مركز الفرات يناقش مستقبل الاقتصاد العراقي في عام 2015
باسم عبد عون فاضل
2015-01-26 04:48
أقام مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية الكائن في مدينة كربلاء المقدسة حلقة نقاشية اقتصادية تحت عنوان (الاقتصاد العراقي عام 2015 بين الواقع والطموح) بحضور عدد من النخب الرسمية والأكاديمية وممثلي منظمات المجتمع المدني، وقدم الحلقة وأدارها مدير المركز الدكتور خالد العرداوي الذي ابتدأ حديثه بالترحيب بالباحثين والمختصين والمهتمين في الشأن الاقتصادي، وأكد أن هذه الحلقة تعقد في ظل ظرف خطير ووقت عصيب يمر به الاقتصاد العراقي جنبا إلى جنب مع التحديات الأمنية والسياسية، وأن مركز الفرات يحرص على تقديم حلول ناجعة للاقتصاد العراقي من خلال وضع الخطط والمعالجات المناسبة لصانع القرار.
وقدمت في الحلقة النقاشية ورقتين بحثيتين:
الأولى بعنوان (تحليل متغيرات الاقتصاد العراقي) قدمها الدكتور عباس كاظم جاسم الدعمي من كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء وتناول فيها عددا من المحاور والجوانب في الاقتصاد العراقي منها الظروف التي زعزعة استقرار الاقتصاد العراقي وخاصة الحروب منها الحرب مع إيران طيلة عقد الثمانينات التي أدت إلى استنزاف جميع الاحتياطيات الأجنبية التي استخدمت في تمويل الإنفاق الحربي مع تشوه في البنى التحتية وقطاعات الإنتاج الرئيسية وقدرت قيمة الإضرار آنذاك بما يقارب من 453 مليار دولار، بعدها جاء عقد التسعينات الذي خاض فيه العراق حرب الخليج الثانية التي ترتب عليها فرض عقوبات اقتصادية وتعويضات مالية قدرت خسائرها بحوالي 200 مليار دولار، وبعد عام 2003م في فترة الاحتلال الأجنبي تعرضت البنية التحتية للاقتصاد العراقي للتدمير بصورة كاملة، كما تناول الدكتور الدعمي عددا من التحديات المميزات التي تواجه الاقتصاد العراقي منها: ارتفاع حجم المديونية الخارجية، تباطؤ معدلات النمو، تدهور القطاع الزراعي والصناعي، ارتفاع حجم التضخم والبطالة، تفاقم الفساد الإداري والمالي والاعتماد على الاستيراد الخارجي.
وفي النهاية تطرق الدكتور إلى العجز في الموازنة حيث وضع عددا من الحلول لمعالجتها منها:
تقليل ضغط الإنفاق الحكومي إلى اقل ما يمكن وخاصة مخصصات الدرجات الخاصة والوزراء وغيرهم، إجبار المصارف التجارية (الحكومية والأهلية) على الاحتفاظ بنسبة 10% من احتياطاتها المودعة لدى البنك المركزي العراقي، كذلك إصدار اذونات خزانة قصيرة الأجل ولمدة ثلاثة أشهر وبأسعار فائدة منخفضة، وإنشاء صندوق الثروة السيادية من الإيرادات العامة بما فيها النفط، تنويع مصادر الإيرادات، تنشيط القطاع الخاص.
الورقة البحثية الثانية قدمت تحت عنوان (التطورات الاقتصادية العالمية والعربية والمحلية) وأعدها الدكتور هاشم جبار الحسيني المتخصص في إدارة الموازنات العامة في كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء، تحدث فيها عن أسعار النفط وتذبذبها في الفترة الأخيرة ووصولها إلى مستوى القاع وتأثيرها على الاقتصاد العراقي، وذكر النفقات في الموازنة العراقية التي قسمها إلى جزأين: نفقات رأسمالية ونفقات ريعية، وعرف النفط على أنه عبارة عن سلعة متاجرة وهي عرضة للطلب والعرض ومتوقع أن يحدث الانخفاض في سعره في فترة معينة والارتفاع أيضا، وتحدث عن ضرورة تطوير الاقتصاد العراقي بما يخدم تطويره وازدهاره وقدرته التنافسية للاقتصاديات الإقليمية والعالمية، كما ركز على نقطة عدها في غاية الأهمية وهي إعادة تأهيل الإنسان العراقي وصقل مهارته من اجل زيادة إنتاجيته ووضع عدد من الآليات لتحقيق ذلك منها زيادة الدخل حسب الإنتاجية، أي أن زيادة الدخل يكون بصورة تصاعدية مع زيادة إنتاجية الفرد، وان هذا النظام معمول فيه في كل الاقتصاديات الرصينة في العالم، ودعا أيضا إلى تبني المؤسسات الحكومية وغير الحكومية هذا المعيار؛ لكونه يعود بالنفع على المواطن واقتصاد الدولة العراقية، وللمنظومة القانونية والتشريعية ودورها كان نصيب وافر من ورقة الدكتور الحسيني حيث عدها من المنظومات المتهالكة وغير المواكبة للعصر الذي نحن فيه ودعا إلى إيجاد منظومة قانونية متكاملة وطبيعة الاقتصاد العراقي.
وبعد إكمال الباحثين عرض أوراقهم فتح مدير الجلسة باب النقاش والحوار حولهما مع الحضور من باحثين مختصين في الشأن الاقتصادي العراقي فجاءت المداخلات بالشكل الآتي: الأستاذ ناصر حسين فتحي رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس محافظة كربلاء حرص في مداخلته على الإشارة إلى أن الموارد الوفيرة التي يتمتع بها العراق عدا مورد النفط وهي بحاجة إلى إعادة تنظيم وإدارة؛ لاستغلالها وتوجيهها لخدمة الاقتصاد العراقي، وتحدث عن عدد من المشاكل التي يعانيها كرئيس للجنة الاقتصادية منها: عدم وجود سياسات تستطيع أن تطور وتخلق تنمية للاقتصاد في هذه المحافظة المهمة، في وقت تزخر فيه المحافظة بعدد من الموارد غير المستثمرة في خدمة اقتصاد المدينة كالحركة السياحية الدينية وغير دينية وكذلك مكامن المواد الأساسية في البناء التي تنفرد بها كربلاء عن باقي المحافظات.
الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام من جانبه تطرق إلى المشكلة الراهنة التي تعانيها الاقتصاديات الريعية ومنها الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بصورة كاملة على النفط،
تطرق إلى المشكلة الراهنة التي تعانيها الاقتصاديات الريعية ومنها الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بصورة كاملة على النفط وهي مشكلة الصراع على الحصص في الأسواق العالمية ومن يبيع أرخص لضمان الأسواق له، كذلك تحدث عن مسألة النفط الصخري الذي أقدمت بعض الدول المتطورة في التكنولوجيا على إنتاجه في استخراجه وكيفية تأثيره على النفط المستخرج في دول الخليج وغيرها من الدول، وان قيمة تكاليف استخراج النفط الصخري والتي تعادل 50 دولارا هو السقف المتوقع لأسعار النفط. وتطرق إلى مشكلة هجرة العقول من العراق التي أثرت على مختلف الجوانب ومنها الاقتصاد حيث ذكر الشيخ معاش تجربة النجاح الاقتصادي في النرويج وخاصة في مجال استثمار النفط المستخرج في هذا البلد وكيف أن احد العقول الهندسية العراقية برمج وهندس هذا النجاح.
وتطرقت السيدة زهراء البغدادي رئيسة مركز سيدات أعمال كربلاء إلى عدد من المشاكل في الاقتصاد العراقي، منها تلك القوانين التي تعرقل الاستثمار وكيفية معالجتها وضرورة إيجاد قوانين تحفز وتشجع الاستثمار.
النائبة البرلمانية السابقة الدكتورة عقيلة عبد الحسين الدهان تسأل عن مكامن الحل للاقتصاد العراقي هل هي في داخل العراق أم في خارجه؟ وأين السياسات الإستراتجية التي رسمت لتطويره بعد عام 2003؟ وأين الموازنات الانفجارية التي وضعت في الأعوام السابقة وما النتائج التي تحققت في بنية العراق التحتية والعمرانية والاستثمارية والمجتمعية التي حدثت على ضوئها؟.
الأستاذ جاسم الشمري أستاذ القانون التجاري ورئيس قسم التدريب والتطوير في محافظة كربلاء تطرق إلى الاتفاق النفطي العراقي الكويتي الذي ينص على بيع العراق للنفط بـ(90) دولار للبرميل الواحد مقابل بقاء هذا السعر ثابتا، كما تساءل عن ماذا لو كان قانون البني التحتية مقرا ونحن الان في ظل أزمة مالية متمثلة في انخفاض أسعار النفط؟، ونوه إلى دور الأيادي الخفية التي تتلاعب في الاقتصاد العراقي وكيفية معالجتها.
الدكتور حيدر حسين إل طعمة أستاذ الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء تحدث عن مصطلح لعنة الموارد التي أثيرت من قبل الباحثين وذكر انه مصطلح غربي وأكد إن الموارد في العراق وغيرها تندرج ضمن مصطلح (رحمة الموارد) لكنها تعاني من غياب الأيادي الأمينة اللازمة لإدارتها واستثمارها بالطرق المثلى كما عرج على مقارنة ما يحدث في العراق مع ما يعرف بالمرض الهولندي، وذكر أن المرض الهولندي حدث في سلعة نفطية مصنعة أما في العراق فالنفط سلعة غير مصنعة فمن الطبيعي أن تتعرض أسعارها للتذبذب كما ذكر إن الأزمة الحالية في أسعار النفط هي أزمة سياسية بين إرادات عالمية ذات مصالح استراتيجية مختلفة، ودعا إلى إقرار الموازنة العراقية على سعر للنفط لا يتجاوز للبرميل (40) دولار حتى وان ارتفعت أسعار النفط يمكن استثمار الفائض منها في التنمية والبني التحتية والصندوق السيادي كما في السعودية وإيران وغيرها من الدول.
