ميتافيزيقا الطبيعة.. الأبعاد الفلسفية للمشاكل البيئية

حاتم حميد محسن

2018-05-29 04:00

الفيلسوفان مارتن هايدجر وجون ديوي نالا شهرتهما في الجزء الاول من القرن العشرين، لكنهما كانت لهما آراء مختلفة جدا حول البيئة. سنرى كيف يمكن تطبيق مفاهيمهما بشأن الطبيعة والطبيعة الانسانية وفلسفة العلوم على السياسة والفكر البيئي الحاليين. كان مارتن هايدجر عبّر في افكاره اللاحقة عن رفضه للعلوم الحديثة والتكنولوجيا والنزعة التجارية، بالإضافة الى ان مفاهيمه شبه الاسطورية مثل الوجود "BEING" اعتُبرت اقل فائدة للسياسة البيئية مقارنة بفلسفة ديوي الذي يمجّد هذه المؤسسات باعتبارها انتصار لكل من الامكانات الطبيعية والانسانية. غير اننا سنرى بانه رغم ان روح فلسفة ديوي قد تتناسب بشكل أفضل مع الحاجات القصيرة الأجل المتعلقة بالقوانين والتعليمات البيئية والتكنلوجيا المحسنة، لكن الرسالة الهامة لفلسفة هايدجر هي ما نحتاجه اليوم لضمان الالتزام الطويل المدى بالمحافظة على البيئة وحمايتها.

هايدجر، ديوي والسياسة البيئية

نالت المخاوف حول الاحتباس الحراري والمشاكل البيئية الاخرى اخيرا اهتماما كبيرا من الرأي العام. التقرير الصادر عن خبراء الامم المتحدة عن التغيرات المناخية في شباط 2007 يؤكد ما يقوله العديد من البيئيين حاليا: الكوكب يزداد سخونة، وهذه الظاهرة هي من صنع الانسان. الكثير من الجماعات العلمية تتفق على ان النتائج الطويلة المدى لهذه التأثيرات المناخية قد تكون كارثية لكل من البيئة الطبيعية والحضارة الانسانية. ولهذا فان صانعي السياسة البيئية يحاولون حاليا الاجابة على سؤالين رئيسيين:

1- ما هو سبب المشكلة"

2- ماذا يجب فعله نحوها؟

عرض العلماء اجوبة واضحة بهذا الخصوص، وهي ان الاحتباس الحراري نجم عن انبعاثات الغاز من البيوت الزجاجية، وان الحل للمشكلة يكمن في تقليل انبعاث الغازات عبر استخدام تكنلوجيا محسنة وسياسات وتعليمات جديدة. احدى الافكار الاخيرة في الولايات المتحدة هي إدخال تغييرات في الضرائب الفيدرالية لتشجيع الشركات على تطوير واستعمال طاقة بديلة.

بالطبع، يميل الفلاسفة دائما للنظر الى كل من الاسباب والحلول لهذه المشكلة بطرق أكثر تعقيدا مما يقوم به معظم العلماء. الفلسفة البيئية تتضمن اشياءا مثل الاخلاق، الميتافيزيقا وفلسفة العلوم.

واذا كانت الفلسفة البيئية الحالية تشكل حقلا ثريا ومثمرا للدراسة، فانه من المفيد احيانا ان نأخذ نظرة عن اصولها الفكرية. مع ان جون ديوي ومارتن هايدجر عاشا قبل ان تصبح مشاكلنا البيئية الحالية في الواجهة، لكنهما مع ذلك لديهما الكثير ما يقولانه حول العلم والطبيعة وعلاقات الانسان مع العالم الطبيعي. افكارهما حول هذه المواضيع وفّرت اساسا قويا يرتكز عليه الكثير من الفكر البيئي الحالي. الفلاسفة الحاليين امثال Michael Zimmerman و Bruce Foltz دمجوا افكار هايدجر مع الفلسفة البيئية، بينما فلاسفة اخرون امثال Andre Wlight وLarry Hickman طبّقوا برجماتية ديوي على البيئة. وهكذا فان فحص بعض المفاهيم الاساسية لهايدجر وديوي يمكن ان يوفر افكارا هامة لبعض القضايا الفلسفية السائدة في نقاشات السياسة البيئية الحالية.

في الحقيقة، رغم ان هايدجر وديوي يشتركان بأفكار معينة ملائمة بيئيا لكن الاختلافات بينهما كانت أكثر وضوحا، خاصة تجاه قضايا مثل الاحتباس الحراري. مارتن هايدجر (1889-1976) كان مرتبطا بالحركة الفلسفية في القرن العشرين التي سميت بالفينومولوجي والوجودية. تفكيره، كما سنرى كان مضادا للحداثة مما قاده لنقد التكنلوجيا والتجارة والعلوم النفعية، خاصة في كتاباته اللاحقة. وبما ان هذه الاشياء هي مكملة جدا للعالم الحديث فهناك احساس بشبه رفض للفكر اللاحق لهايدجر (رغم انه اعتبر نقده للحضارة الغربية كرؤية وتطلع الى الامام).

مقابل ذلك، نجد الفيلسوف الامريكي جون ديوي (1859-1952) قد تبنّى بحماس روح الحداثة. كان له ارتباطه القوي بالحركة الفلسفية المعروفة بالبرجماتية، فلسفته سميت ايضا بالآداتية والتجريبية. على خلاف هايدجر، هو اعتبر العلوم، التكنلوجيا، التجارة تعبيرا خلاقا للطاقة الانسانية. لذلك هو كان داعما قويا لهذه المؤسسات وتأثيرها الثقافي مقارنة بهايدجر.

طبيعة العلوم وعلوم الطبيعة

كلا المفكرين وبدون شك آمنا بوجود ارتباط عميق بين المشاكل الحالية مثل الاحتباس الحراري والقضايا الاكثر تجريدية مثل فلسفة العلوم، ميتافيزيقا الطبيعة، وطبيعة الانسان. لكنهما ايضا لا يتفقان على طبيعة هذا الارتباط. فلسفتاهما تتفقان بان العلوم والتكنلوجيا صاغتا علاقات الانسانية مع العالم الطبيعي، لكنهما لا يتفقان على ماهية هذه العلاقة، وكيف حدثت وماذا تعني.

مفهوم هايدجر عن العلوم والتكنلوجيا هو مفهوم سلبي. في عمله اللاحق، هو وصف الميراث العلمي كتجسيد لعدم احترام الانسانية للعالم الطبيعي وعزلتها عنه. هذا الميراث الذي يبدأ بفلسفة وثقافة اليونان القديمة ويتصاعد حتى يصل ذروته في العلوم وفلسفة الحداثة، هو من حيث الجوهر ظاهرة روحية. قبل سقراط أجاد الاغريق التساؤل الممتاز واسطورة الوجود (Being) كما يسميه هايدجر، وبدأوا بتطوير الفلسفة والعلوم لوصف هذه التجربة. غير ان معنى التجربة كان رائع جدا وعميق، لذا بدأ مفكرون امثال افلاطون وارسطو بالاهتمام بكل من الفلسفة والعلوم كتفسير منطقي للعالم الطبيعي بدلا من الاحاسيس الشاعرية حول هذه التجربة الاسطورية للوجود. هذا التفسيرات جعلت العالم الطبيعي ممكن التفكير به عقليا، لكنها قامت بهذا عبر تجاهل الانكشاف الاصلي للوجود. هذا جعل اي اعجاب عميق بوجود الطبيعة مستحيلا، وقاد الى اغتراب متصاعد للانسانية عن الطبيعة في الفكر والثقافة الغربيين.

ان تطور العلوم والتكنلوجيا في عالم ما بعد التنوير هو تعبير عن هذا الاغتراب. العلوم والتكنلوجيا طبقا لهايدجر "اطّرت" حاليا العالم الطبيعي بتحويله الى مجرد شيء للدراسة التجريبية لغرض الاستغلال التجاري. اصبح العالم الطبيعي مستودعا احتياطيا للاستغلال التقني. "العلوم تهاجم الطبيعة.... الزراعة هي الان صناعة الطعام ميكانيكيا. الهواء الان يُستخدم لتوليد الاوكسجين، الارض تنتج اليورانيوم.. حتى نهر الراين ذاته يبدو كشيء تحت سيطرتنا... التجلي الذي يحكم في كل التكنلوجيا الحديثة له سمة الهجوم. (السؤال المتعلق بالتكنلوجيا، ص 320، 321).ومن هنا، يأتي ايمان ديكارت بان هدف العلم هو انجاز (الهيمنة وامتلاك الطبيعة) وان هذا الهدف انجز وظيفته الكاملة في الحياة الحديثة. العلم حوّل الطبيعة من تجلّي حي للوجود الى مصادر تجارية وفكرية.

