مركز الإمام محمد الباقر(ع) يقيم ندوة عن المجدد الشيرازي
شبكة النبأ
2017-05-31 04:05
عقد مركز الإمام محمد الباقر(ع) لإحياء التراث ندوته الفكرية التخصصية الدورية لإحياء ذكرى وتراث علماء شيعة أهل البيت(ع)، يوم الأحد/24 شعبان/1438هـ، الموافق 21 آيار/2017م، في مكتبة الإمام الحسن (ع).
وقد خصصت هذه الندوة لإحياء ذكرى وتراث مرجع الطائفة الإمامية في عصره السيد محمد حسن المجدد الشيرازي (قدس سره). الذي آلت إليه رئاسة الطائفة والمرجعية في التقليد في بداية القرن الرابع عشر الهجري.
وألقى الباحث الأستاذ الدكتور الشيخ محمد حسين علي الصغير، (الأستاذ الأوّل المتمرّس) في جامعة الكوفة، بحثه الموسوم (الملامح العامة لمرجعية المجدد السيد محمد حسن الشيرازي (قدس سره). وحضر الندوة عدد من العلماء والفضلاء والأكاديميين والوجهاء، وطرح بعد إلقاء البحث العديد من الأسئلة والنقاشات حول موضوع البحث، بما أثرى الموضوع وعاد بالفائدة على الجميع.
وكان نص البحث المقدم في الندوة من قبل الباحث ما يأتي:
المجدد الشيرازي
هو الميرزا محمد حسن ابن الميرزا محمود ابن الميرزا إسماعيل الحسيني الشيرازي(قدس سره).
ولد في (15) جمادى الأولى (1230)هـ في شيراز. الموافق (25) نيسان (1815)م.
وحضر أبحاث ودروس علمائها الأعلام، وفي طليعتهم السيد حسن المدرس، والمحقق الكلباسي، فتاقت نفسه الى الهجرة للنجف الأشرف حاضرة العلم والعلماء، فقصدها حدود سنة (1295)هـ - (1843)م. واندمج في حياة علمية جديدة، حتى أن الشيخ الأكبر الشيخ محمد حسن النجفي صاحب (جواهر الكلام) قد نص على اجتهاده في كتاب الى والي فارس، كما ذكر ذلك الشيخ عباس القمّي(1).
وقد ثابر على حضور بحثي الفقه والأصول عند الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281هـ) أستاذ الفقهاء والمجتهدين في عصره، واغترف من نمير علمه الزاخر، حتى أهِّل للمرجعية من بعده الى جنب الفقيه العربي المتميز الشيخ راضي النجفي (1299هـ). ولدى وفاته انفرد الإمام المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي بالمرجعية العليا في ثلاثة عشر عاما مليئة بالأحداث السياسية، والهزّات القبليّة، فاشرأبّت الأعناق الى مرجعيته الرشيدة، وتطاولت الأنظار شاخصة لهذا العبقري الرصين، في حين تعصف بالنجف عصابات الزكرت وميليشيات الشمرت مع هن وهن.
فقرر السيد الشيرازي مغادرة النجف الأشرف الى سامراء المقدسة في شعبان عام (1291)هـ مهاجرا في سبيل وحدة الأمة، والحفاظ على الإسلام، من خلال تحقيق التفاعل الروحي بين السنة والشيعة في العراق. إذ عمدت السياسة التركية الهوجاء الى إثارة النعرات على لسان حكّامها الجهلة في بغداد والقصبات العراقية تزمّتا وتعنّتا واستهانة بالشعور العراقي العام.
