العلامة السيد محمد جواد الشيرازي: الإعداد، الفقد والتأسي

احمد جويد

2016-01-20 11:52

تحرص كل عائلة على منح أبنائها من الاهتمام والتنشئة ما يمكن من خلاله ضمان مستقبل الابن والتفاخر به أمام المجتمع في حال وصوله إلى مرتبة من العلم أو منصباً في مكان ما، وهذه هي طبية النفس البشرية وما جبلت عليه من حب للأموال والأولاد كما جاء في قوله تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)46 "الكهف"، إلا أن هناك عوائل عرف عنها منح أكبر الاهتمام في التنشئة والتربية وتقديم العلوم الدينية والدنيوية لكل فرد من أفرادها وإعدادهم إعداداً نفسياً وذهنياً ودينياً ليكون كل فرد فاعلاً وصالحاً ومضحياً ومؤدياً للرسالة التي خلقه الله عز وجل من أجلها.

عائلة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يمثل كل فرد من أفرادها قامة علمية وأخلاقية يشهد لها المجتمع، فهذه الأسرة تحرص أيما حرص على إعداد كل فرد من أفرادها منذ نعومة أظفاره، وأول ما تبدأ بتغذيته هو الإيمان بالله وحب النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وكرم الأخلاق، في وقت تعاني فيه مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى أزمة كبيرة من انحطاط الأخلاق وكثرة الانحرافات العقائدية التي أودت بالكثير من الشباب المسلم أما لترك الإسلام أو للإلحاد بالله عز وجل أو إلى اعتناق مذاهب منحرفة اتخذت من الإسلام وسيلة للوصول إلى غاياتها وبالتالي من السهل أن تتحول إلى قنابل موقوتة تقتل الإنسان على اختلاف لونه وجنسه ومعتقده.

وجوانب الإعداد والتنشئة ليست بالأمر السهل ولا الهيّن، بل هما نتاج لمثابرة وصبر وتعب من قبل الأسرة والفرد ليكون الفرد قادراً على أداء رسالته ويكون مثالاً يمكن للآخرين الاحتذاء به، والملاحظ إن أسرة آل الشيرازي العلمية أعدت أبنائها إعداد جيداً متخذين من سيرة النبي الأكرم (ص) وأهل بيته (ع) القدوة والأسوة الحسنة، بيد أن هذه الأسرة فقدت وبصورة مفاجئة عدد من أبنائها التي أعدتهم أفضل ما يمكن إعداده لحمل رسالة العلم والاخلاق والايمان، وكان المجتمع ينتظر من هؤلاء الأبناء الكثير من العطاء على كافة الجوانب الدينية والمعرفية والثقافية...الخ.

فقد فقدت أسرة آل الشيرازي في مطلع ثمانينات القرن الماضي أحد أبرز أبنائها وهو آية الله المجاهد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) الذي كان عموداً من أعمدة الأسرة الشيرازية وهو في قمة عطائه ووهجه العلمي، وفي العام 2008 فقدت آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله) الذي كان عالما نابغاً عارفاً خلوقاً باراً. ومع نهاية ربيع الأول وبداية ربيع الثاني1437هـ فقدت أسرة آل الشيرازي العلامة السيد محمد جواد الشيرازي ذو التسعة والعشرون ربيعاً، رحل شاباً مؤمناً بالله ومقتدياً بأسلافه في محبة النبي وأهل بيته (عليهم السلام).

وفي كل حدث أو فاجعة أو مصيبة تمر على هذه الأسرة نراهم يواجهونها بأخلاق قرآنية ممتثلين لقول الله عز وجل (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)) "البقرة"، وما كنت أتوقعه من ردة فعل في مثل هذه المواقف الصعبة على نفس الإنسان بمواجهة المصيبة بالصبر والتأسي جسده والد الفقيد آية الله السيد مرتضى الشيرازي في التأسي بمصيبة أهل البيت وجدته الزهراء (سلام الله عليهم) وهو يسكن جرح الفقدان والفراق بجرح ومصيبة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته (ع)، كما يقول الشاعر (الجرح يسكنه الذي هو أألم).

ورغم عظم الفاجعة على قلب والد يفقد إبناً شاباً في مقتبل العمر، إلا أن التأسي بأهل البيت (عليهم السلام) كان هو السمة البارزة على عائلة الفقيد وفي مقدمتهم سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي، ليضرب لنا مثلا كبيراً في الصبر وقوة الموقف، فلم نرى على وجهه سوى الرضا بقضاء الله وقدره والتحسب لله وحمده وشكره على كل ما نزل به.

ويندرج ذلك الموقف كدرس من دروس كثيرة يجب علينا أن نتخذ منها العضة والعبرة في حياتنا، ومن أبرز تلك الدروس التي أفرزتها فاجعة رحيل العلامة السيد محمد جواد الشيرازي هي:

1- إن الإنسان يجب عليه أن يضع الرحيل عن هذه الدنيا والقدوم على الله عز وجل في أي وقت من الأوقات ويجب عليه أن يكون مستعداً لهذا الرحيل، وهذا ما فعله الشاب الراحل (رحمه الله) في حياته وإستعد له استعداداً جيداً مفارقاً لهذه الدنيا بعد آخر زيارة لسيد الشهداء الحسين (عليه السلام).

2- إن الصبر على المصيبة من أفضل أعمال المؤمن كما قال الإمام علي (عليه السلام) الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، وهذا ما جسده سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي في صبره ورباطة جأشه وإلتزامه الكبير بأخلاق القرآن ومتأسياً برسول الله وأهل بيته (ع).

3- (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) الموقف الذي أبدته أسرة الفقيد في كل فاجعة ألمت بها، وهو إن مصيبة الحسين (عليه السلام) لا تعادلها مصيبة في التاريخ، وهم دائماً يذكرون أنفسهم ومحبيهم بمصائب أهل البيت وبخاصة مصيبة الزهراء وأبنائها (سلام الله عليهم أجمعين).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي