تشريع القانون وسموم عدم المساواة
شبكة النبأ
2024-07-04 04:19
بقلم: هارولد ج. لاسكي
تقوم هذه الدراسة على إنكار فرضين: الأول: هو أن النظرية الإيجابية البحتة عن القانون يمكن أن تمدنا بفلسفة وافية عن الالتزام السياسي، إذ لا يمدنا إطار الحقيقة في حد ذاته بقانونٍ عادل. ومن جهة أخرى أنكرت وجهة النظر المثالية التي تذهب إلى أن القانون الواقعي يجب أن يتمشى في أي وقت من الأوقات مع القانون كما ينبغي له أن تكون المطابقة التي عقدها هيجل بين النواحي الحقيقية والنواحي المعقولة في ميدان السياسة لا تؤدي إلى فلسفة في صدد التاريخ تبعث على الرضا، كما أن جميع نظريات الالتزام السياسي تسير على هذا المنوال.
وليس هناك اتصال بديهي بين القانون والعدالة، أو بين القانون كما هو والقانون كما ينبغي أن يكون؛ ولهذا السبب دللت على أن الحكم الذي يصدره المواطن هو الأساس الذي يجب أن يخول القانون الحق في الموافقة، فإذا قيل: إن تعرض الفرد للوقوع في الخطأ يضعف من هذا الأساس، ويجعله يئن من وطأة ما يُلقى عليه من أعباء، نجد أن هناك ناحيتين من الإنصاف ذكرهما، فإن كل ما لدينا هو حكم الفرد (أي رأيه)، وإذا نحن نبذنا حقه في اتخاذ القرارات نكون قد أكدنا ناحية من نواحٍ ثلاث، ويجب أن نقرر أن النظام هو الخير الأسمى، ومن ثم فمن الخطأ أن ننتهك حرمة القانون كما أنه من المستحيل أن يتخذ أي فرد مثل هذا الموقف، أو أنه من الواجب أن نذهب إلى أن القانون الإيجابي يجب أن يطاع دائمًا بسبب الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
ولقد نبذت هذا التدليل على أساس عدم وجود أي سبب كامن للافتراض بأن القوانين الإيجابية ترمي في الحقيقة إلى تحقيق هذه الأهداف طالما كانت هذه المسألة يجب تقريرها عن طريق دراسة العلاقة بين هذه الأهداف وما يجب أن تكون عليه هذه الأهداف، أو أنه يجب أن نقول إن القانون الذي يعبر عن إرادة الدولة ذات السيادة يعتبر قانونًا عادلًا؛ لأنه إرادة هذه الهيئة، وتلك هي وجهة النظر المثالية. ولقد أوضحت الأسباب التي جعلتني أعتقد أنه لا يمكن التمسك بها والدفاع عنها.
ولكن إذا قيل: إن الدور الذي يقوم به أي فرد يتسم بالحكمة يجب أن يكون دورًا يخيم عليه الشك، فيكفي أن نجيب على ذلك بأننا لا نستطيع الهروب من تحديد ما هو الصواب وما هو الخطأ في ميدان السياسة، وسيؤدي بنا المطاف إلى نبذ موقف التشكك لأسباب عدة. وسنجد أن وجهات النظر المختلفة والدعاوى التي لا تقوم على قدم المساواة في المجتمع، وكلما نجد بعض العلاقات التي تحمي في ظلها هذه الاختلافات، نجد أن في الإمكان اعتبار القانون قانونًا عادلًا لهؤلاء الذين يرون فيه شيئًا إجباريًّا وإلزاميًّا.
ومن الأهمية أن ندرك أن فترات التاريخ، التي يكون فيها القانون باعثًا على الرضا، هي فترات التوسع عندما تهيئ الفرص لتحقيق الأهداف وإشباع احتياجات شخصية الفرد. ومثل هذا التوسع يمهد الطريق للأمن، وفي الفترات التي يخيم الأمن على ربوعها نجد أنه قد أتيحت للعقل فرصة ثمينة لبسط هالته على تفكير الأفراد. ومن هذه الزاوية يبدو أن القانون يكون أكثر احتمالًا وأوسع نطاقًا لأن يبدو قانونًا عادلًا عندما يسهل استخدام أدوات الإنتاج في المجتمع، وحيثما وجد التناقض الذي تتمسك به المؤسسات الاجتماعية بين القوى الإنتاجية المتطورة والواقعية يكون من المحتمل أن هؤلاء الذين يعانون من جراء نتائج هذا التناقض أنهم ينظرون إلى ما تؤديه هذه المؤسسات الاجتماعية من أعمال على أنها تنطوي على نواحٍ غير عادلة.
هذا والفرد كائن عاقل؛ وهذا هو السبب في أن أولئك الذين يسنون القانون في شغف دائم بالدفاع عنه، على أساس أنه في الواقع شيء متكافئ مع العدالة. فهم يجادلون محاولين إثبات أن القانون الراهن ربما يُنظر إليه على أنه القانون كما ينبغي له أن يكون. ومن الواضح أننا عندما ندرك وجود مثل هذا القانون - في موقف من المواقف - فإننا في الواقع ندرك وجود قانون طبيعي. وإني أجاري وجهة النظر التي تقول: إنه بالرغم من جميع العقبات التي تقف في طريق هذا القانون الطبيعي نجد أنه لا يمكن التغاضي عن ضرورة النظر إليه على أنه جزء هام لفلسفة الالتزام السياسي.
ولم تنجح تلك المناقشات التي حاول بها النقاد القضاء عليه؛ إذ إن الهجوم التاريخي الذي شن على هذا القانون الطبيعي قد فترت حدته؛ لأن المشكلة التي تكمن في الميدان الطبيعي لا يمكن تحديدها على أساس مشكلة الحقيقة وحدها، فلقد خفَّت حدة هجوم رجال القانون الإيجابيين؛ لأنه أصبح من الواضح أن القانون الإيجابي لا يتضمن نصوصًا لجميع القضايا الممكنة، فإنه عند حدوث أية قضية على حين غرة؛ فعلى القاضي أو المشرع أن يحاول مقابلة ذلك عن طريق إدخال بعض الأفكار التي تعتبر معقولة أو عادلة في مثل هذه القضية. وقد وضع سير فريدريك يولوك هذا في صيغة دقيقة، فكتب يقول: «إن محاكمنا يجب عليها الاستمرار في سن القانون الذي يعتبر في الواقع قانونًا طبيعيًّا، سواء أعرفوا ذلك أم لم يعرفوه؛ لأنه ينبغي عليهم أن يجدوا الحل لكل مشكلة تواجههم، كما أن عدم وجود السلطة الإيجابية يعتمد على اعتبارات العدالة.»
ومما هو جدير بالذكر أن أغلب هؤلاء الذين يميلون إلى معارضة فكرة القانون الطبيعي مثل ديجويت يبنون على عناصرها آراءهم في الالتزام السياسي.
وليس الهجوم الميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة) ذا صفة أفضل، فلقد دل على أن جميع المسائل المتعلقة بالعدالة تعتبر مسائل نسبية، والزمان والمكان وحدهما يجعلان لها كيانًا ذا معنى، أما في العالم حيث يبدو الاتجاه الوارد في الوصية أمرًا طبيعيًّا للرجل الإنجليزي، بينما يعتقد الرجل الفرنسي (وهو على بُعد عشرين ميلًا) أن من الطبيعي أن يقوم القانون الذي وضعه نابليون بتحديد اتجاه الوصية وتنظيمها، وقد قيل: إنه لا جدوى بالمرة من محاولة وضع علم للعدالة يسعى إلى أن يسري على الجميع، وربما يتخذ الهجوم الميتافيزيقي قالبًا له شعبيته على نطاق واسع في فترة تخضع لتقلبات المقاييس الأخلاقية، هذا القالب الذي يصر على أن العدالة هي مسألة تتعلق برأي فردي؛ ولذلك لا يمكن السماح لأي مقياس موضوعي بالوجود قبل هذا الرأي.
