انهيار الجنيه المصري يشل حركة الاقتصاد المصري

إيهاب علي النواب

2016-12-21 07:43

تخشى مصر هذه الايام ان يكون لقراراتها ردود سلبية من المجنمع، لاسيما بعد رفع الدعم عن السلع الاساسية في ظل وجود نسبة من الفقر تصل الى 28%، وهو ماقد يولد اثار انعكاسية سلبية غير متوقعة من الشارع المصري، خاصة فيما يتعلق بالعملة المحلية، اذ شهد الجنيه هبوطا حادا مقابل الدولار في بنوك مصر مع اشتداد الطلب على العملة الصعبة من الشركات لتحويل أرباحها إلى الخارج ومن المستوردين تحسبا لموجة تضخمية جديدة في الأسعار، وغير بنك مصر والبنك الأهلي المصري أسعار شراء الدولار في ثانية واحدة في منتصف معاملات ما بين البنوك من 18.10 جنيه إلى 18.40 جنيه دفعة واحدة، واقتفت البنوك الأخرى أثر البنكين في رفع أسعار الشراء إلى أن وصل السعر إلى 18.92 جنيه للدولار في بعض البنوك.

ويبيع بنك مصر والبنك الأهلي الدولار بسعر 18.75 جنيه وهما أكبر بنكين عاملين في السوق المصري ويلعبان دور صانع السوق في العملة منذ الثالث من نوفمبر تشرين الثاني الماضي عندما تخلت مصر عن ربط الجنيه بالدولار الأمريكي في إجراء يهدف لجذب تدفقات رأسمالية والقضاء على السوق السوداء التي كادت تحل محل البنوك.

وبلغت أسعار بيع الدولار في بعض عدد من البنوك العاملة في مصر 18.99 جنيه، وأبلغ طارق الملا وزير البترول المصري في أكتوبر تشرين الأول أن مستحقات شركات النفط الأجنبية لدى الحكومة المصرية ارتفعت إلى 3.58 مليار دولار بنهاية سبتمبر أيلول من 3.4 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران.

ويرى مسؤول في بنك حكومي وضح أن سبب ارتفاع أسعار شراء الدولار يرجع إلى "الطلب الكبير على العملة في الوقت الحالي، ومن شأن تحرير العملة تشجيع الاستثمارات الأجنبية وقد يعزز الصادرات ويتيح للشركات الحصول على الدولار من البنوك بأسعار السوق بما يعيدها للإنتاج الكامل من جديد بعد خفض العمليات الإنتاجية خلال الفترة الماضية بسبب عدم توافر الدولار اللازم لشراء المواد الخام.

مستويات قياسية للتضخم في مصر بعد تعويم العملة

أظهرت بيانات نشرها البنك المركزي أن التضخم الأساسي في مصر ارتفع إلى أعلى مستوى في ثماني سنوات في نوفمبر تشرين الثاني عند 20.73 بالمئة مقارنة مع 15.72 بالمئة في الشهر السابق، وذكر البنك في بيان أيضا أن "المعدل السنوي للتضخم العام" ارتفع إلى 19.43 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني من 13.56 بالمئة في أكتوبر تشرين الأول مستندا إلى بيانات أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر تشرين الثاني 2008.

وذكر خبراء اقتصاد إن الأسعار في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان من المرجح أن تواصل الارتفاع العام القادم بفعل الإصلاحات التي جرت في الآونة الأخيرة وشملت تخفيض الدعم وزيادة الضرائب وهي إجراءات أثارت غضب الملايين من المصريين.

وفي المدن سجل تضخم أسعار الغذاء والمشروبات 21.5 بالمئة على أساس سنوي في حين بلغ معدل التضخم في قطاع الرعاية الصحية 27.4 بالمئة وفي قطاع النقل 22 بالمئة مما يقوض القوة الشرائية الضعيفة أصلا في اقتصاد يعيش فيه الكثيرون على بضعة دولارات في اليوم، وتخلت مصر عن ربط سعر الدولار عند 8.8 جنيه في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني بتحريرها لسعر الصرف في إجراء نزل بالعملة المصرية منذ ذلك الحين إلى نصف القيمة التي كانت عليها.

