تعويم العملة في مصر: اصلاح اقتصادي أم فقاعة ازمة؟
إيهاب علي النواب
2016-11-23 09:12
يعود الاقتصاد المصري للواجهة من جديد، فالتجاذبات والتداعيات الحاصلة بعد قرار تعويم الجنيه المصري، مازالت تفرز نتائج جديدة، وعلى مايبدو ان مصر وبعد الحصول على موافقة صندوق النقد، باشرت بتطبيق شروط الصندوق، والتي أهمها تعويم العملة، ورفع الدعم عن السلع الاساسية، وهذا القرار الأخير والمتضمن قطع التموين عن من يزيد دخله عن 1000 جنيه مصري في الشهر، قد ولد موجه من الغضب داخل الشارع المصري، لاسيما وان نسبة الفقر في مصر مرتفعة وفي تزايد مستمر، اما فيما يتعلق بفعاليات الاقتصاد ومتغيراته فقد هبط الجنيه المصري بشدة في بداية معاملات ما بين البنوك ليصل إلى ما بين 17.10 و17.15 جنيه للشراء وما بين 17.35 و17.75 للبيع مع بداية تغطية البنوك للسلع غير الأساسية، حيث يذكر مصرفي في أحد البنوك الخاصة "لا أحد يعلم سبب القفزة الكبيرة اليوم في أسعار الدولار بالبنوك، واضح أن هناك طلبات كثيرة كانت متراكمة.. هناك ناس مستعدة تشتري بأي سعر غالبا هم من مستوردي السلع غير الأساسية.
وذكر مصرفيين إن البنك المركزي المصري أبلغهم شفهيا بإمكانية تمويل استيراد السلع غير الأساسية ولكن بشرط ضخ ما يوازي قيمة تمويل تلك السلع في معاملات ما بين البنوك (الانتربنك)، وكان متوسط سعر شراء البنوك للدولار قد بلغ 15.25 جنيه وسعر البيع 15.75 جنيه.
ويرى متعاملون في السوق الموازية للعملة إنهم قاموا بعمليات شراء للدولار اليوم مقابل 17.50 جنيه والبيع مقابل 17.80 جنيه، وفي الثالث من نوفمبر تشرين الثاني حرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه المصري لينهي ربطه عند نحو 8.8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لتحقيق الاستقرار للجنيه بعد التعويم.
وأخذ سعر الدولار يرتفع في البنوك المصرية خلال أول ستة أيام من تحرير سعر الصرف ثم بدأ في التراجع منذ التاسع من نوفمبر تشرين الثاني عندما خفض بنكا مصر والأهلي المصري أسعار شراء الدولار من المواطنين وتبعهما في ذلك بقية القطاع المصرفي في مصر، لكنهما قادا الارتفاع مرة أخرى.
ورفع بنكا مصر والأهلي المصري اليوم سعر شراء الدولار 1.85 جنيه ليصل إلى ما بين 17 جنيها و17.10 جنيه مقارنة مع بين 17.35 و17.40 جنيه للبيع، وبلغ أعلى سعر معروض لشراء الدولار في البنوك 17.15 جنيه في البنك التجاري الدولي وهو أكبر بنك خاص في البلاد فيما بلغ أقل سعر معروض للبيع 17.35 جنيه في البنك الأهلي المصري أكبر بنك حكومي في البلاد. وكان أعلى سعر للبيع 17.75 جنيه في بنوك المشرق وفيصل.
وصرح البنك المركزي المصري إن القطاع المصرفي وفر نحو 2.492 مليار دولار للاستيراد منذ تحرير سعر صرف الجنيه وحتى 15 نوفمبر تشرين الثاني، وتسعى مصر جاهدة لجذب التدفقات الدولارية منذ انتفاضة 2011 وما أعقبها من قلاقل أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين وهما مصدران أساسيان للعملة الصعبة، وتأمل القاهرة في عودة الثقة بعد تعويم العملة.
البنوك المصرية تحصل على 3 مليارات دولار
صرح طارق فايد وكيل محافظ البنك المركزي المصري إن بنوك البلاد تلقت نحو ثلاثة مليارات دولار منذ تعويم الجنيه في وقت سابق هذا الشهر، وفي الثالث من نوفمبر تشرين الثاني أعلن البنك المركزي تخليه عن ربط العملة عند نحو 8.8 جنيه للدولار في خطوة يأمل بأن تجذب تدفقات النقد الأجنبي وتقضي على السوق السوداء للدولار.
وأضاف الفايد خلال مؤتمر مصرفي في القاهرة إن التعويم ساهم في عودة تدفقات النقد الأجنبي إلى النظام المصرفي، وأنه لم يكن بالإمكان تأجيل قرارات البنك المركزي أكثر من ذلك مشيرا إلى أن النتائج التي تحققت على مدى الأسبوعين إلى الثلاثة أسابيع الأخيرة كانت إيجابية، وأدى ربط العملة وتراجع الاستثمار الأجنبي بعد انتفاضة 2011 إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي بما اضطره إلى ترشيد الدولارات وفرض قيود رأسمالية قبل التعويم.
وتسببت القيود في استحواذ السوق السوداء على جزء كبير من تجارة العملة إذ نزل فيها الجنيه إلى نحو 18 جنيها للدولار في الأسابيع السابقة للتعويم، وانخفضت العملة المصرية في البنوك منذ تحرير سعر الصرف لتصل إلى ما بين 17.70 و18 جنيها للدولار.
وشجع ذلك مزيدا من المصريين على بيع دولاراتهم في البنوك أو تحويل أرباحهم عبر النظام المصرفي وهي أموال تبيعها البنوك بدورها إلى عملاء اضطروا سابقا للجوء للسوق الموازية لتدبير احتياجاتهم من العملة الصعبة، من جانبه وضح نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر عاكف المغربي خلال المؤتمر إن البنك الحكومي اشترى 400 مليون دولار منذ التعويم.
في حين ان محافظ المركزي طارق عامر وفي تصريح له ذكر إن البنوك المصرية جذبت نحو 1.4 مليار دولار في أول ستة أيام من بدء عمل البنوك بآلية أسعار الصرف الحرة الجديدة.
السوق السوداء للعملة تظهر من جديد في مصر
فبعد نحو أسبوعين من الترنح عقب الضربة الموجعة التي تلقتها من تعويم الجنيه عادت السوق السوداء للعملة في مصر لتطل برأسها من جديد مع إحجام البنوك عن بيع الدولار سوى لتلبية السلع الأساسية والأدوية ومستلزمات الانتاج.
وفي الثالث من نوفمبر تشرين الثاني حرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه المصري لينهي ربطه عند نحو 8.8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لتحقيق الاستقرار للجنيه بعد التعويم، وكان السعر الاسترشادي المبدئي 13 جنيها للدولار لكن العملة المحلية نزلت بعد ذلك لتصل إلى نحو 15.65 جنيه للدولار خلال بداية المعاملات.
اذ عادت السوق الموازية للدولار من جديد للحياة، هناك طلبات كثيرة بالفعل لكن المعروض مازال شحيحا بسبب اتجاه الناس للبيع في البنوك الفترة الماضية، اذ كان شراء الدولار يتم مقابل 15.50-15.60 جنيه ويباع عند 15.90-15.95 جنيه واليوم تم رفع الأسعار إلى 15.70 جنيه في الشراء و16 جنيها في البيع، وتمثل شركات الأسمنت والحديد أكبر العملاء في السوق السوداء.
ومن بين الأسباب التي ساعدت في ظهور السوق الموازية للعملة من جديد ما ذكره مصرفيون من أن البنك المركزي أبلغهم شفهيا بعدم تدبير أي اعتمادات مستندية إلا للسلع الأساسية والأدوية والأمصال ومستلزمات الإنتاج، وأفاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري إن البنوك العاملة في مصر وفرت 2.2 مليار دولار لتلبية احتياجات العملاء الفعلية وتدبير الاعتمادات المستندية منذ تحرير سعر الصرف.
وان بعض البنوك فتحت اعتمادات لسلع غير أساسية مثل الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية خلال الأيام القليلة الماضية ولذا أكد علينا المركزي أمس شفهيا بعدم تدبير أي دولارات إلا للسلع الأساسية والأدوية ومستلزمات الإنتاج."
وتبذل مصر قصارى جهدها لجذب التدفقات الدولارية منذ انتفاضة 2011 وما أعقبها من قلاقل أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين وهما مصدران أساسيان للعملة الصعبة، وتأمل القاهرة في عودة الثقة بعد تعويم العملة.
مصر متفائلة بقرار تعويم العملة وتؤكد ان التدفقات قد زادت
بين أحمد كوجك نائب وزير المالية المصري إن السلطات المصرية راضية عن تحركات سوق المال منذ تعويم الجنيه وإن تدفقات النقد الأجنبي على النظام المصرفي في صعود، وكان الجنيه المصري تراجع مقتربا من 18 جنيها للدولار الأمريكي بعد إلغاء ربطه عند 8.8 جنيه يوم الثالث من نوفمبر تشرين الثاني في مسعى لجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي والقضاء على السوق السوداء للدولار، وفي الأيام القليلة الماضية استقرت العملة أكثر قرب 15.50 جنيه للدولار.
وأضاف كوجك مهندس خطة الإصلاح الاقتصادي المصري "البنوك تتنافس ونرى أن الأسعار تعلو وتهبط ولكل بنك سعر البيع والشراء الخاص به - كل مكونات نظام مرن وفعال متوافرة الآن، وأوضح أن بيانات البنك المركزي تظهر تلقي النظام المصرفي المصري نحو 1.5 مليار دولار تدفقات صافية من العملة الصعبة منذ التعويم أي نحو عشرة أمثال إلى 15 مثل مستوى التدفقات الأسبوعية قبل تحرير الجنيه.
وقدر كوجك أن تكون الحيازات الأجنبية من أدوات الدين الحكومية - شاملة أذون وسندات الخزانة - قد زادت بين 700 و900 مليون دولار منذ التعويم. وقال إن جانبا من تلك الزيادة يرجع إلى أموال أجنبية كانت في مصر بالفعل لكن بعضه من أموال جديدة أتت من الخارج.
وفي إطار جهودها للحصول على مزيد من العملة الصعبة تنوي مصر اللجوء إلى سوق السندات الدولية. وقال كوجك إن السلطات تتوقع أخذ قرار أوائل الأسبوع القادم بشأن موعد عقد جولات ترويجية للإصدار الأول.
وأحجم عن الإدلاء برقم لحجم الإصدار قائلا إنه سيتوقف على أوضاع السوق نظرا لتقلبات أسعار أدوات الدخل الثابت العالمية في الفترة الأخيرة، ومن المنتظر أن يؤدي تراجع قيمة الجنيه إلى ارتفاع تكلفة استيراد القمح والطاقة التي تتحملها الحكومة مما قد يكبح مساعيها لخفض عجز الميزانية البالغ 12.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الماضية المنتهية يونيو حزيران.
كما أكد إن التراجع سيدعم أيضا إيرادات الحكومة عن طريق زيادة بعض المدفوعات مثل إيرادات قناة السويس وإن الإصلاحات المالية تأخذ توقعات تراجع القيمة في الحسبان، وأنه لهذا السبب لن يكون لتراجع الجنيه أثر كبير على مالية الدولة وأن الحكومة تمضي قدما نحو خفض عجز الميزانية الأولي الذي لا يشمل مدفوعات الفائدة بواقع الثلثين تقريبا في السنة المالية الحالية من 3.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة الماضية ثم تصفيته تماما في السنة المقبلة.
مصر تبقي الفائدة وانقسامات بشأن تحرك البنك المركزي في الأشهر القادمة
أظهر استطلاع للرأي أن من المتوقع أن يبقي البنك المركزي المصري أسعار الفائدة دون تغيير في حين يتوقع خبراء اقتصاد أن ينتظر البنك لتقييم أثر الزيادة المفاجئة في أسعار الفائدة هذا الشهر ومن ثم قد يرفعها أو يخفضها بعد ذلك.
وتوقع جميع خبراء الاقتصاد الخمسة عشر أن تبقي لجنة السياسة النقدية في 17 نوفمبر تشرين الثاني على أسعار الإيداع لليلة واحدة عند 14.75 بالمئة والإقراض لليلة واحدة عند 15.75 بالمئة. لكن توقعاتهم للأشهر القليلة القادمة شهدت انقساما، ويتوقع البعض تخفيضا بنهاية العام في حين يتوقع آخرون مزيدا من رفع أسعار الفائدة. لكن الغالبية يتوقعون أن ينتظر البنك المركزي ليرى الأثر الناجم عن تعويم الجنيه ورفع الفائدة قبل أن يتحرك.
وقد ارتفعت أسعار الفائدة بواقع 550 نقطة أساس هذا العام. ومن ثم... من المرجح أن يتمهل واضعو السياسات في اجتماع هذا الشهر وينتظروا قرائن على أثر تعويم الجنيه، يذكر ان قفز التضخم الأساسي لمصر في أكتوبر تشرين الأول لكن تضخم أسعار المستهلكين في المدن تراجع للشهر الثاني على التوالي بعدما سجل أعلى مستوى في ثماني سنوات في أغسطس آب.
غير أنه في إطار اتفاقها مع صندوق النقد الدولي تمضي الحكومة في إصلاحات اقتصادية من المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم إذ فرضت ضريبة القيمة المضافة وخفضت دعم الكهرباء ورفعت أسعار الوقود في الأشهر القليلة الماضية.
ومن بين من جرى استطلاع آرائهم يتوقع ان رفع أسعار الفائدة بواقع 150 نقطة أساس إضافية خلال فترة الستة شهور إلى 12 شهرا القادمة في حين يتوقع معهد سيجنت للأبحاث في القاهرة تخفيضا قرب نهاية هذا العام.
وأضاف نتوقع أن تظل أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل للمحافظة على الإيداعات وجذب المزيد منها قبل أن يبدأ تخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر للمساعدة في السيطرة على إنفاق الحكومة على الفائدة، وسجل العائد على أذون الخزانة ارتفاعا كبيرا في العطاءات التي تلت الزيادة المفاجئة لكنه عاود الانخفاض في وقت لاحق مع ارتفاع الطلب على السندات الحكومية.
وتعاني مصر من نقص في العملة الأجنبية منذ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 2011 وما تبعها من قلاقل أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وهما مصدران أساسيان للعملة الصعبة.
القطاع المصرفي المصري يوفر 2.5 مليار دولار للاستيراد منذ تعويم الجنيه
صرح البنك المركزي المصري في بيان إن القطاع المصرفي وفر نحو 2.492 مليار دولار للاستيراد منذ تحرير سعر صرف الجنيه حتى 15 نوفمبر تشرين الثاني، واضاف إن حجم عمليات التجارة الخارجية التي تم تنفيذها خلال الفترة من الثالث إلى الخامس عشر من نوفمبر تشرين الثاني بلغ مليارين و492 ألفا و397 دولارا.
وبحسب البيان بلغ نصيب السلع الغذائية الأساسية والتموينية من إجمالي حجم المعاملات 414 مليونا و652 ألف دولار غير شاملة الهيئة العامة للسلع التموينية، وشمل بند السلع الغذائية الأساسية والتموينية اللحوم والدواجن والأسماك والقمح والشاي وحليب الأطفال ومسحوق الحليب والزيت إلى جانب الفول والعدس والزبد والذرة.
وفي الثالث من نوفمبر تشرين الثاني حرر البنك المركزي سعر صرف الجنيه المصري لينهي ربطه عند نحو 8.8 جنيه للدولار ورفع أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لتحقيق الاستقرار للجنيه بعد التعويم.
وعاشت مصر في السنوات القليلة الماضية حالة تدهور اقتصادي وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح شديد في العملة الصعبة في ظل غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس.
وسيشجع تحرير العملة الاستثمارات الأجنبية وقد يزيد الصادرات ويمكن الشركات من الحصول على الدولار من البنوك بأسعار السوق بما يعيدها للإنتاج الكامل من جديد بعد خفض العمليات الإنتاجية خلال الفترة الماضية بسبب عدم توافر الدولار اللازم لشراء المواد الخام.
واذا كان من قول أخير هنا، فأن مايحصل في مصر من تحرر واصلاح اقتصادي، ومن قرارات بعضها مفاجىء وصادم للجمهور الداخلي والخارجي، قد يولد أثار في الأمد البعيد غير هذه الاثار المتولدة حالياً، فموجة التفاؤل هذه قد تكون أشبه بالفقاعة التي سرعان ماتنفجر مولدة إنعكاساً سلبياً على الاقتصاد المصري، الذي يعد من أهم الاقتصادات في المنطقة، وهو ماحذر منه كثير من الاقتصاديين والمراقبيين، والذين طالبوا في نفس الوقت، توخي مزيد من الحيطة والحذر في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية ذات المساس المباشر بحياة المواطن المصري.