تدني نسب النجاح في المراحل المنتهية (البكلوريا)

مراجعة نقدية لنظام التقييم في العراق

علاء جواد كاظم

2019-07-20 04:40

لا يخفى على كل باحث واكاديمي وتربوي متخصص في العراق، ان تقييم التعليم جزء اساسي وحيوي في العملية التعليمية والتربوية في كل دول العالم، على الرغم من ان ستراتيجيات تقييم التعليم هو نمط يستخدم في الدول الغربية من اجل تقييم عناصر العملية التعليمية – التعلمية (المعلم – المنهج – والطالب) لكن ما نجده في النظام العراقي – التعليمي هو تقويم التعليم، وهناك فرق كبير في كلمة التقييم والتقويم، حيث تشير كلمة تقويم الى تعديل او تصحيح خطأ ما او مسار ما في مرحلة من مراحل التعليم وهي عكس كلمة التقييم اي الحكم على مخرجات التعليم والعملية التعليمية ككل.

من خلال مراجعتي واطلاعي على الابحاث في نظام التعليم في المملكة المتحدة البريطانية ومن خلال خبرتي البسيطة كباحث في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، وادارة التعليم والتعلم وتقييم التعليم، ان تاريخ النظام التعليمي في العراق مر بثلاثة فترات وهي فترة انشائه وازدهاره حتى فترة الثمانينيات، وفترة تراجعه في التسعينيات حتى عام 2003، وفترة التحولات السياسية وتغير النظام السياسي من عام 2003 والى الان، يمكن ان نوضح الفترات الى السنوات التالية:-

الفترة الاولى:

ان النظام التعليمي في العراق انشأ في عام 1921 وتضمن التعليم الحكومي والتعليم الاهلي، واصبح التعليم مجاني من مرحلة الابتدائية حتى الجامعة بما فيها الدراسات العليا، حيث كان العراق يمتلك افضل نظام تعليمي في الشرق الاوسط للفترة من (1970 الى 1984) وتسمى هذه الفترة بالفترة الذهبية في العراق، تطور وازدهار التعليم في كافة مستوياته التعليمية (1). وعلى سبيل المثال، سوف اوضع بعض النقاط المهمة خلال الفترة الذهبية للتعليم في العراق:-

1- وصلت معدل الانخراط في التعليم الابتدائي بحدود 100%.

2- تقلصت معدلات الامية بين الاعمار من (6-12) سنوات الى اقل من 10%.

3- اصبح العراق من اقل بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا الذي يترك تلاميذه التعليم الابتدائي في المدارس.

4- تخصص 20% من الموازنة الحكومية لقطاع التعليم في العراق لتلبية حاجات التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي (2).

5- نصيب كل طالب من الموازنة الحكومية للتعليم تقريبا 620$ دولارا سنويا.

6- يشمل التعليم كلا الجنسين من الذكور والاناث.

الفترة الثانية:

لكن بعد تلك الفترة من عام 1970 الى عام 1984، بدأ النظام التعليمي بالتراجع تدريجيا وذلك بسبب الحروب والحصار الاقتصادي على العراق (3). وحسب تقرير الامم المتحدة (منظمة اليونسكو 2004) حيث تم صرف 8% من الموازنة الحكومية على قطاع التعليم من عام 1990 الى 2002، حيث يكون حصة الطالب الواحد من الموازنة الحكومية لقطاع التعليم لا تتجاوز 47$. حيث وصلت نسبة الامية بحدود 39% في المناطق الريفية وكانت بحدود 22% من نسبة الكبار لم يدخلوا التعليم الابتدائي قطعا، وكذلك اصبحت نسبة الامية بين النساء بحدود 47% (4).

الفترة الثالثة:

وتبدأ هذه الفترة من عام 2004 حتى يوما هذا، تحديدا وفي عام 2004 قامت وزارة التربية العراقية بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة (اليونسكو) بمراجعة وتحديث المواد الدراسية في المناهج من خلال لجنة المناهج العامة في وزارة التربية، وتم تتغير بعض المناهج بما يتناسب مع التغير السياسي للحكم الجديد وانتهاء فترة الحصار الاقتصادي والتحول نحو الديمقراطية، حيث تطلب اعادة تحديث وتطوير النظام التعليمي مع الفلسفة الجديدة للنظام السياسي الجديد. أنتج هذا التعاون مع منظمة اليونسكو في العراق عام 2012 اطار عمل جديد لتطوير النظام التعليمي في العراق من خلال ترميم بعض المدارس وخصوصا المدارس الطينية في المناطق النائية، تطوير معرفة المدرسين ومهاراتهم في طرائق التدريس الحديثة، شمول الاناث في التعلم، تطوير المناهج، استخدام الحاسوب في التعليم والتدريس (5).

من ضمن اطار العمل الجديد لتطوير التعليم في العراق، تضمن ستراتيجيات تقييم التعليم، تضمنت عملية التقييم، تقييم المناهج، المواد الدراسية والامتحانات، يمكن ان نقول ان التقييم هو عبارة عن عملية مستمرة في التعليم وليست حدث فردي او شخصي يقوم به شخص واحد على سبيل المثال، ويمكن ان نقول، يجب ان يقوم به كل من المعلم والطالب والمؤسسة التعليمية لتقييم التعليم ككل، ويمكن ان نقول بطريقة مبسطة، المعلم يجب ان يكون قادر على فهم "ماذا قد درسوا الطلاب" "وماذا قد تعلموا من الدرس"؟

اما بخصوص تقييم المواد الدراسية، يقسم التقويم في العراق الى نوعيين وهما تقويم التعلم الذي يمكن المعلم من اعطاء حكم قاطع على مستوى تعلم الطالب مثل درجة الرسوب او النجاح من 50%، وتقويم نوعية التعلم. اساسا، نظام تقييم التعليم في العراق يعتمد كليا على (التقييم الكمي) من خلال امتحانات الطلبة، حيث نتيجة الامتحانات النهائية تخبر الطالب واهله بنجاحه او فشله. اما النوع الثاني من التقييم وهو تقييم (الغرض من التعلم) والذي يمكن المدرسين لمعرفة وتشخيص نقاط القوة والضعف في تعليم الطلبة، والمدرسين ملزمون بتقديم تقييم (للغرض من التعلم والتعليم) (6).

مقارنة مع ستراتيجيات تقييم التعليم والتعلم في المملكة المتحدة، نجد ان للمملكة المتحدة تاريخ طويل بخصوص تقييم التعلم وتقييم للتعلم يمتد من سبعينيات القرن الماضي وهناك دراسات وابحاث سنوية تجرى حول تقييم التعلم والتعليم ونوعية التعليم وللمنهج الدراسي وكذلك للمعلم اي تقييم للعملية التعليمية ككل.

اما في العراق، لذا نجد على الرغم من المحاولات التي قامت بها وزارة التربية العراقية بالتعاون مع منظمة اليونسكو لتحديث وتطوير التعليم في العراق لكن لم نجد ادلة واضحة على تحسين نوعية التعليم والتي تنعكس على تحسين مستويات الطلبة وتحصيلهم الدراسي سواء في المراحل الابتدائية او الثانوية او حتى الجامعية! وكذلك لم نجد اي تطبيق لتحسين طرائق التدريس التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التدريس حتى وان وجدت فإنها تقتصر على عدد معين من المدارس لإجراء بعض الدراسات عليها وكذلك في التعليم الجامعي نجد عدد قليل جدا من الكليات التي طبقت (المنصات التعليمية) اي التعليم الالكتروني في موادها الدراسية.

السؤال الاهم في هذا المقال هو، لماذا لم يتم تحسين نوعية التعليم ككل في العراق بعد عام 2003 وصاعدا، اي الفترة الثالثة من تاريخ التعليم في العراق؟ ورغم كل المحاولات من قبل وزارة التربية ومنظمة الامم المتحدة للتربية والتعليم (اليونسكو) لم يتم تدريب وتطوير الملاكات التعليمية بشكل يلبي متطلبات العصر الحديث للتربية والتعليم، ولم يتم تحديث المناهج التعليمية بشكل يطابق حاجات الطلبة واتجاهاتهم وميولهم في عصر التكنولوجيا – الرقمية.

وجهة نظري بمشكلة تدني نسب نجاح الطلبة للمراحل المنتهية في العراق للأسباب التالية:

1- وزارة التربية العراقية لم تستعن بخبراء عالميين متخصصين في مجال التقييم للتعليم والتعلم كمثال الخبير البروفيسور (ديلن ويليم).

2- لم يتم تحديث المناهج الدراسية في المراحل الابتدائية والثانوية بشكل يلبي احتياجات الطلبة في العصر الحديث.

3- عدم بناء مدارس كافية وذو بيئة صفية – نموذجية للتعلم خصوصا في المراحل الابتدائية.

4- وجود اعداد كبيرة جدا قد تصل احيانا الى اكثر من 50 طالب في الصف الواحد بينما نجد في الدول الاوربية في الصف الواحد لا يتجاوز عدد الطلاب اكثر 20 طالبا وفي بعضها نجد بحدود 8 الى 10 طلاب.

5- مشكلة الدوام المزدوج والثلاثي في المدرسة الواحدة، حيث عدم وجود الوقت الكافي للتدريس.

6- عدم تطبيق اساليب التدريس الحديثة خصوصا استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والتعلم وكذلك الادارة الالكترونية للمدارس والتواصل بين المدرسين وطلبتهم الكترونيا كالتعلم عن بعد او الاستخدام الصحيح للتكنولوجيا وعدم ضياع الوقت في الاستخدام السلبي للتكنولوجيا وخدمة الانترنيت مما اثر سلبا على تحصيل الطلبة في المراحل النهائية.

7- لم يتم تدريب المعلمين والمدرسين بشكل كافي وفعال على اساليب التعليم الحديثة كاستخدام ادوات التكنولوجيا المختلفة في العملية التعليمية.

8- عدم تخصيص ميزانية مالية كافية لتطوير البنى التحتية لقطاع التعليم في العراق كبناء مدارس جديدة بتصاميم حديثة تلبي حاجات التعلم في العصر الحالي وايضا تدريب المعلمين والمدرسين علميا ومعرفيا ومهاريا على ستراتيجيات التعليم الحديثة خصوصا ارسال مدرسين للحصول على شهادات عليا بتخصصات معينة على سبيل المثال (تدرسي اللغة الانجليزية للمتحدثين اللغات الاخرى/استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم/ادارة وتقييم التعليم والخ).

9- عدم استخدام التغذية الراجعة بشكل صحيح وفعال من قبل المعلمين والمدرسين وذلك بسبب الاعداد الكبيرة في الصف الواحد مما يجعل تقديمها عاتقا ثقيلا على المعلم او المدرس وبالتالي اثر سلبا على الطالب وتحصيله الدراسي.

10- الاعتماد على الطرق التقليدية – الكلاسيكية في نقل المعرفة للمتعلم حيث نجد ان المتعلم لا يستطيع ان يكتشف ويستنتج الحلول للمشاكل العلمية بجهوده الشخصية وانما يعتمد اعتمادا كليا على المعلم في اخذ المعرفة وهذا لا يشجع على التفكير الاستنتاجي والابداعي للطلبة.

11- لا توجد شراكة وتعاون علمي – اكاديمي حقيقي بين وزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لدراسة المشاكل والمعوقات التي تواجه الطلبة وتقديم حلول ومقترحات لحلها وحتى وان تكون هناك بعض الاستشارات لكن لم يتم تطبيقها بشكل صحيح ربما لأسباب ادارية او قانونية.

12- لم يتم تفعيل مراكز بحثية – تخصصية تهتم بدراسة ذوي الاحتياجات الخاصة او من لديهم صعوبات في التعلم في كافة المراحل الدراسية.

13- عدم استخدام (التقييم النوعي) للتعليم والتعلم والاعتماد كليا على (التقييم الكمي) لان هذا النوع من التقييم لا يمكن من خلاله تحقيق الجودة في التعلم وكذلك لا يستطيع تحسين نوعية التعلم وزيادة تحصيل الطلبة في الدرس، حيث نجد اغلب البلدان الاوربية التي تمتلك مستويات عالية في التعليم كفنلندا التي تحتل المرتبة الاولى عالميا من حيث الجودة في التعلم لا تعتمد على نظام التقييم الكمي.

في الختام، ان سبب تدني نسب نجاح الطلبة في المراحل الابتدائية او الثانوية هو بسبب عدم وجود نظام تقييم للعملية التعليمية–التعلمية ككل والتي تتمثل (بالمنهج الدراسي والمعلم والطالب) والسبب في هذا لو وجد خلل ما في احد عناصر العملية التعليمية بالتأكيد سوف يؤثر على تحصيل الطلبة في الامتحانات النهائية (البكالوريا) وعلى نوعية التعليم ايضا.

وكلنا نسمع ونرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هناك بعض الاشخاص سواء من المؤسسة التعليمية او خارجها يضعون اللوم تارة على الطالب وتارة على المعلم وتارة اخرى على المنهج لكن السبب الحقيقي لارتفاع نسبة الرسوب خصوصا للمراحل الثانوية (الثالث المتوسط والسادس الاعدادي) هو عدم وجود نظام تقييم حقيقي (كمي ونوعي) يستخدم بشكل متساوي لتقييم عناصر العملية التعليمية الثلاثة في العراق، لان في هذه الحالة يستطيع هذا النظام من خلال ادواته كشف الخلل في اي عنصر من عناصر العملية التعليمية، وبذلك نستطيع ان نقول سبب تدني نسب النجاح للمراحل النهائية في المنهج او المعلم او بسبب الطالب على سبيل المثال.

لذا يقترح الكاتب على وزارة التربية تحديث وتشريع نظام تقييم للتعليم والتعلم في العراق بإشراف خبراء ومختصين في مجال تقييم انظمة التعليم على المستوى المحلي والعالمي من اجل زيادة نسب نجاح الطلبة في كافة المراحل الدراسية سواء المنتهية او غير المنتهية وجعل النظام التعليمي في العراق أفضل نظام تعليمي في الشرق الاوسط كما كان سابقا.

* باحث وأكاديمي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم
University of South Wales, UK

.................................................
المصادر:
1- UNESCO, 2004
2- UNESCO, 2003
3- UNESCO, 2012
4- Heitink et al., 2016
5- مصدر سابق
6- مصدر سابق
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي