حليب الأم والحليب الصناعي أيهما الأفضل لمستقبل الطفل
د. مازن سلمان حمود
2015-12-07 07:41
ازدادت نسبة تغذية الأطفال بواسطة الحليب الصناعي في الوقت الحاضر، إذ وصلت الى 90% في بعض الدول، وانخفضت نسبة تغذية الأطفال من حليب الأم الى 10% فقط.
وهناك جدل كبير حول حسنات حليب الأم ومساوئ الحليب الصناعي، وسوف نحاول في هذه الأسطر المقارنة بين الحليبين ونترك للقارئ معرفة وتمييز الأصلح.
مكونات الحليب الصناعي وحليب الأم
تختلف المكونات الرئيسية من البروتين والكاربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن الموجودة في حليب الأم عن مكونات الحليب الصناعي.
البروتين:
حليب الأم= 1غم
الحليب الصناعي= 5.3 غم
يحتوي الحليب الصناعي على كمية كبيرة من البروتين بحدود ثلاثة أضعاف ما يحتويه حليب الأم، ولهذه الزيادة مساوئها:
1- عملية التمثيل الغذائي للبروتين ينتج عنها صنع اليوريا، وهذه اليوريا تطرد بواسطة الكلى.
والحليب الصناعي لاحتوائه على بروتين عال ينتج كميات كبيرة من اليوريا التي تشكل ثقلاً كبيراً على الكلى عند طردها وخصوصاً في الأطفال الخدج الذين ولدوا قبل أوانهم أو أقل وزناً من الطبيعي، حيث تكون الكلى ضعيفة ولا تتحمل هذه الكمية الكبيرة من اليوريا.
2- يحتوي البروتين على الكازين، وحليب الأم يحتوي على 20% كازين بينما يحتوي الحليب الصناعي على 50% كازين.
والكازين في معدة الطفل يتخثر ويصبح على شكل كتلة صلبة، ولوجود كازين عال في الحليب الصناعي فإن ذلك يؤدي الى تكون كتلة كبيرة في معدة الطفل ما يؤدي الى إصابته بسوء الهضم وحدوث الغازات وثقل في المعدة، وخصوصاً لأن البروتين لا يمتص سريعاً من الأمعاء.
3- مكونات البروتين من الأحماض الأمينية تكون متوفرة بدرجة عالية في حليب الأم، مما يجعل عملية نمو الطفل أكثر كفاءة من الحليب الصناعي.
4- يتوفر الحامض الأميني السستايين في حليب الأم بكمية عالية، والسستايين يتكون في الجسم من الحامض الأميني المثييونين، وعملية تحول المثيونيين الى سستايين تكون مفقودة عند الأطفال في بداية الأسابيع الأولى من عمرهم، مما يجعل تناول السستايين عن طريق الحليب ضرورياً جداً. ويتحول السستايين الى تاورين الذي يتحد مع المادة الصفراء المفرزة من الكبد ليكون تايروكولك أسيد وهو المهم في عملية تحلل الدهون في الجسم وفي عملية هضم الشحوم في الغذاء وامتصاصها.
الدهون:
حليب الأم = 4 غم
الحليب الصناعي= 8.3 غم
الدهون تكون أكثر نسبياً في حليب الأم منها في الحليب الصناعي، والاختلاف يكون في مكونات الدهون من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة والتي تكون نسبة كبيرة في حليب الأم (2.7 غم/100غم من الدهون)، بينما تكون بنسبة قليلة في الحليب الصناعي (4.1غم/100غم الدهون).
والأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة ضرورية جداً في عملية نمو الطفل، حيث أثبتت بحوث عديدة أن نقص هذه الأحماض يؤدي الى تأخر النمو عند الأطفال وإصابتهم بالأكزيما الجلدية.
ويجب ألا تقل نسبة الطاقة الناتجة عن الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة عن 0.5% من إجمالي الطاقة التي يحتاجها الطفل.
ويحتاج الطفل الى نسبة 1% طاقة تأتي من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة لعملية نموه.
وحليب الأم يمنح الطفل 6% تأتي من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة، أما الحليب الصناعي فإنه يمنح الطفل 0.5% طاقة من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة.
نمو الطفل وزيادة الوزن
يولد الطفل ويسير نموه على خط معين يحافظ فيه على وزنه بالنسبة لعمره أو لطوله.
وإعطاء الحليب الصناعي الذي يحتوي على نسبة عالية من البروتينات يجعل الطفل متقبلاً للتغير من خط نموه الطبيعي الى خط أعلى مما يصيبه بزيادة في الوزن والإصابة بالسمنة.
وفي بحوث عديدة أجريت على أشخاص مصابين بالسمنة ومضاعفاتها وجدوا أنهم كانوا يتناولون الحليب الصناعي في السنوات الست الأولى من عمرهم مما يجعل الطفل عرضة للإصابة بزيادة الوزن وتضخم الخلايا الشحمية.
وحسب الجدول الذي يوضح خط سير نمو الطفل الطبيعي، فإن هناك أطفالاً يولدون على خط سير، 3 وآخرين على خط 10 و50 و90 و،97 وكل خط له وزنه الخاص بالنسبة الى عمر الطفل.
وعند إعطاء الطفل الحليب الصناعي فإنه ينتقل الى خط أعلى من خطه الطبيعي مما يجعل وزنه أكثر من الطبيعي. وتبدأ الخلايا الشحمية بالتضخم واستيعاب كمية أكبر من المواد الشحمية وبالتالي الإصابة بالسمنة.
الكاربوهيدرات (اللكتوز)
حليب الأم= 4.7 غم
الحليب الصناعي= 5.4 غم
يحتوي حليب الأم على كمية كبيرة من اللكتوز، واللكتوز يساعد على امتصاص الكالسيوم من الحليب، وهو مصدر كاربوني جيد لبعض البكتيريا في الأمعاء تدعى لاكتو-باسيلوز، والأمعاء عند الأطفال تمتص 10% من اللكتوز الموجود في الحليب والباقي تستفيد منه هذه البكتيريا في الأمعاء.
الفيتامينات
يحتوي كل من حليب الأم والحليب الصناعي على كمية جيدة من الفيتامينات ما عدا فيتامين D، حيث يكون بنسبة قليلة في الحليب الصناعي.
فحليب الأم يحتوي على 8 مايكروغرام/100 سي.سي حليب من فيتامين D، أما الحليب الصناعي فإنه يحتوي على كمية قليلة جداً من فيتامين D (أقل خمس مرات من كمية فيتامين D الموجود في حليب الأم).
وفيتامين D الموجود في حليب الأم له خاصية فريدة كونه يذوب في الماء مما يساعد على عملية امتصاصه من قبل الأمعاء والاستفادة منه، فلذلك نجد الأطفال الذين يعتمدون على حليب الأم أقل عرضة للإصابة بالكساح.
أما فيتامين C (ه) فيوجد في حليب الأم بكمية تتراوح بين 3 - 4 ملغم/100 سي.سي من الحليب، وهذه الكمية تكون كافية لمنع الطفل من الإصابة بالاسقربوط (نزف اللثة وعدم التئام الجروح والتحام الكسور) وبما أن فيتامين C يتأثر بالحرارة فإن تحضير الحليب الصناعي يحتاج الى غليان مما يفقد الحليب ميزة احتوائه على فيتامين C، لأنه يتأكسد بالحرارة العالية مما يجعل الطفل عرضة للإصابة بالاسقربوط، فلذلك وجب إعطاء الأطفال الذين يعتمدون على الحليب الصناعي قطرات طبية حاوية على فيتامين C.
ويحتوي حليب الأم على 10 - 20 مايكروغرام/100 سي.سي حليب من فيتامين B1.
أما فيتامين B2 فحليب الأم يحتوي على 30 مايكروغرام/100 سي.سي حليب.
وهذه الكمية تكون كافية بالنسبة للطفل.
أما الحليب الصناعي فإنه يحتوي على كمية كبيرة من فيتامين B2 230 مايكروغرام/ ليتر من الحليب، ولكن تعرض الحليب الى أشعة الشمس يجعله خالياً من فيتامين B2 لأنه يتأكسد بوجود أشعة الشمس.
المعادن والأملاح
تختلف نسبة المعادن والأملاح الموجودة في حليب الأم أو الحليب الصناعي، حيث تكون نسبة الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنزيوم والفوسفور والزنك عالية في الحليب الصناعي وتكون نسبة الحديد والنحاس في حليب الأم.
وهذه الزيادة في نسبة المعادن لها تأثير في جسم الطفل وعمل الأعضاء الداخلية.
أ - الصوديوم
حليب الأم= 7 ملمول/ ليتر
الحليب الصناعي = 25 ملمول/ ليتر
الحليب الصناعي يحتوي على كمية كبيرة من الصوديوم، وكل هذه الكمية تمتص وتطرد عن طريق الكلى، وبما أن فاعلية الكلى عند الأطفال تكون غير متكاملة، فإن ذلك يؤدي الى عدم طرح جميع الصوديوم في الإدرار، وزيادة نسبة الصوديوم في الدم والإصابة بالتيبس المائي (فقدان الماء من الجسم).
وأغلب الأمهات يحضرن الحليب الصناعي بطريقة خاطئة، بحيث يكون أكثر تركيزاً ويحتوي على كمية قليلة من الماء، مما يجعل كمية الصوديوم عالية في الرضعة الواحدة، ويؤدي الى زيادة نسبة الصوديوم في الدم، ونتيجة لكثرة الإصابة بالإسهال المرافق للرضاعة الصناعية الآتي من عدم أو قلة تعقيم أدوات الرضاعة، فإن ذلك يساعد على زيادة نسبة الصوديوم بالدم والإصابة بالتيبس المائي للطفل.
وهناك 1000 - 6000 حالة وفاة لأطفال من الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية مصابين بالتيبس المائي وفقدان الماء من الدماغ.
ب - الكالسيوم
حليب الأم= 34 ملغم/100 سي.سي
الحليب الصناعي= 120ملغم/100 سي.سي
الحليب الصناعي يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم الموجود في الحليب يمتص ويطرد على طريق الكلى، والمشكلة في وجود فيتامين D الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم، فعدم وجوده في الحليب الصناعي يجعل الشركات المصنعة للحليب تضيف كميات كبيرة من فيتامين D مما يؤدي الى زيادة امتصاص الكالسيوم والإصابة بتكلس الكلى والمثانة.
ج - الفوسفور
حليب الأم= 14 ملغم/100 سي.سي
الحليب الصناعي - 95 ملغم/100 سي.سي
تحدث حالات من التشنجات العضلية للأطفال في الأسابيع الأولى من عمرهم، أو الأطفال الخدج، وكذلك يعتمدون على تناول الحليب الصناعي.
وسبب هذه التشنجات وجود نسبة عالية من الفوسفور في الحليب الصناعي والذي لا تستطيع الكلى طرده في الإدرار مما يؤدي الى زيادة نسبة الفوسفور في الدم.
وهناك خاصية تجاذب بين الفوسفور والكالسيوم مما ينتج زيادة سحب الكالسيوم من الدم وقلة نسبة الكالسيوم في الدم تصيب الطفل بحالات التشنج العضلية.
المناعة
يكون الجنين في داخل الرحم خالياً من البكتيريا، وعند الولادة وفي الأسابيع الأولى من عمره يكون عرضة لغزو من قبل أنواع عديدة من البكتيريا.
وعند عدم وجود المناعة الكافية لديه تزداد نسبة إصابته بالالتهابات وترتفع نسبة الوفاة.
المادة اللزجة التي تفرزها الأم في الأيام الأولى من بدء الرضاعة تدعى كلوستروم، وتحتوي على نسبة عالية من عوامل المناعة التي تمنح الطفل المناعة الكافية والضرورية ضد البكتيريا التي تغزو جسمه.
ومن هذه العوامل ال IGA ولكتوفرين وليزوزايم، وهذه العوامل تحمي الطفل من الإصابة بالأمراض وخصوصاً أمراض الجهاز الهضمي.
وبالإضافة الى وجود هذه العوامل المهمة في حليب الأم يوجد عامل آخر يدعى عامل بيفيدوس، وعمله تنشيط بعض البكتيريا في أمعاء الطفل وهي بكتيريا اللكتور بسيلوز والتي تعمل على جعل الوسط في الأمعاء حامضاً مما يؤدي الى قتل البكتيريا الضارة أو عدم تكاثرها.
أما الحليب الصناعي فإنه لا يحتوي على هذه العوامل التي تمنح جسم الطفل المناعة ضد البكتيريا والأمراض، فلذلك نجد أغلب التهابات الأمعاء منتشرة عند الأطفال الذين يعتمدون على التغذية الصناعية.
الالتهابات
الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية تكثر لديهم الإصابة بالالتهابات وخصوصاً التهاب المعدة والأمعاء الحاد، مما يؤدي الى زيادة نسبة الوفيات عند الأطفال، وتأتي هذه الزيادة في الوفيات نتيجة عدم وجود عوامل المناعة المتوفرة في حليب الأم. وكذلك تلوث الزجاجات أو (القناني) وعدم تعقيمها تعقيماً جيداً، مما يؤدي الى دخول البكتيريا المضرة الى أمعاء الطفل، بينما يكون حليب الأم معقماً ونظيفاً وخالياً من البكتيريا الضارة، ولذلك نجد أن نسبة وفيات الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية تكون أضعاف نسبة وفيات الأطفال الذين يعتمدون على حليب الأم في تغذيتهم.
تحديد النسل
الفائدة الأخيرة لحليب الأم هي تحديد النسل، فعملية الرضاعة المستمرة تحفز غدة الهايبوتاملس الموجودة في الدماغ، الذي يتأثر بقلة هرمون الاستروجين والذي يؤدي الى عدم نضوج البويضة، مما يمنح فرصة كبيرة للمرأة بعدم الحمل.
وأغلب النساء تكون الرضاعة المستمرة لأطفالهن بمثابة مانع طبيعي للحمل طوال فترة الرضاعة.
الرضاعة تحافظ على النحافة
أظهرت دراسة أمريكية أن الرضاعة تساعد الأمهات على الحفاظ على نحافتهن لاحقاً.
وأفاد موقع هلث داي نيوز الأمريكي أن الدراسة التي أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة بيتسبرغ بيّنت أن لدى النساء اللواتي أرضعن أطفالهن لفترة، كميات قليلة من الدهون في منطقة البطن هي أقل من تلك الموجودة لدى غير المرضعات.
ونقل عن المسؤولة عن الدراسة كانداس ماكلور قولها إن البطن هو المنطقة الأقل صحة للمرأة لتخزين الدهون، ويبدو أن الرضاعة الطبيعية تستهدف هذه الدهون السيئة. ووجدت الدراسة التي شملت 351 امرأة بلغ متوسط أعمارهن 51 سنة، أن حجم النساء متوسطات الأعمار، اللواتي أرضعن أطفالهن، في منطقة البطن أقل بمعدل 08.5 سنتيمتر عن غير المرضعات. وكانت وزارة الصحة الأمريكية أشارت إلى أن للرضاعة الطبيعية منافع كبيرة للرضع بينها التخفيف من خطر التعرّض لأمراض الأذن، وضيق التنفس، ومشاكل المعدة، والأمراض التنفسية، والحساسية الجلدية، والسكري ومتلازمة الموت الفجائي لدى الرضع.