الاستدامة البيئية في العراق
قراءة في المؤشرات
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-06-17 07:31
أخذت الاستدامة البيئية تحتل مكانة مهمة في الوقت الحاضر عالمياً واقليمياً ومحلياً بحكم تصاعد حجم التلوث الذي أخذ يؤثر سلباً على الحياة في كوكبنا.
تُعنى الاستدامة بالبيئية في مدى استهلاك الوقود الاحفوري والطاقة المتجددة وحجم التلوث الناجم عن الإنتاج المفرط ومدى تقلص الغابات أو توسعها.
إذ إن زيادة استهلاك الوقود الاحفوري مع انخفاض استهلاك الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي بالتزامن مع انفلات الاقتصاد والسعي نحو تحقيق الأرباح الاقتصادية على حساب الجوانب البيئية، سيؤدي، بلا شك، إلى تقليص حجم الغابات وزيادة حجم التلوث.
والعكس صحيح، إن انخفض استهلاك الوقود الاحفوري مع تزايد استهلاك الطاقة المتجددة مع ضبط الاقتصاد بالاتجاه الذي يسهم في تحقيق التوازن بين الأرباح الاقتصادية والجوانب البيئية، ستكون النتيجة زيادة الغابات أو الحفاظ عليها، وتخفيض حجم التلوث أو عدم زيادته على أقل تقدير.
المؤشرات
استهلاك الوقود الاحفوري
أي نسبة استهلاك الطاقة المستخرجة من الوقود الاحفوري، أي منتجات الفحم والنفط والبترول والغاز الطبيعي، من مجموع استهلاك الطاقة.
حيث شكّلت نسبة استهلاك الوقود الاحفوري في العراق نسبة مرتفعة جداً هي 97.7% من مجموع استهلاك الطاقة خلال المدة 2010-2015، بمعنى إن العراق يعتمد بشكل شبه كامل على الوقود الاحفوري من مجموع استهلاك الطاقة.
استهلاك الطاقة المتجددة
يُقصد به نسبة الطاقة المتجددة من مجموع استهلاك الطاقة النهائي، وطبقاً لهذا المؤشر لم يشكل العراق سوى نسبة 0.8% من مجموع استهلاك الطاقة النهائي عام 2015.
بمعنى إن العراق بعيد كل البُعد عن استخدام الطاقة المتجددة. وتجدّر إلاشارة إلى بعض المصادر القابلة للتجدد كالطاقة المائية والجيو-حرارية والشمسية والطاقة من حركة الأمواج والرياح والكتلة الإحيائية والوقود الحيوي.
حجم التلوث
يرتبط حجم التلوث بشكل وثيق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تعني مجموع الانبعاثات التي يخلّفها الإنسان نتيجة لحرق الوقود الاحفوري، والغاز الطبيعي، وإنتاج الاسمنت. ويشمل ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من الكتلة الإحيائية للغابات بعد انحسار مساحتها.
وتحسب تلك الانبعاثات بالطن لكل فرد، وطبقاً لهذا المؤشر فقد بلغت مساهمة الفرد العراقي في حجم التلوث 4.8 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2014.
مساحة الغابات
أي قطعة من الأرض تفوق مساحتها 0.5 هكتار (أي 5000 م2) تغطيها أشجار يتجاوز ارتفاعها 5 أمتار، وتتجاوز فيها المساحة المظلّلة 10% من المساحة الإجمالية، أو ارض تضم أشجاراً يمكن أن تبلغ هذا الحد من الارتفاع في موقعها.
وعند النظر إلى مساحة الغابات في العراق سنجدها مساحة صغيرة جداً من مجموع مساحة الأراضي، حيث لم تشكّل سوى 1.9% من مجموع الأراضي عام 2015.
ونظراً لارتفاع نسبة استهلاك الوقود الاحفوري 97.3% من مجموع استهلاك الطاقة، وانخفاض الاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل حاد وهو 0.8% من مجموع استهلاك الطاقة النهائي، وارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 4.8 طن للفرد الواحد، بالتزامن مع صغر مساحة الغابات التي شكلت 1.9% من مجموع مساحة الأراضي، كانت الاستدامة البيئية في العراق في المجموعة الدنيا لا في المجموعة الوسطى ولا في المجموعة العليا من باب أولى.
