مسرحية التوترات العالمية تؤدي إلى تحولات مُكلفة في أسواق الطاقة
معهد واشنطن
2022-02-10 04:25
بقلم: سايمون هندرسون
تتمتع روسيا حالياً بامتيازات مقارنةً بخصومها الغربيين، من بينها الإيرادات المرتفعة والغاز الذي يحافظ على دفء الأوكرانيين والألمان.
جلس الجمهور متفرجاً وأُزيلت الستارة. انتهت التمارين التي امتدت طوال الأسابيع الأخيرة، وأوشكت المسرحية الفعلية أن تبدأ. لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المسرحية هزلية أم مأساوية. هذه هي أجواء المسرح المتوقَّعة لأسواق الطاقة الدولية خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وما زال السيناريو ينتظر وضع اللمسات الأخيرة عليه، لكن سبق أن تم اختبار بعض أجزاء النص مع الجمهور خلال الشهر الماضي أو نحو ذلك.
نظراً لأن فصل الشتاء يخيّم على النصف الشمالي من الكرة الأرضية على الأقل، فقد حضر الجميع لمشاهدة العرض وهم يرتدون المعاطف. لكن الأيام بدأت تطول بالفعل، ويأمل معظم الناس ألا يتأخر فصل الربيع ليصطحب معه بعض الدفء، وتنخفض قيمة فواتير الطاقة المستهلَكة في المنازل، على الأقل إلى حين يؤدي ارتفاع الحرارة في فصل الصيف إلى تشغيل مكيفات الهواء.
يجب أن يؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي مع تراجُع الطلب. لكن حتى الآن لم يحدث ذلك. فلا شيء تقريباً يردع أسعار النفط عن الارتفاع لتبلغ مائة دولار للبرميل الواحد، ويشير البعض في "وول ستريت" إلى احتمال وصولها إلى 120 دولاراً. ويُباع الغاز الطبيعي، على الأقل بشكله السائل للغاية المتداول دولياً، بحوالي 20 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (وهذا مصطلح نتخطى الآن تحديد أصوله). وكان يُباع بخمسة دولارات أو أقل.
وتتطلب المسرحية الجيدة شخصية شريرة، وهذا الدور مناسب تماماً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فتهديداته ضد أوكرانيا المجاوِرة أثارت التفكير بمجموعة من المقارنات التاريخية المروّعة في الغرب. ولا تُشبه هذه المقارنات تلك التي تفضّلها موسكو.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنسبة إلى مراقبي الطاقة، يتعلق الأمر بشكل أساسي بالنفط والغاز. وتتعدد الأوراق الرابحة بحوزة بوتين. فالغاز الروسي هو الذي يحافظ على دفء الأوكرانيين. وتستفيد كييف من رسوم مرور الغاز من موسكو إلى الزبائن في أوروبا الشرقية بواسطة الأنابيب العابرة للبلاد، لكنّ ذلك قد يتوقف إذا أُغلق الصنبور حرفياً.
تعتمد ألمانيا إلى حدٍ كبير على الغاز الروسي، الذي يتم ضخّه في الأصل عبر أوكرانيا، ولكنه سيصل قريباً عبر خط أنابيب جديد - هو "نورد ستريم 2" - في قاع بحر البلطيق، لتجنب رسوم العبور المزعجة من قبل دول ثالثة. وأصبح من الصعب إخفاء انزعاج الولايات المتحدة من هذه القضية وغيرها من القضايا التي تواجهها مع حليفتها القوية بل التي تتجنب المخاطر. ومن المقرر أن يجتمع المستشار الألماني أولاف شولتس مع الرئيس بايدن يوم الإثنين لمناقشة التوترات.
وفي غضون ذلك، يعني ارتفاع أسعار النفط أن عائدات موسكو على ما يُرام، وتأتي نسبة كبيرة من الأموال من الحقول الواقعة في الشرق الأقصى لروسيا، بالقرب من الأسواق في آسيا.
إن الخيارات المتاحة للغرب بشكلٍ عام وللولايات المتحدة بشكلٍ خاص هي خيارات أكثر ضعفاً. والسخط المعنوي يؤثّر قليلاً، لكنّ الرأي العام لا يشكل ورقة رابحة. ويمكن تخفيف الضيق الذي يعاني منه سوق النفط من خلال زيادة إنتاج منظمة "أوبك"، لكنّ هذا الاتحاد يعمل الآن يداً بيد مع روسيا، بصفة المجموعة الأكبر "أوبك بلس". وقد تم تجاهُل الطلب المشكوك فيه الذي وجّهه الرئيس بايدن إلى منظمة "أوبك" لزيادة كميات إنتاجها بشكلٍ ملحوظ.
قد يكون الحل الأكثر وضوحاً على المدى القصير هو أن تقوم دولة قطر الصغيرة، ولكن الغنية بالغاز، بتغيير وجهة بعض الشحنات من آسيا إلى أوروبا. لكن أوروبا تفتقر إلى الكثير من محطات تفريغ الغاز الطبيعي المُسال. ونوقش هذا الموضوع خلال زيارة الأمير تميم من حمد آل ثاني للبيت الأبيض قبل أسبوع. ويبدو أن قطر مستعدة للتعاون، لكنها تريد من واشنطن أن تتحمل العبء الأكبر، عبر التفاوض مع الزبائن في آسيا الذين سيتأخر وصول شحناتهم. وفي غضون ذلك، يصل الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى أوروبا، لكن أثره يبقى هامشياً.
وعلى الصعيد المحلي الأمريكي، يفهم الناخبون أسعار الطاقة المرتفعة وتكاليف البنزين المرتفعة بشكل أفضل من تعقيدات التوترات بين روسيا وأوكرانيا. لذا، من الصعب على البيت الأبيض أن يجعل هذه الأزمة تصبّ في مصلحته.
ربما - و"ربما" بالخط العريض - قد يتغلب على بوتين الدفاع التقليدي الأفضل الذي تمارسه طبيعة بلاده في فصل الشتاء الروسي. فقد هزمت الثلوج العميقة والبرد القارس الذي ينخر العظام، أولاً جنود المشاة التابعين لنابليون وثم دبابات هتلر. فهل يمكن أن يؤدي الآن هبوب عاصفة قاسية إلى إحباط معنويات قواته التي تهدد أوكرانيا؟
إنها فكرة، لكن التطور المناخي السائد في عصرنا، أي الاحتباس الحراري، قد يعيق مثل هذا التحول في سير الأحداث.