الاقتصاد الياباني من التعملق الى التقزم

إيهاب علي النواب

2017-02-16 08:04

رغم الازمة المالية العاصفة والارتباك والقلق على مستوى الاقتصاد والسياسة، لاسيما بعد صعود ترامب، الا ان اليابان ون أفل نجمها قليلا استطاعت من الحفاظ على ماء وجهها ولو بالشيء القليل للعام 2016، اذ اختتمت اليابان سنة 2016 بتسجيل نمو لاربعة فصول متتالية، وهو أمر غير مسبوق، لكن وتيرة النمو تباطأت خلال السنة والآفاق ليست واضحة تماما في عالم يشهد صعودا للنزعة الحمائية، وكشفت ارقام اعلنتها الحكومة ان اجمالي الناتج الداخلي لليابان سجل ارتفاعا نسبته 0,2 بالمئة وجاءت هذه الارقام أدنى بقليل من تقديرات المحللين وسجل ثالث اقتصاد في العالم لمجمل 2016 نسبة نمو بلغت 1 بالمئة (بعد 1,2 بالمئة في 2015)، مستفيدا من زيادة الصادرات خصوصا في نهاية العام، بفضل تحسن في آسيا.

وبقي استهلاك العائلات في حالة ركود مؤكدا تردد اليابانيين في الانفاق خوفا على المستقبل، لكن النشاط الاقتصادي سجل تحسنا مع زيادة استثمار الشركات (+0,9 بالمئة) في ضوء تراجع سعر الين، وهو مكسب للمجموعات اليابانية المصدرة، وسمح التفاهم المعلن بين رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والرئيس الاميركي دونالد ترامب، بتهدئة قلق عالم الاعمال الياباني حاليا، لكن شكوكا ما زالت قائمة على الامد الطويل بشأن العلاقات التجارية بين البلدين.

ويجمع المحللون على ان النمو في 2017 لن يكون كبيرا، اما الطلب الداخلي فلم ينتعش بعد اكثر من اربع سنوات على بدء استراتيجية آبي التي تجمع بين تخصيص ميزانيات كبيرة وسياسة نقدية بالغة التساهل ووعد باصلاحات بنيوية، وما زالت زيادة الاجور والمكافآت غير كافية في سوق عمل يعمل بسرعتين، ومقسوم بين الوظائف الهشة ووظائف بدوام كامل، وهي مشكلة يشير اليها صندوق النقد الدولي بانتظام، وقد ذكر كبير اقتصاديي مجموعة "ميريل لينش جابان سيكيوريتيز" ايزومي دوفالييه طالما لم يتحرك استهلاك العائلات، فمن الصعب توقع تسارع للنمو.

من جهة اخرى، يمكن ان يؤثر تراجع سعر الين وزيادة اسعار النفط على القدرة الشرائية لليابانيين، وان الاستثمارات الحكومية التي تنفذ في اطار خطة الانعاش الكبيرة التي اعلنت الصيف الماضي ستنقذ في 2017 حكومة آبي المصممة على عدم السماح بموت خطة رئيس الوزراء المعروفة باسم "ابينوميكس".

صانعو السياسات النقدية وتخفيض العملة

انتقد واضعو السياسات النقدية في اليابان اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبلادهم بالتلاعب بسعر صرف العملة وأكدوا على أن طوكيو تلتزم باتفاق لمجموعة العشرين يوجب الابتعاد عن التخفيض التنافسي لقيمة العملة.

وأخذ الدولار موقفا دفاعيا بعدما انتقد ترامب ومستشاره المعني بالتجارة بيتر نافارو كلا من الصين وألمانيا واليابان وذكرا إن تلك الدول تخفض قيمة عملاتها ضد مصلحة الولايات المتحدة، وحذر مسؤولون كبار في الحكومة اليابانية من الضرر الذي قد يلحقه ارتفاع الين باقتصاد البلاد الذي يعتمد على الصادرات وهبوا لاحتواء الضرر مع انخفاض الدولار إلى أدنى مستوى في شهرين أمام العملة اليابانية عند 112.08 ين في أعقاب تصريحات ترامب.

وأضاف سوجا وهو من بين أكثر المساعدين المقربين لرئيس الوزراء شينزو آبي وصاحب دور بارز في السياسة الاقتصادية اليابانية أن اليابان توجه سياستها (النقدية) بما يتماشى مع الاتفاقات التي أبرمتها دول مجموعتي العشرين والسبع، لن يكون هناك تغيير في ذلك الموقف، وتبنى بنك اليابان المركزي برنامجا ضخما لشراء الأصول في 2013 لاقى إشادة لتعزيزه أرباح المصدرين وتحسين المعنويات في مجال الأنشطة التجارية من خلال انخفاض الين، وهبط الين 20 بالمئة أمام الدولار منذ ذلك الوقت لكنه ما زال بعيدا عن أدنى مستوياته التي سجلها في 2015 عندما بلغ 125 ينا للدولار.

وأضاف كويتشي هامادا أستاذ الاقتصاد الفخري بجامعة ييل ومستشار الحكومة أن النظرية الاقتصادية تشير إلى أن تطبيق الضرائب الحدودية الأمريكية سيؤدي إلى ارتفاع الدولار وإن فرض تلك الضريبة يتناقض مع انتقاد انخفاض الين ووصف ذلك الحديث بأنه يضر باقتصاد اليابان والعالم كله.

