أنواع الرذائل المتعلقة بالعاقلة
جامع السعادات
2024-03-17 06:23
أما الأنواع المتعلقة بالعاقلة فمنها:
- الجهل المركب:
وهو خلو النفس عن العلم وإذعانها بما هو خلاف الواقع، مع اعتقاد كونها عالمة بما هو الحق، فصاحبه لا يعلم، ولا يعلم أنه لا يعلم، ولذا سمي مركبا. وهو أشد الرذائل وأصعبها، وإزالته في غاية الصعوبة، كما هو ظاهر من حال بعض الطلبة. وقد اعترف أطباء النفوس بالعجز عن معالجته كما اعترف أطباء الأبدان بالعجز عن معالجة بعض الأمراض المزمنة، ولذا قال عيسى عليه السلام: (إني لا أعجز عن معالجة الأكمه والأبرص وأعجز عن معالجة الأحمق).
والسر فيه: أنه مع قصور النفس بهذا الاعتقاد الفاسد لا يتنبه على نقصانها، فلا يتحرك للطلب، فيبقى في الضلالة والردى ما دام باقيا في دار الدنيا. ثم المنشأ له إن كان اعوجاج السليقة فأنفع العلاج له تحريض صاحبه على تعلم العلوم الرياضية من الهندسة والحساب، فإنها موجبة لاستقامة الذهن لألفه لأجلها باليقينيات فيتنبه على خلل اعتقادها، فيصير جهلها بسيطا، فينتهض للطلب. وإن كان خطأ في الاستدلال، فليوازن استدلاله لاستدلالات أهل التحقيق والمشهورين باستقامة القريحة، ويعرض أدلة المطلوب على القواعد الميزانية باحتياط تام واستقصاء بليغ، حتى يظهر خطأه. وإن كان وجود مانع من عصبية أو تقليد أو غير ذلك فليجتهد في إزالته. ومنها
- الشك والحيرة:
وهو من باب رداءة الكيفية وهو عجز النفس عن تحقيق الحق وإبطال الباطل في المثالب الخفية، والغالب حصوله من تعارض الأدلة، ولا ريب أنه مما يهلك النفس ويفسدها، إذ الشك ينافي اليقين الذي لا يتحقق الإيمان بدونه. قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا وكأن الارتياب في كلامه عليه السلام مبدأ الشك.
وقال الباقر عليه السلام: (لا ينفع مع الشك والجحود عمل). وقال الصادق عليه السلام: (إن الشك والمعصية في النار ليس منا ولا إلينا). وسئل عليه السلام عن قول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم -الأنعام 82- قال: بشك). وقال عليه السلام: (من شك في الله تعالى بعد مولده على الفطرة لم يفئ إلى خير أبدا). وقال عليه السلام: (من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة). وقال عليه السلام: (من شك في الله تعالى وفي رسوله (ص) فهو كافر). وبمضمونه وردت أخبار أخر. وغير خفي أن المراد بالشك ما يضعف الاعتقاد ويزيل اليقين لا مجرد الوسوسة وحديث النفس، لما يأتي أنه لا ينافي الإيمان، بل الظاهر من بعض الأخبار أن إيجاب الشك للكفر إذا انجر إلى الجحود، كما روي أن أبا بصير سأل الصادق عليه السلام (ما تقول فيمن شك في الله تعالى؟ قال: كافر، قال: فشك في رسول الله (ص)؟ قال كافر، ثم التفت إلى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد).
ثم علاجه أن يتذكر أولا قضية بديهية، هي: أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، ومنه يعلم إجمالا إن أحد الشقوق العقلية المتصورة في المطلوب ثابت في الواقع ونفس الأمر والبواقي باطلة، ثم يتصفح المقدمات المناسبة للمطلوب ويعرضها على الأقيسة المنطقية باستقصاء بليغ واحتياط تام في كل طرف، حتى يقف على موضع الخطأ ويجزم بحقية أحد الشقوق وبطلان الآخر.
والغرض من وضع المنطق (لا) سيما مباحث القياسات السوفسطائية المشتملة على المغالطات إزالة هذا المرض. ولو كان ممن لا يقتدر على ذلك فالعلاج في حقه أن يواظب على العبادة وقراءة القرآن، ويشتغل بمطالعة الأحاديث وسماعها من أهلها، ويجالس الصلحاء والمتقين وأصحاب الورع وأهل اليقين، لتكتسب نفسه بذلك نورانية يدفع بها ظلمة شكه.