سوق الصرف في العراق وتدفقات العملة الأجنبية
إيهاب علي النواب
2017-02-01 07:11
يرى الاقتصادي العراقي ونائب محافظ البنك المركزي السابق الاستاذ أحمد ابريهي علي، أنه من الضروري فهم آلية توليد الدخل والانفاق على المستوى المحلي وذلك بالأعتماد على ايرادات النفط والتصرف الحكومي بها، وفي ضوء ذلك يتحدد الطلب الكلي ومايترتب عليه من طلب مشتق على العملة الاجنبية، وبعد ذلك معرفة كيفية تنظيم سوق الصرف في العراق ونافذة البنك المركزي لبيع العملة الاجنبية، وقد أوضحت الاحصاءات ان سوق الصرف لم يتعرض الى ضغوطات بالمعنى الدقيق وان الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي كبيرة نسبة الى النقود بالمعنى الضيق والواسع وهي لحد الأن تفوق التغطية التامة ومستمرة في التزايد.
ولأن معدلات التضخم كانت عالية قبل العام 2009، فقد تراكم أثر التضخم في ارتفاع سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي الى مستويات تستدعي من السياسة الاقتصادية الوقوف عندها ومحاولة تخفيف أثار المرض الهولندي على التنمية في العراق، ان ازالة الفرق بين سعر السوق والسعر الرسمي يقتضي الاستجابة لطلب القطاع الخاص بمبيعات اضافية، والأهم من ذلك هو كيفية التصرف بالعملة الاجنبية سواء في القطاع الخاص او العام، ولا بد من العناية بمدى انتفاع الاستثمار الانتاجي منها، اي بمعنى كيفية الانتفاع الأفضل من موارد النفط.
دورة الدخل والانفاق والطلب على العملة الاجنبية في العراق
كما هو معروف فأن ايرادات النفط تحكم الانفاق العام الذي يعين الطلب الكلي الفعال بالتناسب عبر آلية المضاعف، فعندما يتحرك الانفاق العام الى الاعلى كما هو الحال في العراق مع تعاقب الموازنات المالية العامة، يرتفع الطلب الكلي الفعال الى مستوى جديد لينسجم مع الاستهلاك والاستثمار الحكوميين، ويوزع الحجم الجديد من الطلب الكلي على مختلف أصناف السلع والخدمات، التي ينتج جزء منها في الداخل والأخر يستورد من الخارج.
او بعبارة أخرى وعبر زاوية الدخل القومي الذي يشكل النفط الجزء الأكبر منه وبقرابة 55%، والجزء الأخر يتولد في الانشطة عدا النفط الخام في القطاعين العام والخاص، ويخصص الدخل القومي عبر آلية معقدة الى ادخار واستهلاك، اما الانفاق (الطلب) فهو استهلاك واستثمار وقد يكون الاستثمار في الداخل اقل من الادخار وهو وضع دول الفائض المالي والتي منها العراق في اغلب السنوات الاخيرة، وقد يكون أعلى من الادخار في الدول التي تستقبل استثمارات اجنبية صافية وهو مايطمح اليه العراق والذي لم يتحقق لحد الأن.
وعليه فأن الدخل القومي الذي يهيمن النفط الخام في تحديد مستواه بصورة مباشرة وغير مباشرة عبر الانفاق الحكومي يعين الطلب على الاستيرادات والاستثمار في الخارج، وهذا يعني ان هناك جزء من الطلب الكلي يتجه الى الداخل ولابد من وجود انشطة محلية لتلبيته مثل خدمات النقل وتجارة الجملة والمفرد والبناء والتشييد والتعليم والصحة والكهرباء ..الخ، وهذه السلع والخدمات ينمو الطلب عليها بانسجام مع نمو الدخل القومي والطلب الكلي، اما المجموعة الاخرى من السلع والخدمات فأن طاقتها الانتاجية القائمة تعين ما يصدر منها ومايستورد، اي ان الطاقات الانتاجية لهذه السلع تتراجع مع تعاظم الايرادات النفطية وهيمنتها، ولذلك يتزايد الاستيراد في العراق بمعدلات تفوق نمو الطلب الكلي مع تراجع الصادارات غير النفطية بسبب التركيز على النفط في تمويل الاستيرادات.
وهنا يبدأ المرض الهولندي من خلال ارتفاع تكاليف الأنتاج مضافاً اليها هامش الربح الطبيعي، مقارنة بالاسعار الدولية عندما تتحول للعملة الاجنبية، وهو مايعني تدهور القدرة التنافسية الدولية للصناعة والزراعة المحلية، وهذا مايضعف الاستثمار او يوقفه بالكامل في بعض الانشطة نتيجة لمعدل العائد المنخفض او السالب، وبما ان التضخم المرتفع في الداخل مقارنة بنظيره الدولي وتراكم الفارق فأن نسبة تكاليف المنتج المحلي الى الاجنبي تكون أضعاف ماكان عليه عام 2003، اي ارتفاع سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي.
وكمحصلة نهائية يمكن القول بأن الدخل القومي وسعر الصرف الحقيقي يحددان الطلب على العملة الاجنبية لأغراض الاستيراد من السلع والخدمات، وهناك أغراض اخرى لطلب العملة الاجنبية منها تحويلات الدخل للخارج، اذ تعمل في العراق شركات اجنبية وقوى عاملة من دول اخرى ولذلك تنشأ تحويلات دخل للخارج، والى جانب هذه التحويلات هناك الاستثمار في الدول الاخرى، وكما هو معلوم ان الجزء الحكومي من الطلب على العملة الاجنبية يمول مباشرة من ارصدتها في الخارج وتعني هذه العملية ان جزءاً من عرض العملة الاجنبية والطلب عليها لايدخل سوق الصرف في العراق، أي ان سوق الصرف خاص من جانب الطلب وحكومي من جانب العرض.
وبما أن صافي تدفق العملة الاجنبية من جميع المصادر ماعدا النفط هو سالب يصبح البنك المركزي هو الجهة التي تتحكم بعض العملة الاجنبية في سوق الصرف بالكامل، وهو مايمكن وصفه بالاحتكار الطبيعي الحكومي للعملة الاجنبية المتجهه للقطاع الخاص، ويستمر هذا الاحتكار لحين ظهور قدرات تصدير كبيرة في القطاع الخاص.