دكتاتورية الأخذ بلا عطاء

عبد الرزاق عبد الحسين

2018-12-02 05:41

مما تمّ رصدهِ من قبل الدارسين وبعض الباحثين في الاجتماع، إلتصاق السلوك الأناني في الشخصية، فهو يريد كلّ شيء، وفي نفس الوقت هو غير مستعد لإعطاء أي شيء!!، هل هناك شخصية من هذا الطراز؟، نعم يوجد نوع من البشر يطالب بكل ما ينفعه ماديّاً أو معنويا، لكنه يستغرب كيف يطالبه الآخرون بالمثل!، ولديه القدرة أن يحاجج الجميع في أحقيته بكلّ شيء، وأحقيته أيضا في عدم تقديم أي شيء، مثل هذه الشخصية الفردية، تغلّف طباعها وأقوالها بأغلفة متلونة.

الشخص الأناني مكروه، حتى لو كان ذا سلطة، أو رئيس دولة، أو صاحب قرار يؤثر على أرزاق الآخرين ومساراتهم، قد لا يواجهه الناس بالكراهية مجاراة لمصالحهم، ولكنه ما أن يكون بعيداً عنهم، حتى تتكالب عليه طعنات الحقد وذكر السوء، فغالبا من لا يمكن مواجهتهُ بأخطائه بسبب سطوته وقوته المادية أو الوظيفية، فإنه سوف يكون محط سخط ونقمة ولعن الآخرين في غيابه، وهذا ما يتصف به الحكام الدكتاتوريين.

هل الدكتاتور يتسمّ بدرجة ما من الأنانية، كل الدراسات النفسية أكدت بما لا يقبل اللبس، أن شخصية الدكتاتور يصل سقف نرجسيتها إلى قمة الكيرف البياني، وهو لا يرى في نفسه أي خطأ، ومنزّه أمام شخصه، ولا يخفي ذلك عن الآخرين، فهو يحب نفسه ويتفاخر بها إلى الحد الذي يجعله لا يقبل أن ينبهه أحد أخطائه، ويتسم مثل هذه الشخصيات (الحكام الفرديون)، بحكومات خاضعة خانعة مستفيدة، يضع لها الدكتاتور الأناني ذراعين، أحدهما طويلة والأخرى قصيرة، فتعطي للناس باليد القصيرة، وتسرقه بشتى السبل باليد الطويلة.

الشخص العادي الأناني، لا يخطر في باله أنه يعيش وسط مجتمع طويل عريض، وأنه ليس فردا مكتفياً بذاته، فهو يحتاج إلى الآخرين في مختلف الخدمات، حتى الشعورية منها والمعنوية، بالإضافة إلى الاحتياجات المادية، لذلك هو لا يتردد في المطالبة بما يريده، وهو يظن أن تلبيه طلباته حق لا يجوز للآخر أن يمتنع عن تقديمه له، وفي ذات الوقت حين يطالبه الآخر بالمثل فيستغرب مثل هذه الطلبات، ويسعى بألف طريقة وطريقة للتملص منها، وهو يعتقد تمام الاعتقاد بأنه غير ملزم بإعطاء أي شيء حتى لمن يعطيه أعزّ الأشياء التي يحتاجها، وإن لم يجد بدّاً من الإعطاء، فإنه سوف يلتجئ إلى أسلوبه الحميم ولصيقه الدائم ونقص بذلك الانتهازية.

هل توجد مثل هذه الأشكال الأنانية في مجتمعنا العراقي؟، سؤال يطرح نفسه بقوة، يجيب أحد المحللين (وقد يصيب أو يخطئ)، بأن جلّ ما يعانيه العراقيون من مشكلات وأزمات عويصة، يحصل بسبب هؤلاء الأنانيون النرجسيون، ولكن الطامة الكبرى حينما يكون هؤلاء من ضمن قادتنا السياسيين المتحكمين في صناعة القرار.

والواقع يثبت بأن العراق قد أبتليَ بساسة من هذا النوع، والأدلة في هذا الإطار لا حصر لها، فحين أطلق أحد القادة السياسيين العنان لصوته وقراره من أرض كربلاء المقدسة بأحقية نواب البرلمان ببدل إيجار سكن (3) مليون دينار، كان في حينها وربما لا يزال وسيبقى يظن بأنه على حق، لكن الملايين الذين يسكنون في أحياء عشوائية (تجاوز أو حواسم)، هؤلاء لا حق لهم لا في بدل إيجار ولا بسكن لأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة.

مثل هؤلاء الساسة، ما الذي يجعلهم يفكرون ويتصرفون بهذه الطريقة غير الأنانية التي تعمي بصائرهم، وتجعلهم يرون حقوقهم قبل الجميع، وربما حين تعترض عليهم وتذكّرهم بأن مثل هذه القرارات والسلوكيات ظالمة للشعب، وصادرة من رؤية فردية تريد كل شيء ولا تعطي، فإنهم سوف يستغربون مثل هذه الاعتراضات، وقد يقاضون من يتفوّه بها، لكن حين نعو إلى الأصل سنكتشف أنها شخصيات أنانية، تطالب بكل شيء ولا تعطي شيئا.

ولكَ أن تتصور وجود الأنانيين الفرديين في مراكز قيادية مهمة أو حتى في حياتنا الاعتيادية!، إنّ الشخص الذي يفكر بنفسه ومصلحته فقط، ويغلق عينه وعقله وبصيرته عن حاجات الآخرين وحقوقهم، ما هو إلا خطر ماحق يتهدّد وجود الآخرين، فهو يرى الحقوق التي تخصّهُ واجبة التنفيذ والإعطاء، لكنه في نفس الوقت يؤمن ويرى بأنه غير ملزم بأي شيء تجاه الآخرين، وإن تذمّر الآخرون ونقموا وسخطوا واحتجوا، فإن لمثل هؤلاء الانتهازيون الأنانيون أساليبهم القادرة على قلب الأسود إلى أبيض وبالعكس، ولديهم من الأساليب التبريرية ما يعجز عن مواجهتها حتى صاحب الحق.

فهؤلاء الأنانيون يمكن أن نطلق عليهم أيضا (الحرباويون) نسبة إلى الحرباء التي تستطيع تغيير لون جلدها بحسب لون الطبيعة أو المكان الذي تعيش فيه، فإن كانت منطقة شجرية خضراء يكون لونها أخضر، وإن كان رملية يكون لونها رمادي أو بلون الرمال، فالأناني الفردي يمتلك من الأساليب التبريرية ما لا يحصى، وفي الحقيقة هذه مشكلة كبيرة تواجه الناس البسطاء، لأنهم بسبب نيّتهم الصافية ونقاء سرائرهم يصدّقون الأقوال والوعود التي تُعطى لهم من بعض القادة الأنانيين الفرديين النفعيين، وهكذا يفوز الأناني صاحب السقف النرجسي العالي بكل ما يريد، وبإمكانه أن لا يعطي مقابل ذلك أيّ شيء، معتمدا قاعدة الأخذ بلا عطاء.

النتيجة المترتبة على ذلك فقر وحرمان الأغلبية الأوسع مع التزامهم بما يستوجب منهم من واجبات، ورفاهية وغنى الأقلية مع تهربها من سمة العطاء الواجبة، على الأقل مقابل الأخذ الذي يحدث أحيانا بشكل مفتوح النهايات، ولكن مع اعتقاد الأناني بأنه فاز بكل شيء، وأنه كان ذكيا بما يكفي بحيث حصل على كل ما يريد، لكنه في هذه الحالة كمن يبني بيد ويهدم بناءه باليد الأخرى، إنه بالسلوك الأناني الانتهازي إنما يهدم البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها هو عائلته وأبناؤه.

إنه قد لا يسأل نفسه، كيف أعيش في مجتمع مهدّم محروم مهشّم ومقطّع الأوصال، فمن يرغب بضمان حياة سليمة له ولبنيه عليه أن يفكر بالبيئة المجتمعية التي يعيش فيها، فلندع الأنانية الفردية جانبا، لأنّ العراقيين في أساسهم طيبون، متعاونون، معطاءون، ومن يشذ عن هذه الصفات لن يصل إلى مرامهِ، وسوف تسحقهُ أنانيته قبل غيره.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا