ظواهر الانحراف في الشبكات الاجتماعية
علي حسين عبيد
2016-12-04 08:09
هل يصح أن تختلف أخلاق الإنسان في الواقع الحي عن أخلاقه في الواقع الافتراضي، سؤال مهم ينبغي أن يجيب عنه كل فرد له صفحة تمثله في مواقع التواصل الإلكترونية المتعددة، بدءاً من الفيس بوك الأوسع انتشارا لاسيما في العراق ثم تويتر ويوتيوب وسواها من مواقع أخرى، تُرى ما هي نسبة التطابق بين الأجوبة التي سيجيب عنها من لهم صفحات في الفيس بوك مثلا، وأعني بالكلام هنا المسلمين عموما والعرب والعراقيين على وجه التحديد، وماذا يمكن أن تكون الإجابة عن ذلك؟.
هل نتوقع مثلا أن الإجابة ستأتي بالنفي أو الإيجاب، هل ستقول نسبة كبيرة من المشتركين في هذه المواقع، أن الأخلاق يمكن أن تختلف بين الواقعين، وما هو مقدار نسبة الذي سيقولون أن الأخلاق واحدة، أو ينبغي أن تكون واحدة في الواقعين، في الحقيقة هناك صعوبة كبيرة في قضية الفصل بين أخلاق الإنسان في الواقعين الحقيقي والافتراضي.
فالأخلاق من وجهة نظر الأغلبية، أو المختصين في هذا الجانب، واحدة في جميع الأماكن والأوقات والعوالم، ولكي نحسم هذا الأمر، فالشخص الخلوق في واقعه ووجوده الفعلي، سيكون خلوقا أيضا في صفحته عبر وسائل الاتصال، ولا يمكن الفصل بين سلوك الإنسان في الحقيقي وسلوكه في مواقع التواصل الاجتماعي، بمعنى لا توجد شخصيتان لفرد واحد في المجالين، ولا يمكن أن يكون الإنسان المسيء في الواقع حاملا للأخلاق في الواقع الافتراضي ويصح العكس بطبيعة الحال.
إذاً نحنُ إزاء إجابة واضحة عن هذا التساؤل، هذه الإجابة تأخذ مسارين، الأول شعبية عامة تمثل رأيا يشترك فيه الجميع، والمسار الثاني يؤكده المختصون في علم الاجتماع إذ يؤكد معظمهم على التطابق في الأخلاق الشخصية في الحياة العامة المرئية والملموسة، وبين نشاط الإنسان التواصلي في عوالم الاتصال المختلفة، أي لا يمكن الفصل بين الأخلاق في المجالين، فمن يكون ذا أخلاق رصينة في الحياة، سيكون حتما صاحب أخلاق رصينة في مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها.
أما إذا صحّت هذه النتيجة، أو إذا اتفقنا على صحتها، وهي النتيجة الأرجح من سواها كونها الأقرب الى التوقّع السليم، أو الى الصواب، أو الى ما يقول به العقل، والعلم أيضا، إذ من الصعب على الإنسان أن يفصّل شخصية جيدة في الحياة الواقعية وشخصية مسيئة في الحيّز الافتراضي، لسبب علمي نفسي يؤكده المختصون، فإذا صحَّ هذا التوقع سوف نكون إزاء معضلة أخلاقية علينا أن نتصدى لها ونعالجها بكل السبل المتاحة.
ماذا يحدث في العلاقات الافتراضية؟
في نظرة متفحصة ودقيقة لما يجري في عالم مواقع الاتصال، ولنأخذ النموذج الأوسع انتشارا واستخداما من بينها، ونعني به موقع (الفيس بوك)، فعندما نتابع صفحات المشتركين في هذا الموقع سوف نكتشف العجب العُجاب، لدرجة أن هنالك من الأشخاص يتصرف ويطلق الأقوال والآراء (والنكات، والفيديوهات، والبوستات، والمنشورات)، وكأنه حر في كل هذه السلوكيات، إذ لا تقيده أخلاق ولا قيم ولا أعراف، فينشر ما يروق له من كلمات وصور وإيحاءات من دون أن يفكر لحظة واحدة بما ينعكس منها من نتائج وإشارات لا أخلاقية.
قد يقول آخر أن هناك من يتخفى وراء الأسماء والصور المستعارة وينشر ما يشاء، وهي ملاحظة صحيحة وموجودة بالفعل في هذه المواقع، ولكن نحن نتكلم عن الأفراد من أصحاب الأسماء والصور الصريحة، فهناك نسبة كبيرة منهم يتكلم ويكتب وينشر في صفحته ما لا تحدّه حدود ولا تضبطه ضوابط أخلاقية أو سواها، وكأنه غير معني بما يقول أو يفعل، في حين أن هذه الأمور وإن كانت تجري في الفيس بوك او سواه من المواقع، فهي تمثل شخصية صاحبها، وتمثل من ينشرها، وتعبر خير تعبير عن أخلاقه وأفكاره وتوجهاته.
وهكذا يمكن للمتابع والمعني بهذه الظاهرة، أن يصل الى نتائج مروّعة في هذا المجال عندما يتابع بدقة ما ينشره الناس في صفحاتهم من أمور لا يمكن أن تخضع لمعايير الأخلاق التي ينبغي أن يلتزم بها الإنسان، على الأقل من باب توافر الإنسانية والإنصاف والتمسك بالقيم السليمة في العلاقات المتبادلة بين الأفراد والجماعات، ذلك من غير المقبول أن يعطي الأشخاص الحق لأنفسهم بنشر كل ما لا يخضع للقيم والأخلاق التي ينبغي أن تكون صمام أمان لمجتمعنا.
هل لاحظتم كلمات المنشورات ولغتها، هل تابعتم التعليقات على الموضوعات المنشورة، هل قرأتم لغة وطبيعة المتحاورين خاصة عندما يكونوا مختلفين في الرأي حول قضية دينية أو مذهبية أو وطنية أو حتى تعليمية وما شابه، إن مجرد الاختلاف في وجهة النظر بين فردين أو أكثر من المتحاورين يمكن أن تثير زوبعة من تراشق الكلام الذي يكون في حلّ من الأخلاق والقيم للأسف، ولا نعرف لماذا يظن هؤلاء بأنهم طالما يقوموا بهذه الأمور في العالم الافتراضي فإنه يحق لهم أن يقولوا ما يشاؤوا من مفردات ومعاني وينشروا ما يحلو لهم من صور ورسوم وفيديوهات من دون رقيب ذاتي أو خارجي!.
ما هي الحلول الصحيحة؟
قبل البحث عن حلول، هل سنتفق على أن هنالك استخداما لا يخضع للقيم والأخلاق من مسلمين، أو لنحدد أكثر ولنقلْ من عراقيين، نحن معنيين بالجميع، لكن بحكم المكان والانتماء الأقرب، نتساءل، هل يستخدم العراقيون مواقع الاتصال ضمن القيم المنضبطة المتَّفق عليها؟، الإجابة ربما ستكون نعم، هنالك نسبة واضحة من مستخدمي هذه المواقع لا تخضع منشوراتهم للقيم التي تحكم سلوكنا وأخلاقنا.
حتى لغة الحوار قد تكون غير مناسبة، وكثير من الشوائب ترافق هذه المنشورات، لدرجة أنها أعطت تصورا واضحا عن طبيعة الثقافة التي يتسم بها نسبة ربما تكون مهمة من مجتمعنا، ونعني بها ثقافة سطحية لا تمت صلة بالثراء الهائل لإرثنا الأخلاقي والثقافي العميق، وهذا دليل على أن هنالك مشكلات في الجوانب التربوية لابد من معالجتها حتى يظهر المعدن الأصيل للإنسان العراقي الذي يتحلى بالقيم الإنسانية المشرفة.
إذا هذه الظاهرة التي تكلمنا عنها، موجودة بالفعل ويمكن لنا وللمعنيين تشخيصها، ولهذا علينا المبادرة الى وضع المقترحات للإسهام في حلّها، ومن هذه الحلول المقترحة ما يلي:
- القيام بحملة توعية أخلاقية كبيرة يشترك فيها جميع المعنيين، تجمع بين الجهدين المدني والحكومي.
- التركيز على عدم وجود فارق كبير بين حياتنا الواقعية والعالم الافتراضي.
- التأكيد على أن شخصية الإنسان والمجتمع في مواقع التواصل تعطي انطباعا دقيقا عنه.
- جميع ما يتم نشره من لدن كبار السن (الآباء والتربويين وغيرهم)، يشكل نموذجا لمن هم أصغر عمرا منهم.
- الاستفادة من مواقع التواصل نفسها لإقامة حملات مضادة لما يسيء لأخلاقنا وقيمنا.
- اعتماد أساليب الاعتدال والانسجام واللين في نشر آرائنا وثقافتنا.
- التركيز على القيم الخلاقة التي تحكم أفكارنا وأقوالنا وما يمثلنا من أفعال.
- التركيز على شريحة الشباب والمراهقين وصغار السن وجعلهم على علم وقناعة بأن الأخلاق عامل مهم في حياة الأفراد والشعوب والأمم.
- لا يمكن الاستهانة بما يظهر في المواقع الافتراضية بتبرير أنه لا يمت للحقيقة بصلة، فما يظهر فهي المواقع من منشورات وأساليب يمثل شخصية الفرد والمجتمع.
- تذكير الجميع بالجذور الأخلاقية والثقافية وقيم الموروث الإسلامي العريق.