الاقتصاد المصري.. بين احتضار الجنيه وصناعة القمح المأمولة
ندى علي
2016-04-05 11:49
مصر بلد نفوسه تتصاعد بسرعة أكبر من المتوقع، يقارب هذا الشعب رقم الـ (100 مليون نسمة)، موارده المعدنية خصوصا ليست بالمستوى المطلوب، وحكوماته السابقة كما هو الحال مع أغلب الحكومات العربية، لم تخطط لمستقبل مضمون ينتشل هذا الشعب من مشكلة مزمنة اسمها الجوع والمرض والجهل كما يصفها مثقفو ومفكرو مصر وغيرهم.
اليوم في مصر كما هو في الأمس، حيث تحتدم المعركة بين حيتان الفساد وبين من يسعي لتوفير رغيف الخبز للشعب، فقد قال وزير التموين المصري إن بلاده -أكبر مشتر للقمح في العالم- تقترب من القضاء على الفساد في هذا القطاع الاستراتيجي مدافعا عن إدارة الدولة لمنظومة القمح في مواجهة إنتقادات بأنها عرضة للفساد. وأضاف أن السلطات توزع ستة ملايين رغيف من الخبز على المواطنين شهريا وأن نظام البطاقات الذكية الذي بدأ العمل به في 2014 أنهى فعليا الفساد في هذه المنظومة. وكان مسؤولون وتجار وخبازون قالوا في تقرير نشرته رويترز في 15 مايو أيار عن الفساد بقطاع القمح إن إصلاحات مثل نظام البطاقات الذكية فشلت بل وأدت إلى مزيد من الفساد.
وباتت مشكلة توفير الخبز والثمح، من المشاكل الصعبة في مصر، والجميع يتذكر تلك الطوبير الطويلة التي تقف أمام المخابز بانتظار دورها باستلام رغيف الخبز، وهذا مشهد كان مألوفا في مصر على العكس من الدول المرفّهة وقد أصبح الخبز قضية رئيسية في الأشهر الأخيرة بسبب المخاطر التي تعرض لها استقرار سلسلة الإمدادات المصرية بفعل سياسة إدارة الحجر الزراعي الرافضة لأي نسبة من فطر الإرجوت في واردات القمح.
ولا شك أن هنالك سياسات خاطئة في هذا المجال، وهناك حالات فساد أدت الى تركم المصاعب في طريق توفير القمح، علما أن الدولة تقوم بدعم أسعار الطحين او القمح، حيث يتم توزيعه على المخابز بأسعار مدعومة من الدولة، حتى يتسنى بيعها للمواطنين بأسعار مخفضّة، ولكن هنالك تلاعب في هذا المجال، حيث أدت السياسة إلى عزوف واسع النطاق عن مناقصات القمح الحكومية. ولاحقا ازيح رئيس إدارة الحجر الزراعي عن منصبه. وكانت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي بدأت في 2014 تطبيق نظام البطاقات الذكية الهادف إلى منع المخابز المخالفة من بيع الدقيق (الطحين) المدعم حكوميا في السوق السوداء. وقال حنفي في المقابلة إن الفساد شارف على نهايته لأن منظومة البطاقات الذكية فعالة وتسمح للوزارة بمراقبة إمدادات الخبز.
ويعاني الشعب المصري من مشكلة توفير الخبز، وهنالك فساد في هذا المجال، وهنالك سوق سوداء تحاول الحكومة عبر بعض الاجراءات أن تقضي عليها، من ضمنها توزيع الطحين على المخابز وفق نظام البطاقة الذكية، لكن تبقى المخاطر كبيرة بالنسبة للسيسي الذي وعد بالقضاء على الفساد بما في ذلك المخالفات في قطاع القمح. لاسيما أن نقص الخبز تسبب في أحداث شغب في السابق. وعندما انتفض المصريون ضد حكم حسني مبارك في 2011 كان أحد أشهر الهتافات "عيش (خبز).. حرية.. عدالة اجتماعية." وهناك برنامج دعم الخبز الذي يستفيد منه عشرات الملايين من الفقراء المصريين محوري للحيلولة دون اضطرابات.
كما أن هناك مشاكل اقتصادية تتعلق بالعملة الصعبة في البلاد، حيث تعاني مصر من قلة هذه العملة لأسباب اقتصادية معروفة، ولكن معالجتها صعبة حيث تحتاج الى معالجات تفوق قدرات الحكومة الحالية على الرغم من الاجراءات التي يسعى لاتخاذها البنك المركزي في هذا المجال.
التحقيق مع شركات الصرافة
في هذا السياق قالت مصادر في النيابة العامة إن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر طلب من النائب العام فتح التحقيق مع ما بين 12 و15 شركة صرافة لتسببها في أزمة الدولار. وتعاني مصر كثيفة الاعتماد على الواردات من نقص في العملة الصعبة منذ انتفاضة 2011 والقلاقل التي أعقبتها وأدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس والعاملين في الخارج. وقال أحد المصادر "محافظ المركزي اجتمع أمس (السبت) مع النائب العام وطالب فتح تحقيق مع ما بين 12 إلى 15 شركة صرافة لتسببهم في أزمة الدولار من خلال امتناعهم عن عرضه مما سبب في ارتفاع سعره بالسوق."
وتعمل في مصر نحو 111 شركة صرافة وفقا لبيانات البنك المركزي. وأغلق المركزي خمس شركات صرافة خلال فبراير شباط ومارس آذار. وقال مصدر آخر من النيابة العامة لرويترز "الشركات التي طالب محافظ المركزي التحقيق معها متحفظ عليها بالفعل من قبل لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الاخوان المسلمين." وخفض البنك المركزي قيمة العملة المحلية في مارس آذار 112 قرشا قبل أن يرفعها قليلا بعد يومين ونجح حينها في إحداث ركود بالسوق السوداء لكن سرعان ما عاد النشاط بقوة ليبلغ السعر يوم الأحد وفقا لمتعامل 10.05 جنيه للدولار.
ويبلغ السعر الرسمي الجديد للجنيه في تعاملات ما بين البنوك 8.78 جنيه بينما يشتري الأفراد الدولار من البنوك بسعر 8.88 جنيه. وقال مصدر ثالث في النيابة العامة لرويترز "النائب العام طلب من نيابة الأموال العامة عمل تحريات عن تلك الشركات بناء على طلب من محافظ المركزي." ولم يتسن على الفور الاتصال بالبنك المركزي للتعليق. ويسمح البنك رسميا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشا فوق أو دون سعر البيع الرسمي لكن مكاتب الصرافة تطلب سعرا أعلى للدولار عندما يكون شحيحا بحسب رويترز.
تخفيض الجنيه لدعم سيولة النقد الأجنبي
من جهتها قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن تخفيض مصر للجنيه أمام الدولار في الآونة الأخيرة سيدعم سيولة النقد الأجنبي في القطاع المصرفي المحلي على الأرجح. وأضافت أن القيود التنظيمية على تقديم قروض بالعملة الصعبة للشركات التي لا تتوافر لها إيرادات بالنقد الأجنبي من شأنها أيضا تخفيف الأثر قصير المدى لتراجع العملة المصرية على جودة أصول البنوك. وقالت فيتش في تقريرها "لا نعتقد أن التخفيض الحالي سيكون له أثر يذكر على مقاييس جودة أصول البنوك. البنوك المصرية تقرض بالعملة الصعبة فقط للنظراء الذين يتمتعون بإيرادات بالعملة الصعبة وعلى مدى متوسط.. لكن على المدى القصير سيتضخم نمو القروض بالعملة الأجنبية (التي توردها البنوك بالجنيه المصري في قوائمها المالية) بشكل مصطنع جراء تخفيض قيمة الجنيه."
وخفض البنك المركزي المصري الجنيه الأسبوع الماضي بنحو 12 بالمئة أمام الدولار الأمريكي في خطوة وصفها بأنها تأتي في إطار السعي لسعر صرف أكثر مرونة. وتوقعت فيتش المزيد من التخفيض في قيمة العملة المصرية مستندة إلى مساعي البنك المركزي الرامية إلى القضاء تماما على السوق الموازية في ظل عدم توافر ما يكفي من العملة الصعبة لتغطية الطلب الكبير.
وكانت الوكالة قالت في تقرير سابق إن التوقعات تشير إلى مزيد من التراجع في سعر صرف الجنيه ليتجاوز الدولار تسعة جنيهات بنهاية 2016 لكنها أشارت إلى أن ذلك سيعتمد كثيرا على مساعي المركزي المصري لإعادة تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي. وقالت وكالة التصنيف الائتماني في ثاني تقرير لها خلال أسبوع واحد عن تأثير خفض قيمة الجنيه إن قدرة البنك المركزي المصري على زيادة السيولة من العملات الأجنبية تتحدد على أساس صافي احتياطيات النقد الأجنبي لديه والتي تعتمد بقوة على إيرادات السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر -والتي تتعرض لضغوط منذ 2015- بالإضافة إلى المنح التي عادة ما تكون من دول الخليج.
وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصر 16.5 مليار دولار في نهاية فبراير شباط 2016 انخفاضا من 35.2 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران 2010. وأوضحت وكالة فيتش أن تخفيض قيمة العملة خطوة إيجابية لتحسين المعروض من العملات الأجنبية في النظام المصرفي. وقالت إنه من المتوقع أن تجتذب سياسة سعر الصرف الأكثر مرونة والتي تعكس القيمة الحقيقة للجنيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأن تحسن الإيرادات بالعملات الأجنبية.
لكنها قالت إن هناك حاجة للمزيد من الإجراءات بما في ذلك إلغاء جميع الحدود على إيداعات الشركات بالعملات الأجنبية كضرورة "للقضاء على التشوهات في نظام سعر الصرف المصري وتحسين المعروض من العملات الأجنبية في القطاع المصرفي بحسب رويترز."
مفاجأة جديدة لمحافظ البنك المركزي المصري
من جهته فاجأ طارق عامر محافظ البنك المركزي القطاع المصرفي بقرار من مجلس إدارة البنك بألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك العامة والخاصة في مصر عن تسع سنوات سواء متصلة أو منفصلة. وكانت المفاجأة الأولى لعامر عندما خفض قيمة العملة المحلية الأسبوع الماضي 112 قرشا قبل أن يرفعها قليلا بعدها بيومين ونجح حينها فعلا في إحداث ركود بالسوق السوداء لكن سرعان ما عاد النشاط فيها بقوة ليقترب سعر الدولار من مستوى عشرة جنيهات. وقال مسؤول مصرفي رفيع لرويترز إن قرار البنك المركزي بشأن رؤساء البنوك سيطيح بثماني قيادات مصرفية تعمل في مناصب تنفيذية في البنوك التجارية بينها هشام عز العرب الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي وحسن عبدالله الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي الدولي. ولم يتسن على الفور لرويترز التأكد من العدد بشكل دقيق إلا أنه وفقا لمصادر أخرى في السوق سيتجاوز ثماني قيادات.
وقال عامر محافظ المركزي في رسالة نصية لرويترز أن القرار يسري على الرئيس التنفيذي الذي يقضي تسع سنوات في منصبه "في نفس البنك." ويعني هذا أنه إذا قضى المسؤول تسع سنوات رئيسا تنفيذيا لأي بنك يستطيع بعدها أن يكون رئيسا تنفيذيا لأي بنك آخر. وعزا المركزي القرار في بيان صحفي "إعداد صف ثان والدفع بالشباب والصفوف الثانية للأمام وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات." وأثار القرار زوبعة كبيرة بين رؤساء البنوك العامة والخاصة والاقتصاديين في مصر.
وقال هاني توفيق رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر إن قرار المركزي "يتدخل في حق أصيل للمساهمين في الجمعية العمومية بتعيين الأصلح لهم. من حقي كمساهم أن أختار إذا كان رئيس البنك الخاص بي شاب أم رجل كبير ذو خبرة. هذا قراري أنا وليس قرار المركزي."
ويعمل في مصر نحو 40 بنكا ما بين حكومي وخاص. وقضى هشام عز العرب أكثر من 10 سنوات رئيسا تنفيذيا للبنك التجاري الدولي أكبر بنك خاص في مصر. ومضى على حسن عبدالله الرئيس التنفيذي للبنك العربي الأفريقي الدولي أكثر من 10 سنوات هو الآخر في البنك.
وقال المركزي في البيان الصحفي يوم الخميس إنه في حالة تجاوز المسؤول التنفيذي الرئيسي "تسع سنوات في 31 ديسمبر 2015 تُمنح البنوك مهلة حتى انعقاد الجمعية العامة لاعتماد القوائم المالية عن 2016 شريطة الحصول على موافقة البنك المركزي المصري."
ويعني هذا أن القيادات التي سيتم الاطاحة بها من مناصبها ستواصل العمل حتى انعقاد الجمعية العمومية للبنك التي ستعتمد نتائج أعمال 2016 والتي غالبا ما ستكون بين الربع الأول والثاني من عام 2017. وقالت مصادر مصرفية إن قرار المركزي سيؤدي أيضا إلى خروج رؤساء بنك فيصل الإسلامي مصر وبنك مصر إيران وبنك الكويت الوطني مصر وأبوظبي الوطني مصر وبنك البركة مصر وبنك عودة مصر وبنك التعمير والإسكان.
ووصف مسؤول مالي رفيع القرار بأنه "غير موفق". وقال المسؤول لرويترز مشترطا عدم نشر اسمه نظرا لحساسية منصبه "القرار ليس له معنى في هذا التوقيت وستكون له تبعات سلبية. "إذا تم إقراره على البنوك الحكومية فلا بأس لكن لماذا يطبق على البنوك الخاصة؟ من حكم في ماله فما ظلم."
المركزي المصري يغلق شركتي صرافة نهائيا
في سياق مقارب قالت مصادر في قطاع الصرافة المصري إن البنك المركزي أغلق شركتي صرافة بشكل نهائي لتلاعبهما في أسعار بيع العملة الصعبة ومخالفات أخرى وذلك إثر القفزة الحادة للدولار في السوق السوداء مؤخرا. وأكد مسؤول في البنك المركزي لرويترز صحة ما ذكرته المصادر. ويأتي تحرك المركزي بعد أن تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء 9.90 جنيه للدولار هذا الأسبوع للمرة الأولى وسط تهافت شديد على شرائه مع تفاقم شح العملة الصعبة وتراجع إيرادات مصر من السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقال متعاملان في السوق الموازية لرويترز إن سعر الدولار ارتفع ليصل إلى ما بين 9.90 و9.95 جنيه من 9.40 جنيه الخميس الماضي. وخفض البنك المركزي قيمة العملة المحلية الأسبوع الماضي 112 قرشا قبل أن يرفعها قليلا بعدها بيومين ونجح حينها فعلا في إحداث ركود بالسوق السوداء لكن سرعان ما عاد النشاط فيها بقوة ليقترب سعر الدولار من مستوى عشرة جنيهات. وبذلك يصل عدد شركات الصرافة التي أغلقها المركزي المصري منذ فبراير شباط وحتى إلى خمس شركات صرافة. وتعمل في مصر 111 شركة صرافة وفقا لبيانات البنك المركزي بحسب رويترز.
تخفيض قيمة الجنيه المصري
من جهتها قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن القرارات التي اتخذها البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي بما في ذلك تخفيض قيمة الجنيه إيجابية للتصنيف الائتماني بشكل عام لكنها حذرت من أن القاهرة تواجه عاما صعبا يشهد تباطؤ النمو وارتفاع التضخم واحتياجات تمويل ضخمة. وقالت فيتش إن التوقعات تشير إلى مزيد من التراجع في سعر صرف الجنيه ليتجاوز الدولار تسعة جنيهات بنهاية 2016 لكنها أشارت إلى أن ذلك سيعتمد كثيرا على مساعي المركزي المصري لإعادة تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي.
وخفض البنك المركزي قيمة العملة إلى 8.85 جنيه للدولار من 7.7301 لكنه رفعها قليلا إلى 8.78 للدولار مع تبنيه ما يصفها بسياسة أكثر مرونة لسعر الصرف. ولتغطية واردات السلع الأساسية والسحب الدولاري على المكشوف في البنوك باع البنك المركزي 2.4 مليار دولار على مدى الأسبوعين الأخيرين بما يعادل 15 بالمئة من الاحتياطيات التي هوت إلى 16.5 مليار دولار في فبراير شباط من حوالي 36 مليار دولار قبل الانتفاضة.
ومن غير الواضح بالضبط ماذا يعني البنك المركزي بالسياسة الأكثر مرونة لكن التضخم سيكون الهاجس الأكبر. وارتفعت أسعار المستهلكين 9.1 في المئة على أساس سنوي بعد أن بلغ متوسط ارتفاعها 10.4 في المئة في 2015 وهو ما استند إليه البنك على أنه يدعم توقيت تخفيض قيمة العملة. غير أنه من المتوقع أن يزداد معدل التضخم من جديد حيث سيؤدي انخفاض سعر صرف الجنيه إلى زيادة أسعار الواردات. كما حذرت فيتش من أنه إذا مضت مصر قدما في تطبيق ضريبة القيمة المضافة هذا العام فستتزايد الضغوط على الأسعار.
لذلك لم تكن مفاجأة أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة عقب تخفيض قيمة العملة في مسعى لكبح توقعات التضخم. ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 150 نقطة أساس يوم الخميس بهدف كبح ضغوط التضخم متجاوزا توقعات المحللين والمصرفيين بعد ثلاثة أيام من خفض قيمة الجنيه. وقالت فيتش إنها ترى هذه التطورات في السياسة النقدية إيجابية من الناحية الائتمانية لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى تداعيات مالية حيث يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة الاقتراض على الحكومة. وبلغت مدفوعات الفائدة على الدين الحكومي بالفعل نحو 26 في المئة من حجم الإنفاق في موازنة 2015. وقالت فيتش إن هذا يبرز أهمية ضبط الإنفاق في الموازنة التي يجري إعدادها حاليا للسنة المالية 2016-2017. وأكدت فيتش مجددا تصنيفها للديون السيادية في مصر عند B مع نظرة مستقبلية مستقرة مثلما أعلنت في ديسمبر كانون الأول بحسب رويترز.
تحديد مستقبل إمدادات القمح لمصر
في السياق نفسه قال وزير الزراعة المصري إن مصر ستسمح بواردات القمح التي تحوي نسبة ضئيلة من طفيل الإرجوت بينما تحاول الهيئات الحكومية حل الخلاف الذي عطل الشحنات المتجهة إلى أكبر مشتر للقمح في العالم. وقال الوزير عصام فايد أن مسؤولة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) التي استدعيت لحل الخلاف على أساس علمي لم تتلق جدولا زمنيا. وقال فايد في مقابلة بأبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة حيث يقوم بزيارة رسمية "لن أضغط على أي أحد." وقال "أتابع الأمر للتأكد من إتمامه بأسرع ما يمكن لكنه يستغرق وقتا ولا أستطيع أن أقول لك كم سيستغرق حاليا."
ويتناقض موقف فايد بشأن مستويات الطفيل المقبولة في الواردات تناقضا مباشرا مع مسؤولي إدارة الحجر الزراعي الذين يقولون إنه لن يسمح بأي نسبة من الإرجوت في الشحنات لحين تعديل القوانين. وأدى الخلاف بين الحجر الزراعي المصري ووزارتي الزراعة والتموين بخصوص المستويات المسموح بها للإرجوت- وهو فطر شائع في الحبوب- إلى رفض سلسلة شحنات من القمح وأزمة ثقة مع الموردين العالميين. وواصل المتعاملون إبداء اعتراضهم بالإحجام عن المشاركة لتتراجع عروض بيع القمح في المناقصات تراجعا حادا. وفي مناقصة لم تتلق هيئة السلع التموينية سوى ستة عروض مقارنة مع متوسط نحو 15 عرضا قبل الأزمة.
والتزم سعد موسى المدير السابق لإدارة الحجر الزراعي الذي جرى تغييره في السادس من مارس آذار بلائحة ترجع إلى عام 2001 تحكم عمل الإدارة وتنص على عدم قبول أي نسبة من الإرجوت. ودافعت وزارتا الزراعة والتموين عن قبول مستويات ضئيلة لا تزيد على 0.05 بالمئة وهو معيار عالمي شائع منصوص عليه في مواصفات القمح المصرية الصادرة عام 2010.
وعطل موقف موسى مناقصات شراء القمح وأثار إمكانية نقص السلعة الاستراتيجية التي يعتمد عليها فقراء مصر من خلال برنامج ضخم للخبز المدعم. وقال فايد "هذا ينبغي أن يتوقف لأنه أصبح قضية كبيرة... نتجه إلى مشكلة أمن قومي." وفي اليوم التالي لعزل موسى صدر إعلان بتكليف خبيرة في الفاو بإجراء تحليل لمخاطر الإرجوت وتقديم توصيات عن مستويات الأمان.
وقال فايد "لا مشكلة شخصية بيني وبين موسى لكن ما يهمني هو مصلحة مصر والشعب المصري." وقال "لدي رأي علمي وأريد تغيير المواصفات المصرية ثم هناك تدابير معينة ينبغي أن آخذها.. موسى لم يسلك هذا الطريق." وقال فايد إن تحليل المخاطر الذي يجري حاليا قد يشمل عملا ميدانيا وقد يستغرق أسابيع أو شهورا. ولا يوجد مؤشر حتى الآن على توصية خبيرة الفاو. وقال "قد توصي بصفر أو 0.05 أو 0.04 بالمئة." وسيلتقي فايد بالخبيرة للمرة الأولى لدى عودته إلى القاهرة.
لكن الموردين العالميين الذين اعتادوا على تقديم عروض القمح بشكل منتظم في المناقصات الحكومية المصرية يرغبون في مزيد من الوضوح قبل العودة إلى أكبر عميل لهم. وقال فايد إنه لحين التوصل إلى رأي نهائي فإن مصر ستقبل بشحنات القمح التي لا تزيد مستويات الإرجوت فيها على 0.05 بالمئة. وقال "نحن ملتزمون بالمواصفات المصرية حتى ذلك الحين" مشيرا إلى مواصفات 2010. وكان إبراهيم إمبابي الرئيس الجديد لإدارة الحجر الزراعي أبلغ رويترز في الثامن من مارس آذار أنه سيواصل سياسة عدم السماح بأي نسبة إرجوت وفقا للمنصوص عليه في لائحة 2001 لحين صدور تشريع جديد. وقال فايد إنه غير قلق على احتياطيات القمح المصرية لأن هيئة السلع التموينية أجرت مناقصات ناجحة في الفترة الأخيرة. وقال "هناك مناقصات ومشتريات بحسب رويترز."
المركزي المصري يختزل عطاءات الدولار
من جهتهم قالوا مصرفيون إن البنك المركزي المصري سيطرح من الآن فصاعدا عطاء مرة واحدة يوم الثلاثاء من كل أسبوع لبيع 120 مليون دولار. وكان البنك المركزي يطرح ثلاثة عطاءات أسبوعيا لبيع 40 مليون دولار في كل منها. وقال البنك في بيان "يعلن البنك المركزي المصري أنه اعتبارا من اليوم الموافق 20 مارس (آذار) 2016 سيتم طرح عطاء واحد أسبوعيا كل يوم ثلاثاء بدلا من ثلاثة عطاءات أسبوعيا السابق التعامل بها. العطاء القادم سوف يطرح يوم الثلاثاء الموافق 22 مارس (آذار) 2016 الساعة 11 صباحا."
وخفضت مصر قيمة الجنيه الأسبوع الماضي وأعلنت أنها ستتحول لنظام لأسعار الصرف يتسم بقدر أكبر من المرونة وهو ما قال اقتصاديون ومصرفيون إنه قد يسفر في نهاية المطاف عن إلغاء عطاءات المركزي لبيع الدولار. وتواجه مصر شحا في الموارد الدولارية منذ انتفاضة يناير كانون الثاني 2011 التي أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وهم من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة. وهوت احتياطيات مصر من العملة الصعبة إلى أقل من النصف عند 16.5 مليار دولار في فبراير شباط من حوالي 36 مليارا في مطلع 2011 .
وخفض البنك المركزي قيمة الجنيه يوم الاثنين الماضي إلى 8.85 جنيه للدولار من 7.73 جنيه ثم رفعها قليلا إلى 8.78 جنيه للدولار في عطاء استثنائي. ورفع المركزي أسعار الفائدة 150 نقطة أساس للحد من الضغوط التضخمية متجاوزا توقعات اقتصاديين ومصرفيين.
مصر تقترب من القضاء على الفساد بقطاع القمح
من ناحيته قال وزير التموين المصري إن بلاده -أكبر مشتر للقمح في العالم- تقترب من القضاء على الفساد في هذا القطاع الاستراتيجي مدافعا عن إدارة الدولة لمنظومة القمح في مواجهة إنتقادات بأنها عرضة للفساد. وأضاف أن السلطات توزع ستة ملايين رغيف من الخبز على المواطنين شهريا وأن نظام البطاقات الذكية الذي بدأ العمل به في 2014 أنهى فعليا الفساد في هذه المنظومة. وكان مسؤولون وتجار وخبازون قالوا في تقرير نشرته رويترز في 15 مايو أيار عن الفساد بقطاع القمح إن إصلاحات مثل نظام البطاقات الذكية فشلت بل وأدت إلى مزيد من الفساد.
ومتحديا تقرير رويترز جدد وزير التموين خالد حنفي تأكيداته بأن النظام وفر ملايين الدولارات كانت تذهب إلى دعم الخبز وقلص الواردات وأنهى النقص الذي كان يؤدي من قبل إلى طوابير طويلة أمام المخابز في أنحاء البلاد. وقال في مقابلة "لدينا الآن نظام يحسب كل رغيف خبز مستهلك." وقالت متحدثة باسم رويترز إن الوكالة تتمسك بتقريرها.
وأصبح الخبز قضية رئيسية في الأشهر الأخيرة بسبب المخاطر التي تعرض لها استقرار سلسلة الإمدادات المصرية بفعل سياسة إدارة الحجر الزراعي الرافضة لأي نسبة من فطر الإرجوت في واردات القمح. وأدت السياسة إلى عزوف واسع النطاق عن مناقصات القمح الحكومية. ولاحقا ازيح رئيس إدارة الحجر الزراعي عن منصبه. وكانت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي بدأت في 2014 تطبيق نظام البطاقات الذكية الهادف إلى منع المخابز المخالفة من بيع الدقيق (الطحين) المدعم حكوميا في السوق السوداء. وقال حنفي في المقابلة إن الفساد شارف على نهايته لأن منظومة البطاقات الذكية فعالة وتسمح للوزارة بمراقبة إمدادات الخبز.
والمخاطر كبيرة بالنسبة للسيسي الذي وعد بالقضاء على الفساد بما في ذلك المخالفات في قطاع القمح. وتسبب نقص الخبز في أحداث شغب في السابق. وعندما انتفض المصريون ضد حكم حسني مبارك في 2011 كان أحد أشهر الهتافات "عيش (خبز).. حرية.. عدالة اجتماعية." وبرنامج دعم الخبز الذي يستفيد منه عشرات الملايين من الفقراء المصريين محوري للحيلولة دون اضطرابات. وبموجب برنامج البطاقات الذكية تحصل كل أسرة على بطاقة بلاستيكية تسمح لها بشراء ما يصل إلى خمسة أرغفة من الخبز للفرد الواحد يوميا. وتشير إحصاءات داخلية لوزارة التموين إطلعت عليها رويترز إلى مشاكل كبيرة في نظام البطاقات الذكية بحسب رويترز.
وقال حنفي إن النظام يكاد يكون غير قابل للخطأ وإن وزارته حاصرت الفساد إلى الحد الأدنى على العكس من فترات ماضية عندما كانت السرقة تصل إلى نصف معروض الدقيق المصري بحسب قوله. وقال حنفي "نحن نخدم 80 مليون مصري ونوزع ستة ملايين رغيف من الخبز شهريا. "أي كسر.. أي كسر صغير بالأرقام المطلقة قد يكون كبيرا نسبيا. لكن كنسبة مئوية هو لا شيء. إنه أقل حتى من المستوى العادي للخطأ."