الدكتور فاضل حسن الياسري الأكاديمي والأستاذ الجامعي كانت له مداخلة ربط بها المشكلة الاقتصادية في العراق بالمشكلة السياسية وذكر الفساد الإداري والمالي وكيفية وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.
الدكتور رياض المسعودي التدريسي في جامعة كربلاء تساءل عن حوالي (500 إلى 700 مليار دولار) صرفت منذ عام 2003 م وحتى يومنا هذا والاقتصاد العراقي لا يزال يراوح في مكانه، وانتهى في حديثه إلى مسألة اعتماد الاقتصاد العراقي على العالم والدول الإقليمية في سد احتياجاته الضرورية وغير الضرورية وكيف أصبح البلد مستهلكا من الخارج في ابسط الأشياء.
الدكتور خميس بندر عبيد التدريس في كلية التمريض جامعة كربلاء، تحدث عن علاقة انخفاض أسعار النفط بالنفط الحجري المنتج أخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها وأشار إلى ايجابيات الانحدار المالي في العراق والدول النفطية؛ لإعادة التفكير والشروع بتنويع مصادر الاقتصاد العراقي.
علي الطالقاني الكاتب والصحفي ذكر عدد من الخطوات التي يمكن لها أن تحد من الأزمة الاقتصادية منها: تفعيل وإعادة النظر في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم وبما يخدم تنويع مصادر الاقتصاد في العراق واستثمار الطاقات الشابة من الخريجين المهنيين والخبراء.
الأستاذ جاسم الظالمي رئيس مؤسسة تواصل العراقية الأمريكية تحدث عن ضرورة الاستفادة من الآخرين ومنها الدول التي ليس لديها موارد اقتصادية مثل النفط التي استطاعت أن تؤسس لاقتصاديات رصينة وفاعلة وغير متأخرة.
المهندس سهيل عبد هادي من وزارة الموارد المائية تطرق إلى ضرورة الدراسة العملية والواقعية المستفيضة للاقتصاد العراقي والخروج بمعالجات تخرج العراق من الأزمة المالية التي يعيشها اليوم جراء عدم إقرار الموازنة.
وفي نهاية المداخلات التي أثيرت حول الأوراق البحثية التي عرضها الباحثون قدمت في الحلقة النقاشية عدد من التوصيات للجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية وهي:
1- تغيير نمط بناء الموازنات العامة من موازنة البنود إلى موازنة الأهداف.
2- تخطيط الاقتصاد العراقي وإعادة النظر في أنظمته من خلال تحديد النظام الاقتصادي الذي يخدم العراق في هذه المرحلة من تأريخه.
3- تأهيل الإنسان العراقي وصقل مهارته من اجل رفع إنتاجيته ورفع شعار (زيادة الدخل مع زيادة الإنتاج).
4- إقرار الموازنة العراقي وفق نسبة 40 دولار للبرميل النفط وبقاء هذا ثابتا وما يفيض عن هذا السعر في المستقبل يوجه إلى الإيداع وهذا الإيداع يكون في صندوق يشرع له أسوة بالصندوق السيادي السعودي والإيراني لغرض الاستفادة منه في الأزمات الاقتصادية وكذلك التنمية والأعمار.
5- إجراء مراجعة شاملة لكافة القطاعات الاقتصادية غير الريعية وتحديد عملية التنميـة فيها.
6- دعم القطاع الخاص من خلال إيجاد شركات عملاقة ذات رأس مال كبير وتسهيل عملها.
7- انشاء هيئة مستقلة توكل إليها مهمة إدارة المشاريع الاستراتيجية المتعلقة في البنى التحتية على غرار مجلس الأعمار العراقي.
وبعد عرض التوصيات ختمها مدير الحلقة النقاشية الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية بالتأكيد على ضرورة وضع مفاصل الاقتصاد العراقي بأيد أمينة تضمن إدارته الجيدة والفاعلة وذكر الحديث المأثور عن الإمام علي عليه السلام (لا كثير مع إسراف ولا قليل مع احتراف) وشكر الباحثين والحضور على تجشمهم العناء والحضور والتفاعل مع موضوع الحلقة وعطائهم الذي تميز في الكثير من الأفكار والحلول لتطوير الاقتصاد العراقي.