أخلاقيات الربح والخسارة: بين الإنصاف والظلم

علي حسين عبيد

2015-09-06 12:56

بعضهم قد تأخذه نفسه الى مسارات مظلمة، فلم يعد يرى الضوء، ولا يرى نوافذ الخير الكثيرة التي تحيط به، وبذلك يخسر كثيرا من فرص النجاح والتفوق، في حين هناك من تغصّ نفسه بمحبة الآخرين، ويمتلئ قلبه بالضوء، فيعمل لنفسه ولغيره بمستوى واحد، فيُنصف الآخرين من نفسه، ويتعامل معهم على أساس العدل والإنصاف، فيربح بذلك نفسه أولا، كونه يكون راضيا عنها، وهذا الأمر مهم جدا للتصالح مع الذات، ويربح أيضا احترام الآخرين وثقتهم.

هذه الأمور التي تتعلق بالجانب الأخلاقي، لن تبتعد كثيرا عن التأثير في النتائج المادية التي يربحها الإنسان بسبب إنصافه للآخرين، نعم هو لا يتعامل ماديا هنا، بل يكون جميلا في كلامه وسلوكه مع الآخرين، لا يتجاوز على كرامتهم، ويُشعرهم دائما بقيمتهم الإنسانية المحترمة، إنه لا يفعل أكثر من احترام الآخرين، وإنصافهم، وإبعاد الظلم عنهم، من خلال السلوك والتفكير والتعامل معهم، وهذا السلوك أخلاقي وإن كان يتعلق بالتعاملات ذات الطابع المادي الربحي.

ولا يوجد إشكال أو اعتراض على الدمج بين التعامل الأخلاقي والمادي، على أن يبقى معيار الصدق هو الذي يحدد طبيعة التعامل المادي بين الأشخاص مع بعضهم، أو حتى بين الشركات والجماعات التي تدخل في مشاريع اقتصادية وإنتاجية مختلفة، فالهدف هو أن ننصف الآخرين ونتعامل معهم وفق معايير العدل، ذلك أن الإنصاف يعد من أهم السبل التي تنشر الفضيلة بين الناس، حتى لو كانت التعاملات تتعلق بالبيع والشراء وما شابه.

يقول الإمام علي عليه السلام كما يرد في كتاب غرر الحكم: (الإِنْصافُ أَفْضَلُ الْفَضائِلِ).

انصف الآخرين كي تربح

من هنا يحرص الأذكياء في الميدان التجاري والاقتصادي، على مقومات أساسية لبناء سمعة طيبة، على أساس الجودة والإتقان والتعامل الصادق، وكل هذا لا يمكن أن يتحقق بعيدا عن قاعدة (انصف الآخرين كي تربح)، وهذا يدل على أن الإنصاف هو أفضل الصفات الّتي تسبب علوّ وزيادة مرتبة صاحبها، ومعنى الإنصاف، أنّ حصيلته العدل حيث فسّر بعض أهل اللغة معناه بالعدل، وعندما يكون العدل حجر الزاوية في التعامل مع الآخر، فإن النتيجة حتما سوف تكون في صالح جميع الأطراف التي تدخل في التعامل المادي، لاسيما إذا كان يتعلق بصفقات بيع وشراء كبيرة.

فالربح المادي هنا ينبغي أن يرتكز الى الفضيلة، وأن يكون تعاملا عادلا، لا يتعرض جراؤه شخصا او جهة ما الى الغبن او الغش او الخسارة نتيجة للظلم وما شابه، لأن الغش في التعاملات التجارية لن تخلو من إلحاق الظلم بالآخر، والنتيجة سوف تكون وبالا على الجميع، إذ أن الربح الذي يحصل نتيجة التحايل، هو في الحقيقة ربح زائل، لأن مصدره الظلم، والأخير لا يمكن أن يعمل لصالح بناء علاقات اقتصادية ربحية مستدامة، إذ سرعان ما يتم كشف الظلم والغش والخداع، ويتم معرفة مصدره أيضا، ولا شك أن التعامل مع هكذا افراد او جهات سوف يكون مستحيلا بسبب عدم الإنصاف والظلم الذي يلحقونه بالآخرين.

إذاً فالهدف الأول من الإنصاف في التعامل، هو تكريس التعاملات الاقتصادية المستدامة، تلك التي تهدف الى تحقيق الربحية بصورة عادلة، تشمل طرفي التعامل في البيع والشراء، ونعني بهما البائع والمشتري، هنا لن يكون هناك خاسر، وهذا الهدف الذي يقوم على نبذ الظلم، وعدم اعتماد الغش في التعاملات المادية، هو السبيل الى إنشاء منظومة قيم نموذجية في التعامل الاقتصادي المادي وحتى الأخلاقي.

الظلم والخسارة وجهان لعملة واحدة

ليس الفلاسفة ولا الأخلاقيون هم الذين يقولون، بأن الظالم خاسر على الدوام، بل الحقائق والوقائع التي تنتج عن التعاملات القائمة على الظلم، هي التي تؤكد هذا القول وهذه النتيجة، لذلك إذا غاب العدل والإنصاف في التعامل المادي، فالحقيقة لا أحد يربح من ذلك، حتى الطرف الذي يظن أن حقق ربحية كبيرة نتيجة الغش او الاحتيال وألحق الضرر المادي الكبير بالآخر، فإنه لا يمكن أن يكون رابحا، فهو أولا سوف يكون خاسرا أمام نفسه، وسوف يلاحقه الشعور بالخزي لأنه فقد إنسانيته، وثانيا سو تتلوث سمعته واسمه، ولا يمكن أن يتعامل معه الآخرين بسبب ظلمه للآخرين في التعامل الاقتصادي.

من الأمور المتَّفق عليها، في العلاقات الاقتصادية او التجارية او الاجتماعية، وعموم العلاقات، ستكون مرفوضة في حال ألحقت الضرر والظلم بالآخر، وهناك علاقات تؤدي الى الظلم بطريقة وأخرى، خاصة تلك التي لا تقوم على الإنصاف، وتهدف الى تحقيق الربحية، بغض النظر عن قواعد العمل التي تقوم عليها، ولا شك أن الظلم في التعامل المادي او الإنساني عموما، يعد من الأسباب التي تُسهم في نشر العلاقات المادية والمعنوية المشوهة بين المتعاملين، بغض النظر عن طبيعة أو نوع العمل.

فعندما ينتشر الظلم بين الناس، أفرادا أو جماعات، فهذا في الحقيقة يشكل إصرارا على نشر الرذيلة بينهم، ولا يمكن أن نجد تبريرا لمثل هذه التعاملات سوى الفساد في الأخلاق وفي تكوين شخصية الإنسان، لذلك ثمة علاقة بين الظلم واللؤم، أي أن الإنسان الظالم هو لئيم في تكوينه وحقيقته، بسبب إلحاقه الظلم بالآخر لتحقيق تفوّق أو أرباح مادية لا يستحقها.

ومع ذلك حتى من يحقق أرباحا بهذه الطريقة، سوف يكون خاسرا بالنتيجة كما أثبتت التجارب هذا الأمر، بسبب لؤمه وظلمه للآخر، وبسبب ابتعاد الآخرين عنه، وهكذا يكون الظلم والخسارة وجهين لعملة واحدة، وهذا هو السبب الذي يجعل من الظالمين خاسرين دائما بسبب الصفة الذميمة التي تتلبس شخصياتهم، ونعني بها صفة اللؤم، فالظالمون مصابون باللؤم، وهذا ما يجعلهم بعيدين عن تحقيق الربح في جميع أعمالهم ومشاريعهم وعلاقاتهم أيضا.

لذلك قال الإمام علي عليه السلام: (الْظُّلْمُ ألأَمُ الرَّذائِلِ).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا