الاحترار العالمي وفجوة الانبعاثات العميقة
وكالات
2021-10-28 12:40
تعد الالتزامات الجديدة والمحدثة التي تم التعهد بها قبل مؤتمر المناخ المحوري COP26 في الأشهر الماضية خطوة إيجابية إلى الأمام، لكن العالم لا يزال يسير نحو ارتفاع خطير في درجة الحرارة العالمية لا يقل عن 2.7 درجة مئوية هذا القرن حتى لو تم الوفاء بتلك الوعود بالكامل، بحسب ما حذر منه تقرير جديد لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
يُظهر تقرير فجوة الانبعاثات الجديد الصادر يوم الثلاثاء أن المساهمات المحددة وطنياً المحدثة - الجهود التي تبذلها كل دولة لتقليل الانبعاثات الوطنية، فضلاً عن الالتزامات الأخرى التي تم التعهد بها لعام 2030 ولكن لم يتم تقديمها رسميا بعد - لن تؤدي إلا إلى خفض إضافي بنسبة 7.5 في المائة في انبعاثات الدفيئة السنوية في عام 2030، مقارنة بالالتزامات السابقة.
"هذا لا يكفي"، وفقا للوكالة الأممية التي أشارت إلى أن العالم يحتاج إلى خفض بنسبة 55 في المائة للحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، وهو الحد الأقصى الذي حدده العلماء باعتباره الأقل خطورة على كوكبنا ومستقبل البشرية.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مؤتمر صحفي عرض فيه التقييم الجديد: "قبل أقل من أسبوع من مؤتمر الأطراف السادس والعشرين بشأن المناخ المعروف بـ COP26 في غلاسكو، ما زلنا على المسار نحو كارثة مناخية".
وحذر من أنه "كما يوضح عنوان تقرير هذا العام: "التدفئة تعمل. وكما تظهر محتويات التقرير - القيادة التي نحتاجها خارج نطاق الخدمة".
على العالم أن يستفيق من غفوته
ويخلص التقرير إلى أن التعهدات بانبعاثات صفرية صافية، إذا تم تنفيذها بالكامل، يمكن أن تحدث فرقا كبيرا وتخفض الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة العالمية إلى 2.2 درجة مئوية، مما يوفر الأمل في أن المزيد من الإجراءات يمكن أن تساعد في تجنب الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ.
ومع ذلك، فإن هذه الوعود حتى الآن "غامضة" وغير متسقة مع معظم الالتزامات الوطنية لعام 2030، كما يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وقد تعهد ما مجموعه 49 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي بهدف صافي صفر انبعاثات. يغطي هذا أكثر من نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي وثلث سكان العالم. وهناك أحد عشر هدفاً منصوصاً عليه في القانون، تغطي 12 في المائة من الانبعاثات العالمية.
استخدام الرياح لإنتاج الطاقة له تأثيرات أقل على البيئة من العديد من مصادر الطاقة الأخرى غير أن العديد من المساهمات المحددة وطنيا تؤجل العمل إلى ما بعد عام 2030، مما يثير الشكوك حول ما إذا كان يمكن الوفاء بالتعهدات الصفرية، كما يقول التقرير.
علاوة على ذلك، على الرغم من تعهد اثني عشر عضوا من أعضاء مجموعة العشرين بهدف صافي صفر انبعاثات، لا يزال الغموض يحيط بوسائل بلوغ هذا الهدف، كما يقول التقرير.
"على العالم أن يتنبه إلى الخطر الوشيك الذي نواجهه كنوع (بشري). الدول بحاجة إلى وضع سياسات للوفاء بالتزاماتها الجديدة والبدء في تنفيذها في غضون أشهر"، كما حذرت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في مقدمة التقرير.
"إنها بحاجة إلى جعل تعهداتها بصفر انبعاثات أكثر واقعية، وكفالة إدراج هذه الالتزامات في المساهمات المحددة وطنيا، واتخاذ الإجراءات اللازمة"، بحسب أندرسن التي أضافت أن "الدول تحتاج بعد ذلك إلى وضع سياسات لدعم هذا الطموح المتزايد، ومرة أخرى، البدء في تنفيذها بشكل عاجل."
الوقت يمضي!
التقرير واضح: للحصول على فرصة لبلوغ هدف 1.5 درجة مئوية، يحتاج العالم إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف تقريبا في السنوات الثماني المقبلة. وهذا يعني إزالة 28 غيغا طن إضافية من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات السنوية، علاوة على ما تم التعهد به في المساهمات المحددة وطنيا المحدثة والتزامات 2030 الأخرى.
وفقا للوكالة الأممية المعنية بالبيئة، عادت انبعاثات ما بعد الجائحة، بعد انخفاضها في البداية، إلى الارتفاع مرة أخرى وهي الآن ترفع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أعلى من أي وقت خلال مليوني سنة منصرمة.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن "فجوة الانبعاثات هي نتيجة فجوة في القيادة، لكن لا يزال بإمكان القادة جعل ذلك نقطة تحول نحو مستقبل أكثر خضرة بدلاً من نقطة تحول نحو كارثة مناخية. يجب أن ينتهي عصر أنصاف الحلول والوعود الجوفاء".
عدم إضاعة الوقت
ارتفاع درجات الحرارة يعني المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الحرارة الشديدة والأمطار وذوبان الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمّض المحيطات.
في العام الماضي، وصلت الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إلى رقم قياسي جديد، حيث تجاوزت متوسط كوكب الأرض بين عامي 2011-2020، وتواصلت في عام 2021، وفقا لتقرير جديد نشرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يوم الاثنين.
وقال بيتيري تالاس، أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ترسل نشرة غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية "رسالة علمية صارخة" للمفاوضين بشأن تغيّر المناخ في مؤتمر المناخ القادم المعروف بمؤتمر الأطراف COP26 في غلاسكو.
وقال البروفيسور تالاس: "بالمعدل الحالي للزيادة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري، سنشهد زيادة في درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن تتجاوز بكثير أهداف اتـفاق باريس البالغة 1.5 إلى درجتين مئويتين فوق مستويات العصر الصناعي." وأضاف يقول: "نحن بعيدون كثيرا عن المسار الصحيح."
تصاعد الانبعاثات
كان تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 2020 أعلى بنسبة 149 في المائة عن مستوى ما قبل العصر الصناعي؛ والميثان 262 في المائة؛ وأكسيد النيتروز بنسبة 123 في المائة مقارنة بالنقطة التي بدأ فيها النشاط البشري في إخلال التوازن الطبيعي للأرض.
وعلى الرغم من أن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا أدى إلى انخفاض مؤقت في الانبعاثات الجديدة، لم يكن له تأثير واضح على مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي أو معدلات نموها.
وأكدت النشرة أنه مع استمرار الانبعاثات، ستستمر درجة الحرارة العالمية في الارتفاع.
علاوة على ذلك، نظرا للعمر الطويل لثاني أكسيد الكربون، سيستمر مستوى درجة الحرارة المرصودة حاليا لعدة عقود، حتى لو تم تخفيض الانبعاثات بسرعة إلى صافي الصفر.
كما يعني ذلك المزيد من ظواهر الطقس المتطرفة، كالحرارة الشديدة والأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمّض المحيطات، وما يرتبط بذلك من آثار اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى.
وقال تالاس: "كانت آخر مرة شهدت فيها الأرض تركيزا مشابها لثاني أكسيد الكربون قبل ثلاثة إلى خمسة ملايين سنة، عندما كانت درجات الحرارة أكثر دفئا بمقدار 2-3 درجات مئوية وكان مستوى سطح البحر أعلى من الآن بمقدار 10-20 مترا."
نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من البشر
وأشارت النشرة إلى أن ما يقرب من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من البشر اليوم لا يزال موجودا في الغلاف الجوي، بينما تمتص المحيطات والنظم البيئية الأرضية النصف الآخر.
وفي نفس الوقت، قد تصبح قدرة النظم الإيكولوجية للأراضي والمحيطات على العمل كـ"مصارف" أقل فعالية ضد ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل، مما سيقلل قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتكون بمثابة حاجز ضد مواصلة الارتفاع في درجات الحرارة. وفي الوقت نفسه، تضع العديد من الدول حاليا أهدافا محايدة للكربون وسط الأمل في أن يشهد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين زيادة كبيرة في الالتزامات.
وقال تالاس: "نحن بحاجة إلى تحويل التزامنا إلى عمل يكون له تأثير على الغازات التي تؤدي إلى تغيّر المناخ. نحن بحاجة إلى إعادة النظر في نظمنا الصناعية والخاصة بالطاقة والنقل وطريقة حياتنا ككل."
وشدد على أن التغييرات المطلوبة ميسورة التكلفة اقتصاديا وممكنة من الناحية التقنية، مضيفا أنه "ليس هناك وقت نضيعه."
قد تصبح قدرة المحيطات على إزالة ثاني أكسيد الكربون المنبعث من البشر من الغلاف الجوي بمثابة عازل أقل فعالية ضد ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل.
مواجهة الانبعاثات
وأكد تالاس أن ثاني أكسيد الكربون هو أهم غاز من غازات الاحتباس الحراري وله "تداعيات سلبية كبيرة على حياتنا اليومية ورفاهيتنا، وعلى حالة كوكبنا وعلى مستقبل أطفالنا وأحفادنا."
وتعتبر مصارف الكربون (وهي خزان حيوي أو اصطناعي يقوم بتجميع الغاز لفترة غير محددة) جهات تنظيمية حيوية لتغيير المناخ لأنها تزيل ربع ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه البشر في الغلاف الجوي.
وأكسيد النيتروز هو أحد غازات الدفيئة القوية والمواد الكيميائية المستنفدة للأوزون التي تنبعث في الغلاف الجوي من كل من المصادر الطبيعية والبشرية، بما في ذلك المحيطات والتربة وحرق الكتلة الأحيائية واستخدام الأسمدة والعمليات الصناعية المختلفة.
ويمكن لتقليل غاز الميثان في الغلاف الجوي على المدى القصير أن يدعم تحقيق اتـفاق باريس ويساعد في الوصول إلى العديد من أهداف التنمية المستدامة بفضل الفوائد المشتركة المتعددة لتخفيف الميثان، بحسب النشرة التي أكدت أيضا أن ذلك لا يجب أن يقلل من ضرورة إجراء خفض قوي وسريع ومستدام في تركيزات ثاني أكسيد الكربون.
الاحترار يهدد الاستقرار العالمي
وأكد تقرير للاستخبارات الأميركية أن الاحتباس الحراري يهدد الاستقرار العالمي، مشيرا إلى زيادة خطر النزاعات بسبب قلة المياه وحركات الهجرة بعد 2030.
وقبل أسابيع من مؤتمر الاطراف المناخي (كوب26) الذي سيعقد في غلاسغو في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، قالت الاستخبارات الأميركية إن "توتر الأوضاع الجيوسياسية سيتفاقم لأنه ستحدث خلافات بين الدول حول طريقة تقليص انبعاثات غازات الدفيئة لتحقيق أهداف اتفاق باريس".
وأضاف التقرير الذي يتضمن خلاصة تحقيقات مجمل أجهزة الاستخبارات الأميركية أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي "يزيد أساسا المنافسة الاستراتيجية للوصول إلى موارده الطبيعية".
وفي أماكن أخرى ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحالات القصوى لتقلبات الطقس "هناك خطر متزايد لحدوث نزاعات على المياه والهجرة خصوصا بعد العام 2030"، حسب التقرير.
وأضافت الاستخبارات أن معظم البلدان "ستواجه خيارات اقتصادية صعبة وستعتمد على الأرجح على التقدم التكنولوجي لتقليل انبعاثاتها بسرعة، لكن في وقت لاحق"، محذرة من أن تقنيات الهندسة الجيولوجية التي تهدف إلى التلاعب بالمناخ والبيئة وتغييرهما قد تكون أخرى مصدرا آخر للنزاع.
وبذلك يمكن أي دولة أن "تختبر بشكل أحادي أو حتى تنشر تقنيات الطاقة الشمسية على نطاق واسع لمواجهة آثار تغير المناخ إذا اعتبرت أن الجهود الأخرى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية قد فشلت"، كما أوضحت الاستخبارات.
وتابعت "بدون اتفاق دولي حول هذه التقنيات نعتبر أن مثل هذا الجهد الأحادي من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية" لهذا البلد.
وقال التقرير إنه بعد العام 2040، ستكون أقل البلدان نموا هي الأقل قدرة على التكيف مع تغير المناخ ما سيزيد من خطر عدم الاستقرار أو حتى حرب أهلية في هذه البلدان.
وحددت الاستخبارات في تقريرها 11 دولة تعتبر معرضة للخطر بشكل خاص هي أفغانستان وبورما والهند وباكستان وكوريا الشمالية وغواتيمالا وهايتي وهندوراس ونيكاراغوا وكولومبيا والعراق.
ارتفاع مستوى المياه
وقالت الاستخبارات إن هذه الدول "ضعيفة إلى أقصى حد أمام التاثيرات المادية (لتغير المناخ) ولا تملك قدرة على التكيف معها"، عارضة مساعدتها على التكيف من أجل خفض الأخطار المحتملة على أمن الولايات المتحدة.
وفي تقرير منفصل حول المسألة نفسها ونشر بالتزامن مع تقرير الاستخبارات، تؤكد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن منطقة الهند-المحيط الهادئ التي أصبحت محور عمل الولايات المتحدة التي تسعى إلى احتواء صعود الصين، ضعيف في مواجهة ارتفاع مستوى المياه.
ويشير تقرير البنتاغون إلى أن الولايات المتحدة تملك قواعد مهمة في جزيرة غوام في أرخبيل جزر مارشال وفي جزر بالاوس، مؤكدا أن الصين يمكن أن "تحاول الاستفادة من تأثير تغير المناخ لبسط نفوذ" في المنطقة.
ونشر تقرير ثالث يركز على الاستقرار المالي، صدر عن مجلس مراقبة الاستقرار المالي الأميركي، الهيئة التي انبثقت عن أزمة 2008 وتجمع السلطات التنظيمية المالية الأميركية تحت رعاية وزارة الخزانة.
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في اجتماع عقد افتراضيا الخميس "للمرة الأولى يعترف مجلس مراقبة الاستقرار المالي الأميركي بتغير المناخ كتهديد ناشئ ومتزايد لاستقرارنا المالي".
وأضافت أن "هذا التقرير يضع تغير المناخ في صدارة جدول أعمال الوكالات الأعضاء فيه"، معتبرة أنه "خطوة أولى حاسمة في التصدي لخطر تغير المناخ ولن يكون بأي حال نهاية هذا العمل".