كما أبرزت البيانات الطبيعة غير المتوازنة للتعافي الياباني، وأضاف الطلب الخارجي أو الصادرات ناقص الواردات- 0.5 نقطة مئوية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهذه أكبر مساهمة منذ الفترة من أبريل نيسان إلى يونيو حزيران 2014 لكنها ترجع في جزء منها إلى انخفاض الواردات بسبب ارتفاع الين وهبوط أسعار النفط، ونمت الصادرات اثنين في المئة وذلك بأسرع وتيرة في عام لكن الزيادة كانت مدفوعة بعوامل محتملة غير متكررة مثل زيادة شحنات أجزاء الهواتف الذكية.

وارتفع الاستهلاك الخاص الذي يمثل نحو 60 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي 0.1 بالمئة فقط نظرا لأن سوء الطقس منع المستهلكين من التسوق، وأضاف هذا المزيد إلى المخاوف حول أن فوائد حملة التحفيز التي قام بها رئيس الوزراء شينزو آبي لم تمتد بعد إلى الأسر كما ظهرت في الزيادة السنوية الضعيفة في الأجور، واستقر الإنفاق الرأسمالي وهو عنصر أساسي من الناتج المحلي الإجمالي وذلك بعد انخفاضه 0.1 بالمئة في الربع الثاني ليعكس على الأرجح مخاوف بشأن آفاق الاقتصاد العالمي.

وصرح محافظ بنك اليابان إن البنك يراقب تحركات الين بعناية لما لها من "تأثير كبير" على الاقتصاد والأسعار، وأضاف إن تحرك العملات بشكل مستقر أمر مطلوب ليعكس الأسس الاقتصادية والمالية" لافتا إلى أن هذه الرؤية تتقاسمها الاقتصادات الكبرى، ووفر هذا الانتعاش بعض الارتياح لصانعي السياسات اليابانيين القلقين من التأثير السلبي الذي قد يلحقه ارتفاع الين بالاقتصاد المعتمد على التصدير.

وضع حد لانهيار الاسعار

يواجه رئيس الوزراء المحافظ منذ اكثر من ثلاث سنوات معضلة حقيقية تقضي باعادة الحيوية الى اقتصاد يواجه تراجعا ديموغرافيا، ويتعثر نهجه الاقتصادي الذي يعرف باسم "ابينوميكس" القائم على الانفاق وسياسة نقدية شديدة المرونة ووعود باصلاحات بنيوية، وبات اجمالي الناتج الداخلي فصلا بعد فصل يتراوح ما بين انكماش ونمو ضئيل.

وفي محاولة جديدة لاعادة اطلاق محرك متعثر، صادقت الحكومة على خطة ضخمة بقيمة 28 الف مليار ين (240 مليار دولار)، وصرح آبي عند اقرارها "سنواجه المخاطر الدولية ونعمل بكل قوانا لوضع حد لانهيار الاسعار"، مؤكدا طموحاته الكبرى ولا سيما على صعيد النمو ومؤشر الخصوبة وتوظيف النساء، غير ان ربع هذه القيمة فقط استخدم في نفقات جديدة، بحسب ما يقول محللون اعربوا عن تشكيك متزايد مطالبين باصلاحات عميقة.

ويجد البنك المركزي الياباني نفسه في الخطوط الامامية وقد عمد الى ادخال تصحيحات طفيفة على سياسته النقدية، وبموازاة ذلك، اعلن عن اجراء تقييم لحملته الواسعة النطاق التي باشرها في 2013 ولم تنجح بعد في وقف انهيار الاسعار الذي يعيق الاقتصاد الياباني منذ سنوات، ومن المتوقع صدور نتائج هذا التقييم خلال الاجتماع المقبل للبنك المركزي ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين ان ذلك قد يفتح الطريق امام تدابير جديدة.

غير ان توبياس هاري نائب رئيس مكتب "تينيو انتيليجنس" للدراسات رجح عدم حصول ثورة في المستقبل وذكر ان البنك المركزي الياباني سيدخل في افضل الاحوال تعديلات طفيفة على برنامجه من غير ان يتوقع اي اعلان خاص بذلك، وان البنك المركزي قد يفضل انتظار صدور قرار الاحتياطي الفدرالي الاميركي المرتقب بعد ساعات على انتهاء اجتماع البنك المركزي الياباني.

هل الاقتصاد الياباني في خطر

من خلال المؤشرات الاخيرة والخاصة بمجمل النشاط الاقتصادي للاقتصاد الياباني، فأنها تظهر مدى تراجع هذا العملاق للوراء وتأثره بالمد التكنولوجي الجديد والمتمثل بصعود كوريا الجنوبية والصين كوجه جديد لأسيا، اذ ان هذا الصانع الذي طالما شغلت منتجاته حيز كبير من بيوتنا وحياتنا نراه في انحسار وتراجع.

اذ وعلى الرغم من كل الوفورات التكنولوجية التي حققتها اليابان في شتى المجالات، الا انه وعلى مايبدو ان ثمة تراجع في ذلك، ويرجع ذلك الى عدة اسباب، أهمها مسالة التكاليف والاسعار والنوعية واختلاف الاذواق والطلب وهو ما لم تأخذه اليابان في الحسبان، وعلى الرغم من ان الاقتصاد الياباني لايزال قوي الا ان الكثير انه في حال لم تقم اليابان بخطوات جادة على صعيد السياسة الاقتصادية فمن الممكن ان يبتلعها طوفان الصين كما تم ابتلاع هونغ وكونغ وغيرها.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد