التخلف الحضاري

محمد عبد الجبار الشبوط

2018-08-19 07:29

التخلف الحضاري خلل حاد في المركب الحضاري يعيق عناصره عن الاشتغال بطريقة سليمة ومنتجة ويصيب القيم الحضارية والاخلاقية الحافّة بعناصر المركب الحضاري ويمنعها من التاثير في سلوك الفرد والجماعات والمجتمع والدولة.

اما عناصر المركب الحضاري فهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

واما القيم الحافة فهي مؤشرات سلوكية واخلاقية متعلقة بهذه العناصر.

والتخلف حالة حضارية ثقافية تضرب المجتمع لاسباب كثيرة منها الغزو الخارجي مثل الغزو المغولي الذي ضرب العالم الاسلامي واطاح بالدولة العباسية في بغداد عام ١٢٥٨ ميلادية/ ٦٥٦ هجرية. والمغول امة بدوية قبلية متخلفة كانت تعيش على الغزو وتخريب البلدان. وكان غزوهم للعراق، مثلا، من اسباب تقهقر المجتمع العراقي المدني نحو الاعراف والتقاليد البدوية. وهو الحال الذي مازال المجتمع العراقي يعاني منه حتى الان.

ينتج عن هذا الخلل الحاد في المركب الحضاري ظواهر تخلف كثيرة كالتخلف السياسي والتخلف الاقتصادي والتخلف الاجتماعي والتخلف العلمي وغير ذلك.

محاولات اصلاح الظواهر السلبية في هذه المجالات السطحية لا يمكن ان تأتي أُكُلَها ما لم تنفذ الى سببها العميق وهو الخلل بالمركب الحضاري.

ولهذا فشلت كل المحاولات الاصلاحية التي عرفها المجتمع العراقي منذ الغزو المغولي حتى الان لانها لم تتوجه الى معالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري.

وهذا ينطبق على جهود كل الذين حاولوا اصلاح الاوضاع السياسية والاقتصادية في العراق اعتبارا من علاء الدين عطا ملك الجويني حاكم العراق لربع قرن مباشرة بعد سقوط بغداد وصولا الى دعوات الاصلاح في السنوات الاخيرة. والسبب انها ركزت على الظواهر الخارجية ولم تحاول النفاذ الى الخلل الحاد في المركب الحضاري واصلاحه.

وهذا ينطبق على الاحزاب السياسية التي نشأت في العراق الحديث وخاصة الاحزاب الايديولوجية التي تركت لايديولوجياتها تحديد اهدافها دون التأمل العميق بالمشكلة الام وهي كما كررت الخلل الحاد في المركب الحضاري، اي التخلف الحضاري.

وانصرفت المؤسسة الدينية الى خدمة الدين دون استثماره في معالجة الخلل الحضاري رغم الامكانية العظيمة التي يختزنها في هذا المجال.

واستثني من ذلك الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي كان اول من طرح مسالة المركب الحضاري ولم يتابعه من جاء بعده.

وكان من نتائج ذلك اسلمة التخلف بدل القضاء عليه بالقيم الحضارية الاسلامية، وهكذا ظهرت تقاليد وعادات جديدة باسم الاسلام والشعائر الاسلامية وهي لا تمت الى الاسلام بصلة، لكن يمكن ادراجها تحت عنوان الدين الشعبي. والتطابق بين الدين الشعبي والدين الاصلي ليس تاما في كل الحالات. وهذا ما عانت منه اوروبا المسيحية قبل ظهور حركات الاصلاح الديني على يد لوثر وغيره.

وكما تحصل اسلمة التخلف الحضاري، تحصل ايضا دمقرطة التخلف السياسي، فتجري ممارسات سياسية ظاهرها ديمقراطي وباطنها ليس كذلك الامر الذي انتج في نهاية المطاف نظاما سياسيا هجينا.

الاصلاح الحقيقي يبدأ من نقطة شروع سليمة، وهي في حالتنا القضاء على التخلف بواسطة مركب حضاري سليم من الخلل والامراض. ويمكن الشروع بذلك انطلاقا من المدرسة، ولم اقل انطلاقا من المجتمع، لان المجتمع هو الطرف المصاب بهذا الخلل.

وهذا يتم باعتماد نظام تربوي حديث يتكفل بتنشئة جيل حضاري جديد على اساس القيم الحافة بالمركب الحضاري؛ وذلك باشباع عقول الطلبة بهذه القيم وتمرينهم عليها من خلال المناهج العلمية والنشاطات اللاصفية.

وهذا امر يمكن للحكومة الجديدة ان تتبناه اذا جعلت القضاء على التخلف الحضاري هدفا اساسيا لها والدولة الحضارية الحديثة نموذجا اعلى تسعى الى تحقيقه في العراق بعد عصور التخلف والدكتاتورية.

................................................................................................
* الآراء الواردة بالمقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا