كِرَص
حيدر الجراح
2015-09-29 08:32
حتى الان لم يسقط حوت كبير في الشبكة، اما لان الحوت عصي على الوقوع اسير الصياد، او لان الصياد غير ماهر، أو لان الشبكة متآكلة، او ان المياه عميقة الغور وقارب الصياد مثقوب.
اقصد بالحوت، أي رأس كبير للفساد في العراق ويعتبر ايقونة تتجه الانظار اليه. واقصد بالصياد القضاء العراقي (ليس جسم القضاء كله بل بعض مفاصله وهم القضاة الفاسدين) واقصد بالشبكة مجموعة القوانين المعلقة وسيادة اعراف سياسية توافقية فوقها، واقصد بالمياه العميقة شبكات الفساد التي تجذرت في الواقع العراقي.
في تصريح منقول عن محافظ البنك المركزي العراقي الأسبق سنان الشبيبي قال فيه:
(إن الاموال التي استلمها المالكي كانت كافية لبناء وطن جديد يتسع لـ 30 مليون نسمة يكون أمنية لكل البشر في العالم).
التظاهرات العراقية التي خرجت ضد الفساد وسوء الخدمات توقفت مؤقتا بسبب عيد الاضحى المبارك، (فاصل ونعود) طبعا لا الخدمات تحسنت ولا الفساد توقف عن افساد ماتبقى.
الاخبار لا تتوقف، فالصحف والفضائيات ومواقع الانترنت، تنفتح كالهوة العميقة تتلقف كل شاردة وواردة، عملها يتطلب هذه الشراهة، بغض النظر عن نوعية الخبر وطبيعته واهميته.
احد الاخبار الطريفة، وهو يسجل (منجزا) و(مأثرة) لوزارة الداخلية العراقية، ان شرطة محافظة ذي قار تلقي القبض على (أبو الزبايل) وهو من أرباب السوابق، والذي قام بسرقة اربع دراجات نارية في اوقات مختلفة.
بين التصريح والخبر تناقض مضحك، لكنه ضحك كالبكاء، وهو واقع حال العراق في ما يعيشه من كوميديا سوداء منذ سنوات طويلة.
اثارني لقب هذا السارق (ابو الزبايل) واعتقد انها جمع لكلمة (زبالة) وهو لقب ينطبق انطباق النعل على النعل عليه، الناس تسبح في الملايين وهو يكابد المشقة من اجل الملاليم.
اثارني هذا اللقب، ويممت وجهي نحو العامية العراقية وامها الفصحى، للبحث فيها عن كلمات قد ترشدني لتفكيك هذا التناقض، بين تصريح بالمليارات وخبر بالآلاف.
وجدت كلمة (كِرَص) وتعني سكن من خوف فلم يتحرك.. محرفة كرز كروزاً، أي دخل واستخفى. والقانص كارز للوحش مختبئ. والكارز بمعنى المستخفي (لسان العرب).
ومنه البعض من شرطة المرور الذين (يكرصون) في تقاطعات الساحات للسائقين المخالفين، ولكثير منهم غير المخالفين حين ينتهي دوام القانون ويبدأ عمل (البِلصة).
و(البلصة) هي الرشوة واخذ المال بغير حق ودون وجه شرعي. وفي المحيط: بلصه بلصاً اخذ ماله منه ولم يدع له عنده شيئا. و(البلس) من لاخير عنده او عنده ابلاس وشر. تعريب (بلوّس) ومعناه الحيلة والكذب والحيّال والكذاب ومنه مشتق أيضا (الابليس).
ومن الكلمات التي يستعملها الناس لتصوير وتفسير وشرح ما يحدث امامهم وما يسمعون به من اخرين عن اخذ الأموال من الناس، كلمة (غُمَت) وتعني اخذ الشيء خفية وعلى عجلة، و(غمته) غطاه. وهي محرفة غمد وغمده اخذه بختل. وغمته في الماء اذا غطّسه فيه. كما تقول العامة (اخذ له غَمْتة) هي مقدار مايحتوي الكف، وهو كف البعض من رجال الشرطة والجيش أيام نقاط التفتيش الكثيرة وجهاز السونار سيء الصيت.
