من الذي وسوس لإبليس..؟!
سارة معاش
2018-02-28 05:00
قد يلقي البعض منّا كلّ ذنوبه على وساوس الشيطان (الرجيم)، فهل كل ذنوبنا تأتي فقط بسبب وسوسته؟؟ إذا كان الأمر هكذا؛ فمن ذا الذي وسوس للشيطان؟؟ وهل هناك أمر آخر يوسوس لنا غير إبليس (لعنه الله)؟.
قال تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ“ (سورة قاف).
“توسوس به نفسه” توسوس وهي من الوسوسة وهو الصوت الخفي والحديث الذي يدور بين الإنسان مع نفسه.
“نفسه” النفس هي ما يميّز كلّ شخص عن غيره، وهي بين الجسد والرّوح، فالنفس كلّما أطاعت حاجات “الجسد” أصبحت نفس دنيّة دنيويّة (أمّارة بالسّوء) وهي أدنى مراتب النفس. وكلّما أطاعت حاجات “الرّوح” أصبحت ملكوتية (النفس المطمئنة) وهي أعلى مراتب النفس.
إنّ “النفس” هي التي وسوست لإبليس (لعنه الله). نفسه التي أصغى لها وأطاعها، فأنزلته الى أسفل السافلين، وكانت السبب لطرده من رحمة الله وكسر جناحه وإخراجه من الجنة بعد أن كان مَلكاً مقرباً ذو مكانة مرموقة عند الله عز وجل!.
إذن الإنسان في كلّ أحواله وإن كان متّقياً صالحاً ومن الطّبقة الرّفيعة عند إله الكون فينبغي أن لا يغفل طرفة عين، بل ويجعل الخوف من الله تعالى دائماً في قلبه، ويحتاط جداً ويكون ورعاً تجاه الذنوب وحتى الصغيرة منها! لأنها وإن كانت صغيرة قد تكون آثارها الجانبية مهلكة.
الذنوب الصغيرة ممهِّدة لارتكاب الأعظم
إنّ الذنوب الصغيرة هي التي تكون السبب في “ قسوة القلب”، وبالتالي سيمهّد ويفتح لك الطريق لأن ترتكب الذنب الأكبر فالأكبر.. وكذا الحال بالنسبة للثواب والحسنة، لا تستحقر صغر حجمه إطلاقاً، لأنه هو الذي سَيُلَيِّن قلبك ويفتح لك باب التوفيق للثواب الأكبر فالأكبر وبالتالي الى الفلاح.
نعم، لا تستحقرها وإن كانت صغيرة.. ولكن أنظر وتأمّل، أنّك خالفت من؟! وأطعت من؟!
قال تعالى: “ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
[ سورة الشمس الآيات :1-10]
“قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا” أي نظّفها، طهّرها من الرّذائل والشّوائب، أمّا.. “وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” فهنا الخطر! القرآن الكريم يعبِّر عن الذنب بأنه “دسّ” أي غش، “دسَّاهَا”(غشّها)، إذاً الذنب؛ غش، أنت تغش نفسك عندما تستسلم للنفس وترتكب المعصية، عندما تعصي الله فأنت تخدع نفسك وتظلمها لذلك عبر القرآن الكريم بالذنب بأنه غش.
النفس بطبعها تحب الملذّات والرّاحة، تريد أن تنام كثيراً وأن تلهو كثيراً.. فكلّما طاوعناها أصبحت (النفس الأمارة بالسوء)، فحينها سيزداد طمعها وجشعها ويصبح من الصعب التخلص منها.
لأنها تشجعك لتتبع هواك وتقدّسها، فالإنسان الذي يستسلم لها ويلبّي حاجاتها وما تطلبه منه، فإنها لا تكتفي وستطلب منه الأكثر فالأكثر، إذ هي كمستنقع الرمال المتحركة كلما اقتربت منها دخلت في جوفها أكثر، فتراها تجرك للأسفل وتقتلك ببطء وبلا رحم.
إنّ الذي وسوس للشيطان هو نفسه “الأمارة بالسوء”، التي لم يردعها.. لكن، إذا ردعنا “النفس الأمارة” من شهواتها ونزواتها، فعندها سترتقي وتصبح “النفس اللّوامة” أي عند هذه المرحلة يلتقي الإنسان بضميره، فتلوم النفس صاحبها على ما ارتكبه من ذنب وتأنبه طيلة الوقت الى أن يندم ويتوب.
قال آية الله المجاهد الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره): “اللحظات التي يستطيع فيها الإنسان أن يلتقي بضميره، هي لحظات ارتفاع الإنسان الى قمَّته“.
فالنفس اللوامة هي التي تكون الممهِّدة لأن نرتقي أكثر فتصبح بعد ذلك “النفس المطمأنة”، وهي أرقى مراتب الإيمان.
كيف تصبح النفس ملكوتية ؟
لا تعطِ نفسك ما تريد؛ عاندها بل وعاقبها، وعاند إبليس، فكل هذه الأمور من سمات الشخصية القوية والناجحة. فمثلاً إذا ارتكبت أمر محرّم أقسم أن تصوم، فإن عاقبتها ستهدأ بمرور الأيّام وتبدأ النّفس الّلوامة بالعمل، عندها تبدأ بتأنيبك إذا أردت أن تبدأ بارتكاب الحرام.
أو مثلاً، إن قالت النفس لك صلي صلاة الليل بجلوس، عاندها وصليها بوقوف بل وعاقبها وصليها مع النوافل أيضاً، فهنا ستهدأ النفس، أعطِها مثل الصّفعة الّتي تعيدها إلى رشدها.
هل لصلاة الليل ضرورة؟
إحدى الأمور المهمة والفعّالة الى درجة كبيرة لتهذيب النّفس وترويضها هي “صلاة الليل”. وهناك روايات كثيرة في فضلها.. والتي تبيين هل هي ضرورية أم لا؟
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : “إنّ الله جلّ جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي مَن خدمك، وأخدمي مَن رفضك، وإنّ العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف اللّيل المظلم وناجاه، أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا ربّ!.. يا ربّ!.. ناداه الجليل جلّ جلاله:
لبّيك عبدي!.. سلني أعطك، وتوكل عليّ أكفك، ثمّ يقول جلّ جلاله لملائكته: ملائكتي!.. انظروا إلى عبدي فقد تخلّى في جوف هذا اللّيل المظلم، والبطّالون لاهون والغافلون نيام، اشهدوا أنّي قد غفرت له”. المصدر: أمالي الصدوق ص168
وقال الصادق (عليه السلام): “ليس من شيعتنا مَن لم يصلِّ صلاة اللّيل ”. ص162 المصدر: روضة الواعظين.
وقال (عليه السلام): “يا سليمان !.. لا تدع قيام اللّيل، فإنّ المغبون من حُرم قيام اللّيل”. ص146. المصدر: ثواب الأعمال ص38
فإن وسوستك نفسك أن لا تفعل ما عليك فعله وعاندتها بأنك ستؤديه، بل وأكثر من ذلك ستستسلم لك كالطفل الصغير!.