كيف تُسهم منشآت النفط والغاز في تحقيق التحول الأخضر؟
موقع الطاقة
2024-09-29 05:15
تحتل منشآت النفط والغاز مساحة كبيرة في حسابات أنصار التحول الأخضر، نظرًا إلى تنامي الطلب على الطاقة المولّدة بالوقود الأحفوري بمعدلات مطردة، ومن المتوقع أن تُسهم مصادر الوقود الأحفوري بما نسبته 48% من مزيج الطاقة العالمي بحلول أواسط القرن الحالي (2050)؛ ما يدفع الشركات والمستثمرين إلى إعادة تنسيق الجهود من أجل البحث عن مسارات واقعية موصلة إلى مستقبل مستدام.
ووفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تشمل إجراءات كهربة عمليات الاستكشاف والإنتاج (آب ستريم) تزويد منصات الحفر والتنقيب بمصادر كهرباء منخفضة الانبعاثات من مشروعات الطاقة المتجددة برًا وبحرًا.
لكن مسار كهربة منشآت النفط والغاز، بهدف خفض بصمتها الكربونية، ليس مفروشًا بالورود، كما يُعتَقد، بل يواجه بعض التحديات المتمثلة في ارتفاع التكاليف الأولية، والاضطرابات الناجمة عن التخلص من المعدات القديمة وتركيب البدائل الجديدة، وما ينتُج عن ذلك من خسائر تتكبدها الشركات نتيجة فقدان الإنتاجية.
آليات واعدة
تواجه منشآت النفط والغاز ضغوطًا مكثفة بأعلى من أي وقت مضى، مع إسهام القطاع بقوة في انبعاثات غازات الدفيئة، المسبب الرئيس لتغير المناخ.
وما تزال انبعاثات منشآت النفط والغاز تشكّل تحديًا عصيبًا لقطاع الطاقة العالمي، في ضوء الزيادة المتنامية في الطلب على هاتين السلعتين الإستراتيجيتين، على الرغم من تسارع جهود تحول الطاقة.
وتزيد الانبعاثات الناجمة عن عمليات التنقيب والاستخراج وحدها من منشآت النفط والغاز على 800 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
وتضع تقديرات حجم الإنفاق اللازم لخفض انبعاثات منشآت النفط والغاز عند 600 مليار دولار، خلال السنوات الـ7 الممتدة من 2023 إلى 2030؛ ما يمثّل 15% فقط من صافي دخل الصناعة في عام 2022.
وتمثّل عمليات النفط والغاز 15% من الانبعاثات الناتجة كافّة عن قطاع الطاقة عالميًا، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبينما قد يكون خفض البصمة الكربونية في صناعة تعتمد -أساسًا- على الوقود الأحفوري معقدة، تفتح مسألة كهربة عمليات النفط والغاز نافذة أمل لإسهام ذلك القطاع كثيف الانبعاثات في مسار التحول الأخضر.
وفيما يلي 3 طرق يمكن أن تساعد منشآت النفط والغاز على كهربة عملياتها، والإسهام في تسريع جهود الاستدامة البيئية:
1- معدات الحفر والتكرير الكهربائية
ما يزال العديد من عمليات الحفر والتكرير التي تستحوذ على حصةٍ كبيرةٍ من انبعاثات الصناعة، يعمل بالوقود الأحفوري أو حتى بالهواء المضغوط؛ ما يجعلها مثالية للكهربة.
ويستعمل كثير من آبار النفط مضخات عاملة بالهواء المضغوط تنظّم نفسها عبر إطلاق غاز الميثان بصفة دورية في الغلاف الجوي.
وبناءً عليه فإن تحويل تلك المضخات إلى بدائل كهربائية يمكن أن يقلص كثيرًا الانبعاثات الناتجة عن عملية الاستخراج، وقد نجحت بعض الشركات في إزالة نحو 40% من انبعاثاتها الكربونية عبر كهربة تلك العمليات وحدها. وبالمثل يمكن لمصافي النفط والغاز استعمال الملفات الكهربائية بدلًا من أنظمة الوقود الأحفوري لإتاحة الحرارة.
2- استعمال المصادر المتجددة
يتعيّن على منشآت النفط والغاز التحول إلى استعمال المصادر المتجددة في توليد الكهرباء النظيفة اللازمة لتشغيل عملياتها؛ ما يتيح لها عمليات منعدمة الانبعاثات تقريبًا.
وبمقدور منصات النفط البحرية الاستثمار في الطاقة الكهرومائية والرياح البحرية، كما يكون لآبار الغاز في المناطق النائية وصول كافٍ إلى السطوع الشمسي اللازم لتوليد الطاقة الشمسية. وبناءً عليه قد تستطيع الشركات في تلك الصناعة التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة بوتيرة أسرع من بعض القطاعات الأخرى.
3- رصد بيانات الاستدامة
نظرًا إلى أن البدائل الكهربائية للأنظمة التقليدية تكون لديها -غالبًا- قدرات رقمية أكبر، فإنها تسهّل رصد بيانات الاستدامة. ومن الممكن أن يُسهم جمع تلك المعلومات وتحليلها، في إدخال تحسينات أكثر فاعلية على الاستدامة.
وقد نجحت بعض الشركات في توفير أكثر من 15 مليون دولار عبر رصد استعمال البخار، كما أن مراقبة تلك العوامل يتيح للشركات تحديد كيفية تحسين عملياتها لاستعمال معدلات طاقة منخفضة وإطلاق انبعاثات أقل من غازات الدفيئة.
آفاق إيجابية
من الممكن أن تقلص منشآت النفط والغاز الانبعاثات الكربونية المنطلقة عنها بأكثر من 80% عبر كهربة عملياتها باستعمال الطاقة المولدة من المصادرة المتجددة أو الغاز الطبيعي، وفق تقرير حديث صادر عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.
وتقل كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة عن منصات إنتاج النفط والأصول الأخرى في الجرف القاري النرويجي، بنسبة 86% لكل برميل من المكافئ النفطي بعد كهربة العمليات ذات الصلة بالكامل. وعلى الرغم من أن البلدان الأخرى المُنتِجة للنفط ربما تواجه عراقيل لوجستية، فإن الكهربة الجزئية للعمليات المتضمنة في استكشافات الخام ستخفض الانبعاثات الكربونية، وفق نتائج الدراسة التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ووفق تقديرات العلماء، يحتاج العالم إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 43% بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، من مستويات عام 2019، لتعزيز فرص تحقيق مستهدف اتفاقية باريس للمناخ 2015، بشأن المحافظة على متوسط درجات الحرارة عند أقل من درجتين مئويتين فوق المستويات التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية.
تحول الطاقة يتسارع.. ولكن
على الرغم من تسارع وتيرة تحول الطاقة عالميًا، يظل النفط والغاز مكونًا رئيسًا في مزيج الطاقة العالمي خلال المستقبل القريب؛ إذ تواصل المصادر الهيدروكربونية الرئيسة سد الطلب العالمي على الطاقة، الذي من المتوقع أن يتجاوز 650 إكساجول خلال السنوات المقبلة، وفق تقديرات ريستاد إنرجي.
* (الإكساجول وحدة لقياس الطاقة في النظام الدولي تعادل ما بين 10.1 و18 جول، أو 2.78 كيلوواط/ساعة)
* (الجول يساوي 3600 كيلوواط/ثانية)
وبحلول عام 2030، سيُسهم الوقود الأحفوري في تلبية ما يزيد على 75% من الطلب العالمي على الطاقة؛ ما سيَنتُج عنه ارتفاع الانبعاثات الكربونية ذات الصلة، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وسينطلق جزء كبير من تلك الانبعاثات من أنشطة التنقيب والإنتاج في منشآت النفط والغاز، لا سيما استخراج المواد الهيدركربونية وحرق الغاز؛ إذ سيرتبط نحو 3 أرباع تلك الانبعاثات بالأولى، في حين سيَنتُج الربع المتبقي عن الأخيرة. ويُتوقع أن تَنتُج عن ذلك انبعاثات سنوية تبلغ ما يقرب من 1.1 مليار طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، خلال السنوات القليلة المقبلة؛ ما يؤكد الحاجة إلى حلول مبتكرة للحد من هذه الانبعاثات.