ماذا تعرف عن ثالوث نهاية العالم؟!.. التلوث، تغير المناخ، الصيد الجائر
عبد الامير رويح
2015-10-27 03:03
التنوع البيئي الذي يمثل كما يقول بعض الخبراء أساسا لكافة أشكال الحياة على كوكب الأرض، اصبح اليوم محط اهتمام متزايد لدى العديد من المنظّمات والمؤسّسات العالميّة والدولية، التي تخشى من تفاقم الاخطار والمشكلات واتساع الأنشطة البشرية المدمرة التي باتت تهدد التنوع البيولوجي وهو ما ستكون له عواقب وخيمة، خصوصا مع ارتفاع معدلات الانقراض للعديد من الاحياء حيث اكدت بعض التقارير العلمية السابقة كما تنقل المصادر، ان معدل الانقراض الحالي بلغ 41% للنباتات و26% للثديات و13% للطيور، ما رأى فيه العلماء القائمون عليه مؤشرا لانتهاء مظاهر الحياة على كوكب الأرض بعد 100 عام، كحد أقصى.
فقد نشرت دورية نيتشر العلمية التقرير الذي يحذر من انتهاء الحياة على كوكبنا بانقراض 75% من المخلوقات، وذلك بسبب التغييرات المناخية الناجمة عن ممارسات الإنسان نفسه. ويلفت العلماء الانتباه إلى أن المحاولات التي تتخذها الجهات المعنية بهدف الحيلولة دون إختفاء تماما الحيوانات المهددة بالأنقراض، لا تجدي نفعا، ما يعني أن ذلك يؤدي إلى تداعيات تتجاوز بقاء الأمور على حالها. ويشير العلماء إلى أهم 3 عوامل من شأنها أن تؤدي إلى نهاية العالم، هي التلوث وتغير المناخ، والصيد الجائر.
كما حذر العلماء من أنه في حال عدم اتخاذ الخطوات الكافية في المستقبل القريب جدا، فإن كوكب الأرض سوف يكون على موعد مع ما هو أسوأ من انقراض بعض الأنواع. من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان الدراسات والاستكشافات العلمية وعلى الرغم مما تقدم، لاتزال مستمرة حيث تمكن العلماء من الوصول الى نتائج علمية ومهمة، هذا بالاضافة الى اكتشافات بعض المخلوقات الجديدة.
خطر الانقراض
وفي هذا الشأن فقد أوضحت نتائج دراسة ارتفاع أعداد الحيوانات والنباتات المعرضة لخطر الانقراض خلال عام 2015 على الرغم من تعهدات الحكومات بالنهوض بحماية الكائنات الحية فيما تراوحت هذه الأنواع من الأسود في غرب افريقيا وحتى نبات السحلبية (الأوركيد) في آسيا. وقالت الدراسة إن القائمة الحمراء للأصناف المعرضة للانقراض -وهي الأنواع التي تؤيدها حكومات وعلماء ونشطاء الحفاظ على البيئة- ارتفعت إلى 22784 نوعا في عام 2015 بما يمثل تقريبا ثلث عدد جميع الحيوانات والنباتات المعروفة وذلك بعد أن كان عددها 22413 نوعا منذ عام.
وقالت القائمة التي يجمعها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إن فقدان أماكن المعيشة -على غرار قطع الغابات لتوسيع الرقعة الزراعية أو إنشاء المدن وإقامة الطرق- كان السبب الرئيسي وراء ذلك الارتفاع. واحتفظت أسود افريقيا بأقل فئات التصنيف الإجمالي للأنواع المهددة بالانقراض وذلك بفضل جهود الحفاظ عليها في جنوب القارة الافريقية. أما أسود غرب افريقيا فقد صنفت في فئة أكثر عرضة لخطر الانقراض بسبب فقدان مكان المعيشة (الموئل) وعدم وجود فرائس بعينها نظرا لأنشطة الصيد البشرية.
وقالت الدراسة "هناك أيضا تراجع سريع في شرق افريقيا التي كانت موئلا للأسود من الناحية التاريخية ويرجع السبب في هذا التراجع إلى الصراع الأزلي بين الإنسان والأسود وتناقص أعداد الفرائس". ومن بين الأخطار الأخرى الظاهرة التي تسهم في اندثار الأنواع الاتجار في العظام وأعضاء الجسم الأخرى التي تستخدم في أغراض الطب التقليدي. وفي عام 2011 حددت نحو 200 حكومة هدفا بحلول عام 2020 للعمل على منع انقراض الأنواع المعروفة وتقليل المخاطر التي تتعرض لها الأنواع المعرضة للاندثار. ولم يعرف أن أنواعا بعينها انقرضت تماما عام 2015 لكن الكثير منها بات على شفا الانقراض.
وقال كريج هيلتون-تيلور رئيس وحدة القائمة الحمراء بالاتحاد الدولي لحماية الطبيعة متحدثا عن هدف عام 2020 "لسنا على الطريق الصحيح". وعلى الرغم من ذلك فقد تحققت بعض النجاحات في الحفاظ على الانواع بما في ذلك الوشق الليبيري الذي زاد عدد أفراده إلى 156 بالغا في عام 2012 من 52 منذ عقد مضى. وقال هيلتون-تيلور إن بعض الأنواع ذات الأهمية الاقتصادية البالغة أضيف إلى القائمة الحمراء.
وقالت القائمة إنه من الناحية العملية فإن جميع أنواع نبات السحلبية الزلق المداري الآسيوي وعددها 84 نوعا -وهي زهور زينة عالية القيمة- يتهددها خطر الانقراض ويرجع السبب الاساسي إلى زيادة معدلات قطف زهور النبات علاوة على فقدان الموئل. وهناك أيضا تسعة من 17 نوعا من فصيلة نبات الشاي البري معرضة لخطر الانقراض لاستخدامها الجائر في صنع الشاي والنباتات الطبية ونباتات الزينة والحطب الذي يحرق للتدفئة. وقال هيلتون-تيلور "إن فقدان هذه النباتات سيقلل من التنوع الحيوي للشاي". ونبات الشاي البري ربما يكون بديلا ثمينا لأنواع شاي الشرب الحالية المعروفة إذا ما تغيرت الظروف البيئية مستقبلا.
من جانب اخر أعلن علماء أن نحو ثلث نباتات الصبار في العالم تواجه خطر الاندثار بسبب مخاطر منها التجارة غير المشروعة وانتشار المزارع في المناطق القاحلة الأمر الذي يجعل هذا النبات من أكثر الأنواع عرضة للانقراض. وقالت باربره جوتش المشرفة على هذه الدراسة فيما يتعلق بهذه النتائج التي توصل إليها فريق دولي من الباحثين "نحن في غاية الدهشة أن نجد مثل هذه النسبة المرتفعة من أنواع الصبار المهددة ... بعدد كبير من الأخطار".
وأوضحت الدراسة ان 31 في المئة من 1478 نوعا من الصبار جرى تقييمها على شفا الاندثار -وهي نسبة مرتفعة اذا قورنت بالنسبة المقابلة لانقراض الثدييات والبالغة 25 في المئة أو 12 في المئة للطيور. يتراوح طول نبات الصبار من سنتيمتر واحد إلى 19 مترا ويقتنى لألوان زهوره البديعة فيما تحظر معاهدة دولية الاتجار في أنواع معينة من هذا النبات. ووصفت انجر اندرسن المدير العام للاتحاد الدولي لصون الطبيعة -الذي وضع قائمة حمراء بأنواع الصبار المهددة بالانقراض- هذه النتائج بانها تبعث على القلق.
وقالت "يؤكدون ان حجم التجارة غير المشروعة في الانواع البرية أكبر كثيرا مما كنا نعتقد من قبل". وتعمل جوتش ايضا لدى الاتحاد الدولي لصون الطبيعة. وقالت الدراسة إن الماشية التي ترعى في المناطق الجافة وانتشار مزارع غير رسمية للصبار علاوة على التوسع في المشروعات العمرانية من بناء طرق تهدد أماكن معيشة النبات في الأمريكتين من تشيلي واوروجواي إلى المكسيك والولايات المتحدة. بحسب رويترز.
وقال العلماء في دورية (نيتشر بلانتس) إن معظم أصناف الصبار تنمو في الامريكتين باستثناء نوع واحد يزرع في افريقيا ومدغشقر وسريلانكا. والصبار خامس مجموعة -سواء كانت نباتية او حيوانية- تعتبر الأكثر عرضة للانقراض بعد مجموعة نباتات السيكاد المدارية الشبيهة بالنخيل ثم البرمائيات والشعاب المرجانية والصنوبريات.
دعوى قضائية
الى جانب ذلك لجأت إدارة كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرزي الى القضاء الاتحادي على أمل وقف دراسة تجري تحت الماء قبالة سواحل الولاية خلال موسم السياحة الصيفي قائلة إن ابحاث الموجات الصوتية تعرض الثدييات البحرية وأنواعا أخرى للخطر. وفي شكوى قدمت للمحكمة الجزئية الامريكية في ترينتون تسعى ادارة الحماية البيئية بولاية نيوجيرزي الى وقف الدراسة التي تجريها جامعة روتجرس بتمويل من المؤسسة القومية للعلوم.
ويهدف المشروع البحثي الى رسم خريطة لقاع المحيط قرب الساحل في محاولة لمساعدة المناطق الساحلية بالعالم على تحسين حماية أنفسها في مواجهة كوارث طبيعية على غرار العاصفة العارمة ساندي. وجاء في مستندات الدعوى "سيطلق المشروع دفقات قوية من الموجات الصوتية كل خمس ثوان لمدة ثلاثين يوما في مناطق الصيد الممتازة والمياه التي تعيش بها الثدييات البحرية والأنواع المهددة بالخطر وتلك المهددة بالانقراض". بحسب رويترز.
وتقول ادارة الولاية إن المشروع البحثي الذي يجري في ذروة موسم الصيد ينتهك القوانين الاتحادية التي تحمي الثدييات البحرية. وتقول الدعوى إن الدراسة تجري على مساحة مستطيلة طولها 50 كيلومترا وعرضها 12 كيلومترا قبالة ساحل الولاية. وقالت الولاية في مستندات القضية "ستكون للدراسة آثار ملموسة تتجاوز منطقة الدراسة ومن المرجح ان تتضمن الحد من معدلات الصيد لصناعات الصيد التجاري والترفيهي بالولاية ومضايقة الثدييات البحرية". وهذا هو العام الثاني على التوالي الذي تتلقي فيه جامعة روتجرس تمويلا اتحاديا لاجراء الدراسة لكن المشروع لم يكن معروفا العام الماضي بسبب مشكلات ميكانيكية تتعلق بسفينة الابحاث.
الحروب والكوارث
في السياق ذاته أدت الحرب الأهلية التي تدور رحاها في سوريا الى سحب بذور لأول مرة من قبو (يوم القيامة) أو (سفينة نوح مملكة النباتات) الذي أقيم في كهف أسفل جبل ناء في الدائرة القطبية الشمالية لتخزين تقاوي المحاصيل الزراعية العالمية وتأمين الامدادات الغذائية تحسبا لوقوع كارثة. وطلب باحثون من منطقة الشرق الأوسط هذه البذور -ومنها عينات من القمح والشعير والمحاصيل الأخرى الصالحة الزراعة في المناطق القاحلة- لتعويض ما فقد من بنك للجينات قرب مدينة حلب السورية الذي دمر اثناء الحرب.
وقال برايان لينوف المتحدث باسم صندوق المحاصيل الذي يدير قبو سفالبارد للتخزين الواقع على جزيرة نرويجية على مسافة 1300 كيلومتر من القطب الشمالي "إن حماية التنوع الحيوي العالمي على هذا النحو هو بالضبط الهدف من قبو سفالبارد العالمي للبذور". والهدف من هذا القبو الذي افتتح عام 2008 على أرخبيل سفالبارد هو حماية تقاوي المحاصيل مثل الفول والأرز والقمح تحسبا لأسوأ الكوارث على غرار الحرب النووية أو الأوبئة.
ويحتفظ القبو بأكثر من 860 ألف عينة من جميع دول العالم تقريبا وحتى في حالة انقطاع التيار الكهربي من القبو فتظل العينات محفوظة في درجة حرارة التجمد 200 عام على الأقل. وظل بنك حلب للجينات والحبوب يعمل بصورة جزئية بما في ذلك وحدات التخزين الباردة على الرغم من الحرب لكن لم يعد بمقدوره القيام بدوره كمخزن طوارئ لانتاج البذور وتوزيعها الى دول أخرى لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت جريث ايفين الخبيرة بوزارة الزراعة النرويجية إن من طلب سحب البذور من القبو هو المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) الذي نقل في عام 2012 مقره من حلب الى بيروت بسبب الحرب. وقالت إن ايكاردا طلب نحو 130 صندوقا من بين 325 صندوقا أودعها في القبو تحتوي على ما اجماليه 116 ألف عينة وأضافت انه سيجري نقل الصناديق فور الانتهاء من الاجراءات الادارية الخاصة بذلك. بحسب رويترز.
وقالت إنها المرة الأولى التي يجري فيها سحب مثل هذه العينات من القبو ومعظم التقاوي الخاصة بمجموعة حلب من البذور ذات الخواص المقاومة للجفاف التي يمكنها إنتاج محاصيل تصمد أمام ظروف تغير المناخ في المناطق الجافة من استراليا وحتى افريقيا. وقتل زهاء 250 ألفا في الحرب الأهلية بسوريا التي مضى عليها أربع سنوات والتي أدت ايضا الى تشريد 11 مليون شخص منهم 7.6 مليون نزحوا الى مناطق أخرى داخل سوريا.
اكتشافات جديدة
من جانب اخر أعلن العلماء انه تم اكتشاف نحو 18 ألف نوع جديد من الكائنات الحية خلال عام 2014 لتضاف الى مليوني نوع معروفة بالفعل فيما أصدروا قائمة تضم أهم عشرة أنواع رئيسية جديدة تبرز مدى تنوع الحياة على وجه الأرض. وقال كونتين ويلر عالم الحشرات ورئيس كلية العلوم البيئية والغابات التابعة لجامعة ولاية نيويورك التي تتولى اصدار القائمة إن هذه الأنواع العشرة "تذكرة بالعجائب التي لا تزال بانتظارنا".
ولا يزال ما يقدر بنحو عشرة ملايين نوع جديد غير معروف في مجالات العلوم المختلفة. لكن يتعين على الباحثين التحرك بسرعة لأن الصيد الجائر ومجالات التنمية والتوسع وتغير المناخ تدفع بالنباتات والحيوانات الى طريق الاندثار بمعدل أكبر واسرع من قدرة العلم على اكتشافها. وأضيف للقائمة كائنان من المملكة الحيوانية بسبب قوة الغرائز الأبوية لديهما بصورة غير عادية.
الأول دبور (زنبور) من الصين وهو أول حيوان يستخدم الأسلحة الكيماوية لاحباط خطط الكائنات المفترسة التي تحاول الاجهاز على نسله إذ تلجأ أنثى هذا الدبور الى حشو جزء من عشها بالنمل الميت الذي يفرز مواد كيميائية طيارة تحجب رائحة اليرقات ما يبعد المفترسات. والثاني ضفدع من اندونيسيا يكسر قاعدة تكاثر البرمائيات عديمة الذنب فبدلا من أن تضع الأنثى البيض مثلما تفعل جميع أنواع الضفادع تقريبا في العالم وعددها 6455 نوعا أو أن تنجب صغارا فانها تقوم بتخزين أبو ذنيبة (الشرغوف) وهو الطور اليرقي للضفادع في مسطحات مائية ضحلة.
ومن بين هذه الكائنات العشرة نوع مندثر يسمى (دجاجة الجحيم) وهو ديناصور يغطي جسمه الريش كان قد عثر على أجزاء من هيكله العظمي في داكوتا بالولايات المتحدة وهو حيوان معاصر لديناصور (تيرانوصور ركس) وديناصور (ترايسرابتور). وهناك نوعان بالقائمة استحوذا على اهتمام واضعي القائمة بسبب فنون الاداء الخاصة بهما. بحسب رويترز.
النوع الاول عنكبوت من منطقة الكثبان الرملية بالمغرب يلجأ للحركة على غرار العجلات الخشبية لاحباط مخططات من يتربصون به إذ يركض بسرعة ضعف سرعته العادية والنوع الثاني سمكة من نوع النفوخ المنتفخة الشكل في اليابان التي ابتكرت رسم دوائر عجيبة على قاع البحر ظلت تحير العلماء عشرين عاما إذ تصنع الذكور هذه الدوائر لاجتذاب الاناث وذلك من خلال السباحة والتوي في الرمال. وتضم القائمة ايضا بزاقة بحرية ساحرة المنظر من اليابان بألوانها الزرقاء والحمراء والذهبية وهي تسلط الضوء على كيف تنتج الطحالب في جوف البزاقة البحرية مواد مغذية للبزاقة من الشعاب المرجانية التي تقتات عليها.
الحلقة المفقودة
الى جانب ذلك وفي الأغوار السحيقة للمحيط الاطلسي بين جرينلاند والنرويج عثر العلماء على كائنات حية دقيقة يصفونها بانها الحلقة المفقودة التي تربط بين الخلايا الأولية التي عاشت على وجه الارض منذ الأزل وبين الكائنات الحية العديدة الخلايا التي ظهرت منذ نحو ملياري عام. وقال الباحثون في الدراسة التي اوردتها دورية (نيتشر) إنه تم كشف مجموعة من الكائنات الدقيقة تسمى (لوكيارتشيوتا) أو (لوكي) على سبيل الاختصار في منطقة موحشة متجمدة في قاع المحيط على عمق نحو 2.35 كيلومتر تحت سطح مياه المحيط لا تبعد كثيرا عن منظومة ينابيع ساخنة تسمى قلعة لوكي التي سميت بذلك نسبة الى احدى الشخصيات الاسطورية في المنطقة الاسكندنافية الشمالية العتيقة.
وأضافوا ان هذا الاكتشاف يمنح رؤية أعمق لكيفية نشوء وارتقاء نماذج خلوية أكبر واكثر تعقيدا تمثل الوحدات البنائية للطحالب والنباتات والحيوانات بما في ذلك البشر وهي مجموعات الكائنات المسماة حقيقيات النواة انطلاقا من جراثيم صغيرة بسيطة. ومجموعة (لوكيارتشيوتا) مجرد جزء من طائفة أكبر من الكائنات تسمى الكائنات الحية البدائية العتيقة وهي عبارة عن خلايا في غاية البساطة تفتقر حتى الى المكونات الداخلية الاساسية مثل النواة. لكن الباحثين وجدوا انها تشترك مع حقيقيات النواة في عدد لا بأس به من الجينات كثير منها ذو وظائف تتعلق بغشاء الخلية.
وقال ليونيل جاي عالم نشأة الكائنات الحية الدقيقة بجامعة اوبسالا السويدية إن هذه الجينات لابد وانها أعطت (لوكيارتشيوتا) "منظومة مبدئية لدعم نشأة ونمو التركيب الخلوي المعقد". وكلا من الكائنات الحية البدائية العتيقة والبكتريا -وهي كائنات ميكروبية أخرى- يعرفا معا باسم الكائنات ذوات الأنوية البدائية. وقال ثيس ايتيما خبير تطور الكائنات الحية الدقيقة بجامعة اوبسالا بالسويد وهو منسق هذه الدراسة "اهتم الانسان دوما بمحاولة ايجاد اجابة للسؤال التقليدي ’من اين جئنا؟’. حسنا لقد عرفنا الآن من أي نوع من الاسلاف الميكروبية ننحدر".
واضاف ايتيما "تمثل (لوكيارتشيوتا) أساسا حلقة مفقودة من لغز النشوء والارتقاء من خلايا بسيطة -مثل البكتريا والكائنات الحية البدائية العتيقة وذوات الانوية البدائية- وصولا الى الخلايا المعقدة التركيب او حقيقيات النواة التي تشملنا نحن البشر". والتنوع الحيوي الواسع النطاق على سطح الارض كان مستحيلا دون حدوث هذا التحول من الخلايا البدائية الى تلك الأكثر تعقيدا في التركيب والموجودة في الكائنات العديدة الخلايا. ونشأت الحياة الميكروبية منذ نحو 3.5 مليار سنة فيما نشأت أول كائنات خلوية معقدة التركيب منذ نحو ملياري عام. وقال جاي إن السؤال الخاص بمتى نشأت الخلايا المعقدة التركيب لأول مرة ظل من أضخم ألغاز علوم بيولوجيا النشوء والارتقاء. بحسب رويترز.
وقال شتيفن يورجنسن عالم الكائنات الحية الدقيقة بجامعة بيرجن بالنرويج إنه عثر على (لوكيارتشيوتا) بين طبقات رسوبية يندر وجود الاكسجين بها وذلك خلال رحلات بحرية لسفن الابحاث النرويجية بالمناطق الشمالية. وقال يوجنسن إنه فيما كانت ينابيع قلعة لوكي تنفث المياه الساخنة التي تصل درجة حرارتها الى 300 درجة مئوية الى مناطق محيطة تبعد نحو 15 كيلومترا كانت (لوكيارتشيوتا) المحلية مجرد تكوينات كئيبة مهجورة حالكة السواد تعيش حول نقطة التجمد.
البلانكتون
على صعيد متصل كشف العلماء النقاب عن أشمل تحليل حتى الآن للهائمات العالقة في مياه المحيط (البلانكتون) التي تستخدم كغذاء للمخلوقات البحرية كالحوت الازرق مثلا والتي ينطلق منها أيضا نصف غاز الاكسجين الذي يتنفسه الإنسان. والبلانكتون هي مجموعة الكائنات الحية الصغيرة أو المجهرية من الأحياء الحيوانية والنباتية والطحالب ويرقات الاسماك والبكتريا والفيروسات التي تعيش طافية على سطح الماء.
وقضى الباحثون ثلاثة أعوام ونصف العام على ظهر سفن شراعية من نوع تارا وأخذوا 35 ألف عينة من البلانكتون من 210 مواقع في شتى أرجاء العالم لتحديد مدى توزيع هذه الكائنات ورصد كيفية تفاعلها مع بعضها بعضا كما أجروا تحليلا وراثيا لها. وقال كريس باولر وهو مدير أبحاث بالمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية وأحد المشاركين في الدراسة التي أوردتها دورية (ساينس) "البلانكتون شيء أكبر من مجرد كونه غذاء للحيتان".
وأضاف "على الرغم من صغر حجمها الا ان هذه الكائنات مكون حيوي لمنظومة دعم الحياة على وجه الأرض إذ توفر نصف غاز الاكسجين المنبعث سنويا على وجه الارض من خلال عملية التمثيل الضوئي عند قاعدة السلاسل الغذائية البحرية التي تعتمد عليها جميع اوجه الحياة الأخرى بالمحيط". وأجرى العلماء أضخم عملية من نوعها حتى الآن في علوم البحار لرصد التسلسل الجيني للحمض النووي ووضعوا أيديهم على نحو 40 مليون جين للبلانكتون معظمها لم يكن معروفا من قبل.
واتسم معظم البلانكتون بدرجة أكبر من التنوع الوراثي عما كان يعتقد من قبل. لكن التنوع الجيني للفيروسات البحرية كان أقل من المتوقع. وقال باولر إنه من خلال ازالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله الى كربون عضوي عبر عملية التمثيل الضوئي يوفر البلانكتون مادة عازلة ضد تزايد غاز ثاني اكسيد الكربون الناجم عن احراق الوقود الحفري.
وقال رومين تروبليه مدير البعثات البحرية تارا إن السفن الشراعية أبحرت مسافة 140 ألف كيلومتر خلال المهمة البحثية البحرية. وكابد أعضاء البعثة العلمية مصاعب جمة منها محاصرتهم حول كتل الجليد القطبية عشرة أيام وعواصف في مياه البحر المتوسط ومضيق ماجلان فضلا عن الابحار عبر خليج عدن تحت حراسة البحرية الفرنسية لحمايتهم من القراصنة. بحسب رويترز.
ووجد العلماء ان معظم التفاعلات بين كائنات البلانكتون ذات خلفية طفيلية كما وجدوا أدلة على انتشار واسع للفيروسات في المحيطات. وقالت جنيفر بروم استاذة علوم المحيطات بجامعة اريزونا والمشاركة في هذا البحث "لان معظم المكونات الكثيرة للبلانكتون من البكتريا فانه يعتقد ان غالبية الفيروسات في المحيط اصابت البكتريا بالعدوى". وأضاف "خير سبيل لفهم ذلك هو أن نتصور وجود نحو 200 مليون من الفيروسات في كل ملء فم من مياه البحر وان معظم هذه الفيروسات تصيب نحو 20 مليونا من البكتريا الموجودة في كل ملء فم من مياه البحر".
دراسات مهمة
من جهة اخرى ولأن النطفة -لدى كثير من أنواع الكائنات الحية- هي الوسيلة الوحيدة التي تسهم بها الذكور في عملية التكاثر تنتاب الحيرة علماء الأحياء منذ زمن طويل ... لماذا سمح الانتخاب الطبيعي الخاص بالنشوء والارتقاء والمعروف بالقسوة والكفاءة للذكور بالصمود والبقاء. والانتخاب الطبيعي نظرية تقول بانه على مر الاجيال تبقى الكائنات الأكثر تكيفًا وصمودا مع بيئاتها على قيد الحياة وتفنى الأخرى الأضعف وقد أطلق على هذه العملية البقاء للأنسب (للأصلح).
وقال علماء إن منظومة تجيء فيها الذرية دون ممارسة العملية الجنسية -كما في مجتمعات لا جنسية كلها من الاناث- ستكون أكثر كفاءة بكثير في انتاج ذرية أكبر عددا. لكن مجموعة من العلماء البريطانيين قالوا إنهم وضعوا أيديهم على تفسير لعدم فناء الذكور: فهم مطلوبون لعملية تسمى "الانتخاب الجنسي" التي تتيح للأنواع تجنب الاصابة بالامراض وتفادي الفناء.
وخلص العلماء البريطانيون في البحث الذي أوردته دورية (نيتشر) الى ان "الانتخاب الجنسي" -حيث تتنافس الذكور على الإناث بغرض التكاثر- يحسن من المجموع الكلي للجينات ويقوي من صحة أفراد العشائر وهو الأمر الذي يفسر مدى أهمية الذكور. وغياب الانتخاب -حين لا يوجد جنس ولا توجد ضرورة للتنافس- يجعل العشائر أضعف من الناحية الوراثية وأكثر عرضة للاندثار.
وقال مات جيج الذي أشرف على هذه الدراسة بجامعة ايست انجيليا البريطانية "المنافسة بين الذكور من اجل التكاثر تتمخض في واقع الأمر عن فائدة مهمة لانها تحسن الصحة الوراثية للعشائر". وأضاف "يحقق الانتخاب الجنسي ذلك من خلال عمله كمصفاة لاستبعاد الطفرات الوراثية الضارة مما يساعد العشائر على الازدهار وتفادي الاندثار على المدى الطويل". وقال جيج إن جميع الأنواع المتعددة الخلايا تقريبا تتكاثر من خلال الجنس لكن استمرار وجودها ليس من السهل تفسيره من الناحية البيولوجية.
وفي الدراسة قام فريق جيج برصد التكاثر والنشوء والارتقاء في أربع من الخنافس من جنس ترايبوليوم على مدى عشر سنوات تحت ظروف مختبرات جرى التحكم فيها حيث كان الفارق الوحيد بين العشائر هو مدى شدة "الانتخاب الجنسي" خلال كل طور من التناسل بين الحشرات اليافعة. وتراوحت قوة "الانتخاب الجنسي" بين المنافسة الشديدة -حيث كان 90 ذكرا يتنافسون على عشر إناث فقط- وحتى الغياب التام "للانتخاب الجنسي" وتميزت العشائر بأحادية الزوج ولم يكن للاناث فيها أي اختيار ولم توجد منافسة بين الذكور. بحسب رويترز.
وبعد سبع سنوات من التكاثر -أو ما يمثل نحو 50 جيلا- وجد العلماء انه في العشائر التي انتشر بها "الانتخاب الجنسي" بصورة قوية بدت هذه المجتمعات أكثر صحة ولياقة وأكثر قدرة على الصمود في وجه الاندثار رغم التزاوج الداخلي. لكن المجتمعات والعشائر التي لم يكن يوجد بها "انتخاب جنسي" أو كان يبدو ضعيفا ظهر بها تدهور متسارع في الصحة نتيجة للتزاوج الداخلي وانقرضت هذه الكائنات جميعها في الجيل العاشر.
على صعيد متصل وثقت مجموعة من العلماء في ولاية فلوريدا الامريكية سلسلة من "التوالد العذري" أي التكاثر دون جماع بين نوع نادر من سمك المنشار مهدد بالانقراض بشدة نتيجة الصيد الجائر وتدمير الموئل. وقال العلماء ان هذه هي المرة الاولى التي ترصد فيها هذه الظاهرة التي تسمى علميا التوالد البكري او العذري بين الحيوانات الفقرية في الحياة البرية. وذكر العلماء ان بعض الاناث قد تلجأ لهذا النوع من التوالد نظرا لان تدني أعداد هذه الاسماك النادرة قد يجعل فرص الجماع غير متاحة.
وقال اندرو فيلدز خبير الحياة البرية بجامعة ستوني بروك "هناك عدد من حالات التوالد العذري بين الزواحف والطيور وأسماك القرش في الأسر. وهذا يثير الكثير من التساؤلات بشأن مدى شيوع هذا النوع من التوالد في الحياة البرية." وكان الباحثون يدرسون توالد اسماك المنشار حين اكتشفوا سبعة أسماك كلها ولدت عبر التوالد العذري أي نحو ثلاثة في المئة من التي شملها البحث.