وساعد الإجراء القاهرة على تأمين قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شهد فرض ضريبة القيمة المضافة وتخفيض دعم الكهرباء وزيادة الجمارك على الاستيراد في أشهر قليلة.

وتسببت الإجراءات في ارتفاع حاد في الأسعار في البلد الذي يعتمد على الاستيراد والبالغ تعداد سكانه نحو 90 مليون نسمة، ويرى خبراء اقتصاد إن ارتفاع التضخم سيؤدي إلى تقلص القدرة على الإنفاق ويضر بالنمو الاقتصادي ويؤدي إلى زيادة أكبر في أسعار الفائدة التي بلغت بالفعل 15.75 بالمئة.

وأفادت كابيتال إيكونوميكس في لندن في مذكرة "نعتقد أن (التضخم) العام سيرتفع إلى نحو 22 بالمئة في منتصف العام القادم، هذا سبب لاعتقادنا بأن الاقتصاد المصري سيتباطأ بشدة العام القادم وسيسجل نموا في الناتج المحلي الإجمالي بواقع واحد بالمئة فقط."

وتقلص النشاط غير النفطي في نوفمبر تشرين الثاني إلى أدنى مستوى في 40 شهرا بعدما أدى تراجع الجنيه إلى زيادة التكاليف وهو الأمر الذي أضر بالإنتاج بحسب مؤشر بنك الإمارات دبي الوطني لمديري المشتريات الخاص بمصر.

ويسعى المسؤولون في مصر إلى طمأنة الفقراء بأنهم سيكونون بمأمن عن الآثار الأسوأ لارتفاع الأسعار في الوقت الذي هوت فيه العملة المصرية إلى نحو 18 جنيها مقابل الدولار، ووسعت الحكومة شبكة الضمان الاجتماعي ويحصل نحو 70 مليون مصري على الخبز المدعم من قبل الحكومة.

وتوقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ارتفاع الجنيه في الأشهر القادمة ووعد بالتأكد من توافر السلع الأساسية بأسعار مناسبة، اذ صرح السيسي " أن السعر الحالي لصرف الدولار لن يستمر كثيراً لأنه ليس السعر الحقيقي إلا ان ذلك سيأخذ وقتاً، لذا فقد وجهت الحكومة بالعمل على توفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة في الأسواق والحفاظ على مخزون استراتيجي منها لستة أشهر على الأقل لاحتواء تبعات غلاء الأسعار على الفئات الأكثر احتياجاً."

وتسبب نقص السكر والأدوية في الأشهر الأخيرة في حالة غضب عام مما وضع ضغوطا على السيسي، وفي وقت سابق رفعت مصر أيضا الرسوم الجمركية على مئات السلع غير الأساسية لتصل التعريفة الجمركية لبعضها الآن إلى نحو 60 بالمئة وهو ما سيؤدي بكل تأكيد إلى ارتفاع الأسعار.

البنوك المصرية تطارد السوق السوداء

بدأت البنوك المصرية في ترويض السوق السوداء للعملة في البلاد من خلال سحب الدولارات منها بأسعار أعلى من المعروض في معاملات ما بين البنوك (الانتربنك) وتغطية جميع طلبات استيراد السلع غير الأساسية، وأفاد مصرفيون وتجار عملة في السوق السوداء إن البنوك بدأت في سحب الدولارات والعملات العربية من شركات الصرافة بأسعار خاصة ومميزة عن تلك التي تعرضها البنوك للأفراد.

وكانت السوق السوداء عاودت الظهور على استحياء مرة اخرى في ظل عدم توفير البنوك الدولارات اللازمة للاستيراد للسلع غير الأساسية، لكن مع معاودة البنوك تغطية تلك السلع يوم الأحد وشراء العملات من الصرافة بأسعار مميزة اختفى الطلب في السوق السوداء من جديد.

وأخذ سعر الدولار يرتفع في البنوك المصرية خلال أول ستة أيام من تحرير سعر الصرف ثم بدأ في التراجع منذ التاسع من نوفمبر تشرين الثاني عندما خفض بنكا مصر والأهلي المصري أسعار شراء الدولار من المواطنين وتبعهما في ذلك بقية القطاع المصرفي في مصر.

لكن الأسعار عاودت الارتفاع مرة أخرى بداية من السابع عشر من نوفمبر تشرين الثاني لتستقر بين 17.40 و17.45 للشراء و 17.60 إلى 17.75 جنيه للبيع في البنوك الكبيرة.

مصر تطرح سندات دولية بقيمة 3 مليارات دولار

صرح وزير المالية المصري عمرو الجارحي بإن مصر تعتزم طرح سندات دولية تتراوح قيمتها بين 2.5 مليار و3 مليارات دولار خلال النصف الأول من يناير كانون الثاني المقبل وطرح شريحة ثانية بنفس القيمة في النصف الثاني من 2017.

وكانت مصر تعتزم بدء جولة ترويج للسندات الدولية في نوفمبر تشرين الثاني ولكنها قالت في وقت لاحق إنها قد تؤجله عدة أسابيع بسبب اضطرابات السوق، وفي الثالث من نوفمبر شترين الثاني تخلى البنك المركزي عن تحديد سعر الجنيه المصري عند 8.8 جنيه مقابل دولار الأمريكي ورفع أسعار الفائدة بواقع ثلاث نقاط مئوية في خطوة تهدف لجذب المستثمرين الأجانب الذين ابتعدوا بعد انتفاضة 2011 وتحفيز تدفقات العملة الصعبة.

وقفزت العائدات على سندات الخزانة المصرية في المزادات التي أعقبت تحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة ولكنها انخفضت فيما بعد مع زيادة الطلب على أدوات الدين الحكومية، وإن الاستثمارات الأجنبية في أذون وسندات الخزانة المصرية بلغت نحو 500 مليون دولار في الاسبوعين التاليين لتحرير سعر الصرف.

وفي وقت سابق وقعت مصر اتفاق قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي شريطة تنفيذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة شملت فرض ضريبة القيمة المضافة وخفض دعم الكهرباء وزيادة أسعار الوقود، اذ من المتوقع أن تؤدي الإصلاحات -التي قادت لارتفاع معدل التضخم الرئيسي بالفعل- لارتفاع التضخم بشكل أكبر إلا أن الجارحي توقع أن تخف الضغوط التضخمية في النصف الثاني من 2017.

وقفز معدل التضخم الرئيسي إلى 15.72 بالمئة في أكتوبر تشرين الأول من 13.93 بالمئة قبل عام إلا أن معدل التضخم السنوي في المدن المصرية انخفض للشهر الثاني في أكتوبر تشرين الأول بعد أن سجل أعلى مستوى في ثمانية أعوام في اغسطس آب، وتوقع الجارحي تراجع التضخم إلى مستوى عشرة بالمئة خلال النصف الثاني من 2017 بعد الاصلاحات الحكومية وتحرير سعر الصرف.

التعريفة الجمركية وحماية الصناعة المصرية

من زاوية اخرى اكد وزير المالية المصري عمرو الجارحي ان القرار المثير للجدل الذي اتخذ برفع التعريفة الجمركية لعدد من السلع "يستهدف حماية الصناعة الوطنية" و "تخفيض معدلات الاستيراد" لتقليل العجز في الميزان التجاري.

وكان قرار جمهوري صدر يتضمن زيادات في التعريفة الحمركية للعديد من السلع المستوردة اثار جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا حول جدواه وتأثيره المحتمل على الاسعار في السوق المحلية، حيث ذكر وزير المالية في بيان ان زيادات التعريفة "شملت 320 مجموعة سلعية ركزت على نوعين اساسيين الاول السلع المستوردة ذات المثيل المحلي".

ومن هذه السلع "الاثاث وادوات المائدة المصنعة من المعدن او البورسلين والسيراميك والسجاد والمصنوعات الجلدية والصابون والمنظفات الصناعية ومستحضرات التجميل والاقلام واجهزة الريسيفر والديكور والاجهزة الكهربائية" مثل الثلاجات وبعض الاجهزة المنزلية الاخرى على حد قوله.

وتابع ان "النوع الثاني هي السلع الاستهلاكية التي يهدف القرار الي ترشيد استهلاكها توفيرا للعملة الدولارية التي ستوجه لاستيراد سلع اساسية يحتاجها المجتمع والقطاع الصناعي وبما يحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني"، واوضح ان "هذه السلع تشمل الفواكه الطازجة والكاكاو والشيكولاته والبسكويت والخبز والفطائر المحلاة والعصائر والايس كريم والعطور والشامبو والازهار الاصطناعية والحلي والعاب الفيديو والامشاط ومثبتات الشعر وفرش الاسنان والاقلام ومصنوعات الكريستال".

واكد البيان ان التعريفة الجمركية ارتفعت بنسبة 50 بالمئة من مستوياتها السابقة "لتصل التعريفة مثلا علي اجهزة التكييف والثلاجات والمراوح والسخانات والافران الكهربائية وماكينات الحلاقة ولمبات الفلورسنت الى 60% مقابل 40% من قبل"، وأضاف الوزير المصري أن الزيادات في التعريفة الجمركية "يستهدف توفير المناخ اللازم لجذب الاستثمارات مما يساعد علي احداث النمو والتطور والاسهام في جهود التنمية للمشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة واعطاء دفعة قوية نحو زيادة الانتاجية التي هي اساس النمو الاقتصادي الي جانب تخفيض معدلات الاستيراد التي ادت الي تزايد عجز الميزان التجاري ليصل الي اكثر من 49 مليار دولار"، وتعاني مصر من أزمة اقتصادية بسبب الاضطرابات السياسية والامنية التي شهدتها منذ الاطاحة بحسني مبارك في 2011، وادت هذه الازمة أخيرا الى شح كبير في الدولار وتباطؤ في الانتاج وارتفاع في نسبة التضخم.

مسار الازمة المصرية

قبل كل شيء يجب ان نعلم ان قرار تعويم العملة، لم يأت ضمن آلية عمل او خطة حكومية مسبقة، بل جاء كنتيجة لشروط صندوق النقد الدولي وضمان له من أجل منح مصر القرض المالي، وهنا قد يسأل احدهم لماذا لم ينطبق الحال نفسه على العراق عندما تم منحه القرض؟

ان الاجابة على ذلك تكمن في ان الدينار العراقي وصل الى مرحلة من الانهيار لاينفع معها تعويم العملة، فلو كان على ذات المستوى من القوة والاستقرار كما هو الحال بالنسبة للجنيه المصري قبل قرار التعويم، وبما ان الجنيه مازال محتفظ ببعض القوة، فأن الصندوق يريد انهاء هذه القوة، من اجل تقوية الدلار اكثر في المنطقة عبر زيادة الطلب عليه أكثر.

وبالتالي نفهم ان سير مصر في هذا الاتجاه قد يفاقم الازمة اكثر، وبالتالي فـأن هناك توقعات ان يتحول الاقتصاد المصري الى اقتصاد عراقي اخر متردي، بل وقد يسوء الامر اكثر اذا ماعلمنا ان مصر لاتملك مايملكه العراق من مورد وان كان ناضب الا انه كان الكفيل بالحفاظ على ماء وجه العراق، وان بدأ هذا الماء بالنضوح بسبب الانخفاضات الاخيرة في اسعار النفط العالمية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي