أخلاقيات الربح والخسارة: الإخلاص والرياء
علي حسين عبيد
2015-02-15 12:39
الاخلاص كمفهوم وتوصيف واضح ومقتضب، يعني انجاز المنتَج بشقّيه المادي والفكري بدقة عالية، استنادا للضوابط والشروط التي تؤكد انتاج الشيء (ماديا أو فكريا) وانجازه بأفضل المواصفات وأكثرها دقة، لذلك يحقق المخلصون دائما درجات ربحية عالية، بسبب اخلاصهم وكسبهم لثقة المتعاملين معهم، لأن الاخلاص لا يلتقي مع الخداع او الرياء او الكذب، بل يهدف الى تحقيق انتاجية دقيقة بمواصفات عالية، تعادل ثمن المال المصروف للشراء، مع تحقيق هامش ربحي لا يثقل كاهل المشتري للسلعة المادية او الفكرية، وبهذه الطريقة يحقق الانسان المخلص ربحية متصاعدة بسبب تمسكه بالاخلاص وابتعاده عن المخاتلة والزيف.
لذلك يقول الامام علي عليه السلام (الاخلاص ضد الرياء)، علما أن الإخلاص لا يتخصص بعمليات الانتاج المادية وحدها، بل يشمل ايضا الجوانب المعنوية والروحية وسواها، فعندما يباشر الانسان مثلا بتربية نفسه جيدا، ويقوم بتعميق الحس الروحي في اعماقه، لابد أن يسعى لتحقيق هذا الهدف الصعب بإخلاص تام، ولابد ايضا الابتعاد عن المنهج التبريري والخداع والتزييف وما شابه، لأن قيمة الاخلاص ينبغي ان تكون مزروعة في سلوك الانسان وفكره وضميره، إذ يكون الانسان نفسه رقيبا على نفسه فكرا وسلوكا.
وربما يظن كثيرون ان مفردة الاخلاص واضحة لا تحتاج الى تقديم الرؤى والطروحات حولها، وهي فعلا واضحة المعنى والاهداف، ولك تبقى هذه القيمة الجوهرية، بحاجة الى النقاش والفهم والنشر بين عامة الناس، وتحويلها من مفهومها البسيط ومعناها المجرد، الى الحيز العملي الدقيق، لكي يتمكن غالبية الناس توظيفها من أجل تحقيق ربحية عالية، تخدم طرفيّ التعامل، فالزبون عندما يحصل على سلعة مادية او فكرية متقنة، سوف تعود عليه بفوائد كبيرة وجمة، والمنتِج لهذه السلعة بإخلاص سوف يحقق ربحية كبيرة ايضا، وهكذا يمكن ان تتحقق ربحية عالية لجميع الاطراف شرط ان يكون الاخلاص هو القاسم المشترك بين جميع التعاملات المتبادَلة.
كما أننا لا يمكن أن نحدد الاخلاص كمفهوم أو كسلوك في مجال معين، أو حالات محددة، لان الاخلاص يشمل كل شيء في الحياة، أي انه يمتلك سمة شمولية، لهذا من الصعب على مجتمع ما ان يتخلى في تعاملاته كافة عن الاخلاص في العمل أو في الجوانب الفكرية على وجه العموم، لذلك اذا اراد الانسان فردا كان او جماعة ان يحقق ربحية متصاعدة علية ان يعتمد الاخلاص في عمله، اما اذا كان العكس فليس هناك داعي لبذل اي مجهود، لأنه سوف يذهب سدى حتما، وقد ورد في احد الامثال المعروفة: من لا يخلص لا يتعب.
علما ان الجميع يمكن ان يفسروا اهمية الاخلاص وفقا لرؤيتهم وفهمهم، فضلا عن مؤهلاتهم وقدراتهم الثقافية وغيرها، بالاضافة الى مجال العمل ونوع التخصص، فرجل العلم يرى اهمية الاخلاص في التعامل مع العلم نظريا وتطبيقيا، ورجل الدين يرى الاخلاص مهما في الالتزام بالقضايا الشرعية وفي العلاقة مع الدين وما شابه، وبهذا يتأسس البناء المجتمعي على الاخلاص لما له من دور كبير في بناء المجتمع، وبناء الانسان وفقا لرؤيته وطبيعة اعماله وافكاره، وفي أي مجال يتحرك وينتج، من هنا يتدخل الاخلاص في جوهر الاشياء، لذلك لابد من اعتماده كعامل مشترك ايجابي في جميع مجالات للحياة، وفي حالة حدوث العكس، أي عدم اعطاء الاهمية اللازمة للإخلاص، فإن ثمة نقصا سيظلّ قائما، يؤدي الى نواقص اخرى متوالدة، لذا يؤكد أصحاب التخصص على أهمية معالجة هذا الخطأ الجسيم.
وثمة من يحدد مواصفات مهمة للاخلاص حتى تتحقق الربحية المتوخاة منه، إذ لابد ان يكون مصدره الامان الحقيقي وليس الشكلي ولابد ان يكون مصحوبا بشعور عميق وصادق وليس روتينيا او نمطيا، بمعنى يجب ان يدخل الاخلاص في عمل الانسان بصورة حقيقية وليست شكلية ظاهرية، كما هو الحال في بعض تعاملات العرب والمسلمين مع بعضهم، حيث التعامل الشكلي مع الاخلاص اكثر حضورا ووضوحا في حياة هذه المجتمعات، ولذلك يرى بعضهم ان عالمنا العربي عموما والعراق خصوصا ورغم إننا ننتمي الى منظومة قيم متعددة من العقائد الدينية والالتزامات الاجتماعية والثوابت الاخلاقية، الا انها وللأسف لم تستطع لحد الان ان تحث البعض نحو استثمار هذه الميزة الجيدة في التعاملات المتنوعة للصالح الفردي والعام، فقد خضعت أعمالنا وافعالنا وربما حتى اقوالنا الى نهج قائم على اساس الاطر الشكلية، فيما بقي السمو بالاعمال والاقوال الى مرتبة أدقّ وأرقى، بعيدا عن اهداف البعض، وهكذا لا يمكن ان نرى الاخلاص دون مكانته الحقيقية، وتأثيره الكبير في ضمان الحصول على الربحية المطلوبة، ماديا وفكريا، في حالة الالتزام بها من لدن الجميع، افراد وجماعات.