تغيير المناهج الدراسية: تطويرٌ أم تدمير؟

عبد الرزاق عبد الحسين

2018-12-22 04:45

التطوّر سُنّة من سنن الحياة، ولعلها الأهم كونها الشريان الذي يديم صيرورة وكينونة وديمومة البشرية، توجد وسائط لإنجاز هذا الهدف، عبر استيعاب العلوم من خلال مناهج دراسية تربوية علمية تستهدف العقل ورفدهِ بكل ما يستجد من تطورات في العلم تتسارع على مدار الساعة، إذاً سنصل إلى نقطة نتفق فيها على أن التطور العلمي لا يتوقف عند حد، وهذا يجعل من تغيير المناهج عاملا حاسما، فما صحّ للعقل من المناهج قبل عشرات السنين، من غير المعقول أن يبقى هو نفسه لعقول عصر السرعة والشوسال ميديا والقرية العالمية الواحدة.

التغيير في المناهج هدف مفروغ منه، لكن المعني هو التغيير وليس التدمير، هل يمكن أن تتحول مواكبة التطور العلمي إلى قوة تدميرية؟، يقول خبير في وزارة التربية (إن للرياضيات الدور البارز في تقدم الأمم وهذا أمر مسلم به، لذا تسعى كافة الدول الى تطوير قابليات طلابها في مادة الرياضيات (العلوم)، ولعل ما توليه من الأهمية للمسابقات الدولية التي تجرى لقياس مستوى تحصيل الطلبة في الرياضيات والعلوم (TIMSS) اكبر دليل على ذلك، وتسعى كافة الدول بما فيها العربية الى عقد الورش والندوات والاستعانة بالخبراء والمختصين من اجل رفع مستوى أداء طلابها في هذه المسابقات التي يحتفي بها الجميع في حال تحقيق نتائج طيبة وتدرس أسباب الإخفاق، وبذلك يكون التعليم قد حقق الهدف الأساس).

حين نقرأ الكلام أعلاه نجد أنه صائب ومعقول وأكثر من ذلك لا يصحّ التنصّل منه، لذلك تبذل وزارة التربية الكثير من الجهد في إعداد المناهج المتكاملة والتي هدفها تطوير الطالب روحياً وعقلياً ومعرفياً ووجدانياً كما يؤكد الخبير الذي يضيف: من هنا وجب ان يكون التفاعل تفاعلاً ايجابياً بين هذه الركائز وليس تنافرا مضطرداً كما يحصل عند تغيير أي منهج، ولعل اقرب مثال على ذلك هو منهج الرياضيات للصف الثالث المتوسط والذي يكثر الحديث عنه هذه الايام في الفضائيات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما نقف على مفردات المنهج نجد فيه من العلمية والرصانة ما كانت تفتقد إليها المناهج القديمة، فهناك طرح متسلسل للمواضيع وبترابط مهني تراعي الجوانب الذهنية للطالب.

في مستوى ما يحدث واقعيا، استقبل الطلاب وأولياء أمورهم تغيير المناهج بحملة مضادة، مستخدمين وسائل عديدة لإظهار رفضهم لهذا التغيير (التدميري) كما وصفهُ أحد أعضاء مجلس النواب، كذلك رفض عدد من الدعاة تغيير المناهج بهذه الطريقة التي لا تنسجم وعقلية الطالب العراقي، فهناك من يرى أن التطوير غاية، لكن يجب أن يأتي بصورة متدرجة وليست مفاجئة.

هذا ما دفع عدد من التربويين والناشطين وأولياء امور الطلبة إلى تنظيم وقفة في محافظة البصرة احتجاجاً على صعوبة بعض المناهج الدراسية المقررة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وطالبوا وزارة التربية بتعديلها وتبسيطها، وقد قال أحد المشاركين في الوقفة في حديث لـ السومرية نيوز، إن "عدداً من الناشطين والتربويين وأولياء أمور الطلبة احتشدوا وعلقوا لافتات على سياج مديرية التربية لمطالبة وزارة التربية بتعديل وتبسيط المناهج الدراسية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة" مبيناً أن " بعض المناهج الجديدة تتسم موادها بالصعوبة والتعقيد، بحيث يواجه أكثر الطلاب والتلاميذ صعوبة في فهمها واستيعابها، وأولياء أمورهم يعجزون أحياناً عن شرحها لهم، والكوادر التربوية والتعليمية تؤكد صعوبة المناهج الجديدة، وبخاصة الرياضيات والفيزياء والكيمياء.

إن ما يجري حتى الآن في قضية تغيير أو تطوير المناهج خصوصا العلمية منها، وما أثارته من سخط وردود أفعال لم تقف عند حد المتضرر المباشر الطالب، ولي الأمر، ببل تعدّت ذلك إلى التدريسي، ينمّ عن جملة من الشواهد، لا يجوز عبورها، إن حملة الاحتجاج هذه تشي بتغيير متسرّع غير مدروس، تقف وراءه شبهات ومقاصد بعضها غير معلوم، وبعضها يردّده الناس، منها مثلا أن تبديل المناهج يحتاج إلى طبع كتب جديدة وهذا يعني أرباحا مادية لبعض المتنفذين، آخرون يصفون هذا التغيير بالتدمير بحسب نائب قال أن مناهج الدراسة الابتدائية تدميرية وليست تعليمية وسنناقشها بالبرلمان ولفت الى أن "صعوبة بعض المناهج تنفر الطلبة والتلاميذ من الدراسة، مما ينعكس سلباً على مستقبلهم"، وطالب وزارة التربية أن تحدِّث وتطور المناهج بشكل تدريجي ومعقول.

إن تصاعد النداءات والمطالبات الموجهة الى وزارة التربية بإعادة النظر ببعض المناهج الدراسية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، خاصة وأن المناهج تخضع لتعديلات وتحديثات مستمرة من قبل المديرية العامة للمناهج، يدل على أن هناك نوع مع العشوائية وعدم التخطيط السليم في هذا الشأن، وهو ما دعا إمام جمعة البصرة الكوادر التدريسية، وأولياء الأمور الى الإضراب العام عن الدوام الرسمي لـ صعوبة المناهج الدراسية ومضامينها، وقد اعتبر أن هذا التغيير للمناهج العلمية خصوصا يأتي بمشكلة كبيرة تضاف الى المشاكل التي يعاني منها العراق وأهله، وهي تخص التربية والتعليم وتحديدا المناهج الدراسية في بعض المراحل التي ارهقت التلميذ والطالب والكوادر التدريسية، وحتى أولياء الأمور لصعوبتها، والتي لا تنسجم مع المراحل العمرية للتلميذ او الطالب.

ولا تتوقف المشكلة عند تغيير المضامين العلمية فحسب وإنما تقفز إلى جنبة أخرى تخص الأخطاء المطبعية، فيحدث الخطأ في المفردة أو الرقم، وهذا يجعل من الحل الصحيح مستحيلا خصوصا في منهج الرياضيات، أو القوانين الفيزيائية، فقد تم انتقاد الاخطاء المطبعية التي تحتويها كتب المواد التي تقوم المدارس بتدريسها، دفع بإمام البصرة إلى مطالبة اولياء الامور والاساتذة والطلاب بالاحتجاج السلمي ورفض هذه المناهج المعقدة، وقال (نحمل وزارة التربية والمسؤولين بهذه المشكلة والفساد، وهذا استهداف للمؤسسة التعليمية في العراق، وعمل تخريبي).

خلاصة ما يمكن التوصل إليه، أن هناك مشكلة كبيرة ذات طابع مزدوج، فالتغيير والتطوير أحد أقطاب التقدم العلمي والحياتي الشامل، ولكن ما لا يجب إغفاله وإهماله عدم الزج بهذا التطوير العلمي بعيدا عن العلمية التدريجية التي تراعي إبعاد المفاجآت عن عقل الطالب الذي ينتقل من حالة علمية معتادة إلى أخرى مفاجئة وربما صعبة إن لم تكن معقدة، كذلك هنالك شبهات أو مؤشرات فساد (في طباعة المناهج الجديدة)، فالتغيير والتطوير لا يجب أن يكون بوابة جديدة للفساد المالي، الرقابة هنا هي المعنية، وأما التطوير فهو حاجة لا غنى عنها للعراقيين، ولكن ضمن شروط السلامة المنهجية العلمية المحمية من الفساد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا