التعليم الاهلي: فرصة للتقدم أم للربح؟
مصطفى ملا هذال
2019-07-29 06:41
اذا كنت ميسور الحال وتملك فائض من المال، فلا تبالي وستحصل على مقعد دراسي يليق بمكانتك الاجتماعية بعيدا عن مهاراتك العلمية ومخزونك المعرفي الذي يجب ان يكون شفيعك في استحصالك مرتبة علمية ما، والضوء يدو.
تعود جذور التعليم الأهلي الحديث في العراق إلى سنة 1963، حين تأسست الكلية الجامعة بمبادرة من نقابة المعلمين، وفي سنة 1968 الغي اسم الكلية الجامعة ليحل محله اسم (الجامعة المستنصرية). وفي سنة 1974 صدر القرار المرقم (102) الخاص باعادة تنظيم الجامعات لتصبح الجامعة المستنصرية مؤسسة من مؤسسات التعليم الرسمي في البلاد.
توالت التغييرات في البيئة السياسية وتعاقبت الانظمة والايديولوجيات التي تحملها، فعمل بعضها على ايلاء التعليم مكانة متقدمة في قائمة اولوياته كونه يؤمن بأن لا تقدم يذكر في المؤسسات الحكومية مالم تنهض المنظومة التلعيمية.
النظام قبل عام 2003 سمح بتأسيس بعض الجامعات الاهلية ومن بينها كلية المأمون الجامعة والمنصور وغيرها من المدارس لكنها لم تحدث فارق كبير من ناحية قبول الطلبة فيها ذلك كونها اقتربت من شروط القبول في الجامعات الحكومية التي يراها البعض قاسية في بعض الاحيان.
هذا الحال لم يدم طويلا حتى عصفت رياح التغيير في البلاد بصورة عامة، فطالت القطاعات كافة منها الاقتصادية والتجارية والعلمية على حد سواء، حيث تم تأسيس العديد من المؤسسات التعليمية والتربوية واخذت دائرة اهتمامات الكثير من الجهات تتسع بهذا الخصوص حتى باتت لا تخلوا اي مدينة من المدن العراقية من تزاحم المدارس والجامعات الاهلية والمعاهد التطويرية بغض النظر عن ما تقدمه من مادة علمية قادرة على النهوض بمستوى الفرد وبناءه البناء السليم القائم على رؤية معاصرة.
وانت تتجول في الازقة لا تستطيع ان تترك قراءة الاعلانات المقدمة من قبل المدارس والجامعات الاهلية في سعي منها لجذب المزيد من الطلبة مستخدمة بذلك اساليب تنافسية وعروض مغرية كأن تكون استقدام طاقم علمي او شخصية اكاديمية من دولة ما متطورة في مجالها التعليمي والاكاديمي ما يحفز اولياء الامور على دفع المبالغ العالية مقابل هذه المزية.
لا يختلف قطاع التعليم الاهلي عن القطاع الاقتصادي من حيث المبدأ فكلاهما اصبح ينظر اليهما على اساس المنفعة التي يتم استحصالها، بصرف النظر عن الاهتمام بالمنهج التعلمي من قبل المؤسسين الذين لايضعون نصب اعينهم سوى المنفعة ومضاعفة مدخولاتهم.
تلك المرافق التعليمية اخذت تنافس المدارس والجامعات الحكومية بل اخذت موقع الصدارة في بعض الاحيان كونها منحت الفرصة لاصحاب الدخول المرتفعة ماقبل التدني العلمي ان يحجزوا مقاعد دراسية في ارقى الجامعات الاهلية وافضل التخصصات العلمية التي يحلم بها الآلاف من ابناء العامة.
ما اصاب المنظومة التعليمية من ترهل واضح شجع على ترسيخ الفوراق الطبقية بين ابناء المجتمع، في ظل غياب الاجراءات التي من شأنها انصاف الطلبة وفق قوانين وصلاحيات من اجل القضاء على كل ظاهرة تسيء لمسيرة التعليم والمعرفة واخضاع الجميع لللائحة القانون الجامعي المتبع في الدول المتقدمة علميا.
البعض يرى ان التعليم الاهلي يوفر فرصة للتفوق اكثر من التعليم الرسمي لوجود المدرس الاختصاص، بينما في الحقيقة ذات المدرس موجود في المدارس الحكومية ولكن الذي يحصل هو قلة عدد الطلبة في الصف الاهلي بما يوفر بيئة صالحة لتقديم المادة العلمية وامكانية استيعابها من قبلهم وهذا الامر ينسحب على الجامعات الاهلية، في حين تغض الصفوف الحكومية بالطلبة الذين تصل اعدادهم ضعفين او اكثر ما يجبر المعلم على تقديم المادة العلمية بأي صورة كانت غير مكترث لما سيصبح عليه المستوى التعليمي للطلبة.
واذا كان القطاع التعليمي يعاني من نقص ملموس في الابنية فلا غرابة ان تغيب الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية التي كثيرا ما تؤثر إيجابيا على شخصية التلميذ، فهذه الأنشطة أصبحت هامشية ولا تؤدى إلا بصورة شكلية لاتفي بدورها.
الطالب في المدارس والجامعات الاهلية تولد لديه شعور العظمة واصبح يشعر بأنه ملك متوج بأمكانية ابيه، التي صارت الدرع الذي يحصنه من المحاسبة والتأنيب في الكثير من الاحيان، حيث يبقى الملعم اسير مابين الحفاظ على عمله والتصرفات غير المقبولة التي تصدر من هنا وهناك.
هنالك توجه من قبل الجاهت المعنية بالجانب التربوي في العراق وهو اشاعة ثقافة التعليم الاهلي بشكل او بآخر، وذلك يظهر جليا في السماح لافتتاح المدارس الاهلية دون وضع المعايير التي بموجبها يتم تقويم العلمية التربوية والنهوض بالقطاع مقارنة بالبلدان المتطورة.
تجربة التعليم الاهلي لم تكن سلبية بجميع مفاصلها كونها وفرت فرص الدراسة للكثير من الافراد وبمجالات مختلفة، والسبب يعود في ذلك بقصور النظام التعليمي في البلاد بصورة عامة وعدم بناء مدارس وكليات حكومية ما جعل الالتحاق في التعليم الاهلي امر يتمتع بمقبولية مجتمعية.
ويبقى للتعليم الحكومي نكهته الخاصة ومكانته المميزة، وهذا يعود بطبيعة الامر الى أن مستوى المدرسين وخبرتهم المتراكمة منذ سنوات في العلمية التدرسيسة، اذ اعتادوا على طرح المادة العلمية بأساليب وطرق مبسطة يسهل فهمها واستيعابها، على العكس تماما من المؤسسات في التعليم الاهلي التي تعتمد وبنسبة كبيرة على طاقات ليس لديها الخبرة الكاملة والعلمية الكافية لخلق جيل متسلح بسلاح والمعرفة وهنا يتوجب مراجعة القطاع العلمي مراجعة دقيقة وتشخيص الاخفاقات والعمل على تقويمها خدمة للوطن والمواطن.