ولا تبعث هذه النظرة على الرضا كما بدت لأول وهلة؛ إذ إنها كما أشار البروفسور كوهين أقيمت على سوء فهم بسيط لمنطق العلم، فقد كتب يقول: «إن الاعتراض يهمل الاختلاف بين قانون له كيانه وعلم المبادئ، وهذه ميزة يجب أن تتضح لنا من اتجاهات المهندس في علم الميكانيكا.» والآراء المتباينة التي نصادفها حول موضوع العدالة لا تجعل من المستحيل وجود علم للعدل، شأنها في ذلك شأن التباين في طرق الفلاحة عندما لا يجعل من المستحيل وجود علم للزراعة.
ويجب علينا ألا نبالغ في ذلك التنوع الذي نواجهه، فمن الواضح أننا نستطيع أن نغالي في الاختلافات الموجودة بين العادات الفرنسية والعادات الإنجليزية في ميدان القانون، كما نجد في حالة «اتجاه الوصية» مثلًا؛ لأن إرادة الوصي (هو الشخص الذي يكتب الوصية التي يرغب في تنفيذها بعد وفاته) سينظر إليها أغلب الأفراد على أنها إرادة واضحة ولكنها غير عادلة.
وإذا تغاضينا عن الأسباب التاريخية نجد أن السبب في الإبقاء على اتجاه الوصية في إنجلترا يكمن في كون أغلب تاركي الوصية يتركون كل ممتلكاتهم لذويهم، وبالرغم من وضوح الاختلافات في أحكامنا عن القيمة، إلا أن يتضح كذلك ما نتفق عليه. فنجد أن الجميع تقريبًا يوافقون على أن القتل والبطالة والجوع وتعاطي المخدرات أمور سيئة للغاية، كما أن أغلب الاختلافات في أحكامنا عن القيمة ناتجة عن الأحوال الاجتماعية المختلفة التي نواجهها، ولن يتوقع أحد اليوم من أرسطو أن يقوم بالدفاع عن مقومات العبودية. وجدير بالذكر أن نواحي السياسة قد أُقيمت دعائمها على افتراض أن المناقشة التي يتحكم فيها العقل والمنطق ستكفل لنا موافقة لها فاعليتها حول ما يوجد من العدالة في أي اقتراح يُقدم، ولكن إذا كان الأمر عكس ذلك، فيستحيل خلق حياة اجتماعية مشتركة.
ولكن ليس معنى ذلك أننا اليوم قد اقتربنا من وضع علم وافٍ للقانون الطبيعي، فالصعاب التي تقابلنا في الطريق جسيمة، ولا يعني كذلك أن كل شيء عادل من حيث طبيعته من الواجب حدوثه من الناحية الاجتماعية فحسب. كما أنه لا يعني أيضًا أن اختيار الفروض القانونية في هذا المجال مغامرة أكثر تعقيدًا مما في ميادين الطبيعة والكيمياء؛ إذ إننا نجد دائمًا أن هناك شروطًا «واستثناءات» تعتمد على حقائق الموقف الملموس، كما أن هناك عقبة كئُودًا تنشأ عن جهلنا المطبق فيما يتعلق دائمًا بما نقدمه من اقتراحات، كما أن الذين قاموا بإجراء تجربة «التحريم» في الولايات المتحدة لم يتنبئُوا بأن حكم رجال العصابات كانت له دلائله في تلك المحاولة.
وهناك عقبة تقف في الطريق، وهي أن تلك المقترحات غالبًا ما كانت تتقمص شخصية المصلحة بين الجماعة التي تسن القوانين والجماعة التي تتلقى هذه القوانين. وهناك عقبة أخرى وهي أن القانون - كقانون تعويض العمال عام ١٨٩٦م مثلًا - يجب أن يسنه بعض الأفراد الذين يضعون نصب أعينهم مجموعةً من الأهداف؛ لكي يقوم بتحقيق تلك الأهداف أفراد آخرون، وهناك مشكلة أخرى تنشأ عن كون القانون في الدولة القومية لا تسنه الجماهير، ولكن تسنه جماعة أخرى تميل إلى افتراض أن جميع أفراد المجتمع يحسون بحاجتهم إليه، وتكرار مثل هذا الخطأ تكرار للوقائع المخزية في تاريخ التشريع. ونحن نرى مثلًا أنه منذ مدة طويلة أي منذ وقت سبينوزا، كان في الإمكان الإصرار على أن قوانين النفقة تعجز دائمًا عن تحقيق أهدافها، ولكن ذلك لا يحول بيننا وبين تحقيقها مرة أخرى في كل عصر يجيء، ولقد حاول الحكم الهتلري أن يحدد ما سيتناوله الأفراد في طعام غذائهم.
وثمة صعوبة أخرى تتأصل في مغالطات كثيرة في العلوم الاجتماعية، وينبغي أن نضع مبادئ القانون الطبيعي بطريقة مجردة، وفي صيغة شاملة، بيد أن ذلك يثير مشكلات عدة عند تطبيق هذه المبادئ. فنقول مثلًا: إن هناك مبدأ مسلَّمًا به هو أنه يجب على الجميع أن يكونوا أمام القانون سواء، ولكن لا نستطيع أن نفرض بأي رأي شخصي عند تطبيق هذا المبدأ، ما لم تسمح الأحوال الاجتماعية بتحقيقه، وتسود التفرقة مثلًا بين الزنجي والرجل الأبيض أمام القانون في ولاية جورجيتا الأمريكية. وإن مشكلة الثمن تجعل المثل الأعلى للمساواة من الصعوبة حلها بين الأغنياء والفقراء في إنجلترا في جميع القضايا المدنية والجنائية. ففي العام الأول من حكم هتلر تلقَّى الجنود «ذوو الملابس البنية اللون» معاملة خاصة من المحاكم، وعلاوة على ذلك فإن مبادئ القانون الطبيعي قد أقيمت دعائمها على وحدة مجردة، ومن ثم فهي ذات صبغة غير طبيعية تحتاج إلى وضعها في صيغة معادلة، وذلك إذا أريد لها ألا تبث المظالم.
غير أن فكرة المعادلة الكامنة هي التكيف مع قضية الفرد، وذلك إذا تغاضينا عن الحكم الشكلي؛ وعلى ذلك فهي تَعتبر الهجوم على القانون الطبيعي لا يقوم على أساس قانوني، وهي تحول دون معرفة اليقين الذي يعتبر غاية من غايات القانون المرغوب فيها. وهي تنكر المساواة الرسمية في المعاملة على أساس المبدأ الذي يتحتم على القانون الطبيعي أن يضمنه دون اكتراث بالنسبة للأشخاص.
ومجمل القول أننا نعرف أن تطبيق القانون تطبيقًا صارمًا غالبًا ما يشدد النكير على أهداف العدالة. ويجب أن تكون مبادئنا مرنة عندما تطبق إذا ما أُريد لها أن تكسب الاحترام. ويبدو أننا نقع في مأزق إذا قمنا بتطبيق القاعدة باستمرار ودون تغيير، إذ إن ذلك يكون مدعاة للظلم، ولكن إذا لم نطبق هذه القاعدة؛ فإننا نلتزم الحصافة التي تروغ منها أنواع القانون.
وإنني أعتقد أن العراقيل التي تعترض سبيل هذا النظام تجعلنا نشعر بالمذلة أمام تلك الاحتياجات التي يجب على فكرة القانون الطبيعي أن تقهرها قبل أن تصبح تلك الفكرة صالحة لأن تعتبر مقاييس التصرف السياسي، وإن ما كسبناه من معرفة ولا سيما في القرن الماضي كان كبيرًا. كما أن الفارق بين المواد القانونية التي كانت تحت تصرف لورد الدون والمواد التي استخدمها مستر هولمز تمثل تقدمًا كبيرًا مثله في ذلك مثل الفارق الكبير في ميدان الطبيعة في العصور الوسطى والقرن السابع عشر، ويمكن تطبيق ذلك على ميدان الأنثربولوجي (علم الأجناس) والجغرافيا التاريخية، وقد خول لنا الحق في الاعتقاد بأن المعرفة المتزايدة في إمكانها، إذا شئنا، أن تتجه نحو الحكمة المتزايدة في نواحي الشئون الإنسانية التي يتحكم فيها العقل والمنطق.
وإذا أردنا لها ذلك، فإن الشرط المقيد هو أهم شيء؛ إذ إن كل معالجة تتجه نحو محاولات موضوعية لتحقيق الخير الاجتماعي، وهي تعتبر بمثابة أساس الالتزام السياسي، وتعتبر واسطة لتحقيق المساواة في المجتمع؛ إذ لا يمكن القول دائمًا (لا سيما عندما يكون الأساس المادي هو الذي يعتبر العامل الحاسم في تحديد العلاقات الاجتماعية) بأن الأفراد يفكرون تفكيرًا مختلفًا؛ لأنهم يعيشون عيشة مختلفة، هذا وإن أركان الاتحاد التي توطد من دعائم المجتمع لا يمكن تحقيقها في الأمكنة التي يعيشون فيها عيشة مختلفة حتى تجعلهم لا يتطلعون إلى رؤية الحياة بنفس منظار الآخرين، إن سموم عدم المساواة أخذت تقصم ظهر الإمبراطوريات العظيمة في الأزمنة الغابرة، إذ إن ما تفعله في الواقع هو أن تحد من فروض ولاء الجماهير للحياة العادية، وهي في هذا الطريق، فستميلهم إلى أن القضاء عليها هو وحده الكفيل بأن يمهد الطريق لإيجاد أفكار عادلة عن الدولة. غير أنه على مر الأيام نجد أن ممارسة السلطة من أجل أهداف لا يتمتع الجميع بها على قدم المساواة خليق بأن يولد الحقد والضغينة والانشقاق في المجتمع، ولن تستطيع أية قوة أن تبقى على الأخضر واليابس طالما كانت هذه الشرور تأتي على كل شيء.
كما أن الضعف الذي يعتري الأفكار القديمة حول الفلسفة السياسية قد نجم عن عجز الأفكار عن النظر إلى هذه الحقيقة نظرة جدية، أو أنها إذا أوليت الاهتمام جعلها ذلك تظهر بمظهر السطحية وعدم التكامل، ويجب ألا نعتقد أن فلسفة كفلسفة هيجل يليق بها أن تنزلق إلى تقديس الملكية البروسية باعتبارها أسمى ما أنجزته حصافة البشر. ويجب أن تكون لنا نعم النذير بمدى استيعاب البيئة التي نعيش فها للأيديولوجية (المذهب) التي نؤمن بها، والتي تجعل من تفكيرنا تفكيرًا متعمقًا كتفكير بوزانكيه إلى جانب كونها دليلًا على إهمال الأسس الاقتصادية للسياسة، بل إنه حتى يومنا هذا بينما تعتبر الأحداث في روسيا بمثابة نذير لا يقل وضوحًا لجيلنا هذا عن الثورة الفرنسية التي كانت تعتبر بمثابة نذير للأفراد الذين كانوا يعيشون في بداية القرن التاسع عشر، فما زال في استطاعة المفكرين البارزين أن يدمجوا أنظمتهم في قالب «نظام الحرية الطبيعي» الذي فشل فشلًا ذريعًا في تفهم مدى خلو فكرة الحرية عندما تنتزع من إطار المساواة. حتى ماركس نفسه يحق لنا أن نقول: إن معظم تكهناته السياسية قاصرة لأنها عجزت عن تفهم أثر علاقة العقار السائدة في تحديد أهداف الدولة، فإنه بين ثنايا هذا الأثر وحده يمكن إيجاد نظرية واقية عن الالتزام السياسي.