ولدى اتخاذ المجدد الشيرازي (سامراء المشرفة) مقرا للمرجعية العليا، تمكن من جمع الشتات وتوحيد الشمل، فعاد الشيعة والسنة إخوانا في كل شيء بمناخ جديد حالم; فلا نزعة طائفية، ولا نزغة عنصرية، وعاشوا إخوانا بسلام. وازدهرت سامراء بتشرفها بالإمامين العسكريين: الإمام علي الهادي وولده الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وبلغت الذروة في الإسكان والاستيطان من شتى الديار والقصبات; إذ قذف المسلمون بأفلاذ أكبادهم باتجاه سامراء ييممون شطرها، ويهبطون ربوعها لغرض الدراسة الحوزوية، والتزود من معين أساتيذ العلوم العقلية والنقلية، بما يحقق لهم الآمال في التخصص الدقيق في كل من الفقه والأصول وعلوم الحديث.(2)
وكان السيد الشيرازي قد اصطحب معه خيرة أصحابه وتلامذته، فحلّوا سامراء، فعادت بهم مباءة للعلم والعمل والفضيلة والكمال. وكان في طليعة هؤلاء من تبوأ من بعده سدّة المرجعية العليا في فريق منهم، وعادوا أئمة يقتدى بهم، ودعاة يشار إليهم بالبنان، فنشروا العلم بحثا وتمحيصا ومدارسة. وكان من أبرزهم:
1- ابن عمه الميرزا إسماعيل الشيرازي، والد المرجع السيد عبد الهادي الشيرازي.
2- الميرزا محمد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين.
3- الشيخ رضا الهمداني.
4- السيد محمد الأصبهاني.
5- الشيخ فضل الله النوري.
6- السيد حسين القمي. المرجع الديني في كربلاء فيما بعد.
7- السيد عبد المجيد الكروسي.
8- الشيخ حسن علي الطهراني.
9- الميرزا أبو الفضل الطهراني.
10- الميرزا حسين السبزواري.
11- الميرزا إبراهيم الشيرازي.
12- المولى محمد تقي القمي.
13- السيد إبراهيم الدامغاني.
14- المولى علي النهاوندي.
15- السيد إبراهيم الترشيزي.
وكل هؤلاء عادوا –فيما بعد– من المجتهدين الأعاظم. وقد نشروا علمهم: تدريسا ومباحثة وتأليفا. وقد تخرجوا على يديه فعادوا منارا شامخا، وأمثلة يقتدى بهم.
يقول الشيخ عباس القمّي في تعداد مزاياه، وما يتمتع به من صفات وآثار ((وله - قدس سره - في سجاحة الأخلاق وأصالة الرأي وقوة العارضة، وسداد الذاكرة، وإصابة الحدس، وحدّة التفرس، والحصافة في القول، ووفور العطاء، وقضاء الحوائج، وتواصل العبادة، والزهد البالغ مع توجه الدنيا عليه، مقامات أو كرامات لم يدلنا التاريخ على اجتماعها في رجل واحد، وبذلك كله تقلّد رئاسة كبرى، حتى لا يذكر معه غيره، وانقادت له الأمور بأسرها، وعنت له الوجوه، وأذعنت العلماء، وهابته الملوك، وانثالت عليه الأموال من أقطار المعمورة، فطفق يدرها على الطلبة والفقراء في المشاهد المقدسة أجمع)). (3)
وقد وصفه العلامة الشيخ محمد علي الأوردبادي النجفي بالقول ((فهو – كما كان بطل العلم، ورجل التحقيق، ونابغة الأدب – كهف التقى، وعلم الهدى، ومنبثق النهى. وكما أنه سيد الساسة، ومستودع الكياسة، وقدوة من تقلد الرئاسة، فهو منتهى المجد، وغاية الشرف، ومنار الحسب، وكما أنه سمة العدل، ووسام الكرم، وشارة الأخلاق، فهو مستوى الحقيقة، وداعية الدين، وحافظ نواميسه، وهو حامية القرآن، ومحيي السنة، ومميت البدعة، فلقد أقام العمد، وقوّم الأود، وكلأ الأمة، ونشر مآثر الأئمة (ع)، فأي بيان يفي بحقه، وإن ملئت الصحف، ونشرت الطوامير الطوال! فأين كانوا يجدون كمثله فيزدلفون إليه ويخضعون لعظمته)). (4)
وكانت مرجعية الشيرازي متفتحة الأنظار عمّا ينفع الأمة ويعلي من شأنها، ويمرّن قدراتها المعرفية والعلمية، فقد توافد المئات من طلبة العلم من النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية المشرفة على سامراء، ولا سكن لهم، ولا مورد يعينهم على متطلبات العيش الكريم في أبسط المتطلبات، مما اضطر معه المجدد الشيرازي الى بناء مدرسته العلمية المباركة القريبة من الإمامين العسكريين (ع)، وهي مدرسة ذات مساحة فارهة، وأروقة للدرس العالي، وساحة مستطيلة، تشرف عليها عشرات الغرف للطلاب من خلال الطابق العلوي والطابق الأرضي، فكانت موئل طلاب الحوزة العلمية في التدريس والغذاء والإقامة والسكن، تشبيها بالأقسام الداخلية في عصرنا هذا.
