التربية الأخلاقية واحتياجاتها الاجتماعية

مصطفى ملا هذال

2024-09-02 05:30

قررت وزارة التربية تضمين مادة التربية الأخلاقية بالمناهج الدراسية للصف الأول الابتدائي والمتوسط، اذ اثارت ردود أفعال إيجابية في الأوساط التربوية والاجتماعية، فيما يعدها البعض خطوة متأخرة بعد ان اخذت معالم القيم والأخلاق الاصيلة بالاندثار والتراجع، الامر الذي دعا الى هذه الإعادة فهل تنجح الوزارة في إعادة الثقة بالمنظومة القيمية القائمة واحياء مجدها ام تبقى في طور المحاولات القابلة للنجاح والفشل؟

الإنسان بطبيعته الخلقية مزود بقوة فطرية يستطيع بها أن يفعل الحسن أو القبيح، وبالتربية ينحاز إلى أحد الجانبين لتؤثر بعد حين في السلوك، لذا يعد ادخال هذه المادة من الضرورات الحتمية ومن الواجبات الحكومية تجاه المجتمع، فكثيرا من الاخلاق والأساليب السليمة في التعامل البشري انزاحت واستُبدلت بما يتنافى والقيم الإسلامية والأخلاقية السائدة.

فعلى سبيل المثال عملت وسائل الإعلام وعلى مدى عقدين من الزمن على ترسيخ مبدأ الاستقلالية الفردية وحرية الذات والاختيار، فنشأت طبقة اجتماعية او جيل مؤمن ايمانا مطلقا بهذه الأفكار المزوقة بشيء من الحداثة والانفتاح المزيف، فلم يعد الاب هو الآمر الناهي في الاسرة.

ولم تعد الام هي المثال الذي يحتذي به الأبناء، طالما هنالك رموز وشخصيات طرحت نفسها على انها تمثل النقطة البيضاء وسط العتمة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية بوجه عام، والمجتمع العراقي على وجه التحديد، لذا فمادة التربية الأخلاقية يعول عليها في الوقت الحالي لتكون الأداة التي بواسطتها تتم تنقية الشوائب من البيئة المتواجد فيها التلاميذ والطلبة.

الشخصية الإنسانية لا تكتمل بالمهنة والتعلم فقط، ذلك لأن العلم وسيلة مادية لمعرفة الوجود والمهنة وسيلة لكسب العيش، أما الشخصية الإنسانية فهي تعبير عن كيان الإنسان بوجه عام، والذات الإنسانية تعبير عن الوجود الاجتماعي والمعيشي. وهكذا يتعلق العلم والمهنة بالفردية، بينما تتعلق الأخلاق بالشخصية. 

فالشخصية وليدة الأخلاق التي نحتاج الى تطبيقا في ميادين الحياة كافة، ومن هذا المنطلق ننظر الى مادة التربية الأخلاقية في المدارس، أقرب ما تكون بالمرشح الأول الذي يمنع الأفكار المنحرفة ان تخترق الذات الفردية في مراحل مبكرة، وتأخذ حيزها وتقوي جذورها بالشكل الذي يصعب التخلص منها.

لم نطلع على مضمون المادة المُعدة للتدريس من قبل خبراء بحسب مسؤولين في الوزارة، لكن لدينا بعض التساؤلات حول هذه النقطة.

هل اللجان المكلفة بإعداد المنهج اشتملت على متخصصين في العلوم النفسية والتربوية، فاهمة لسيكولوجية الفرد او الطفل العراقي؟

وهل اخذت اللجان المكلفة بعين الاعتبار اختلاف البيئة والثقافة الفردية التي يحملها الأطفال في الوقت الحالي؟  

نطرح هذا التساؤلات لان أطفال اليوم يختلفون بدرجة كبيرة عن أطفال الامس، وهكذا تتوالى التغيرات على طبيعة المجتمعات، ولا بد ان تلبي هذه المادة الحاجة الفعلية، لتصحيح الانحرافات الحاصلة ومعالجة المشكلات الأخلاقية التي اخذت مدياتها بالاتساع مع ضعف الإجراءات الوقائية.

ان وجدت ثغرات في مادة التربية الأخلاقية، يمكن ان تشرع الوزارة بالمرحلة الثانية وتقويم الخلل وتصحيح الاعوجاج ليتناسب مع المتغيرات الطارئة على البيئة الاجتماعية، ومن الصواب ان تضع الجهات التربوية مرونة معينة لمراعاة التقلبات في الأنظمة الاجتماعية التي لم تعد ثابتة.

من عيوب النظام التعليمي في العراق حاليا، انه يركز على التعليم ويعطيه المساحة الأكبر في الحصص الدراسية، وفي المقابل اهملت الجزئية الأخلاقية بشكل كامل، أضف الى ذلك القوانين التي منعت المدرس والمعلم من تأدية دوره التربوي وتعديل سلوك التلاميذ والطلبة.

ونتيجة لهذا التقييد ظهرت العديد من المشكلات الأخلاقية والاعتداءات على الملاكات التدريسية، حتى وصلت في كثير من الأحيان الى تقديم الشكاوى ومثول المربي امام لجان الانضباط الوظيفي لمنعه من محاسبة المقصرين ونصح المتسيبين والمتخلفين عن المقاعد الدراسية.

غياب مادة التربية الأخلاقية افضى الى جلوس الطالب ومدرسه على طاولة واحدة في المقهى، وربما التدخين سوية، متناسين ان مكانة المعلم يجب ان تحترم ويجب الا يهدم سورها المنيع، فهو بمنزلة يكاد ان يكون رسولا.

بموجب مادة التربية الأخلاقية يتحتم على الطلبة والتلاميذ الالتزام الأخلاقي بجميع مفاصلها، وجزاء الالتزام هنا يأتي على شكل بناء أساس أخلاقي له أهمية الأسس الأخرى التي تُقام عليها اركان الشخصية الفردية، لعّل ذلك يغفر خطيئة الجهات الحكومية التي تأخرت كثيرا وانغمست في الجوانب الشكلية وتركت جوهر الانسان دون خطة للبناء او إعادة الترميم.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد