الإعلام وبرمجة الصراع مع الاستبداد

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2017-03-20 09:54

لا يوجد ند أقوى من الإعلام يواجه الحاكم المستبد، فالسلطة الرابعة التي أطلقت كمسمى للإعلام، قد تبدو لبعضهم أوهن السلطات وأضعفها، لاسيما السياسيون، لكنهم في الحقيقة واهمون، فسلطة الكلمة لا تتفوق عليها حتى سلطة الحديد والنار، خصوصا إذا كان القائمون عليها يمتلكون الخبرات والقدرات والذكاء والتحرك الجماعي السليم، ومع أن مصاعب هذه المهنة التي يسميها كثيرون بمهنة المتاعب، كثيرة وكبيرة وقد تكون خطيرة تصل حد التصفية الجسدية، إلا أنها غالبا ما تستهوي الكثير من الكتاب الشباب، وخصوصا أولئك الذين يتحلون بإرادة الثائرين التي لا تقف عند حد.

لذلك فإن الصحفي أو الإعلامي على وجه العموم، مطالب بالحذر والدقة وهو يتحرك في وسط ملغوم بالقمع والترصّد والاستبداد، فينبغي أن يعرف المكان الذي يضع عليه قدمه، حتى لا يقع فريسة بين فكيّ السلطة المتنمرة، خاصة أن العمل الإعلامي في وسط محكوم بالقمع يكون أصعب بكثير من سواه، ولابد أن يتنبّه الإعلامي للأساليب التي قد تستدرجه بطريقة أو أخرى لخسارة موقفه السليم حيال الاستبداد أو التضليل والخداع الإعلامي، فالسلطة المستبدة، تسعى دائما لترويض الإعلامي أو تدميره، فإذا انحاز للسلطة هذا هو المطلوب واذا رفض ذلك سوف يواجه الإقصاء والملاحقة والمخاطر المختلفة.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الاجتماع ج1)، حول هذا الموضوع الحيوي: إن (مهمة الإعلامي والصحفي والباحث الاجتماعي تكون أكثر صعوبة وتعقيداً، وتستدعي المزيد مِن الانتباه والحذر والتدقيق عند ما يكون التحقيق في بيئة تحكمها الأحادية الحزبية، وتقديس الفرد، وعدم التداول السلّمي للسلطة).

لذلك تسعى السلطة لتحييد صوت الإعلام، أو سحبه الى جانبها والترويج له، وإذا عجزت عن التحييد والكسب، حينذاك سوف يكون لها كلام آخر لكل إعلامي يسعى لتهديد وجودها عبر الكلمة الحرة، ولكن لا ينبغي للإعلامي أن يتراجع أمام القمع والاستبداد، بل عليه تضييق الخناق على السلطة الغاشمة، بل لابد أن يضغط بكل الوسائل الممكنة على السلطات الثلاث، حتى تشعر بأنها تحت الرقابة والرصد والمحاسبة.

الإمام الشيرازي يوجّه الإعلام في هذا الاتجاه بقوله: (يجب ضبط السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، عبر وسائل عديدة منها الصحافة الحرة والصحفيين الأحرار، إذ يُحاسب الحكام والممثلين والقضاة عن كلِّ صغيرة وكبيرة).

الاستبداد يحاصر الإعلام المستقل

يرى الإمام الشيرازي منذ عقود طويلة ان معركة الإعلام مع الاستبداد لن تتوقف، خصوصا أن السلطة القمعية الضاربة للدستور والقوانين، لا شيء يتمكن من مواجهتها سوى الفكر والكلمة، لهذا السبب نجد الحكومات الفاشلة تترصد الإعلام، وتتابع الفكر الحر، وتضيق الخناق على المفكرين والإعلاميين الأمناء، أولئك الذين يحملون المبادئ الكبيرة، وينذرون أعمارهم ونفوسهم وممتلكاتهم من أجل إثبات فاعلية الكلمة الصادقة، التي تسعى لمقارعة الحاكم الطاغية.

لهذا السبب تستميت مثل هذه الحكومات اللاشرعية والحكام الطارئين الفرديين، من أجل كسب أو إضعاف الإعلام، من خلال أساليب غاية في الدناءة، منها التجسس وبث المخبرين وجمع المعلومات عمن يعارضها ويسعى لفضحها بين الجمهور، ولعل الأسلوب الأشهر الذي تلجأ إليه هذه الحكومات، هو أسلوب الترهيب والترغيب، فإن لم ينفعا في كسب الإعلام الى جانبها، تستخدم أقسى العقوبات، ومنها التغييب والمطاردة وزج الأصوات المناهضة له في زنازين الظلام.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الأمر تحديدا في المصدر نفسه: إن (الحكام المستبدون يفرضون أنفسهم على وسائل الإعلام، وعلى المنظمات والملتقيات العامة بواسطة الشرطة السرية، وعلى قطاعات كبيرة عبر الترغيب والترهيب).

إذاً فالحرب سجال بين الدكتاتور والإعلام، الأول يسعى لإخضاع الكلمة والفكر لصالحه وأهدافه الفاسدة، والثاني يقاوم ويرفض إذا كان مستقلا مؤمنا بدوره في التصدي للفساد والاستبداد، لذلك يسعى الحاكم الدكتاتور الى إضعاف الجماهير وضرب وشائج التعاضد بين مكونات الشعب، بأساليب خبيثة منها إثارة الفتن بينهم، ونبش الأحقاد، وإشعال نيران الاحتراب، لذلك ينهض هنا بقوة دور الإعلام لفضح هذه الأساليب المكشوفة للسلطة المستبدة.

ويبقى هدف الحاكم الفردي الهيمنة على السلطة، ونشر الفساد، وتدمير مؤسسات الدولة المدنية، وإخضاع الإعلام لمآربه التي تصب جميعا في تركيز السلطة بيده ورأيه شخصيا، بحيث يتم اختصار وجود الشعب والدولة في شخص الدكتاتور، لذلك نجد أن الإعلام الحر المستقل يتحرك بالاتجاه المضاد ولا يمكن أن يخضع لمآرب الدكتاتور.

كما ينبّه الى ذلك الإمام الشيرازي قائلا: (يقوم الحاكم الدكتاتوري بتجييش الإعلام وموارد الأمة للفتنة والفساد والإفساد والاتهام والقول بالإفك والإثم حُبَّاً للشهرة، وللإنفراد بالسلطة، ولا سبيل لمواجهة ذلك إلاّ بحرية الإعلام واستقلاليته، بعيداً عن الاحتكار والأحادية والتمركز ومركزية السلطة).

خطورة التحكّم السلطوي بالإعلام

لهذه الأسباب الظاهرة والمرئية، ينبغي على الإعلام كمؤسسة ومنظمات وأفراد، أن يحتاطوا مما هو متوقّع من سلطة جائرة، وحاكم طاغية، خصوصا أثناء ما يبحث الإعلام عن الحقائق في أعمال استقصائية وما شابه، فالعمل بحذر أمر واجب، على أن لا يتكون مثل هذه الخطوات بداية للتراجع أو الانكسار، بل يبقى الهدف هو المحافظة على النفس مع المحافظة في نفس الوقت على الموقف السليم في مواجهة الحاكم المستبد وحكومته المتنمرة الفاشلة.

كذلك ينبغي أن يتنبه القائمون على وسائل الإعلام المختلفة الى الأهداف التي تسعى الحكومة والحاكم الفردي لتحقيقها، ومنها نشر الجهل بين الناس حتى تسهل السيطرة عليهم، هنا لابد أن يتصدى الإعلاميون لحملات التجهيل المنظم التي يقوم بها الحاكم المستبد، حيث يتم إشغال الأوساط الجماهيرية الواسعة بأحداث مفبركة تجعلهم لا يرون ما تفعله السلطة وما تسعى إليه من تجهيل أو إثارة للفتن والصراعات بين أبناء الشعب الواحد.

يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال بوضوح شديد: (لا مناص مِن اجتناب إفرازات وانعكاسات الحاكم المستبد الـمُرّوِج لسياسة التجهيل والمسيطر على الإعلام، في الحوارات والمقابلات والإحصاءات في عملية البحث عن الحقيقة).

وربما لا يعي بعض العاملين في حقل الإعلام حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، إنها في الحقيقة أمانة كبرى تثقل كاهل من يعمل في ميدان الكلمة الحرة، والفكر التنويري، وإدامة المشروع الإعلامي الناهض والمستقل، بالضد من الحاكم المستبد وحكومته الفاشلة التي لا تعبأ بقضايا الشعب ولا مصير الدولة، ولا يخطر في بالها سوى ما يحصل عليه أفرادها من مكاسب مادية سريعة.

لذلك يبرز هنا دور الإعلامي والباحث والكاتب على نحو العموم، وذلك في مجال التنوير ومقارعة الظلم والتمّر الحكومي، وكبح موجات التجهيل الحكومي المدروس للشعب، خصوصا الطبقات الفقيرة، لذا فإن هذا الدور المثالي ينبغي أن يبقى حاضرا في ذهنية الإعلامي، على أن يتم التخطيط له وبرمجته من لدن المؤسسة الإعلامية الرئيسة، والمنظمات التي تعمل معها، على أن يتم تنسيق العمل الإعلامي بما يجعل الباحث والمحقق والكاتب الصحفي اكثر حرصا وأدق في تعامله مع مفردات وأهداف الإعلام الحر، كونه السبيل الوحيد لردع الدكتاتورية وتحييد الاستبداد والقضاء على الطغيان ووسائله وأربابه.

من هنا يرى الإمام الشيرازي بأن: (المسؤولية كبيرة وخطيرة وحساسة للكاتب والمحقق والباحث والإعلامي لمساعدة المواطن أو الدولة في الوصول إلى فكر وإعلام دقيق ومحقق، ينهض فيه المفكر والباحث والإعلامي إلى التعاطي الإيجابي الحرّ المتحرر).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا