التلوث البيئي.. موت بطيء يهدد الارض وسكانها!

مروة الاسدي

2016-01-25 01:22

أصبحت مشكلة تلوث البيئة خطرا يهدد الجنس البشرى بالزوال بل يهدد حياة كل الكائنات الحية والنباتات، ولقد برزت هذه المشكلة نتيجة للتقدم الصناعي والزيادة السكانية على مر السنين، حتى باتت اليوم أخطر كارثة يواجهها الإنسان، كونها تتفاقم يوما بعد يوم دون معالجات فعالة، ولعل الإنسان هو السبب الرئيسي والأساسي في إحداث عملية التلوث في البيئة وظهور جميع الملوثات بأنواعها المختلفة، فالتلوث البيئي يدمر الأماكن التي تحيط بنا، وتُعد الغازات والدخان في الهواء، والمواد الكيميائية والمواد الأخرى في الماء، والنفايات الصلبة على الأرض، من أسباب التلوث.

وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة للحد من التلوث، الا انها لا تجدي بسبب متطلبات الحياة في العصر الراهن، فكل يوم يتلوث الهواء بسبب ازياد المصانع والسيارات والانشطة الكيمائية وغيرها من مسببات التلوث، وابرز الدول التي تعاني من التلوث هي الصين التي اعلنت عزمها تخفيض انبعاثاتها الملوثة بنسبة 60 % وذلك بحلول 2020، غير أن المحللين يرون أن هذا الاعلان لا يهدف في الحقيقة سوى إلى التخفيف من استياء السكان.

ويرى الخبراء بهذا الشأن انه من اهم اسباب التلوث في العاصمة الصينية، الاستخدام الواسع النطاق للفحم في انتاج الطاقة الكهربائية والانبعاثات الملوثة التي تصدرها المصانع الكبرى المحيطة ببكين.

اما طهران فيعود سبب التلوث بنسبة 80 % الى عوادم السيارات البالغ عددها خمسة ملايين والدارجات النارية، والتي تسبب ازدحاما خانقا في شوارع العاصمة بشكل شبه دائم، وتتضاعف اثارها خلال الشتاء، وتقول بعض الصحف ان التلوث الناجم عن الدراجات النارية اكبر من ذلك الذي تسببه السيارات.

في حين تسير على طرقات نيودلهي أكثر من 8,5 ملايين مركبة تضاف إليها 1400 سيارة جديدة كل يوم. وترتفع مستويات التلوث في الشتاء خصوصا بسبب إشعال الحطب للتدفئة، وخلافا لبكين التي تعاني أيضا من تلوث شديد، لا تتمتع نيودلهي بأي نظام إنذار يعتمد عندما يصل التلوث إلى مستويات خطيرة على الصحة.

على الصعيد ذاته يرى المراقبون للشؤون البيئة ان التقارير المضللة عن الانبعاثات الغازية الضارة التي تصدرها شركات الكهرباء الصينية، تقوض الجهود التي تبذلها البلاد للسيطرة على التلوث وتواجه السياسات الحكومية لتشجيع الطاقة النظيفة ووقف هذه الممارسات مقاومة شديدة.

ويمثل توليد الطاقة من الفحم ثلاثة أرباع اجمالي الطاقة المولدة في الصين ويعتبر مصدرا رئيسيا للضباب الدخاني السام الذي غطى مناطق كثيرة من البلاد الشهر الماضي مما دفع السلطات إلى ان تصدر "تحذيرا باللون الأحمر" بالنسبة لعشرات المدن منها العاصمة بكين.

وتجد الحكومة صعوبة كبيرة في فرض نظام لمكافحة الانبعاثات على قطاع الطاقة الذي وصفته وزارة الطاقة بأنه "نقطة ضعف" في جهود علاج مشكلة الضباب الدخاني الناجمة عن الانبعاثات الغازية، ولم يعترف الحزب الشيوعي الصيني إلا خلال الأعوام الأخيرة فقط بالأضرار الناجمة عن عقود من النمو الاقتصادي الجامح فيما تشن الصين حملة على التلوث منذ عام 2014 وتعهدت بالتخلي عن نموذج اقتصادي لتحقيق النمو على حساب أي اعتبار آخر ما أدى إلى الاضرار بمعظم موارد المياه والجو والتربة.

وتواجه الصين تحديا كبيرا علاوة على حساسية الموضوع إذ يجري تنظيم آلاف الاحتجاجات سنويا اثر مخاوف من تدهور الأحوال البيئية فيما تلعب عدة عوامل بيئية –لا يمكن التحكم فيها- دورا منها الرياح وغيرها.

من جهة أخرى تبنت روما وميلانو -أكبر مدينتين في ايطاليا- اجراءات طارئة لخفض مستويات تلوث الهواء اثناء موسم عطلات عيد الميلاد والعام الجديد، وسجلت أجهزة رصد التلوث في المدينتين مستويات مرتفعة لجسيمات خطيرة على الصحة. وفي بعض الاحياء ظلت المستويات أعلى عن الحد المسموح به لأكثر من 50 يوما.

وعليه بات التلوث البيئي أحد أكثر المشاكل خطورة على البشرية، وعلى أشكال الحياة الأخرى التي تدب حاليًا على كوكبنا. ففي مقدور هواء سيئ التلوث أن يسبب الأذى للمحاصيل، وأن يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة برمتها، لذا تحاول اغلب دول العالم وخصوصاً الصناعية منها خفض نسب التلوث العالية التي خلقت مشكلة حقيقية داخل مجتمعات هذه الدول، وتعمل تلك البلدان المحافظة على بيئتها والقيام بخطوات اصلاحية لتجنب المخاطر الصحية المتفاقمة بين البشر.

تراجع التلوث في الصين رغم مشاكل فصل الشتاء

في سياق متصل قالت جماعة السلام الأخضر (جرينبيس) المدافعة عن البيئة إن مستويات تلوث الجو تراجعت في معظم المدن الصينية العام الماضي لكن الرطوبة وقلة الرياح في فصل الشتاء غلفت مساحات كبيرة من البلاد بموجة خانقة من الضباب الدخاني (الضبخان)، وأصدرت العاصمة الصينية بكين في ديسمبر كانون الاول الماضي أول "تحذير أحمر" من تلوث الهواء وحذر مجلس بلدية بكين السكان من ان مدينتهم سيغلفها ضباب دخاني ما استلزم منع سير المركبات الثقيلة والحد من عدد السيارات المارة بصورة عامة على الطرق والتنبيه على المدارس بتأجيل الدراسة مؤقتا ووقف أنشطة العمليات الانشائية. بحسب رويترز.

وقال دونج ليان ساي مسؤول المناخ والطاقة بجرينبيس "على الرغم من الشتاء الخانق في بكين والتحذير الأحمر توضح البيانات منذ عام 2015 اتجاها ايجابيا مستمرا في بكين وفي شتى أرجاء البلاد، "لكن جودة الهواء لا تزال تمثل مخطار صحية كبيرة"، وقالت جرينبيس في تقرير نشر نقلا عن بيانات رسمية من 189 مدينة إن المتوسط السنوي لانتشار الجسيمات المجهرية التي يقل قطرها عن 20 ميكرومتر -الذي يعادل جزءا من مليون جزء من المتر- والتي يمكنها اختراق الرئة بلغ 10.3 في المئة العام الماضي بالمقارنة بعام 2014، وقالت الجماعة إنه في النصف الاول من العام الماضي تراجعت هذه الجسيمات الدقيقة بنسبة 16 في المئة عن فترة 2014، وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في الآونة الاخيرة إن الجهات الرقابية البيئية في العاصمة الصينية بكين جمعت حصيلة بلغت نحو 183 مليون يوان (27.76 مليون دولار) من قيمة غرامات فرضت على منتهكي اللوائح البيئية العام الماضي، ويسعى الحزب الى تجهيز مسؤولي التفتيش البيئي بصلاحيات أوسع وموارد أكبر لمواجهة مصادر التلوث المستديمة واصلاح أجهزة الحكم المحلي التي تحمي المتسببين عن التلوث.

وتلف مناطق واسعة من شمال الصين سحابات كثيفة من الضباب الدخاني الخانق خلال الأسابيع الأخيرة بما في ذلك العاصمة بكين وهي مشكلة لا تزال قائمة ومتكررة على الرغم من التعهدات الحكومية بتشديد الحملات على المخالفين، وبلغ مستوى التلوث بالضباب الدخاني في مدينة شنغهاي الصينية في الآونة الاخيرة أعلى مستوى له منذ يناير كانون الثاني الماضي فيما قلصت السلطات من حجم العمل بالمواقع الانشائية والمصانع مع انتشار تلوث الهواء في شتى أرجاء البلاد.

استمرار اقفال المدارس في ايران بسبب التلوث

يتواصل اقفال المدارس في طهران وعدد من المدن الايرانية الاخرى بسبب تلوث الهواء الذي بلغ مستويات قياسية، بحسب ما نقلت الاحد وسائل اعلام محلية، واقفلت المدارس في طهران ومدينتي شهر ري وإسلامشهر المحاذيتين للعاصمة، وقررت السلطات تمديد الاقفال في هذه المدن وايضا في اصفهان واراك في وسط البلاد بسبب التلوث الجوي، وطلبت السلطات من الاشخاص المسنين والاطفال والمرضى ولا سيما مرضى القلب تجنب الخروج من بيوتهم، والغيت كافة المسابقات الرياضية ووضعت خدمات الطوارئ في حالة التأهب، ومن المحتمل ان يستمر هذا الحال الى يوم الخميس، بحسب وسائل الاعلام المحلية.

ويصل التلوث الجوي منذ ايام الى مستويات قياسية في طهران التي يبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة، وفي عشر مدن اخرى، ورغم تعليق الدراسة في المدارس والحد من حركة السيارات بالتالي، لم ينخفض مؤشر التلوث سوى من 148 درجة السبت الى 141 الاحد، علما ان المستوى الطبيعي الذي تحدده منظمة الصحة العالمية هو بين صفر وخمسين. بحسب فرانس برس.

وكانت العاصمة الايرانية شهدت مستويات قصوى من التلوث في اواسط الشهر الحالي بعد أن غطت سحابة كبيرة من الضباب المدينة ما جعل الرؤية فيها سيئة وحجب عنها جبال البرز المغطاة بالثلوج والمشرفة عليها، وتسعى الحكومة الى خفض مستوى التلوث مزودة محطات المحروقات بوقود اقل تسببا بالانبعاثات بما يراعي المعايير الاوروبية، بحسب ما اعلنت معصومة ابتكار نائبة الرئيس المكلفة شؤون البيئة في تصريحات ادلت بها أخيرا، وقبل عام، نقل 400 شخص الى المستشفيات في طهران لاصاباتهم بمشكلات صحية سببها تلوث الهواء، وفي العام 2012، ادى التلوث الى وفاة اربعة الاف و500 شخص بشكل مبكر في طهران، وثمانين الفا في عموم البلاد، بحسب وزارة الصحة.

نيودلهي الى المشاركة في تجربة حركة السير بالتناوب

من جهته دعا أرفيند كجريوال رئيس السلطة التنفيذية في نيودلهي سكان العاصمة الهندية، وهي أكثر العواصم تلوثا في العالم، إلى المشاركة في تجربة حركة السير بالتناوب للتخفيف من تلوث الهواء، وكانت السلطات المحلية قد أعلنت في بداية كانون الأول/ديسمبر عن نيتها اعتماد نظام حركة السير بالتناوب خلال الأسبوعين الأولين من كانون الثاني/يناير للتخفيف من تلوث الهواء المشحون بالجزيئات الدقيقة والذي يتنشقه 17 مليون شخص، وخصوصا في الشتاء، وكشفت السلطة التنفيدية في نيودلهي عن تفاصيل هذا البرنامج، وقال أرفيند كجريوال خلال مؤتمر صحافي إن "التلوث بات مشكلة خطيرة جدا ينبغي لنا جميعا أن نحلها معا"، وأضاف "لا بد من أن يتحول هذا الزخم إلى حركة شعبية وينبغي ألا ننفذه لمجرد الخوف من العقوبات"، وبموجب هذه الخطة، ستسير السيارات المزودة بلوحات تسجيل مع أرقام مفردة في الأيام المفردة والعكس بالعكس. وسيكلف رجال الشرطة بضمان الامتثال لهذه القواعد بمساعدة عشرة آلاف متطوع. بحسب فرانس برس.

وقد تفرض غرامة قدرها ألفي روبية (28 يورو) على المخالفين، مع الإشارة إلى أن هذا المبلغ يعد مرتفعا بالنسبة إلى معدل الأجور في البلاد، وسيتم أيضا في إطار هذه الخطة تحسين وسائل النقل العام مع توفير آلاف الحافلات الإضافية، ولن تفرض القيود المطبقة ب وهي لن تطال النساء الوحيدات والشخصيات المهمة وركاب الدراجات النارية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن السكان سيحاولون التحايل على هذه التدابير، مثلا من خلال الحصول على لوحات تسجيل زائفة أو شراء سيارة ثانية، وقد أظهرت دراسة أجرتها العام الماضي منظمة الصحة العالمية أن نيودلهي تسجل، من بين 1600 مدينة، أعلى نسبة سنوية للجزيئات الدقيقة البالغ قطرها 2,5 ميكرون، وهذه الجزيئات التي تخترق الرئتين تنقل إلى الأوعية الدموية ما يتسبب بسرطان الرئة وأمراض القلب والتهابات رئوية، وقد انتقدت الحكومات المحلية مرارا وتكرارا على عجزها عن تخفيض مستوى تلوث الهواء.

أكبر مدينتين في إيطاليا تفرضان اجراءات طارئة لخفض تلوث الهواء

الى ذلك تبنت روما وميلانو -أكبر مدينتين في ايطاليا- اجراءات طارئة لخفض مستويات تلوث الهواء اثناء موسم عطلات عيد الميلاد والعام الجديد، وسجلت أجهزة رصد التلوث في المدينتين مستويات مرتفعة لجسيمات خطيرة على الصحة. وفي بعض الاحياء ظلت المستويات أعلى عن الحد المسموح به لأكثر من 50 يوما.

وحظر مسؤولون في روما بالفعل سير الانواع القديمة من السيارات الاكثر تلويثا للهواء في جزء كبير من المدينة، وأعلنوا ان جميع المركبات -بصرف النظر عن النوع او سنة الصنع- سيسمح لها بالسير فقط بالتناوب وفقا للرقم الاخير في لوحتها المعدنية بحيث يكون الرقم الفردي في يوم والرقم الزوجي في يوم اخر. بحسب رويترز.

وذهبت ميلانو الى مدى اكثر صرامة. فبعد اجراءات تقييدية على بعض المركبات في الايام القليلة الماضية أعلن مسؤولو المدينة الواقعة في شمال ايطاليا حظرا شاملا على سير السيارات الخاصة داخل المدينة لمدة ثلاثة ايام بدءا من الاثنين ومن الساعة العاشرة صباحا الى الرابعة بعد الظهر في الضواحي، وقال مسؤولون انه لتشجيع الناس على استخدام وسائل النقل العام في روما ستكون التذكرة الواحدة صالحة للاستخدام طوال اليوم يوم بدلا من رحلة واحدة اثناء فترة سريان الحظر الجزئي.

تلوث الجو وعوادم السيارات من أسباب الاصابة بالعقم

على صعيد مختلف، قالت نتائج دراسة أمريكية إن النساء اللائي يعشن قرب طرق سريعة تلوث جوها عوادم السيارات قد يكن أكثر عرضة للاصابة بمشاكل تتعلق بالعقم عمن يعشن بعيدا عنها حيث تكون جودة الهواء أفضل، وتابع الباحثون حالات أكثر من 36 ألف امرأة بين عامي 1993 و2003 وحللوا تلوث الجو وعوادم المركبات قرب منازلهن لمحاولة الربط بين ما يتنفسنه من هواء وعدم القدرة على الانجاب.

وخلال مدة الدراسة حدثت نحو 2500 حالة عقم وكانت النساء اللائي يعشن قرب الطرق الرئيسية السريعة وعلى مسافة 199 مترا منها أكثر عرضة بنسبة 11 بالمئة للاصابة بالعقم عمن يعشن بعيدا عن هذه الطرق، وقال شروثي هالينجياه كبير المشرفين على الدراسة والباحث بكلية الطب في جامعة بوسطن "تبدو المخاطر ضئيلة". بحسب رويترز.

لكن مارك نيوينهويجسن الباحث بمركز بحوث الأوبئة البيئية وبمعهد الصحة العامة في برشلونة إنه حتى مع ضآلة هذه النسبة إلا انها تمثل مشكلة صحية عالمية، وقال "ربما تكون هذه النتائج ليست بهذه الدرجة من الأهمية على المستوى الفردي للنساء بالنسبة الى مشكلة العقم لكن بالنسبة الى المجتمع ككل فانها مشكلة مهمة ان يتعرض كثير من النسوة لتلوث الجو"، ودرس الفريق البحثي العلاقة بين العقم والجسيمات الدقيقة المنتشرة بالجو -وهي خليط من الجزيئات الصلبة والقطرات السائلة الدقيقة ومنها الاتربة والغبار والادخنة وغيرها- قرب منازل النسوة اللائي شاركن في الدراسة وبحثوا مدى قربهن من طرق التلوث، وهذه أول دراسة من نوعها تتابع حالات الكثير من النسوة لفترات طويلة لكن الأمر يتطلب المزيد من الدراسة قبل اصدار توصيات طبية تستند الى هذه النتائج لكنها تقدم كما كبيرا من الأدلة على مدى التاثير السلبي للتلوث على فرص الانجاب.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي