السياحة العالمية.. في كماشة الارهاب والازمة المالية
ندى علي
2016-06-23 03:45
ليست الازمة المالية وحدها تقود الاقتصاد العالمي الى الضعف، انما هنالك اسباب ربما تكون اكثر تدميرا لهذا الاقتصاد ونعني بها الارهاب الذي تمكن من ايقاف عجلة السياحة في اكثر من دولة اوربية او عربية، فحتى وقت قريب كانت ايرادات السياحة في مصر مثلا تشكل اهم الاركان الداعمة لاقتصادها، ولكنها اليوم تلقت ضربة قاصمة بسبب حوادث الارهاب التي طالت بعض الرحلات الى شرم الشيخ الامر الذي دفع بايقاف الرحلات الجوية اليها بسبب الخوف من تكرار اسقاط الطائرات المدنية المتوجهة الى مصر.
ولم تمنع الطبيعة وجمالها في شرم الشيخ من امتناع الخطوط الجوية لبعض الدول من القدوم اليها بسبب الارهاب، فقد مددت الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى منتجع شرم الشيخ المصري لأجل غير مسمى لتصبح أول شركة طيران بريطانية كبيرة تلغي رحلات موسم السياحة الشتوية المهم في مصر. وحظرت حكومتا بريطانيا وروسيا على شركات الطيران بالدولتين تسيير الرحلات إلى شرم الشيخ الشهيرة بطقسها الشتوي المشمس بسبب بواعث القلق المتعلقة بأمن المطارات.
ونظرا لاهمية وجمال هذه المنطقة السياحية فان شركات قالت انها ستعاود رحلاتها في شهر اكتوبر القادم وكانت شركات طيران بريطانية أخرى مثل مونارك وإيزي جت قالت من قبل إنها تأمل في استئناف الرحلات إلى شرم الشيخ لموسم الشتاء الذي يبدأ في أكتوبر تشرين الأول لكن ذلك يتوقف على توصية الحكومة البريطانية التي لم تغير موقفها حتى الآن
وقد ألحق التطرف واعمال العنف خسائر فادحة في قطاعات السياحة في عدد من الدول من بينها تونس الذي تشكل السياحة المورد الاول لها، فقد أعلنت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي الرقيق أن القطاع السياحي شهد "انتعاشة طفيفة" بعد ان فرضت السلطات إجراءات امنية صارمة في المناطق السياحية في مسعى لاستعادة ثقة السياح الأجانب. ففي عام 2015 قتل 59 سائحا أجنبيا في هجومين داميين تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، واستهدفا متحفا في العاصمة تونس (شمال) وفندقا في سوسة (وسط). وألحق الهجومان أضرارا بالغة بالسياحة، أحد أعمدة الاقتصاد في تونس.
وقد عانت تونس كثيرا من تراجع السياحة، خاصة ان اقتصادها يعتمد بشكل كبير على ايرادات السياحة، كما اشار الى ذلك البنك المركزي التونسي الذي قال إن إيرادات القطاع السياحي في أول شهرين من 2016 هبطت بنسبة 54 بالمئة إلى 182 مليون دينار (90.21 مليون دولار) مقارنة بالفترة ذاتها من 2015.
في فلسطين ايضا تضررت السياحة الى حد بعيد بسبب سياسة الحجز وغلق الحدود والاضطرابات الكثيرة في المنطقة، ففي الماضي كانت شركة الشرفا للسياحة والسفر تكتظ بزبائن يطلبون حجز تذاكر طيران إلى لندن أو باريس أو نيويورك أو أي من مدن العالم العربي. أما الآن فالحظ حليف لها حين يدخلها عميل إذ لا يستطيع مغادرة القطاع سوى قلة قليلة. وتبدو الملصقات التي تحمل صور برج إيفل وتمثال الحرية وخريطة العالم المعلقة على جدران الشركة في غير موضعها وسط أجواء العزلة التي تغلف قطاع غزة الصغير.
اما السعودية فإنها تحاول استغلال السياحة الدينية الى اقصى حد ممكن، بالاضافة الى مليارات النفط، حيث تساهم السياحة الدينية (الحج والعمرة) حاليا بنحو 2.7 بالمئة من إجمالي الناتج القومي السعودي (12 مليار دولار)، حيث يشكل الحجاج والمعتمرون المجموعة الأكبر من زوار المملكة. وتهدف المملكة لرفع هذا العائد لأكثر من 20 مليارا في غضون 4 سنوات، وذلك حسب مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. اما مصر فإنها باتت البلد الأكثر تضررا من الارهاب والاضطراب في المنطقة مما اثر سلبا على القطاع السياحي فيها.
إلغاء رحلات الى شرم الشيخ
في هذا السياق مددت الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى منتجع شرم الشيخ المصري لأجل غير مسمى لتصبح أول شركة طيران بريطانية كبيرة تلغي رحلات موسم السياحة الشتوية المهم في مصر. وحظرت حكومتا بريطانيا وروسيا على شركات الطيران بالدولتين تسيير الرحلات إلى شرم الشيخ الشهيرة بطقسها الشتوي المشمس بسبب بواعث القلق المتعلقة بأمن المطارات إثر التفجير المشتبه به لطائرة ركاب روسية في أكتوبر تشرين الأول 2015 والذي قتل فيه 224 شخصا هم كل من كانوا على متنها.
والسياحة مصدر رئيسي للدخل في الاقتصاد المصري لكن عدد السياح تراجع 40 بالمئة في الربع الأول من 2016 لأسباب منها حظر الرحلات الجوية الذي يثني السياح البريطانيين والروس. وقالت الخطوط البريطانية "سلامة وأمن عملائنا سيظلان دائما على رأس أولوياتنا وقد قررنا تعليق رحلاتنا من جاتويك إلى شرم الشيخ لأجل غير مسمى." وأضافت أن العملاء الحاجزين على أي من الرحلات الملغاة لموسم الشتاء سيستردون أي مبالغ دفعوها بالكامل أو يحق لهم وضع الأموال في أي رحلة جديدة إلى وجهة بديلة.
وكانت شركات طيران بريطانية أخرى مثل مونارك وإيزي جت قالت من قبل إنها تأمل في استئناف الرحلات إلى شرم الشيخ لموسم الشتاء الذي يبدأ في أكتوبر تشرين الأول لكن ذلك يتوقف على توصية الحكومة البريطانية التي لم تغير موقفها حتى الآن. وفي الشهر الماضي دعا وزير السياحة المصري يحيى راشد حكومتي بريطانيا وروسيا إلى إعادة النظر في حظر الرحلات. وتلقت جهود مصر لإنعاش قطاعها السياحي ضربة جديدة في مايو أيار عندما سقط طائرة لشركة مصر للطيران في البحر المتوسط مما أدى إلى مقتل كل ركابها البالغ عددهم 66 شخصا. ولم يعرف بعد سبب الحادث بحسب رويترز.
وألغت مونارك كل رحلاتها حتى 30 أكتوبر تشرين الأول وألغت إيزي جت الرحلات المتبقية لموسم الصيف في حين ألغت شركتا الرحلات تومسون وفرست تشويس التابعتان لمجموعة توي كل الرحلات حتى 28 سبتمبر أيلول. وقالت مونارك "إذا تغيرت نصيحة السفر قبل 30 أكتوبر (تشرين الأول) فإن مونارك ستعيد تقييم الوضع وتقرر متى تستأنف تسيير الرحلات إلى شرم الشيخ."
سياحة تونس تشهد تحسنا طفيفا
من جهتها أعلنت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي الرقيق أن القطاع السياحي شهد "انتعاشة طفيفة" بعد ان فرضت السلطات إجراءات امنية صارمة في المناطق السياحية في مسعى لاستعادة ثقة السياح الأجانب. ففي عام 2015 قتل 59 سائحا أجنبيا في هجومين داميين تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، واستهدفا متحفا في العاصمة تونس (شمال) وفندقا في سوسة (وسط). وألحق الهجومان أضرارا بالغة بالسياحة، أحد أعمدة الاقتصاد في تونس.
السؤال الأول: ما هو الوضع الحالي للسياحة التونسية، وما هي التوقعات بالنسبة الى ذروة الموسم التي تتزامن مع فصل الصيف؟.
جواب: نحن اليوم في جربة بمناسبة الحج (اليهودي السنوي) إلى كنيس الغريبة. هناك انتعاشة طفيفة. يوجد اليوم 12 ألف سائح في جربة. وأعيد فتح نحو عشرين فندقا في جربة بين شهري نيسان/أبريل وايار/مايو من اصل 38 أغلقت، وستفتح قريبا تسعة فنادق أخرى. هناك انتعاش طفيف في كل المدن السياحية الأخرى. السؤال الثاني: هل ستعولون على السياحة الداخلية وسياحة الجوار لتعويض النقص الحاصل في السياح الأوروبيين؟ الجواب : تمثل السياحة الداخلية أكثر من 25 بالمئة من ايرادات السياحة. في العام الماضي كان هناك تضامن قوي من الجزائريين مع تونس حيث أتوا بأعداد أكثر من المعتاد. وهذا العام أيضا سيكون (عددهم) مهما. لكننا عملنا أيضا على تنويع الأسواق. ولدينا إستراتيجية لتشجيع سياح أوروبا الشرقية على القدوم إلى تونس بحسب فرانس برس.
ولإعادة الثقة في تونس، نحن نعمل مع شركائنا (الأجانب) لجلبهم حتى يعاينوا وفي كنف الشفافية التامة الإجراءات التي اتخذناها لتأمين المواقع والمسالك السياحية والمطارات والمطاعم والنقل داخل البلاد. وبالنسبة إلى الدول التي نصحت رعاياها بعدم زيارة تونس، نحن نعمل مع وسائل إعلام تصنع الرأي العام (في هذه الدول) حتى تأتي وتعاين في كنف الشفافية التامة الإجراءات الأمنية المعتمدة، وتلتقي مسؤولين عن الأمن وتزور الفنادق.
السؤال الثالث: دول عدة مازالت توصي رعاياها بعدم السفر إلى تونس لدواع أمنية، كيف ستعيدون الثقة إلى سلطات وسياح تلك الدول؟ جواب: عملنا على تعزيز الأمن في الفنادق والمطارات والمطاعم والمسالك السياحية. الأمن أولوية لنا، لأنه من دون أمن لن تكون هناك انتعاشة سياحية. فرضنا إجبارية مطابقة المعايير الدولية للأمن في الفنادق والمطارات. يمكن أن نصل إلى حد غلق الفنادق التي لا تحترم هذه المعايير.
وهناك اجتماعات دورية مع مجموعة الدول السبع الكبار التي يأتي ممثلون عنها إلى تونس بشكل دوري. ويشارك في هذه الاجتماعات السفراء والدبلوماسيون للاطلاع على آخر الإجراءات (في مجال تأمين المناطق السياحية) وتبادل المعلومات. إن ما حصل في تونس (من هجمات جهادية) ليس مشكلة خاصة بتونس بل هي مشكلة اقليمية. والآن أصبحت هذه المشكلة اكثر حدة في أوروبا منها في تونس. وما حصل في فرنسا وبروكسل يؤكد ذلك جيدا. لا يمكننا أن نقاوم وحدنا هذه الظاهرة (الإرهاب)، لا يمكننا القيام بذلك إلا مع أصدقائنا الأوروبيين وجيراننا من خلال تبادل المعلومات والعمل المشترك وقد وقعنا اتفاقيات في هذا المجال مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
من ناحيتها قالت وزيرة السياحة التونسية إن بلادها تأمل أن تجتذب 5.5 مليون سائح أجنبي هذا العام مع زيادة تأمين المنشأت السياحية واستقطاب أسواق جديدة لكنها حثت بعض الدول الغربية على رفع حظر السفر إلى المناطق السياحية في تونس لدعم الديمقراطية الوليدة. وتراجع عدد السياح الذين استقبلتهم تونس العام الماضي بنسبة 26 بالمئة إلى 5.5 مليون سائح في عام 2015 الذي شهد هجومين كبيرين نفذهما مسلحون استهدفا قطاع السياحة وأسفرا عن مقتل العشرات من الأجانب. وتنبى تنظيم الدولة الاسلامية الهجومين على متحف باردو بالعاصمة وفندق في منتجع سوسة السياحي وهما أسوأ هجومين في تاريخ البلاد.
وقال البنك المركزي التونسي هذا الشهر إن إيرادات القطاع السياحي في أول شهرين من 2016 هبطت بنسبة 54 بالمئة إلى 182 مليون دينار (90.21 مليون دولار) مقارنة بالفترة ذاتها من 2015. وقالت سلمى اللومي وزيرة السياحة إنه رغم بداية صعبة هذا العام فانه توجد مؤشرات إيجابية لتحقيق نتائج لا تقل عن العام الماضي وهو الأسوأ. وأضافت أن بعض الشركات العالمية عادت للعمل في تونس وأن مؤشرات تشغيل الطيران أيضا قد ترتفع مع فترة الصيف.
وقالت الوزيرة في مقابلة مع رويترز في مكتبها بالعاصمة التونسية "العام الماضي استقبلنا حوالي 5.5 مليون سائح ونأمل أن لا يقل عدد السياح هذا العام عن العام الماضي.. فترة الذروة هذا العام لن تكون أسوأ من العام الماضي .. لدينا مؤشرات إلى أن حجوزات اللحظة الاخيرة سترتفع هذا الموسم مع استمرار الاوضاع الامنية في الاستقرار وامتلاء بعض الوجهات الاوروبية الاخرى". وأضافت الوزيرة أن تونس بدأت بالفعل العمل على إستقطاب سياح من اسواق جديدة مثل روسيا والصين إضافة لحملة ترويجية كبيرة في أوروبا تستهدف استعادة السياح الاوروبيين.
ودعت الوزيرة بعض الدول الغربية إلى مساعدة الديمقراطية الوليدة في تونس عبر رفع الحظر على السفر على الاقل عن المناطق السياحية مضيفة "على الغرب أن لا يستجيب لهدف الارهابيين لضرب صناعة السياحة وضرب قوة الشعب التونسي..عليهم الوقوف الى جانبنا".
وسببت الهجمات الكبيرة التي نفذها متشددون العام الماضي ومن بينها هجومان على سياح أجانب إضافة إلى تحذيرات بشأن السفر من دول من بينها بريطانيا أضرارا لقطاع السياحة الذي يشكل نحو 8 بالمئة من اقتصاد تونس بحسب روتيرز. وقالت اللومي إن تونس إستغلت تراجع صناعة السياحة العام الماضي نتيجة هجمات العام الماضي لإطلاق إصلاحات على مستوى التكوين والجودة. وذكرت الوزيرة ان حوالي 100 فندق أغلق أبوابه عقب هجوم سوسة العام الماضي.
وتراجعت إيرادات السياحة في 2015 بأكمله 35 بالمئة إلى 2.35 مليار دينار (1.15 مليار دولار). وساهم ذلك في تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 0.8 بالمئة من 2.3 بالمئة قبل عام. وقالت اللومي إن تونس تسعى لتنويع المنتجات السياحية بالترويج للسياحة الثقافية والصحراوية والسياحة الطبية لتبقى صناعة السياحة "صامدة وواقفة" رغم هجمات العام الماضي بحسب رويترز.
وكشفت الوزيرة أنها تتوقع أن تبدأ تونس في تطبيق منطقة السماء المفتوحة مع أوروبا نهاية 2016 وبداية 2017 على أقصى تقدير وهى خطوة من شأنها أن تزيد حركة المسافرين والسياح إلى تونس. وبدأت تونس منذ سنوات مفاوضات مع الاتحاد الاوروبي لتطبيق إتفاق السماء المفتوحة لكن الخشية من تأثر الناقلة الوطنية شركة تونس الجوية بالمنافسة كان وراء تعطل المفاوضات. لكن اللومي قالت "هذا الامر حل الان والمفاوضات بلغت شوطا مهما ونتوقع أن نبدأ في تطبيق إتفاق السماء المفتوحة بنهاية 2016 أو بداية 2017 على أقصى تقدير."
وأضافت أن تونس بدأت العمل على تسهيل إجراءات تأشيرات الدخول لمواطني عدة دول وستطلق قريبا التأشيرة الالكترونية.
شركة سياحة في غزة
وفي الماضي كانت شركة الشرفا للسياحة والسفر تكتظ بزبائن يطلبون حجز تذاكر طيران إلى لندن أو باريس أو نيويورك أو أي من مدن العالم العربي. أما الآن فالحظ حليف لها حين يدخلها عميل إذ لا يستطيع مغادرة القطاع سوى قلة قليلة. وتبدو الملصقات التي تحمل صور برج إيفل وتمثال الحرية وخريطة العالم المعلقة على جدران الشركة في غير موضعها وسط أجواء العزلة التي تغلف قطاع غزة الصغير.