حيث (يغمتون) من السيارات التي تقل أي راكب مع بضاعته، وهي (غمتة) على السريع يضعها صاحب البضاعة والذي يجلس الى جوار السائق بيد الشرطي التي تطلب من السائق الاستمرار في السير.
و(الغَمِت) يبقي لديك بعضا من مالك الذي يشاركك فيه رجل المرور ورجل الشرطة وأحيانا قسم من رجالات الجيش. فلكل منهم نصيبه في البضاعة التي تحملها في سيارتك، الا ان (گشول) بالكاف الفارسية فهي لا تبقي لديك شيئا.
فهي تعني جمع ما وجده فاخذه. ويقولون (گشولوهم الحرامية) أي جمع السراق كل ما لديهم واخذوه. وهي ربما من (گش) أي اخذ و (ولى) أي جمع واخذ وراح. ويتذكر العراقيون جميع ما اخذه رجال النظام السابق ونسوته رغد واخواتها وساجدة وحمواتها، إضافة الى زوجات المناضلين، من اخوة الرئيس السابق غير الاشقاء، ثم جاء دور رجالات العهد الجديد واذا بالمبالغ المسروقة ملايين من عملة (اضع في الله ثقتي) وهي الدولار في سنوات قليلة، ثم واذا بهم خارج الحدود قد (فلفصوا).
و(فَلْفَصَ): تعني أراد التخلص من القابض عليه او من امر وقع فيه فتلوى وجذب نفسه. ثم نسمع بتصريحات الحكومة وان العدالة ستطاردهم وسوف يصدرون مذكرات الى الانتربول بحقهم. كل هذا ولم نسمع بواحد منهم قد قبضت عليه الحكومة او جلبته مذكرات الانتربول. سمعنا عن أحدهم قبل مدة وقد أطلق سراحه بكفالة مالية بلغت 100 مليون دينار عراقي رغم اتهامه بفساد مالي ضخم، وهذا المبلغ لا يساوي عمولة تندر واحد لترميم عشر مدارس، ولكنهم كما يعتقد رجل الشارع العراقي ورجل المطر (هي رهمت هيچ) يريدون ان (يُلَغْمِطوا) الحسابات بينهم. و(لَغْمَطَ) الحساب أي شوشه قصد الاختلاس.
ولا يصدق رجل الشارع بما يسمع فهو يعتقد ان الجميع (لهيبية). و(لهيبي) من لا امانة له محرفة (نهيبي) والعامة تقول (نهيبي) وصفا للمرتشي والسارق الذي (يمعط معطاً) جميع ما امامه. ومعط تعني: نتف قليلا من الصوف او الشعر وفر. وذئب امعط قليل الشعر وهو الذي تساقط عنه شعره، ولص امعط على التمثيل بذلك يمثل بالذئب الامعط، ويلقب أيضا بذلك الرجل الحاذق الذي يتحصل على ما يريده بغض النظر عن الوسيلة، شريفة كانت ام دنيئة.
وقريب من ذلك (نِتَش) ويعني العامة بها نهب قطعة من الصوف ونحوه، ويسمون صغار الحاجات (تِناتيش) وهي ما يتحدث عنه الخبر (الإنجاز – المأثرة).
لايصدق العراقيون مايقال، بعد ان قصفتهم وعود الإصلاحات بسرعة البرق مستجيبة لهتافاتهم، فما يحدث ببساطة شديدة هو نوع من (الفرهود) وله حضور واسع الطيف في ذاكرة هؤلاء الناس فالفرهود يعنون به النهب علنا كأنه مباح للجميع.