لماذا ازدادت نسب الغش خلال التعليم الإلكتروني؟
عزيز ملا هذال
2021-02-01 04:30
ما الذي يجعل الغش في الامتحانات مستشري بهذه الشاكلة المخيفة؟، هل يساهم المعلمون في انتشار هذه الظاهرة غير الحميدة؟، هل لجائحة كورونا واللجوء الى التعليم الالكتروني إسهاما في اتساع نطاقه؟، ما هو دور التكنولوجيا في ظهور انواع من الغش لم تكن مألوفة؟، كيف نحد من هذه السلوكيات ونجفف منابعها؟
الوجود التربوي يواجه واحدة من أخطر المشاكل واكثرها استمراراً في الاثر فيما يخص حياة الطالب والمجتمع، وهي ظاهرة الغش التي تعتمد على الخداع والتضليل والسرقة، الغش سلوكية مرفوضة قيمياً تبنى على ثلاثية الكذب والسرقة وخيانة الأمانة، والغش يشوه فطرة الانسان السليمة في جميع اشكاله وفي كل مفاصل الحياة وليس في الامتحان فحسب.
ولعل ميول الطالب الى سلوك الغش في الاختبارات يمكن وصفه بأنه مظهراً من مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية والاعتماد على الغير اضافة الى غياب التقييم الحقيقي لمستويات الطلبة وهو ما يحدث غبناً للطلبة المتفوقين من خلال اعطاء نفس التقييم مع الطلبة ضعيفي المستوى.
حدود الظاهرة او المشكلة لم ينحصر في مرحلة دراسية دون غيرها، فبعد ان كانت تختص بطلبة الاعدادية او طلبة الجامعات على اعتبارهم اكثر جرأة وقابلية على التمويه والتغطية، اصبحت اليوم تنتزع من طلبة المراحل الابتدائية عفويتهم المعهودة بانخراطهم في سلوكية الغش التي باتت تسيطر على المشهد التعليمي والتربوي.
كم من طالب سرق جهداً من سابقيه ووسمه بأسمه، وحين يناقش فيه لا يعرف عما فيه شيئا، وما يثير التعجب هو انتكاس الفطرة عند بعض الطلبة الغشاشين فيتهمون ان من لا يشاركهم في الغش عبر مدهم بالمعلومات في الامتحان او في سرقة بحث او رسالة او اطروحة بانعدام انسانيتهم او ربما يرون انهم معقدون او غير متعاونين.
الانتشار غير الطبيعي للغش يعكس انحدارا قيميا كبيرا في الشخصية، كما يعكس مدى اعتماد الطلبة على جهد غيرهم او على أي وسيلة اخرى تعطيهم درجة تأهلهم الى مرحلة اخرى لكنهم منقوصين العلمية التي تؤهلهم لأداء مهامهم العلمية في مجالاتهم الدقيقة.
في الغش تزيف لنتائج التقويم مما يؤدي الى ضعف فعالية العملية التعليمية برمتها، ويعوق تحقيق اهدافها المرسومة، متخذين من مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) مبرراً الى لجوء الفرد اليه بسبب أو لآخر، ويفسره الآخرون بأنه بمثابة استجابة يحاول الفرد عن طريقها التخفيف من الضغط الذي يواجهه تجنبا للآثار التي قد تنتج عن فشله في الامتحان.
يرى (سنتيرا) وهو احد الباحثين في الجانب التربوي ان خطورة الغش لا تنحصر في الجوانب العلمية بل يمكن ان تنسحب هذه الخبرات الى جوانب حياتية مختلفة حيث يعتادون على الغش في الكثير من تعاملاتهم وبهذا يقف لديهم ضابط الضمير الذي يحاسبهم ويشذب افعالهم غير المقبولة دينياً واخلاقياً وتربوياً.
الانسان من اكثر المخلوقات التي خصها الله بالتمييز وركز عليها العناية والاهتمام عبر تحشيد كل الجهود والاموال والامكانات كي ينمو ويسلك السبل القويمة التي تجعله منتجاً وباذلاً لأقصى ما عنده، والاختبارات وضعت لتكريم الجهود الجيدة وتثمينها وتصويب الاخطاء التي تحصل والسعي الى ازالتها قدر الامكان.
من صور الغش الدراسي كتابة قصاصات ورقية صغيرة، او الكتابة على أحد اجزاء الملابس او استخدام الرموز بين الطلبة لاختيار الحل الصحيح سيما في الاسئلة التي تكون باختيار من متعدد واسئلة الصح والخطأ ايضاً، كما يستخدم بعض الطلبة سماعات البلوتوث او سماعات صغيرة الحجم في مناطق عميقه من الاذن.
والكتابة على راحة اليد، والكتابة على المقعد الذي يجلس عليه، واخيراً كنتيجة لوجود فايروس فقد اصبح الغش يأخذ الطابع الجماعي عن طريق كتابة الاجوبة في المجموعات الطلابية التي وضعت لأجل ايصال المادة العلمية قبل ان تستغل بهذه الطريقة الشاذة.
يلجأ الطلبة الى الغش لأحد الاسباب الاتية: ضعف مستوى تحصيلهم الاكاديمي مع رغبتهم في الحصول على درجات اعلى وليس لهم طريق الى ذلك الا الغش، كذلك تمثل رغبتهم في اثبات قدرتهم على الغش دون ان يشعر المراقبين بهم وهو نوع من التحدي الذي يحصل بين الطلبة والاساتذة سبب اخر لحدوث هذه المشكلة.
واستهتارهم بالمادة العلمية يدفعهم لعدم بذل الجهود والاستعداد بشكل كاف لخوض الاختبارات، وكذلك فقدانهم الثقة بأنفسهم وفي قدراتهم الذهنية والتحصيلية، ووجود مشكلة تتعلق بفهم الطالب لمادّة معينة.
والقلق المفرط الذي يشوش الذاكرة ويجعلها عاجزة عن استرجاع ما يحتاجها الموقف التعليمي (الامتحان) والغش في هذه الحالة يستخدم كباب خلفي للهرب من هذا الشعور المزعج، شعور الطلبة بتمييز معلم المادة لبعضهم يجعلهم يتخذون من الغش وسيلة لأنصاف أنفسهم.
اما العلاجات فأهمها: ضرورة ابتعاد المعلمين والمدرسين عن فرض امتحانات مفاجئة كنوع من العقوبة عليهم كي لا يضطر الطلبة الى اللجوء الى الغش، ويجب اعتماد الاسئلة المقالية اكثر من الاسئلة القصيرة الحل والتي يمكن ان تنتقل بين الطلبة بصورة اسرع.
واعطاء دور أكبر للمرشد التربوي او رئيس القسم او استاذ المادة في تخفيف الضغط والقلق الذي يسببه الاختبار من خلال التلويح لهم بإمكانياتهم في تخطي الامتحان مع وجود محاولات اخرى في حال فشلهم في التجربة الاولى وهو ما يمكن ان يحسن من أداء الطالب في الموقف الاختباري.
وعلى اصحاب القرار التربوي استحداث وسائل حديثة في التقويم وليس الاختبار هو المحدد الوحيد للنجاح، وقيام اولياء الامور بتحفيز ابناءهم على التحصيل العال من خلال التعزيز المادي والمعنوي لهم، وبهذه الحدود والضوابط يمكن ان نحفظ للتعليم والمؤسسة التعليمية والعلم هيبته وبياض صحيفته التي لوثتها بعض السلوكيات الدخيلة عليها.