هل يمكن لتصميم الجرافيك أن ينقذ حياتك؟
الصحة العامة: تصميم من أجل الحياة
دورية Nature
2023-09-11 05:36
بقلم: وديث جلين
في عام 1987، مع تفشي فيروس الإيدز AIDS في مدينة نيويورك سيتي، صَمَّم ستة من النشطاء المثليين ملصَقًا؛ لكسر حالة الصمت بشأن الوباء. احتوى الملصَق على مثلث وردي، يمثل الشارة التي فُرضت على المثليين في معسكرات الاعتقال النازية، ولكن مجتمع المثليين قام بقلب الصورة والاستئثار بها، باعتبارها رمزًا للتضامن. وأسفل الصورة كُتبت عبارة: "الصمت = الموت". وقد ساعد الملصَق، الذي تبنَّته جماعة احتجاجية تُدعى "أكت أب" ACT UP، على شحذ همة الناس للتوعية بشأن فيروس العوز المناعي البشري HIV والإيدز. وقد أحدثت حملة "لا تَمُتْ مِن الجهل" المعاصرة لتلك الفترة في بريطانيا القدر نفسه من التأثير؛ فقد ظهرت صور شاهد القبر الذي يحمل كلمة "الإيدز" على المنشورات، واللوحات الإعلانية، والإعلانات التليفزيونية.
هذه الصور الرمزية - إلى جانب شاهد القبر المكتوب عليه كلمة الإيدز ذاته - معروضة بين مقتنيات معرض مجموعة "وِيلْكَم كوليكشن" Wellcome Collection في لندن، الذي نُظِّم تحت عنوان: "هل يمكن للتصميم الجرافيكي أن ينقذ حياتك؟". يضم المعرض حوالي 200 عمل من شتى أنحاء العالم، تتنوع ما بين التاريخية (مثل إشعارات الإصابة بالطاعون في القرن السابع عشر)، والحديثة (مثل لوحة إعلانات تكنولوجية من البرازيل، صُممت لجذب واصطياد حشرات الناموس التي تنقل فيروس "زيكا" وغيره من الفيروسات). يهدف القائمون على تنظيم المعرض - المصممان المحترفان لوسيان روبرتس، وريبيكا رايت، بالتعاون مع شاميتا شارماتشارجا من مجموعة "وِيلْكَم" - إلى إظهار كيف يمكن لفن تصميم الجرافيك أن ينشر الوعي والإقناع والتحفيز في مجال الصحة.
كان الافتتاح مدهشًا بالنسبة لمعرض عن إنقاذ الأرواح؛ فقد تضمَّن الافتتاح عرضًا لإعلانات التبغ منذ أربعينيات القرن العشرين فصاعدًا. يوضح العرض كيف قامت صناعة التبغ ومصمموها بإفساد المحاولات المبذولة لوضع قيود على عملية الترويج للعلامات التجارية، وإضافة تحذيرات صحية، مستخدمين في ذلك تكتيكات صدمة مدروسة. ومن ثم، ظهرت ماركة السجائر المعروفة باسم "الموت" Death، كما برزت الحملة التي أطلقتها شركة "ساتشي آند ساتشي" للترويج للسجائر المعروفة باسم "سيلك كات" Silk Cut، التي حققت نجاحًا فائقًا باستخدام صور سريالية لقِطَع من الحرير البنفسجي والإثارة الجنسية، وبدون استخدام الكلمات على الإطلاق. في الوقت ذاته، قام مصممو جرافيك المكلفين من الحكومات بالتصدي المخاطر، بداية من الصور المرسومة على الطوابع البريدية، وانتهاء بتصميم عبوات السجائر ذات اللون الواحد، باستخدم "أقبح" الألوان في نظام "بانتون" لملائمة الألوان (لون البني الأخضر 448 C، ويُعرف أيضًا باسم "الكوشيه المعتم" opaque couché). يقول رايت: "حيثما يبدو أنه لا يوجد تصميم، فهذا هو التصميم".
"بإمكان التصميم الجيد أن يضيف ظلالًا بسيطة تساعد على الفهم".
بإمكان التصميم الجيد أيضًا أن يضيف ظلالًا بسيطة تساعد على الفهم. ففي العصر الفيكتوري، استخدم رائد علم الأوبئة جون سنو، والممرضة والمُصْلِحة الاجتماعية فلورنس نايتنجيل صور لافتة للنظر؛ بهدف استطلاع البيانات بدقة، وإقناع الآخرين باكتشافاتهما. ومن بين المعروضات خريطة سنو لوفيات الكوليرا أثناء تفشي الوباء في عام 1854 في ضاحية سوهو بلندن، وكذلك الرسم البياني "مخطط الوردة" Rose Diagram لنايتنجيل في عام 1858، الذي أوضح أن المرض كان السبب الرئيس للوفاة بين الجنود البريطانيين أثناء حرب القرم (D. Cressey Nature 507, 304–305; 2014). أما في صناعة الأدوية، فلا ينحصر استخدام تصميم الجرافيك على الترويج للعلامات التجارية وتصميم الشعارات؛ إذ يمكن أيضًا أن يساعد المرضى على فهم التعليمات. فعلى سبيل المثال، استخدمت الشركة الإسرائيلية "تيفا للصناعات الدوائية" نظامًا للتوسيم، يتضمن ألوانًا وأشكالًا تميز بين أنواع الأدوية، فضلصا عن تقديم هوية الشركة. كما تساعد الرسوم التوضيحية التشريحية - بداية من الكتب المجسمة في القرن السادس عشر ووصولًا إلى التطبيقات الإلكترونية الحالية - على شرح كيفية عمل جسم الإنسان، وتُستخدم الكتب المصورة في التثقيف الجنسي.
وفي وسط المعرض نجد أنفسنا بداخل مستشفى. تشكل الستائر الزرقاء التي تُستخدم مرة واحدة خلفية لصور تفاعلية مضيئة، الهدف منها جذب انتباه الأطفال (مثل لعبة "غميضة الحيوانات" في برشلونة بإسبانيا)، إلى جانب لوحات صُممت لتجعل المستشفيات أكثر حفاوة. دعا "مجلس التصميم" بالمملكة المتحدة ووزارة الصحة إلى وضع خطط للحدّ من العنف في أقسام الحوادث والطوارئ بالمستشفيات، حيث يمكن أن يطول الانتظار لساعات طويلة. وقد كشفت الأبحاث أن نقص المعلومات يمثل مصدرًا رئيسًا للإحباط. تمخض ذلك عن تصميم ناجح، يشمل لوحات مثبتة في أماكن استراتيجية، تصف كل مرحلة من مراحل رحلة المريض عبر أقسام الحوادث والطوارئ، وشاشات عرض تبين مُدَد الانتظار. وبعد عام، انخفضت حوادث العنف في الأقسام التي جرى فيها تجريب النظام بنسبة 50%.
مثال آخر على تأثير تصميم الجرافيك، يتمثل في حملة "اقتلوا جيل" Kill Jill، التي انطلقت في اسكتلندا في عام 2009. دعا ذلك الفيديو - المثير للاستفزاز على نحو متعمَّد - عامة الشعب إلى إنقاذ طفلة في حاجة إلى عملية نقل أعضاء، أو قتلها (بالتجاهل). تلقت الحكومة الاسكتلندية الكثير من الشكاوى، ولكنها صمدت أمامها. وقد تضاعف عدد المتبرعين المسجلين ثلاث مرات على مدار فترة الحملة.
ورغم ذلك، فبِحُكْم عملي كعالمة أوبئة، لم أستطع أن أمنع نفسي من التشكك في بعض النتائج المعلنة. إن المعرض لا يحاول تقييم ما إذا كانت التصميمات قد أسفرت عن التغيرات المعلنة بالفعل، أم - إذا كان الأمر كذلك – أن هناك جوانب من الحملات كانت هي المسؤولة عن تلك التغيرات. فالأرقام ما هي إلا مقارنات بين أوضاع سابقة ولاحقة. والتقييم الأكثر دقة سوف ينطوي على إدخال تعديلات وفقًا لعوامل أخرى، واضعين في الحسبان الاتجاهات طويلة الأجل، بل وإجراء تجارب عشوائية منضبطة.
وعلى نحو يليق بمعرض للتصميمات، يتميز تنظيم المعرض وتفاصيله بالتناغم؛ فثمة أقسام مختلفة تغطي موضوعات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تأخذ واجهات العرض في قسم "الإقناع" شكل السيجارة، أما واجهات قسم "التوعية"، فتأخذ شكل علامة الاستفهام، وتشكل ستائر المستشفى حرف H - الحرف الأول من كلمة مستشفى بالإنجليزية Hospital - أما قسم "الأدوية"، فيأخذ شكل صليب أخضر، بينما يأخذ قسم "العدوى" شكل مثلث تحذيري، وقسم "الإثارة" يأخذ شكل علامة تعجب. أما نوع الخط المستخدَم في كتابة الكلمات، فهو الخط المعروف باسم Rail Alphabet، الذي صممَته مارجريت كالفرت في عام 1965، والذي تستخدمه "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية.
وربما كان من المثير للدهشة أن النَّص المصاحِب للصور كان هو الشيء الذي استوقفني بحق؛ فهو يقدم شروح واضحة وموجزة لأسباب أهمية المعروضات. ففي عصر يمكن فيه لتصميم الجرافيك أن يكون مرادفًا لمخططات المعلومات البيانية الموجزة، فإن ذلك المزيج الفعال من الكلمات والصور له تأثير منعش، بقَدْر ما هو ساحر.
جوديث جلين أستاذة في علم وبائيات الأمراض المعدية في "كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية"، وتعمل نحاتة أيضًا.