نقص أعداد الحيوانات الآكلة للبذور يهدد النباتات
موقع للعلم
2022-02-19 06:28
بقلم أندريا تومسون
مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب أنشطة حرق الوقود الأحفوري، يتزايد تغيُّر الظروف المناخية التي تكيفت معها الأنواع بمر التاريخ، لكن بينما تستطيع الطيور وغيرها من الحيوانات في كثير من الأحيان، الطيران، أو السير، أو السباحة للوصول إلى الموائل التي تفضلها، تبقى النباتات –حرفيًّا- مقيدةً تمامًا بجذورها؛ إذ تحتاج إلى عوامل خارجية مؤثرة لمساعدتها على تكوين المستعمرات في المناطق الجديدة؛ فنصف الأنواع النباتية يعتمد على حيوانات لنشر بذوره إلى بقاع أخرى، على سبيل المثال، عن طريق تناوُل الحيوانات للفاكهة، ثم تغوُّطها للبذور التي تحتويها، بَيد أن إزالة الغابات، والصيد الجائر، وغيرها من الضغوط الأخرى التي يُثقل بها البشر كاهل البيئة تتسبب في تراجُع أعداد أفراد بعض الأنواع بالغة الأهمية من الثدييات والطيور التي تنشر البذور، ووفقًا لإحدى الدراسات التي نُشرت مؤخرًا في دورية «ساينس» Science، فإن خسائر الأنواع تلك بالفعل قد أضعفت قدرة النباتات على مواكبة التغيُّر المناخي سريعًا، وذلك بنسبة صادمة تبلغ 60%.
في هذا السياق، تقول أليكسا فريدستون، اختصاصية علم البيئة الكمي من جامعة روتجرز، والتي لم تشارك في إجراء الدراسة: "إنها لَدراسة مشوقة"، معللةً ذلك بأن "المدى الهائل الذي تناقصت به بالفعل قدرة النباتات على مواكبة التغيرات المناخية" باعثٌ على الدهشة والصدمة، وهو أيضًا يُبرز مدى الترابط الشديد بين نقص التنوع البيولوجي وأزمة المناخ التي تواجه الكوكب حاليًّا.
من هنا، يقول إيـﭭان فريك، اختصاصي علم البيئة من جامعة رايس وأحد المؤلفين المشاركين في هذه الدراسة الحديثة: "نسعى إلى استيعاب تداعيات نقص التنوع البيولوجي على النُّظم البيئية التي تُفقد منها أنواع".
وتجدر الإشارة في ذلك الصدد إلى أن العلماء عكفوا عقودًا على رصد أنواع الطيور والحيوانات الأخرى التي تتغذى على الفاكهة وما تحتويها من بذور، وعلى تتبُّع المسافات التي تسافرها هذه البذور، وتقصِّي ما إذا كانت تُنبت أينما تُطرح، أم لا، وهو ما يحدث خلال عمليات يطلق عليها خبراء البيئة تفاعلات المنفعة المتبادلة، ويوضح فريك ذلك قائلًا: "تحصل الحيوانات على بعض الفواكه، فيسنح للنباتات أن تتنقل معها"، فيقول، على سبيل المثال، إنه قضى ساعات جالسًا على إحدى الأرجوحات الشبكية، متابعًا قطعة فاكهة ليرى أي الطيور المحلية يتوقف عندها لتناوُل وجبة خفيفة.
ومن دراسة نُظم بيئية محددة مثل الغابة الأطلسية في البرازيل، خلص علماء البيئة إلى أن تناقُص أنواع الطيور وغيرها من الحيوانات -بسبب إزالة الغابات وغيرها من الضغوط البيئية- كان يحد من قدرة الأشجار على نشر بذورها، إلا أن فريك يستدرك قائلًا هنا: "لكن لم تُجرَ دراسات عالمية أكثر شمولًا في ذلك الصدد"، ولذا استهدف مع فريقه البحثي "السعي لسبر أغوار المشكلة؛ بغيةَ فهم مدى جسامتها".
وقد جمع مع المؤلفين المشاركين له في الدراسة بياناتٍ حول هذا الصدد من آلاف الدراسات السابقة التي أُجريت حول العالم على مدار عقودٍ عديدة، ولقَّموا نظامًا لتعلُّم الآلة بهذه البيانات، بعد ذلك انصبَّ اهتمام الفريق البحثي على النباتات التي تنتج ثمارًا غضة، ولقَّنوا النظام آليةً للتعرُّف على العلاقات التي تمثلها الأنواع معًا بسبب عدد من السمات، مثل حجم بذور النبات أو ما إذا كان الطائر محل الدراسة يعيش على القمم الشجرية المرتفعة أم على النباتات المنخفضة، بالإضافة إلى ذلك، عمد الفريق إلى تغذية النظام ببيانات حول أنواع الحيوانات والنباتات التي تقوم بينها علاقة منفعة متبادلة، كذلك شملت الدراسة المسافات التي تسافرها البذور مع تنقلات الحيوانات الحاملة لها، وما إذا كانت هذه البذور تنتج شتلات أم لا، ومن خلال هذا النظام نجح الباحثون في التنبؤ بعلاقات منفعة متبادلة يسهم فيها عددٌ من الأنواع التي لم تتوافر لدى الباحثين بياناتٌ بشأنها، مثل الأنواع النادرة، أو تلك التي تعيش في المناطق النائية، أو الحيوانات المنقرضة.
وقارن الباحثون، باستخدام هذا النظام، بين البقاع التي توجد فيها حاليًّا أنواعٌ معينة من النباتات والحيوانات والأماكن التي يُتوقع وجود هذه الأنواع فيها إذا لم تقع أحداث انقراض أو أحداث انحسار للموائل المناخية المفضلة لبعض الحيوانات، أو أحداث إدخال لبعض الأنواع إلى موائل جديدة لها، ووجد الباحثون أن جميع هذه الضغوط البيئية قد عرقلت قدرة النباتات على نشر بذورها، ومن ثَم حدّت كفاءتها في التأقلم مع التغير المناخي بنسبة 60%، تعليقًا على ذلك يقول فريك: "إن ذلك العدد لا يعبر فحسب عن تبعات انخفاض التنوع البيولوجي للطيور والثدييات، بل يوضح على نحوٍ جلي أننا في كثير من الأحيان مع خسارة بعض الثدييات نفقد أكثر الكائنات كفاءةً في نقل البذور".
وتصف فريدستون الدراسة بقولها: "لا شك في أنها دراسة جديرة بالإعجاب على صعيد النمذجة التي أجرتها"، فالنظام الذي استخدمته الدراسة وناتجه من البيانات يُعد تأثيرهما معًا أكبر من مجموع أجزاء كلٍّ منهما على حدة، وتعلل فريدستون لذلك قائلةً: "إن تجميع [البيانات] على هذا النحو قد أسفر بوضوح عن أنماط بيانية لم تتوافر من دون هذه البيانات المجمعة، وهذه المقاربة".
وحتى الآن، يبدو أن نقص التنوع البيولوجي والتغيُّر المناخي قد تسبَّبا في الانخفاض الأكبر على صعيد إمكانية نشر بذور النباتات في مناطق مثل أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث تغطي التغيرات المناخية نطاقات أكبر، وهذا يرجع في جانب منه إلى أن هذه المناطق تتمتع بمساحات شاسعة نسبيًّا من التضاريس المستوية (على النقيض من المناطق الجبلية، حيث يمكن في كثير من الأحيان أن تتباين الظروف المناخية لعشرات الأمتار أو المئات منها فحسب، صعودًا أو هبوطًا للمنحدرات الجبلية)، كما أسهم في هذا الانخفاض فقدان العديد من أنواع الثدييات الكبيرة التي تتمتع عادةً بالقدرة على حمل البذور مسافاتٍ طويلة.
وقد درس فريك وفريقه البحثي أيضًا ما يمكن حدوثه إذا حدثت حالات الانقراض بين الطيور والثدييات التي يُصنفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في الوقت الحالي بأنها أنواع معرضة للخطر أو مُهدَّدة بالانقراض، فكان جنوب شرق آسيا ومدغشقر هما المنطقتان اللتان سيقع فيهما التأثير الأكبر على عمليات انتشار بذور النباتات بسبب تلك الخسائر في التنوع البيولوجي، وهذا يشير إلى أن أنواعًا مهددةً بالخطر حاليًّا هي التي تنهض بسائر عمليات نشر البذور في هاتين المنطقتين.
ويرى فريك أن تقديراته هو وفريقه البحثي قد تكون متواضعة لأنها لم تضع في اعتبارها عقباتٍ إضافيةً تعترض انتشار بذور النباتات، مثل بناء الطُّرق، وغيرها من البنى التحتية الخاصة بالبشر التي يمكن أن تعوق حركة الحيوانات.
وإجمالًا، يقول فريك إن الدراسة الجديدة تتيح فهمًا واقعيًّا لماهية الظروف المناخية التي يمكن للأنواع النباتية أن تتأقلم معها، ويضيف أن الدراسة توضح أيضًا أن البشر باتوا يمارسون ضغوطًا بيئيةً تستلزم انتشار النباتات على مسافات أكبر للإبقاء على مناخ مريح، بينما يبطئ البشر في الوقت نفسه انتشار النباتات من خلال تأثيراتهم على الحيوانات التي تعتمد عليها النباتات لحمل بذورها.