فخرّجت عشرات المجتهدين، ومئات الأفاضل والعلماء، وعادت إحدى مشاهد سامراء المرموقة. وقد اعتدي على هذه المدرسة مرتين: الأولى، بعد أحداث احتلال الكويت الدامية، وما جرّت على العباد والبلاد من الويلات والدمار، فاندفع الشباب العشوائي في سامراء عام (1991م) الى تهديم الشرفات والأواوين والغرف والمقاعد الدراسية، ونهب المكتبة الكبرى فيها، دون تفكير في أية مسؤولية أدبية أو أخلاقية، وكانت تلك الحملة ردّا على من قتل من المراتب والضباط لدى ما يسمى بـ(الانتفاضة الشعبانية). وكان الاعتداء الثاني بعد سقوط نظام الطاغية عام (2003م) ضمن حملة التكفيريين ضد كل من ينتمي لأهل البيت(ع) بصلة، وذلك لدى الاعتداء التكفيري الأهوج على ضريحي الإمامين العسكريين(ع) في سامراء من قبل الإرهابيين والمتعصبين، لا كثّر الله في المسلمين أمثالهم، فقد شوّهوا سمعة الدين الإسلامي، واعتدوا على الحرمات والمقدسات.(5)
وكانت مرجعية المجدد الشيرازي متميزة في أدوارها كافة، وهي تمثل خطوة حضارية في توحيد كلمة الأمة في ضوء كلمة التوحيد المقدسة، واختفت –ببركاتها في سامراء بخاصة والعراق بعامة– كل مظاهر التمييز الفئوي والمذهبي والعرقي والطبقي والعشائري والطائفي، وعادوا اخوانا على سرر متقابلين.
ولم ترحب الدوائر الاستعمارية بهذا الانسجام والتآخي بين المسلمين، وكيف لا؟ وشعارهم المأثور الروماني المعروف (فرّق تسد) الذي أقره مؤتمر (سايكس- بيكو) في القاهرة على يد المستر تشرشل عام1911- 1916 فيما بعد.
وقد سلكت الدوائر الاستعمارية لتحقيق هذا الغرض الدنيء شتى الأساليب، فأوحت بعض السفارات الأوربية الى بعض عملائها من المعروفين بسفك الدماء والطائفية بوقت واحد، وأوعزت إليه باغتيال ابن المجدد الشيرازي، فما كان من السفارة البريطانية، والسفارة الروسية، والحكومة الإيرانية، والحكومة التركية إلا أن يوفدوا سفراءهم وممثليهم الى المجدد الشيرازي بأنهم حاضرون ومستعدون لتنفيذ أوامره من قتلة ولده، فامتنع السيد أشد الامتناع عن سماع هذه الدسائس والأكاذيب التي أريد بها تفريق الصفوف، واستغلال الفرصة لإثارة الفتنة، وقال بما مؤداه: أحد أبنائي قتل أخاه، ولا أطلب شيئا ولا دية، ولا تسليم القاتل إن عرف.
وفي سامراء قابله الزعيم المصلح السيد جمال الدين الأفغاني مخاطبا إياه بتلك الألفاظ التكريمية الراقية التي يحسن أداءها الأفغاني، بتعبيره الجذّاب، ودبلوماسيته المعهودة، فهو سياسي خبير، وداهية من الطراز الأول، وأراد حمل المجدد الشيرازي على إصدار فتوى تقضي بتكفير ناصر الدين شاه الملك الإيراني، فما أصغى لذلك حذر سفك الدماء، وقيام الفتنة، وعدم تكامل أدلة ما أراد.
وحينما منحت الحكومة الإيرانية من قبل ناصر الدين شاه القاجاري لبريطانيا امتياز التنباك لشركة انكليزية. و"التنباك" عبارة عن نوع من التبغ يوضع في النارجيلة للتدخين، وما زال شائعا حتى الآن في الاستعمال في إيران والبلاد العربية.
وكان إعطاء هذا الامتياز يعني بداية التغلغل الانكليزي في إيران. فلم يقف المجدد الشيرازي مكتوف اليدين إزاء إعطاء هذا الامتياز لهذه الشركة التي عاثت فسادا في الأرض في شتى الميادين، فاستملكت المساحات الكبرى والبنايات الضخمة، لإدارة أعمالها. وكانت تخفي وراء هذا أهدافا أعمق من الأمر الظاهري، فأشاعت الفجور والسفور والخمور، وجلبت عشرات الآلاف من الانكليز الى إيران، فكانت فرصة لتغيير معالم إيران الإسلامية والاجتماعية. ورأى المجدد الشيرازي (قدس سره) بذلك تدخلا سافرا في شؤون البلد الداخلية، وهو حاضرة إسلامية محافظة في حدود، وعدّ ذلك امتداد لأخطبوط الدول المستعمرة في عمق الدولة، فأصدر فتواه الشهيرة بتحريم هذا النوع من التبغ، وقد عرفت هذه الفتوى باسم "تحريم التنباك"، فامتنع الشعب الإيراني أجمع من التدخين، ومن شراء التنباك، حتى بلغ الحد أن طلب الشاه نفسه (نارجيلة)، فقيل له: إنها كسرت مع جميع آلاتها ولوازمها، تنفيذا لأمر المجدد الشيرازي، وانهارت الشركة، وتبعثرت كل استعداداتها، وتحطمت جميع معداتها، وأعلن إفلاسها، وفشل المشروع البريطاني.
وكانت هذه الشركة قد أجيزت من ناصر الدين شاه نفسه. وفي أواخر تموز 1891م أبرق السيد الشيرازي الى الشاه يطلب منه الاستجابة لرغبة الرعية في إلغاء الاتفاقية، فأرسل إليه الشاه جوابا طويلا يذكر فيه شرعية عقده الاتفاقية، وأرسل ذلك الى القنصل الإيراني ببغداد، فحمله الى السيد الشيرازي بسامراء، فلم يقتنع الشيرازي بتلك الأعذار الواهية، وأبرق الى الشاه مجددا إلغاء الاتفاقية، فما استجاب الشاه، فأصدر السيد المجدد الشيرازي فتواه، ونصها ((بسم الله الرحمن الرحيم: اليوم استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه)).
يقول الدكتور علي الوردي "ان هذه الفتوى على اختصارها كانت بمثابة القنبلة من حيث تأثيرها في المجتمع الإيراني; فهي حين وصلت الى الشيخ محمد حسن الأشتياني بطهران، وكان كبير المجتهدين فيها، أمر أن تقرأ على الجمهور على المنابر، واستنسخ منها مائة ألف نسخة، فأرسلت الى أنحاء إيران، وقد حاولت الحكومة الإيرانية جمع النسخ من أيدي الناس، ومنع انتشارها، فلم تفلح"
واضطر الشاه الى إلغاء الاتفاقية، ودفع للشركة البريطانية صاحبة الامتياز الملغى تعويضا قدره نصف مليون باون. (6)
ومن خلال ما تقدم يمكن إلقاء الضوء باختصار وإيجاز على الملامح العامة لشخصية المجدد الشيرازي، فقد كان صلب العقيدة، متكلا على الله تعالى في كل حركاته وسكناته، يضاف الى ذلك إغناؤه للمحتاجين على حد سواء; القريب والبعيد، القاصي والداني، العدو والصديق، دون تفريق بين الطبقات الاجتماعية، فاستهوى قلوب السنة والشيعة في سامراء، وملك أزمة القيادة، وعاشت سامراء أرغد أيام حياتها في ظل مرجعيته العليا.
وفي يوم الأربعاء 24شعبان المعظم/1312هـ - 20 شباط/1895م توفي المجدد الشيرازي في سامراء، وحمل نعشه الشريف الى النجف الأشرف على الأعناق، ودفن عند مدرسته ومسجده في أول باب (الشيخ الطوسي) المؤدي الى الصحن الحيدري الشريف.
وبذلك تنطوي صفحة من المجد المؤثل، والمرجعية المجاهدة الرشيدة، وقد أبقى من تلامذته جمهرة من المجتهدين الأعاظم في كل من سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف الأشرف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.