قال نبيل الشرفا مدير عام الشركة بنبرة يشوبها الاستسلام من وراء مكتبه الذي يزينه مجسم بلاستيكي لطائرة ركاب إلى جوانب الهواتف الصامتة "نحن النوع الوحيد من الأعمال التي في نفس اللحظة التي تغلق فيها المعابر إحنا عملنا بيتوقف." وعندما افتتح والد الشرفا الشركة عام 1952 اكتسبت بسرعة سمعة طيبة كوكالة تقدم خدمات جيدة يعول عليها.
في ذلك الوقت كانت مصر هي التي تحكم قطاع غزة ولم تكن هناك حدود تذكر. وكان أبناء القطاع يحجزون تذكرة الطائرة ويركبون القطار أو الحافلة في رحلة لأربع ساعات إلى القاهرة للحاق بطائرتهم. كانت شركة الشرفا مرتبطة بقوة بشركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار -وهي الشركة الوطنية التي كانت قائمة في بريطانيا قبل اندماج أسفر عن الخطوط الجوية البريطانية- كما ارتبطت بعلاقات عمل قوية مع شركة إير فرانس وكانت وكيلا للشركتين. وهي ما زالت عضوا في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) بحسب رويترز.
وقال نبيل الشرفا (53 عاما) لرويترز "الفترة ما بين 1952 و1967 كانت بمثابة العصر الذهبي." وكان الناس يقصدون غزة أيضا على الأقل حتى حرب 1967 عندما احتلت إسرائيل القطاع من مصر والضفة الغربية من الأردن. وأضاف "غزة كانت مثل السوق الحرة يأتي إليها الأخوة المصريون ليشتروا بضائع أحضرها التجار عبر البحر من لبنان." كما شهد القطاع طفرة في أواخر تسعينيات القرن الماضي بعد توقيع اتفاقات أوسلو للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وافتتحت غزة مطار ياسر عرفات الدولي عام 1998.
كن منذ ذلك الحين بدأ القطاع يشهد تدهورا مستمرا مع انعزاله أكثر فأكثر عن العالم. وحين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 قصفت إٍسرائيل مدرج الطائرات وبرج المراقبة في المطار. وما زال الموقع مدمرا حتى الآن. ومع سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع عام 2007 إثر اقتتال قصير مع حركة فتح بات الدخول إلى القطاع والخروج منه خاضعا لمزيد من القيود من قبل مصر وإسرائيل.
من ناحية أخرى أبقت السلطات المصرية المعبر الحدودي مع غزة مغلقا معظم الوقت في السنوات الخمس الأخيرة متعللة بالأسباب الأمنية. وتقول جماعات حقوقية إن 95 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 1.95 مليون نسمة لا يمكنهم الخروج منه. وحتى من يمكنه العبور إلى إسرائيل لا يمكنه السفر بسهولة من هناك. فهم بحاجة إلى تصريح خاص للخروج من مطار بن جوريون في تل أبيب أو للسفر إلى الضفة الغربية ومنها إلى الأردن للحاق برحلة جوية. وبدأ الأردن نفسه يفرض قيودا على إصدار تأشيرات السفر لأبناء غزة.
وتسمح مصر كل بضعة شهور لنحو ثلاثة آلاف من سكان غزة بالمغادرة عبر معبر رفح لكن الأمر بات أشبه بضربات الحظ. فالمعبر يكون مفتوحا ليومين أو ثلاثة فقط لذا لا يمكن لأحد أن يطمئن إلى أن عبوره مؤكد. وفور أن يعبروا الحدود يتصلون بشركة الشرفا التي يهرع مندوبوها للحجز لهم على رحلات الطيران أو في الفنادق. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن 15 ألفا من أبناء غزة قدموا طلبات للسفر عبر رفح بينهم ثلاثة آلاف يقولون إنهم يحتاجون رعاية طبية.
يقدر الشرفا عدد تذاكر الطيران التي باعتها شركته في الفترة بين 1994 و2000 أي بعد اتفاقات أوسلو وقبل الانتفاضة الثانية بحوالي ستة آلاف تذكرة. وفي العام الماضي باع 120 تذكرة. وقد اضطر إلى تسريح ثمانية عاملين وهو يعتمد الآن على أفراد العائلة في تشغيل الشركة تقليصا للنفقات. ونادرا ما يغطي الإيراد الإيجار الشهري البالغ خمسة آلاف دولار والتكاليف الأخرى.
ويواجه محارب البرعي الذي يدير شركة البتراء للسياحة والسفر مشاكل مماثلة. وتحول نشاط الشركة الأساسي من حجز تذاكر الطيران إلى جلب تأشيرات السفر إلى دبي وتركيا والصين بحسب رويترز. وقال البرعي (64 عاما) "في ظل إغلاق معبر رفح بصورة شبه دائمة فإن زبائننا هم من شريحة التجار ورجال الأعمال الذين يملكون تصاريح خروج من قطاع غزة إلى إسرائيل والسفر إلى الأردن." وربما بدت ملصقات شركات الطيران على واجهة شركة الشرفا في غير مكانها لكنه لم يفقد الأمل. وقال "قد يثير السخرية أن شركة سياحة وسفر موجودة في منطقة مثل قطاع غزة. لكن على الإنسان أن يكون عنده أمل. هذا تاريخ وعلاقات مع شركات عالمية ولا يستطيع الإنسان أن يتركها."
معلم طبيعي يتوق لدخول عالم السياحة
وفي وسط السفوح الجبلية البكر وعلى عمق يصل إلى حوالي عشرة أمتار تحت الأرض ومسافة كيلومترات قليلة من بلدة بيت ليد بشمال الضفة الغربية تقع مغارة (هربة الحمام) أو كما يحلو لسكان المنطقة تسميتها (جعيتا فلسطين) حاملة بين صخورها إرثا تراثيا وتاريخيا فريدا. تمتد المغارة عدة أمتار طولا وعرضا وتتشعب منها ممرات ضيقة تؤدي إلى زوايا معتمة ولا ينتقص من جمال المكان سوى بعض الردم الذي ربما يكشف إزالته عن أسرار أخرى داخل المغارة.
ويمكن وصف النزول إلى المغارة -بوضعها الحالي- بالمغامرة لكنها مغامرة تستحق التجربة لما يمكن مشاهدته في الداخل من أعمدة وشموع صخرية شكلتها قطرات ماء تتدفق عليها بألوان متعددة تنعكس عليها خيوط الشمس المتسللة داخلها من فوهتها الكبيرة. وللوصول إلى الداخل يعبر الزائر من فتحة ضيقة عبر سلم حديدي يرتفع عدة أمتار ثم يزحف قليلا حتى يصل إلى عمق المغارة لرؤية مناظر خلابة شكلتها مياه الأمطار التي تتدفق إلى داخلها مشكلة العديد من الأشكال الفنية. واكتسبت المغارة اسم (هربة الحمام) لكثرة الطيور فيها عندما اكتشفها سكان بيت ليد وإن قل وجودها حاليا. ويقدر عماد الأطرش الباحث البيئي الفلسطيني عمر هذه المغارة بآلاف السنين منوها بأنها يمكن أن تصبح مقصدا سياحيا هاما.
وقال "هذه المغارة معلم حضاري وإنساني ضخم غير مكتشف بحاجة إلى عمل كبير يشارك فيه الجميع لتكون معلما سياحيا. بكل تأكيد ستساهم بشكل كبير في تطوير المنطقة التي تقع فيها." ويتوقع الأطرش أن تكشف إعادة تأهيل المكان عن مساحات كبيرة غير مكتشفة حاليا. ويتداول السكان العديد من القصص والحكايات عن هذه المغارة.
ويقول هاني قرارية (42 عاما) أحد سكان القرية والذي تقع المغارة في قطعة أرض تعود لعائلته وتبعد عن بيت ليد عدة كيلومترات "هناك حوض ماء في المغارة تستخدم المياه فيه لعلاج حصر البول. ليس لدي تفسير علمي لذلك ولكن السكان كانوا يستخدمونه حتى وقت قريب وفعلا كان يعالج ربما لأن الماء في الجدول هو خلاصة الأملاح من هذه الصخور." ويملك قرارية نفس الأمنية في تحويل المغارة إلى منطقة سياحية تجذب زائري الداخل والخارج.
وقال خلال جولة في المغارة "وأنا عمري عشر سنين كنت أقعد على باب المغارة وأتخيل كيف ممكن أن نضع درج حديدي والسياح تنزل وتطلع وكنت أتخيل كيف الطريق تفتح والباصات توقف." وأضاف "ولا زال هذا الحلم موجود عندي أنا واخوتي وأولاد عمومتي أصحاب الأرض."
ولا يقل الطموح العلمي والمجتمعي عن طموح الهيئات الرسمية الفلسطينية التي تقول إنها تدرج المغارة على قائمة أولوياتها بحسب رويترز. وقال جهاد ياسين مسؤول المواقع الأثرية بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية "لدينا رؤية لتطوير المكان وتهيئته لاستقبال الزوار من خلال تأهيل طريق يصل إليه وعمل مسارات داخلية فيه ونشرات تعريفية فيه."
وأضاف هذه المغارة "واحدة من أهم مواقع التراث الطبيعي في فلسطين وكهف تشكل طبيعيا من العصور الجيولوجية القديمة." لكن ثمة معوقات ترى الوزارة أنها تحول دون تحقيق الآمال المرجوة تتمثل بشكل رئيسي في التمويل ووقوع المغارة في حيز نفوذ السلطات الإسرائيلية. وقال ياسين "بالإضافة إلى الحاجة للتمويل للعمل على حماية هذه المواقع وإعادة تأهيلها نواجه مشكلة أخرى في الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي الذي يمنعنا في كثير من الأحيان من وضع لوحات تعريفية بالمكان إذا كان يقع في المنطقة المصنفة (ج)."
والمنطقة (ج) وفق اتفاق السلام الفلسطيني-الإسرائيلي المؤقت تخضع كليا للسيطرة الإسرائيلية وأي عمل فيها يستلزم موافقة تلك السلطات. وقال "نحاول العمل على تأهيل الموقع للسياحة الداخلية على الأقل في المرحلة الأولى وبكل تأكيد سيكون هذا أحد أهم المواقع الجاذبة للسياحة." وأشار إلى آن هناك آلاف المواقع التاريخية والتراثية في الأراضي الفلسطينية لكن 60 بالمئة منها تقع داخل المنطقة (ج).
السعودية والسياحة الدينية
ومع إعلان الحكومة السعودية لإصلاحات تهدف لإبعاد المملكة عن الاعتماد على النفط، يبدو أن مصدرا آخر للدخل سيصبح مساهما رئيسيا في الاقتصاد السياحة الدينية. وتعتزم السلطات تخفيف القيود الحكومية على التأشيرات الممنوحة للحجاج، بما يعني أن المسافرين لمكة والمدينة يمكنهم تمديد إقاماتهم وزيارة مدن ومواقع غير دينية.
وتساهم السياحة الدينية (الحج والعمرة) حاليا بنحو 2.7 بالمئة من إجمالي الناتج القومي السعودي (12 مليار دولار)، حيث يشكل الحجاج والمعتمرون المجموعة الأكبر من زوار المملكة. وتهدف المملكة لرفع هذا العائد لأكثر من 20 مليارا في غضون 4 سنوات، وذلك حسب مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
ويتوقع المجلس زيادة عدد المعتمرين بحلول عام 2020 إلى 15 مليونا، وزيادة عدد الحجاج بحلول عام 2030 إلى 30 مليونا. وحتى الآن تخضع تأشيرات الحج والعمرة لقيود تتعلق بمكان وموعد التنقل في السعودية، ولكن يأمل المسؤولون في تخفيف هذه القيود.
وقال الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني:" نعمل على أن يزور الحجاج والمعتمرون المناطق السياحية السعودية، مثل مدائن صالح قرب المدينة بعد أدائهم المناسك." وأضاف قائلا:"ولكن لدينا أيضا مناطق جذابة أبعد نشجع السياح على زيارتها، وعلى زيارة أماكن أخرى في المملكة". بحسب بي بي سي. وتشهد السعودية بالفعل حاليا برنامجا واسعا لتنمية البنية الأساسية – ويتضمن خطوط سكك حديدية تربط مكة والمدينة وجدة وغيرها من مشروع خطوط سكك حديدية تربط مكة والمدينة وجدة وغيرها من المراكز الحضري ومن بين مناطق الجذب السياحي التي يجري إعدادها الحفريات الأثرية، ومن ضمنها الفن الحجري، الذي سيصبح متحفا مفتوحا.