العلاقة العكسية والطردية
وذلك بحكم العلاقة العكسية بين الاستدامة البيئية وكل من استهلاك الوقود الاحفوري وحجم الانبعاثات الملوثة وبالخصوص ثاني أكسيد الكربون، أي كلما يزداد الاعتماد على الوقود الاحفوري ويرتفع حجم الانبعاثات ستنخفض الاستدامة البيئية والعكس صحيح.
وبحكم العلاقة الطردية بين الاستدامة البيئية وكل من استهلاك الطاقة المتجددة ومساحة الغابات، أي كلما يزداد الاعتماد على الطاقة المتجددة وتزداد مساحة الغابات ستتحسن الاستدامة البيئية والعكس صحيح.
وبما إن العراق يعتمد بشكل كبير على الوقود الاحفوري مع ارتفاع حجم الانبعاثات بالتزامن مع انخفاض الاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل حاد وصغر مساحة الغابات، أصبح العراق يعاني من سوء الاستدامة البيئية وفي أدنى المستويات.
المخاطر البيئية
ونتيجة لسوء الاستدامة البيئية يمكن ملاحظة المخاطر البيئية من خلال معدل الوفيات، ومؤشر القائمة الحمراء الذي يقيس خطر الانقراض الإجمالي لمجموعات الأنواع.
حيث بلغ معدل الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء في المساكن والهواء المحيط، 75.1 لكل 100 ألف من السكان، كذلك بلغ معدل الوفيات الناجمة عن خدمات غير مأمونة في المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية 3.0 لكل 100 ألف من السكان عام 2016. وعلى الرغم من سوء الاستدامة البيئية في العراق إلا إن حجم المخاطر البيئية كانت ضمن المجموعة الوسطى، ويمكن إيعاز السبب للجانب الصحي مما تسبب في تخفيف حجم الوفيات.
أما مؤشر القائمة الحمراء، الذي تتراوح قيمته بين صفر عندما تكون جميع الأنواع مصنفة مهددة بالانقراض، وواحد عندما تكون جميع الأنواع مصنفة غير مهددة. يبدو إن العراق يتعرض لمخاطر بيئية كبيرة في ضوء هذا المؤشر وذلك لوقوع العراق ضمن المجموعة الدنيا، وإن جميع الأنواع مهددة بالانقراض بحكم إن قيمة هذا المؤشر بلغت 0.819 كنتيجة لعدم حمايتها والاهتمام بها وتعرضها للصيد الجائر.
إن العراق يعاني من مخاطر بيئية بسبب سوء الاستدامة البيئية بحكم اتخاذ الوقود الاحفوري كمصدر رئيس للطاقة وارتفاع حجم الانبعاثات مع ضعف الاعتماد على الطاقة المتجددة وضآلة مساحة الغابات.
ومن أجل العمل على تلافي تلك المخاطر لابُد من العمل تحسين الاستدامة البيئية من خلال الاهتمام بمؤشراتها، أي العمل على
- تقليص الاعتماد على الوقود الاحفوري أو بالأحرى زيادة الاعتماد على الوقود الاحفوري النظيف كالغاز الطبيعي بالتزامن مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة خصوصاً وإن العراق يمتلك كثير من مقومات هذه الطاقة.
- منع ومعالجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وذلك من خلال محاربة وفرض عقوبات مالية كضريبة الكربون على النشاطات التي تسهم في تفاقم حجم الانبعاثات الملوثة للبيئة.
- الاهتمام بالغابات والعمل على زيادة مساحاتها لان الاهتمام بها وزيادة مساحاتها سيسهم في تقليص حجم التلوث كونها تمتص ثاني اكسيد الكربون وهذا ما يعني تقليص حجم المخاطر البيئية. كذلك العمل على منع الصيد الجائر سيقلص من حجم المخاطر البيئية.
خلاصة القول، إن الاهتمام بتقليص أو تحسين استخدام الوقود الاحفوري مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة وزيادة مساحة الغابات سيؤدي الى تقليص حجم الانبعاثات الملوثة للبيئة وتحسين الاستدامة البيئية أخيراً وهو المطلوب.