرهم من الابطال الذين أحكموا الربط بينهم وبين القضية الحسينية فذابوا فيها وتحولوا الى شموع تضيء للأجيال فكراً وثقافة، أمثال الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي، والخطيب الشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي، وفي مقدمتهم الامام الشيرازي الراحل، وغيرهم كثير ممن عملوا في ظروف غاية في القسوة والشدّة في سني الخمسينات والستينات، فكتبوا ونشروا وشجعوا على اقامة المواكب والهيئات الحسينية، وربما كان في الطرف المقابل اشخاص يعدون هذه الاعمال لا فائدة منها لاعتقادهم بضرورة التغيير السريع وعدم التخلّف عن التيارات الثقافية الاخرى التي تفعل كل شيء لاكتساح الساحة ثم السيطرة على الامور، كما فعل الشيوعيون ثم جربها البعثيون في مرحلة لاحقة، بينما الرسالة الحسينية التي هي امتداد للرسالة المحمدية، لا تشبّه بهذه النظائر، لانها تعني ببناء الانسان في نفسه وروحه، لذا يحتاج الامر الى فترة زمنية قد تطول او تقصر حسب قوة الوسائل وقدرة الاستيعاب، الامر الذي يستدعي طول أناة وصبرٌ جميل من المعنيين بهذا المشروع الحضاري والتفكير بالشاب الصغير الذي يحمل الكتاب، والذي سيتحول في المستقبل الى مدير لقناة فضائية او موقع الكتروني او دار نشر او غيرها من المؤسسات الثقافية، بل الى حامل لمشعل القضية الحسينية وهو في موقع الطبيب او المهندس او المحامي او كذلك السياسي.