عن الحرية الاكاديمية.. عودة واستئناف
حيدر الجراح
2015-03-07 08:18
نشرت شبكة النبأ المعلوماتية موضوعا للدكتور علاء الحسيني، في يوم 5/3/2015 حمل عنوان (الحرية الأكاديمية بين النظرية والتطبيق) لديّ عليه بعض الملاحظات، والتي ارجو ان لاتكون في اطار سجالي معه، بل في اطار حوار ينشدُ الحقيقة وينشدّ اليها.
وهي عودة للموضوع من خلال عدد من الملاحظات، واستئناف للعنوان من مدخله عبر التعريفات المتعددة والمتنوعة لهذه الحرية.
اولى الملاحظات اسجلها حول متلازمة (الحرية – السلطة) التي اشار الباحث اليها، وكان الاحرى به ان يضع (المسؤولية) بدلا من التنظيم وهو مبدأ اداري والسلطة كمفهوم سياسي او قانوني، وهي (اي السلطة) لاتقتصر على المعنى الذي الت اليه في الادبيات السياسية او القانونية، فهي في اشتقاقها الاولي في العربية تعني (التَّسَلُّطُ والسيطَرَةُ والتحكُّمُ). وفي اللاتينية بدأت بمعنى (نمّى – زاد في – أكثَر من) والشخص الموصوف بالسلطة في تلك اللغة هو الذي (ينمي الثقة – وهو الضامن – والقدوة – والحجة – والناصح المشير – والمؤسس) ثم صار اللفظ بعد ذلك يدل على المؤلف.
تختلط السلطة بين معنيين في الفكر الحديث والمعاصر، فهي من جهة تعني (الحجة او المرجع – الصفة المخولة للأمر والتنفيذ) ومن جهة اخرى تعني (هيمنة – سيطرة – سيادة).
تستقر السلطة في تعريفها في الفلسفة السياسية على الشكل التالي: هي ذلك النمط من القيادة او الامارة البشرية النابعة من نظام شرعي، والتي تستغني من حيث المبدأ، عن الاكراه والاقناع في ان واحد.
جميعنا نبحث الحرية ونحاول العثور عليها، من اجل ان نعيشها ونتمتع بها. واذا كانت عملية البحث تقتضي جهودا مضنية، فان الاختلاف يقع في عيشها والتمتع بها.
البحث عن الحرية وممارستها، ليس اشتغالا قانونيا بحتا، انه بالدرجة الاساس حق وجودي لايمكن ان ينفصل عن الانسان كقيمة عليا، لأنها شرط فطري لجميع الكائنات الحية وفي المقدمة منها الانسان.
لذلك (لاتحتاج الحرية الى تبرير، بل القيود عليها وحدها هي التي تحتاج الى تبرير)، فالكائنات الانسانية مقدسة، وغايات في ذاتها، والحرية هي شعار كرامتها ومصدر احترامها لذاتها وكبريائها معا، وهي في صميم الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الانسان عليها.
الملاحظة الثانية التي اسجلها هنا هي قول الباحث ان الحرية (تعيش حالة تصالح حيناً مع السلطة)، وقوله (ضرورة التعايش بين الحرية والسلطة) وفي رأيي ان الحرية لايمكن لها ان تكون في حالة تصالح مع اية سلطة معينة، لسبب بسيط هو ان كل سلطة (سلطة الأب في إطار العائلة أو سلطة رجل الدين أو شيخ القبيلة أو سلطة الحكام) تفيد الاخضاع او الاكراه، مما يتنافى مع ابسط تعريف للحرية وهو (تكمن الحرية في قدرتنا على ان نتصرف او لانتصرف بحسب مانختاره او نريده).
وهذه القدرة هي الارادة الحرة المسؤولة النابعة من ذات الانسان، وليست السلطة بمختلف اشكالها والموجودة داخل الاجتماع البشري.
في تعريفه للحرية الاكاديمية يقول الباحث انها: (تعني الخروج عن كل القيود البيروقراطية والانطلاق في فضاء الحرية لكل من طرفي العملية التعليمية (الطالب والأستاذ) وفتح قنوات الاتصال بينهما والتفاهم والتواصل وفق الأصول الأكاديمية المتعارف عليها). وهو تعريف لا علاقة له بالحرية الاكاديمية كما سيتضح لاحقا.
ثم يذكر الباحث عددا من النقاط يعتبرها من معوقات الحرية الاكاديمية، والتي ليست لها علاقة بهذه الحرية، فما علاقة عمر الطالب، وسلوكياته داخل الحرم الجامعي، ونمط الملبس والجلوس والتواجد داخل القاعة، والقبول المركزي بالحرية الاكاديمية؟.
وما علاقة مايذكره بخصوص معوقات (الحرية الأكاديمية للتدريسي) والتي حددها بخمس نقاط توزعت على (التشريعات – الروتين – رئاسة الجامعة – التنظيم الاداري – المناهج الدراسية) بهذه الحرية؟.
وبما ان المدخل النظري للموضوع قد ابتعد عن تقديم تصور دقيق للحرية الاكاديمية، فان الحلول المقترحة والتي قدمها الباحث (للنهوض بالحرية الأكاديمية في الجامعات العراقية) والتي بناها الباحث على المعوقات السابقة الذكر، لاتعني من قريب او بعيد ماتشير اليه (الحرية الاكاديمية).
بعد تلك الملاحظات، نطرح سؤالنا: ما الذي تعنيه الحرية الاكاديمية؟
عرّفت الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية الحرية الاكاديمية بانها (السعي لتوفير المناخ الحر للأساتذة للكتابة والحديث عن الحقيقة كما يرونها بلا قيود، وبخاصة انهاء الخدمة الوظيفية من قبل الادارة الاكاديمية العليا (رئاسة الجامعة او مجلس الجامعة مثلا) ومن قبل السلطة السياسية للبلاد، فضلا عن حق الاستاذ في توفير الحماية له من الضغوط الداخلية او الخارجية الواقعة عليه جراء ما أفصح عنه من نتائج او اراء حول تلك الحقيقة المشار اليها).
اما اعلان ليما بشأن الحرية الاكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي الصادر عن المنظمة العالمية للخدمات الجامعية في العام 1988 فانه عرف الحرية الاكاديمية على انها تعني (حرية اعضاء المجتمع الأكاديمي فرديا او جماعيا، في متابعة المعرفة وتطويرها وتحويلها من خلال البحث والدراسة والمناقشة والتوثيق والإنتاج والخلق والتدريس والقاء المحاضرات وتأليف الكتب).
اعلان عمان للحريات الاكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الصادر عام 2004 عرف الحريات الاكاديمية على انها تشمل (حق التعبير عن الرأي وحرية الضمير وحق نشر المعلومات والمعارف وتبادلها، كما تشجع حق المجتمع الاكاديمي في ادارة نفسه بنفسه واتخاذ القرارات الخاصة بتسيير اعماله ووضع مايناسبه من اللوائح والانظمة والاجراءات التي تساعده على تحقيق اهدافه التعليمية والبحثية العلمية).
يميل عدد اخر من الكتاب الى تعريف مفهوم الحرية الاكاديمية انطلاقا من قيمتها المعرفية والمبدئية، اذ يرى ريتشارد بيتس انها قيمة لايمكن التمتع بها الا في مجتمع حر. فهي بنظره مبدأ ايديولوجي ليبرالي.
وترى مجموعة اخرى من الكتاب تعريف الحرية الاكاديمية من خلال تكوينها وعناصرها، فالحرية الاكاديمية كما يرى البرت ليباوسكي يجب ان تفهم على انها حرية اعضاء المجتمع الاكاديمي لإنجاز مهامهم دون تعرضهم لأية مضايقات من زملائهم او من الطلبة المنخرطين في النشاط السياسي والذين قد يمارسون ضغوطا الى الحد الذي يؤدي الى عرقلة التدريس والبحث والمهام الاخرى المتعلقة بالعمل الجامعي.
وتذهب مجموعة ثالثة من الكتاب الى تعريف الحرية الاكاديمية كأحد الحقوق والحريات الانسانية.. وعلى هذا الاساس يعرفها جيمس ميتلمان على انها (حق الجامعة والطلبة للحصول على المعرفة دون خوف من الملاحقة ودون تمييز على اساس الخلفية او الاتجاه وهذا الحق يتضمن الحق في التعبير اي الحق في الكلام).
ويميل الى هذا الراي الدكتور عبد الخالق عبد الله الذي يقول ان الحرية الاكاديمية ليست سوى صورة من صور الحرية الفكرية والحرية العلمية وترتبط بحرية الاختلاف وحرية المعرفة والاستعلام.
وبصدد مضامين الحرية الاكاديمية يشير الدكتور بسيوني ابراهيم حمادة الى ان المبادئ الكبرى للحرية الاكاديمية تتضمن (حرية التقصي والبحث وحرية التدريس وحرية التعبير والنشر). ويقول (ان كل انواع الحرية الاكاديمية ترتبط بحق الاتصال الذي هو حق شخصي. فالاستاذ أو الطالب لايستطيع ممارسة حريته الاكاديمية دون التمتع بالحق في الولوج الى المعلومات وفي التعبير عن رأيه بشكل حر ونشر آرائه بحرية وتفسيره للمعرفة عبر وسائل الاعلام داخل وخارج الجامعة).
ويرى روبرت ليبر ان الحرية الاكاديمية تتضمن حريتين هما حرية البحث عن الحقيقة وحرية التعبير عنها.
ويرى الدكتور عبد الخالق عبد الله ان الحرية الاكاديمية تبدأ بالتأكيد على حرية العلم والتفكير العلمي وحرية البحث عن الحقيقة وطلب المعرفة والتعبير عنها والاعلان الحر عن نتائج البحوث والاختراعات العلمية.
جميع التعريفات للحرية الاكاديمية، منذ تاريخها الخلافي الطويل عند تأسيس الجامعات في القرون الوسطى مع الكنيسة والدولة، انصبت على حرية التفكير والبحث وحرية التعبير عما توصل اليه الباحث من نتائج، ولا علاقة لها بما ذكره الباحث في موضوعه.