القارة السمراء تتحول إلى مكب نفايات العالم
وكالات
2022-03-27 05:35
تحاول البلدان الإفريقية حشد قواها خلال جمعية الأمم المتحدة للبيئة التي تنطلق في العاصمة الكينية نيروبي تفاديا لتحول القارة السمراء التي تضم أصلا مخلفات سامة مرسلة من مناطق أخرى، إلى "مكب نفايات العالم" لمخلفات البلاستيك.
من أنتاناناريفو إلى دكار مرورا بنيروبي أو كوناكري، تنتشر في العواصم الإفريقية مكبات ضخمة في الهواء الطلق تتكدس فيها النفايات البلاستيكية بآلاف الأطنان، وتنبعث منها روائح نتنة ودخان وجزيئات سامة. بحسب فرانس برس.
ويَقصد هذه المكبات رجال ونساء وأطفال من أكثر السكان فقرا، معرضين حياتهم للخطر ليجدوا بين المخلفات ما يوفر لهم قوت عيشهم اليومي، كذلك تُلوّث النفايات البلاستيكية المحيطات والمناطق الريفية، وتُهدد الحيوانات والنباتات والبشر، ويقول الراعي النيجيري هاما عبدلاي المقيم قرب نيامي "هذه الأكياس (البلاستيكية) قاتلة فعلا"، إذ "تقضي على حيواناتنا ببطء عندما ترعى العشب الممزوج بالبلاستيك".
وبسبب النقص في جمع النفايات والافتقار إلى مصانع إعادة التدوير، "تتزايد النفايات البلاستيكية في إفريقيا"، بحسب تقرير صدر أخيرا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ما يشكل "تهديدا كبيرا للبيئة واقتصادات القارة"، ويُنتج العالم سنويا 300 مليون طن من النفايات البلاستيكية، ينتهي 11 مليون طن منها في المحيطات. لكن وفق الأمم المتحدة، يشكل "نقص الإحصاءات" المتعلقة بإفريقيا "عقبة رئيسية" في هذا المجال.
وقال عثمان دانبادجي رئيس "شبكة النيجر للمياه والصرف الصحي"، وهي منظمة غير حكومية "لا شك في أنه إذا لم يتم فعل أي شيء في غضون سنوات قليلة، ستصبح إفريقيا سلة قمامة حقيقية للأكياس والنفايات البلاستيكية".
نقص في الالتزام
أثار قرار الصين العام 2018 حظر استيراد النفايات البلاستيكية، وأعقبته قرارات مماثلة من دول آسيوية أخرى مثل الفيليبين وماليزيا، مخاوف من أن تتطلع الدول الغنية إلى القارة الإفريقية للتخلص من هذه المخلفات، وتبدو هذه المخاوف مبررة نظرا إلى أن البلدان الغنية ترسل أصلا إلى القارة السمراء نفايات لها من منتجات ومواد خطرة أخرى مثل البطاريات أو المكونات الكهربائية والإلكترونية المستعملة، لا سيما إلى غانا ونيجيريا.
ويخشى رئيس منظمة "الكوكب الأخضر" غير الحكومية في الكونغو الديموقراطية إيف إيكوبو من أنّ ثمة "خطراً كبيراً في أن نرى كل نفايات البلدان الصناعية مرمية هنا في إفريقيا"، في نيروبي، ستحاول الدول الإفريقية الوصول إلى موقف مشترك بشأن حظر استيراد النفايات البلاستيكية إلى القارة، بهدف إجراء محادثات بشأن اتفاقية دولية لمكافحة تلوث البلاستيك، منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتمدت معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء تدريجا تشريعات تحظر "صنع الأكياس البلاستيكية واستيرادها وتسويقها واستخدامها وتخزينها"، لكنها في الغالب غير مطبقة أو يتم تنفيذها بصورة خاطئة.
وفي إطار "الحرص على التوفيق بين استمرار الأنشطة الاقتصادية وحماية البيئة"، أشارت مذكرة موجهة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى وكالة فرانس برس على أنها "بصدد الانتهاء من مشروع لائحة بشأن مواءمة القواعد" الوطنية. مع ذلك، فإن الدول الأعضاء "لم توافق بعد (...) على موعد نهائي لوقف استيراد المواد البلاستيكية".
ويقول جون غاكوافو وهو رئيس منظمة غير حكومية للدفاع عن البيئة في رواندا "ثمة نقص في الالتزام من دول إفريقية عدة". وهو شعور يشاطره عثمان دانبادجي الذي يقول "لا يمكننا فعل أي شيء ضد انتشار (النفايات البلاستيكية)، لأن السياسيين ليسوا ملتزمين حقاً في هذه المعركة".
وظائف بفضل البلاستيك
يعود النقص في الالتزام جزئياً إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي لقطاع البلاستيك الذي يوفر فرص عمل في بلدان كثيرة بينها جنوب إفريقيا، القوة الاقتصادية الكبرى في القارة حيث يعمل في القطاع حوالى 65 ألف شخص.
وقالت وزيرة البيئة في جنوب إفريقيا باربرا كريسي أخيراً إن أي اتفاق دولي يجب أن يأخذ في الاعتبار "المسؤوليات المتباينة والقدرات الخاصة" لكل دولة "في ضوء الظروف الوطنية"، وأوضحت نهلانهلا سيبيسي من منظمة "غرينبيس أفريكا" ومقرها جوهانسبرغ "لا أعتقد أن الدول الإفريقية ستتخذ موقفا موحدا بالكامل" في نيروبي، مضيفة "بلدان مثل جنوب إفريقيا التي لديها صناعة بلاستيك متجذرة" ستسلط الضوء أكثر على "فرص العمل" المرتبطة بالبلاستيك، ولكن أيضا على مساهمة القطاع في الأموال الضريبية، وترتدي هذه الحجة أهمية كبيرة في بلد 65% من شبابه عاطلون عن العمل، ويرى إيف إيكوبو أنه "سيكون من الصعب جداً على بلداننا أن تتحد لحظر دخول النفايات"، لأن ذلك "يشكل بالنسبة لها أيضا مصدرا للأموال ورأس المال"، و"هنا أهمية مواصلة الضغط من أجل عدم التضحية بمستقبل القارة".
نفايات منزلية تم استيرادها بشكل غير قانوني
أعلن ديوان البحرية التجارية والموانئ التونسي عن إعادة شحن 213 حاوية نفايات منزلية باتجاه إيطاليا تم استيرادها بشكل غير قانوني في 2020، مشيرا إلى أن الحاويات كانت مخزنة في ميناء سوسة وشرع تدريجيا في تحميلها منذ الجمعة على متن سفينة تركية استأجرتها روما ضمن اتفاق أبرمته في 11 فبراير/شباط مع تونس. وتخضع حاويات نفايات أخرى تضررت إثر حريق في ديسمبر/كانون الأول "لمشاورات" بين الطرفين، حسب وزارة البيئة التونسية، أعادت تونس شحن 213 حاوية تحمل نفايات منزلية باتجاه إيطاليا، كان قد تم استيرادها منها بشكل غير قانوني عام 2020، حسبما أعلن ديوان البحرية التجارية والموانئ التونسي، وتم تحميل الحاويات التي كانت مخزنة في ميناء سوسة التجاري (شرق) تدريجيا منذ الجمعة على متن سفينة تركية استأجرتها السلطات الإيطالية، وفق مدير الاتصال في الديوان التونسي الصحبي عزوز، الذي قال إن السفينة غادرت ميناء سوسة.
واستوردت شركة تونسية نحو 280 حاوية عام 2020 زعمت أنها تحمل نفايات بلاستيكية مخصصة لإعادة التدوير، رغم أن القانون التونسي يحظر استيراد النفايات المنزلية. وجاءت الحاويات مباشرة من منطقة كامبانيا جنوب إيطاليا، وخزنت نحو 213 منها في ميناء سوسة، فيما أرسلت البقية (67 حاوية) إلى مستودع في ضواحي المدينة الساحلية.
وأبرم اتفاق في 11 فبراير/شباط بين تونس وروما لإعادة 213 حاوية إلى إيطاليا، فيما تخضع إعادة بقية حاويات النفايات التي تضررت جراء حريق في ديسمبر/كانون الأول "لمشاورات" بين الطرفين، بحسب وزارة البيئة التونسية.
ويحاكم 26 شخصا، بينهم وزير البيئة السابق مصطفى العروي، في هذه القضية لتورطهم المحتمل في الاستيراد غير القانوني للنفايات المنزلية. كما أوقفت السلطات ثمانية متهمين، فيما لا يزال متهم تاسع فارا، وهو مدير الشركة المستوردة التي وقعت عقدا مع شركة إيطالية للتخلص من 120 ألف طن من النفايات المنزلية مقابل 48 يورو للطن (تتجاوز قيمة الصفقة 5 ملايين يورو).
وفجرت هذه القضية فضيحة في تونس وأثارت تحركات احتجاجية أعرب خلالها متظاهرون عن رفضهم أن تكون بلادهم "مزبلة" إيطاليا. وسلطت القضية الضوء على تجارة النفايات العالمية التي نمت رغم التشريعات الدولية الصارمة التي تهدف إلى منع الدول الغنية من التخلص من نفاياتها الخطيرة في الدول الفقيرة.