يتفق ديوي مع هايدجر بان العلم الحديث له اصوله في الحياة الفكرية لليونان القديمة، ومنذ ذلك الوقت غيّر العلم علاقة الانسانية مع العالم الطبيعي. غير انه خلافا لهايدجر، يرى ميراث العلوم كمحرر وتنويري بدلا من الهيمنة والاغتراب. ورغم ان المؤسسين الكلاسيك للفلسفة والعلوم الغربية كانوا منخرطين في بحث عقيم عن اليقين، بحث عن المعنى الابدي والمقدس للطبيعة، فان العلم الحديث ومنذ التنوير أصبح وسيلة اكثر تطبيقية لتأطير الاسئلة اللامحدودة وايجاد فرضيات مؤقتة. على خلاف فلسفة العلوم وثيولوجيا العصور القديمة، فان العلم الحديث لم ير للطبيعة اي بناء ميتافيزيقي مقرر. الطبيعة كموضوع للعلم الحالي هي بناء ديناميكي تعاوني لذهن الانسان. طبقا لديوي، العلوم خلقت "عالم طبيعي لا يسعى لأجل ادراك مجموعة ثابتة من الاهداف"و "هو نسبيا مرن ومطاطي، يمكن استخدامه لهذا او لذاك".(البنيوية في الفلسفة، ص 70).

يتفق هايدجر مع ديوي بان هذا في الحقيقة هو ما حدث، لكنه يعتقد بان ذلك شيء سيء. مع ذلك، يرى ديوي فضل العلم الحديث كأكبر حدث محرر في تاريخ الافكار، ويمجّد امكاناته لتحفيز الطاقات الانسانية، داعيا الى "نقل الطريقة التجريبية من حقل العلوم الفيزيقية الى الحقل الاوسع لحياة الانسان". ديوي يستنتج بانه في العالم المعاصر:

"الطبيعة كما هي موجودة سلفا لم تعد شيئا يجب قبوله والخضوع له، يستمر ويُتمتع به كما هو. انها الآن شيء قابل للتعديل، ليكون بالامكان السيطرة عليه عمدا. انها شيء مادي نعمل تجاهه لكي نحوله الى اشياء جديدة تستجيب بشكل افضل لحاجاتنا" (البحث عن اليقين ص 80، 81).

في الحقيقة، هذا هو بالضبط ما يجب ان يكون، لأن الطبيعة مصدر القدرات الانسانية وان النتاج التطوري النهائي للطبيعة هو المقدرة الانسانية لتحويل الطبيعة ذاتها. مقدرتنا على تطويع الطبيعة لرغباتنا هو مظهر للطبيعة. ان تحسين ظروف الانسان عبر استغلال وتحويل العالم الطبيعي عبر العلوم والتكنلوجيا والتجارة والفنون هو الانجاز الاسمى للطبيعة.

بالمقابل، يميل هايدجر للنظر للطبيعة كـ"شيء يجب قبوله والموافقة عليه" كانكشاف لشيء مقدس وفوق الطبيعي (وجود) تفقد معه الانسانية الاتصال عندما يتم التعامل معه كشيء للمعرفة العلمية او الاستغلال التجاري. تحطيمنا للعالم الطبيعي هو مؤشر لاغترابنا الروحي عن المصدر النهائي للمعنى في حياتنا. كوننا اختزلنا الوجود الى عالم الاشياء العلمية التكنلوجية التجارية، فان الانسانية تجد ذاتها الان وحيدة في عالم تافه من الموارد والسلع. كوننا فصلنا الطبيعة عن ارضيتها المقدسة الباعثة للحياة تكون الانسانية قد سرقت القيمة الباطنية للطبيعة ولذاتها. الطبيعة الان تبدو بلا حياة وبلا معنى.

وهكذا سيكون "التشرد" كما يسميه هايدجر هو مصير العالم (رسالة حول الانسنة، ص 243)، وان العلاج الوحيد لهذا المأزق والذي يشك فيه هايدجر رغم الدعوة اليه، هو ان ترفض الانسانية " جنون العقلنة"، والتكنلوجيا والتجارة لصالح الحرية". انها تستلزم موقف من السكينة والاحترام العميق والتقدير للطبيعة كشيء مقدس في احتفال الوجود. في مثل هذه الحالة سيتم الاحتفال بالطبيعة مرة اخرى كمصدر للتساؤل ولم تعد تُستعمل كشيء للاستغلال.

العلم، الطبيعة، السياسة البيئية

كوننا فحصنا الرؤى المتضادة لهايدجر وديوي حول الانسان والطبيعة فان اجاباتهما لأسئلتنا الاصلية بشأن الاحتباس الحراري قد تبدو واضحة. في ضوء قبوله القوي للروح العلمية "النشطة"، ديوي ربما يرى الاحتباس العالمي كنتيجة للحسابات الخاطئة لأهدافنا الجمعية والطرق المتعلقة بالتكنلوجيا والبيئة. الحل المحتمل لديه يستلزم تقييم الكيفية التي تأثرت بها تنميتنا (بعدة مستويات) بهذه الظاهرة، ومن ثم نعيد تقييم افضل طريقة لاستعمال التكنلوجيا المسؤولة عنها.

تصوره الراديكالي الديناميكي غير المقيد لكل من الطبيعة والطبيعة الانسانية سيجعل هذه التقييمات شائكة جدا، فاذا كانت الطبيعة والتطور الانساني في تدفق ابدي ودائم، ليس لهما بناء متأصل، وكانا يطوران باستمرار بيئة من علاقات متبادلة هما جزءا منها، عندئذ سيصبح من الصعب جدا حتى تعريف ماهية البيئة الطبيعية دعك عن معرفة ما هو مؤذي او غير مؤذي لها. لاشيء هناك باطني او ضروري للطبيعة وفق رؤية ديوي. انها خطة لا تنتهي ابدا حدودها لايمكن تعريفها و "هدفها" هو مسالة تفسير. ما اذا كانت السياسات الحالية مفيدة او مؤذية للطبيعة هي مسالة تفسير ايضا. وان تفسيراتنا هي غير مؤكدة وتتغير مع كل تغيير مؤقت في القيم والحاجات والرؤى العالمية. في الحقيقة، ان روح برجماتية ديوي ترى ان هناك طرق لاتزال غير متصورة فيها قد يعمل الاحتباس الحراري العالمي فعلا على تعزيز طاقات الانسان وتحسين البيئة.

من جهة اخرى، جواب هايدجر ربما لا يمكن التنبؤ به لو انه اختار الاجابة. البعض اقترح انه لديه جذور واضحة في رفضه للعلم والتجارة والثقافة الحديثة عموما. اخرون ادعوا ان الافكار شبه الاسطورية مثل الحرية والوجود واللاشيئية التي سيطرت على كتاباته الاخيرة قادت الى عدم الاهتمام بالشؤون العالمية. اخرون اقترحوا وجود دوافع انانية خلف عدم رغبته بالدخول في هذه القضايا الشائكة. ومهما كانت الاسباب، فان هايدجر ادّعى بان الانسانية والطبيعة وصلتا الان الى نهاية امكاناتهما وان الانسانية لا يمكن ان تأمل في "صنع" طرقها في ظل الاستياء الروحي الناجم عن اغترابها عن الوجود بوسائل العلم والتكنلوجيا. الوجود استنزف الان امكاناته في لاشيئية، هذا يكشف ذاته في الثقافة المعاصرة كعدمية ولا معنى. الحضارة العالمية سُيطر عليها من جانب الفكر البرجماتي الذي لا شيء فيه ذو قيمة داخلية مقدسة. انحدار الطبيعة الى منزلة تكون فيها مجرد مصدر للتكنلوجيا والصناعة هو مثال لهذه العدمية.

لسوء الحظ، هايدجر يقول ايضا ان اي محاولة لتصميم حل علمي آخر لهذا المأزق سيكون استمرارية للتفكير العدمي الذي هو سبب المأزق. السياسات العامة المتولدة علميا، المبادرات الايكولوجية والتعليمات البيئية هي جزء من نفس الذهنية التي تؤطر او تشيء الطبيعة عبر السيطرة واستغلالها بالعلم والتكنلوجيا.لا الانسانية ولا الطبيعة يمكن استعادتهما وحمايتهما بهذه الطريقة. في الحقيقة، طالما الأمل الوحيد لمواجهة اصيلة مع الطبيعة (الوجود) تستلزم الاعجاب بها بحرية ذلك يعني (تركها لتكون) بدلا من محاولة تغييرها او تحسينها. هايدجر يبدو انه يدّعي ان عدم التدخل وعدم الفعل هو أحسن طريقة للعمل. نحن يجب كما يقول ان ننتظر بصبر الى صمت صوت الوجود ليكشف عن ذاته مرة اخرى. ولكن يجب ان يأتي الينا من خلال ممارسة نوع من السكون فيه يتوقف في نهاية المطاف "جنون العقلانية".

ان ترجمة هذا الى سياسة بيئية حقيقية هو مسألة تخمين لدى كل شخص. وان المفسرين المعاصرين لهايدجر هم بالتأكيد يقومون بالمزيد من التخمين لكن بعض الامكانات العامة تأتي الى الذهن. بيئيا، هايدجر هو وارث ميراث اسطورية مسيحية القرون الوسطى، المثالية الالمانية والرومانسية، وهو ملهم للكثير من التفكير المعاصر المرتبط بـ "الايكولوجيا العميقة". هو يشجع على الشعور القوي بالوعي وتثمين العالم الطبيعي كمكان اقامة للمقدس. مع هذا الوعي والتثمين ربما يأتي تحولا عاما في الوعي العام- تجلي متجدد للوجود – الذي يمكن ان يقود بدوره الى طريقة جديدة في اقامة حقيقية او العيش بانسجام مع العالم الطبيعي.

مثل هذا العيش سيقود بسهولة الى سياسات تحافظ على هذا الانسجام. غير اننا لا نستطيع عمل هذه السياسات ما لم يحدث اولا تحولا في الوعي.

ان آراء ديوي هي منسجمة مع روح العلم البرجماتي والتكنلوجيا والتجارة، وهي يمكن تطبيقها بسهولة على السياسات البيئية الملائمة مثل تكنلوجيا قليلة الكاربون في الصناعة، وتعليمات دولية بخصوص الانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية، ومعايير بيئية وفق بروتوكول كايوتو. هذه هي ابتكارات مؤقتة ومرنة صنعتها الاحزاب السياسية والتجارية ذات المصلحة وهي مرتكزة على استنتاجات مؤقتة وغير مؤكدة وعرضة للمراجعة. ديوي لا يشترك مع هايدجر في عدم تعاطفه مع الحداثة، وهو يرى المشاكل البيئية كحوافز لبحوث اخرى وتحسينات بدلا من ان تكون نهاية القدرات الانسانية.وبينما يوافق ديوي على الوعي الهايدجري والاعجاب بالعالم الطبيعي لكنه يرى هذا فقط مقدرة واحدة من بين العديد من القدرات التي يمكن استخدامها لحماية وتحسين البيئة الطبيعية التي تشكل الانسانية جزء مكمل لها. ان محادثات التغيرات المناخية القائمة في معهد الارض بجامعة كولومبيا والتي يبحث ويتبنّى فيها مختلف العلماء والشركات والمنظمات المدنية وجماعات الفعل السياسي من كل العالم بيانات شمولية حول العلم البيئي والسياسة، تبدو بالضبط نفس ذلك النوع من المبادرات التي يدعمها ديوي.

واذا كانت اراء هايدجر تبدو متطرفة من حيث ضرورات التطبيق في موقفنا الحالي، فان اتجاه ديوي الاكثر عملية هو حساس للنقد الهايدجري. هايدجر ربما يقول ان محاولة حماية وتحسين الطبيعة من خلال اللجوء الى العلم هي محاولة يائسة تجعل المشكلة اكثر سوءا. وقد يبدو بالفعل كل "حل" جديد للمشاكل الطبيعية في النصف القرن الماضي قد خلق مشاكل جديدة، آخرها فقط الاحتباس الحراري العالمي. (بعض الحلول العلمية المقترحة هي مثيرة للتشاؤم بدءا من مظلات عملاقة لحماية الفضاء او اطلاق مواد غازية في طبقات الجو العليا الى نشر غيوم مائية في الهواء من المحيطات). وهكذا فان اللاّ تطبيقية في افكار هايدجر العميقة تجعلها عمليا افكار تستحق الدراسة. من الواضح ان الانهيار البيئي هو نتيجة لتأثير التكنلوجيا والتجارة على العالم الطبيعي، وان التقدير الذي يدعو له هايدجر سوف يخلق اهتماما واحتراما عميقين للطبيعة. ما نحتاج اليه لحماية البيئة في المدى البعيد هو ليس العلاجات القصيرة المدى وانما لنوع من التحول في الوعي العام العالمي بدلا من ابتكارات تكنولوجية ديوية اخرى.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا