واقع الأحزاب ورؤية المجدد الشيرازي في العمل الحزبي

عادل الصويري

2017-08-23 06:00

قد يبدو المقال للوهلة الأولى سياسياً؛ لما تعنيه مفردة الحزب من دلالات سياسية، إلا أننا نحاول أن نقرأ الواقع الحزبي ــ العراق أنموذجاً ــ على صعيد المتبنيات الفكرية، والسلوك مع الجماهير، وكل ما يرتبط بمسيرة هذا الحزب أو ذاك طيلة فترة وجوده على الساحة السياسية.

في العراق، وبعد إسقاط نظام صدام حسين بتدخل أجنبي عبر قوات دولية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ صار المجال مفتوحاً للأحزاب أن تمارس نشاطها السياسي، بعد أن كان الواقع السياسي مغلقاً على حزب واحد هو: (حزب البعث العربي الاشتراكي) الذي أحكم قبضته الحديدية على السلطة واصفاً أحزاب المعارضة بالعمالة والتبعية المؤدلجة.

فقد شمل هذا الوصف حزب الدعوة الإسلامية (الحزب الحاكم حالياً) حتى مع وجود لفظ (الإسلام) الذي يعني للبعثيين القوميين لغة عربية نزل بها كتاب الإسلام القرآن الكريم، كما شمل الوصف كذلك الحزب الشيوعي صاحب التوجهات الإلحادية ــ وإن خفت بريق هذه التوجهات منذ منتصف التسعينات من القرن العشرين الماضي ــ حتى مع وجود لفظ (الاشتراكية) التي نادى بها الشيوعيون منذ الثورة البلشفية وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ونادى به البعثيون كذلك لدرجة أنهم وضعوه في عنوان حزبهم.

الملاحظ على تجربة الأحزاب بعد 2003 هو الابتعاد عن جوهر الأفكار التي أنشأت هذه الأحزاب، فانزوى الجوهر الفكري إلى الوراء تاركاً المجال للطموحات الشخصية أن تتصدر المشهد؛ بهدف الحصول على المزيد من المكاسب السياسية على صعيد المناصب والنفوذ، بل والانفتاح على المحيط الإقليمي.

وقد أفرزت مرحلة ما بعد انهيار نظام حزب البعث في العراق تفوقاً لما يعرف بـ (احزاب الإسلام السياسي)، كما انتقل هذا التفوق إلى البلدان التي شهدت (الربيع العربي) كتونس ومصر. ولكن، هل قدمت التجربة الإسلامية الحاكمة المرجو منها لجماهيرها العريضة؟ وهل تبنت خلال فترة حكمها النظريات العادلة للفكر الإسلامي الذي نشأت وقامت عليه؟

في تجربتنا العراقية المعاصرة ومنذ أول انتخابات برلمانية حقيقية ولغاية اليوم كان للأحزاب الإسلامية سطوة وهيمنة على مسرح الأحداث السياسية، لكن سرعان مابدأ التذمر الجماهيري والشعبي من أدائها لتبدأ المقارنة بين النظريات التي استندت عليها في نضالها ضد الاستبداد والديكتاتورية وبشرت بها وبين التطبيقات الفعلية لها وهي واقفة على رأس الهرم التنفيذي والحكومي في البلد. في كتابه المهم (عالم الغد، الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) للمجدد الكبير آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي نجد له - رحمة الله عليه - نظرة ثاقبة بصيرة بواقع أحزاب (الإسلام السياسي) وكأنه تنبأ بما سيؤول إليه مصير هذه الأحزاب، وقد درس هذه الموضوعة بعناية فائقة وصلت لعد هذه الأحزاب أحد أسباب الهزيمة الحضارية التي تعاني منها الأمة الإسلامية لأنها ارتكبت أخطاء كبيرة، وقد أرجع الإمام المجدد الراحل هذه الأخطاء إلى عدة أسباب استعرضها بشكل تفصيلي في كتابه المذكور ومنها:

السلوكيات العنفية

يعتقد المجدد الشيرازي الراحل أن شيوع العنف والقسوة كثقافة يؤدي إلى تخلف المسلمين وهزيمتهم بقوله: " واتخاذها لغة في الحديث والتعامل فيما بين الناس، مع الاخرين، وقد اتخذت بعض الحركات الإسلامية العنف منهجاً في عملها، ويحدثنا التأريخ عن جملة منها، وكانوا قبل نصف قرن من الزمن، وهو ما حال دون تحقيق التقدم والانتشار "1

وهنا يتم التأكيد على أن وسيلة فرض الأمر الواقع بالقوة لن تجدي نفعاً؛ بل على العكس ستزيد من مساحة النفور والتذمر من السلوكيات العنفية التي يمارسها أتباع الأحزاب.

وقد صارت هذه النظرة الثاقبة للإمام الشيرازي نبوءة مستقبلية تحققت مع عدة سلوكيات، كما في تجربة حكم (الإخوان المسلمين) في مصر، وطريقة تعاطيهم مع الأصوات المعارضة لهم سواء كانت المعارضة للسلوك السياسي، أو حتى السلوك (الديني) الذي بدا متطرفاً جداً لدرجة قتل وسحل رجل دين مخالف للعقيدة التي يتبناها الحزب الحاكم، والتي هي من المفترض عقيدة دينية، غير أنها أثبتت اتماءها لدين مُستحدث وبعيد عن القيم الأصيلة والسمحاء لهذا الدين الحنيف سلماً لتبرير جرائمها الكثيرة التي ارتكبتها بحق العالم الإنساني الأمر الذي جعل الأصوات المناوئة ترتفع محذرة من الإسلام ومن يتبناه وهي النقطة التي التفت اليها الإمام الشيرازي حين تحدث عن موضوع في غاية الأهمية وهو عرض الإسلام بصورة خاطئة مستشهداً بالتنظيمات التي تسببت بنفور الناس من الإسلام كونها تريد "(إحياء الخلافة) بينما (الخلافة) ممقوتة في أذهان الناس -المسلمين منهم وغير المسلمين- لما فعله الأمويون والعباسيون والعثمانيون وغيرهم من الجرائم والموبقات.

ترف القادة المتحزبين

لاتخفى حالة الترف الواضحة التي يتمتع بها قادة الأحزاب السياسية بعد أن تقاسموا المناصب الحكومية في بلد الخيرات بينما يرزح أبناء الشعب الذين كانوا السبب الرئيس في صعود هؤلاء القادة وهذه الأحزاب بعد وعود قطعوها للجماهير ولم تتحقق مما ولد تذمراً شعبياً منها ومن طريقة تعاطيها مع الحكم وسلوكيات قادتها وأعضائها والتي بدت مستفزة لفقراء الشعب.

وفي هذه النقطة تحدث الإمام الراحل بشكل صريح ومباشر بقوله " بعض قادة الأحزاب والمنظمات الإسلامية يسلكون سبيل البذخ والترف في حياتهم، بالسكن في القصور وشراء السيارات الفارهة والتزوج بالفتيات الجميلات ذوات المكانة المرموقة، والحرص على اقتناء الأثاث الباهض الثمين، وبذلك يوجدون مسافة بعيدة تفصلهم عن عامة الشعب، حيث ان من طبيعة الناس عدم الاعتراف بقادة يسكنون الأبراج العاجية ويرفلون بالنعيم، ثم يتكلمون باسم الفقراء والمساكين، أو باسم الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى أن من يتكلم باسم الدين لابد أن يكون مثل الرسول الأكرم (ص) وخلفائه الطاهرين عليهم السلام في السلوك والعمل، فإذا رأى الناس قادة المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية يسلكون خلاف سلوكهم، عرفوا أنهم ليسوا من الإسلام في شيء، فينفضوا من حولهم، ويسبب ذلك فشلهم"2

كأن الإمام الشيرازي يتحدث وهو بيننا اليوم متابعاً لمجريات الأحداث حيث التحالفات القائمة على المصالح والمناصب والترف، أحزاب بعناوين كبيرة تبتعد عن جماهيرها منشغلة بمظاهر الترف الممقوت من الجذور الفكرية والإنسانية والعقائدية التي نشأوا عليها، فليس مستغرباً أن ينصهر اليمين باليسار، ويذوب اليسار باليمين في زمن تلاشي المسميات والعناوين، وانقراض المبادىء والأخلاقيات، وصعود قيم التكسب ، في حين يدعو الإمام الراحل إلى أن تكون الأحزاب منظمة بما ينسجم مع تطلعات الجماهير، وأن يكون التنافس السياسي شريفاً من أجل خدمة المصالح العليا والتفاعل مع تطلعات الجماهير ورصد معاناتها لا بالابتعاد عنها والانشغال بالمكتسبات الشخصية، ويشدد على ممارسة النقد الذاتي، ونبذ الاستبداد الحزبي على مستوى القيادات التي تبدو في واد، وكوادرها في المرتبة الأدنى في واد آخر، والقرارات تؤخذ من الهرم الفوقي من دون أية استشارة مايؤدي إلى اختلال العلاقة بين القيادة و (الهرم الوسطي)، وسرعان ماينتقل الخلل إلى من الداخل إلى الخارج، فتشعر العامة أنها خدعت بهذا الحزب أو ذاك، ومالشعارات التي رفعت إلا دغدغة للعواطف والمشاعر، وسُلَّم عقائدي وفكري ناجح للولوج للرغبات الشخصية، خصوصاً فيما يتعلق بالأحزاب التي تختزل الإيديولوجيا والفكر بشخص دون غيره.

-------------------------------
1/ عالم الغد، الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته):ص217
2/ نفس المصدر السابق: ص225

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي