الازدهار المستدام يتطلب بناء قرية ذكية
بروجيكت سنديكيت
2022-07-04 04:41
بقلم: اندرو شنغ، شياو قنغ
هونغ كونغ- يواجه العالم أزمة ثلاثية. الغذاء، والطاقة، وندرة المياه. ورغم أن السببين المباشرين لاندلاع هذه الأزمة هما جائحة كوفيد-19 وحرب أوكرانيا، إلا أن جذورها أعمق بكثير: ثقافة الاستهلاك الذي لا هوادة فيه، والنمو السريع للمدن التي تعاني من ضعف التخطيط، وتجاهل رفاهية العالم القروي.
وفي العديد من الجوانب، تقوم العولمة على مبدأ "الأكبر هو الأفضل". إذ يمكن للتكتلات الضخمة أن تحقق وفورات الحجم التي لا تستطيع الشركات الصغرى والمتوسطة تحقيقها؛ وتولد التكتلات الضخمة الابتكار، وتحفز نمو الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية أكثر من المناطق الريفية النائية ضئيلة الكثافة السكانية. إن الخطوة الطبيعية التالية في إطار البحث عن الحجم والتركيز هي خلق "مدن ذكية" مترابطة، ومحاور حضرية.
وغالبًا ما يغيب عن البال أن مثل هذه النُظم تستدعي توفير قدر كبير من الموارد. ونظرا لأن المدن والتكتلات منفصلة عن سبل العيش التقليدية في القرى، فإنها تعتمد على المجتمعات الريفية لتوفير العديد من هذه الموارد. والواقع أن أحدث توقعات الأراضي العالمية الصادرة عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تشير إلى أن أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد بدرجة معتدلة أو مفرطة على رأس المال الطبيعي.
واليوم، يتعرض جزء كبير من رأس المال هذا إما للتدمير، أو للانحلال، أو للاستنزاف بسبب الإفراط في الزراعة، والإفراط في الاستخراج، والتلوث. فعلى سبيل المثال، تعد الغابات الاستوائية الغنية بالكربون والمتنوعة بيولوجيًا ضرورية للحفاظ على صحة الكوكب، ومن ثم على صحتنا. ومع ذلك، تقول تقارير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، أنه بين عامي 2013 و2019، تعرضت الغابات الاستوائية لما لا يقل عن 69٪ من عمليات الاجتثاث لأغراض زراعية، خاصة لتربية المواشي، وزراعة أشجار زيت النخيل، وفول الصويا، ولباب الخشب، وهو ما يعتبر انتهاكا للقوانين أو اللوائح التنظيمية الوطنية.
وتعزو اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر هذا الفشل إلى عوامل مثل أولويات التنمية الوطنية "قصيرة النظر"، و"حوافز التجارة العالمية"، و"طلب المستهلكين في البلدان المتقدمة". وأكبر الجناة هم الشركات الكبرى. إذ تشكل المزارع التي تعود في المقام الأول لشركات زراعية كبرى 1٪ فقط من أكثر من 70٪ من الأراضي الزراعية في العالم، في حين أن أكثر من 80٪ من جميع المزارع، التي تشكل 12٪ من جميع الأراضي الزراعية، هي حيازات صغرى تقل مساحتها عن هكتارين.
إن الحل ليس أن ندير ظهورنا للعولمة ولا حتى المدن؛ بل أن ننشئ "قرى ذكية" تتمتع بإمكانية الوصول إلى خدمات عالية الجودة -بما في ذلك المياه، والطاقة، والنقل، والإنترنت- وبالربط الشبكي مع المدن الذكية. وعن طريق خفض تكاليف الإنتاج، وتكاليف المعاملات المتعلقة بالمعلومات، والمعرفة، والتمويل، ستُمكّن القرى الذكية من تطوير سلاسل إمداد أكثر استدامة ومرونة. وبالنظر إلى أن أكثر من 43٪ من سكان العالم يعيشون في المناطق الريفية، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض كبير في معدلات الفقر.
وهذا ليس مجرد نظرية. إذ تعزو الصين الكثير مما حققته فيما يتعلق بالحد من الفقر إلى توسيع البنية التحتية الحيوية- بما في ذلك الطرق، والسكك الحديدية، والكهرباء، والإنترنت، وإمدادات المياه- والقرى الريفية. وكانت التجارة الإلكترونية إحدى الآليات الرئيسية لإحراز التقدم في الحد من الفقر. فقد مكن الربط بشبكة الإنترنت المنتجين في القرى من بيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين في المناطق الحضرية باستخدام منصات عبر الإنترنت؛ كما يسرت شبكات المواصلات الموثوقة التسليم.
وبخلاف التجارة الإلكترونية التقليدية، يوفر الربط بشبكة الإنترنت فرصًا للشباب الموهوبين لكسب الدخل من الأعمال الصغرى -إكمال مهام صغرى عبر الإنترنت لتنضاف إلى الآلاف من المشاريع التي أنجزها آخرون ينتج عملا موحدا كبيرا- ومن خدمات إبداعية (مثل فيديوهات "تيك توك" أو اليوتوب). وفضلا عن ذلك، فإن الربط الشبكي الرقمي يمكّن المجتمعات الريفية من جني الإيرادات من خلال بيع أرصدة الكربون لمشاريع احتجاز الكربون الخاصة بهم. ويمكن أن يعزز الشمول المالي إلى حد كبير.
ومع ذلك، فإن 35٪ فقط من الناس في البلدان النامية يمكنهم الوصول إلى الإنترنت في الوقت الحالي، مقابل 80٪ في الاقتصادات المتقدمة. وهذه فرصة كبيرة ضائعة؛ وهذا راجع بصورة أساسية إلى أن تكلفة توفير الوصول للأنترنيت باهظة إلى حد كبير. وتظهر تجربة الصين أن بناء القرى الذكية بتكلفة معقولة غالبًا ما يتطلب توسيع البنية التحتية للمدينة لتشمل المناطق الريفية المحيطة بها.
وبالنسبة للقرى النائية، في نيبال وأماكن أخرى، أثبتت الشبكات المصغرة جدا أن لها مكاسب كبيرة. فإذا زودت بأي مصدر للطاقة المتجددة يسهل الحصول عليه محليًا، يمكن توفير الشبكات المصغرة في المناطق النائية، دون الحاجة إلى إنشاء خطوط كهرباء باهظة الثمن، وشبكات توزيع غير فعالة من المدن الكبرى. إذ بفضل تقنية 4G الجيل الرابع، و5G الجيل الخامس، لا يزال ممكنا ربط القرى بأقرب مركز للإنترنت.
وتشمل الأولويات الأخرى للقرى الذكية النهوض بنظم المياه والصرف الصحي، وضمان تصميم المباني لتكون أكثر مواءمة للبيئة، وتوفير نظم الري لإنتاج الغذاء، وتحسين استخدام الأراضي، وتجديد التربة من خلال "الزراعة المستديمة"، وتقليل النفايات من خلال مبادئ الاقتصاد الدائري. ولدينا ما يلزم من المعرفة والتكنولوجيا لتحقيق كل هذا.
إن بيت القصيد هو أنه من المفترض أن تتمتع المدن الذكية بأنماط متقدمة من الاستدامة والتفكير التصميمي. ولكن يجب أن تتمتع القرى بإمكانية الوصول إلى جميع المعارف والموارد نفسها، حتى يتمكن سكان الريف من بناء مجتمعات أكثر استدامة بيئيًا وأكثر ازدهارًا اقتصاديًا. وكما أنشأ الكثيرون ويكيبيديا من أجل الكثيرين، ينبغي أن نخلق مشاعا إبداعيا عالميا للقرية العالمية، حيث سيمكن من الوصول إلى المعرفة والتمويل أينما وجدا؛ كما سيمكن من توطينهما واستخدامهما كمصدر للدخل من قبل المجتمعات الريفية.
ويعد الافتقار إلى الفرص الاقتصادية أحد الأسباب الرئيسية وراء فرار الشباب من القرى للعيش في المدن. ولكن رغم أنهم قد يجدون وظائف في المناطق الحضرية، إلا أنه من المرجح أن يكافحوا أيضًا لتحقيق مستوى معيشي لائق، بدءًا من سكن جيد. وفي الوقت نفسه، فإن القرى الريفية التي تركوها وراءهم أصبحت عرضة للشيخوخة، والعزلة، والفقر، مما يؤدي إلى الاستياء الاجتماعي- كما أنه محرك رئيسي لردود الفعل الشعبوية العكسية ضد العولمة في العديد من البلدان.
ومن خلال توفير المزيد من الفرص المربحة وحياة أفضل لسكان القرى، ستخفف القرى الذكية الضغط على المدن وستسمح لمن يعيش بالقرب من الطبيعة بتطبيق نظم أكثر استدامة. ومن الواضح أن بناء هذه القرى يصب في المصلحة العامة. فهي استثمار طويل الأجل يجب أن تعتمده الحكومات والشركات الكبرى، والمؤسسات الخيرية.
ومنذ ما يقرب من نصف قرن، ذكرنا "إي إف شوماخر" أن كل صغير جميل، وأنه يجب أن نبني اقتصاداتنا لتلبي احتياجات المجتمعات، وليس الشركات. لقد كان محقا في ذلك. إن القرى الذكية هي خطوة حاسمة نحو هذا الاتجاه.