تفاقم التضخم في مصر وضغط الديون

وكالات

2023-07-16 08:12

تغامر مصر بالتسبب في تفاقم تضخمها القياسي ووضع مزيد من الضغط على الجنيه ما لم تبطئ وتيرة زيادة المعروض النقدي الذي يقول مصرفيون ومحللون إنه يُستخدم لسد العجز المتزايد في الموازنة.

وتظهر أرقام البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن1)، الذي يشمل العملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب بالجنيه المصري، قفز 31.9 بالمئة خلال عام حتى نهاية مايو أيار 2023، بعدما زاد 23.1 بالمئة في السنة المالية المنتهية في نهاية يونيو حزيران 2022 و15.7 بالمئة في السنة المالية 2021/2020.

وتسارع نمو المعروض النقدي بشكل حاد على مدى ثلاث سنوات تكشفت خلالها نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد المصري بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.

كما تتعرض المالية العامة للدولة لضغوط بسبب عجز مستمر في العملة الأجنبية والديون المتزايدة التي تحتاج لإعادة تمويل أو سداد 20 مليار دولار منها خلال الاثني عشر شهر المقبلة.

في غضون ذلك، ارتفع الإنفاق بدرجة كبيرة مع سعي الدولة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل مدنا جديدة وتوسعة كبيرة لشبكة الطرق بينما تحاول الاستمرار في تقديم بعض الدعم في ظل تدني مستويات المعيشة.

وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ عجز الميزانية 824.4 مليار جنيه (26.7 مليار دولار) في السنة المالية 2024/2023 التي بدأت في أول يوليو تموز، ارتفاعا من عجز تقديري قدره 723 مليار جنيه في 2023/2022 و486.5 مليار في 2022/2021.

كما تظهر بيانات الوزارة أنها تتوقع ارتفاع الإنفاق الإجمالي إلى 2.07 تريليون جنيه هذا العام من 1.81 تريليون جنيه في 2023/2022.

ويقول المحللون إن طباعة المزيد من الجنيهات بوتيرة سريعة يؤدي إلى زيادة التضخم وزيادة ضعف العملة.

وقال باترك كوران من تيليمر "في ضوء القدرة المحدودة على الحصول على تمويل خارجي وتعرض القطاع المصرفي للديون الحكومية بنسبة كبيرة، فإن الإخفاق في كبح عجز الميزانية قد يؤدي إلى المزيد من تمويل العجز بزيادة المعروض النقدي وتفاقم مشاكل التضخم والعملات الأجنبية في مصر".

ولم يرد البنك المركزي ولا وزارة المالية على طلبات للتعليق.

التضخم يقفز

تسارع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 35.7 بالمئة في يونيو حزيران متجاوزا مستواه القياسي السابق المسجل في 2017 ومقارنة مع 30.6 بالمئة في أبريل نيسان بينما قفز التضخم الأساسي لمستوى قياسي أيضا مسجلا 41 بالمئة.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري رفع جيه.بي مورجان توقعاته لمتوسط معدل التضخم في السنة المالية الجديدة التي تنتهي في يونيو حزيران 2024 إلى 22.7 بالمئة من 21.3 بالمئة "نتيجة استمرار الضغوط (التضخمية) وبسبب مخاطر العملة الأجنبية". ومن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم الأساسي 23.5 بالمئة.

وتراجع سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بواقع النصف أمام الدولار منذ مارس آذار 2022 وبأكثر من ذلك في السوق السوداء. وتتوقع سوق العقود الآجلة للعملة أن يهبط الجنيه إلى 40 مقابل الدولار خلال العام المقبل من حوالي 30 حاليا.

ويرجع جزء كبير من العجز في الميزانية المصرية إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الدين الداخلي والخارجي الذي سجل زيادة كبيرة خلال الثماني سنوات الماضية.

وتفاقمت فاتورة الفوائد بعدما بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) رفع أسعار الفائدة في مطلع 2022 ومع تفادي المستثمرين لديون الأسواق الناشئة.

وتتوقع وزارة المالية أن تستهلك مدفوعات خدمة الدين الداخلي والخارجي حوالي 52.3 بالمئة من إيراداتها في السنة المالية 2024/2023.

ومن المقرر صرف قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي على مدى 46 شهرا بعد تأكيده في ديسمبر كانون الأول، غير أن المراجعة الأولى للبرنامج تأجلت وسط عدم تيقن بشأن تعهد مصر بالانتقال إلى سعر صرف مرن لعملتها المحلية وبيع أصول مملوكة للدولة.

الاقتراض الحكومي

يقول مصرفيون ومحللون إن الطريقة الأساسية التي زاد بها البنك المركزي المعروض النقدي هي الإقراض المباشر للحكومة بما يشمل شراء سندات حكومية.

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما أعلنه البنك المركزي عن صافي المطالبات المستحقة على الحكومة الذي قفز إلى 1.48 تريليون جنيه بنهاية مايو أيار 2023 من 1.06 تريليون جنيه بنهاية يونيو حزيران 2022، بحسب بيانات البنك المركزي.

وقد ترتفع فاتورة الفائدة على الدين المحلي أكثر بعد رفع سعر الفائدة لأجل ليلة بمقدار ألف نقطة أساس منذ مارس آذار 2022. وقفز سعر الفائدة على أذون الخزانة لأجل عام واحد إلى 24.07 بالمئة في أحدث مزاد في السادس من يوليو تموز من 14.09 بالمئة قبل عام.

وعلى مدى الأشهر الخمسة المنقضية، خفضت وكالات التصنيف الائتماني موديز وستاندرد اند بورز وفيتش تصنيف الدين السيادي لمصر. وفي مايو أيار وضعت وكالة موديز مصر قيد المراجعة من أجل خفض آخر محتمل وعزت ذلك لبطء التقدم في بيع الأصول.

ومن شأن تخفيض آخر للتصنيف الائتماني من موديز أن يجعل تصنيف مصر يتراجع من ‭B3‬ إلى ‭Caa‬ على الأقل بما يشير إلى "موقف ضعيف وتعرض لمخاطر ائتمانية مرتفعة". وتقول موديز إن مثل تلك المراجعات تستغرق عادة 90 يوما.

تضخم أسعار المستهلكين

في سياق متصل كشفت بيانات رسمية أن تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع على أساس سنوي إلى مستوى قياسي بلغ 35.7 بالمئة في يونيو حزيران من 32.7 بالمئة في مايو أيار، متجاوزا المستوى القياسي السابق الذي سجله في 2017 بما يعكس الضغوط الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها البلاد منذ أوائل العام الماضي.

وارتفعت الأسعار في الوقت الذي تعاني فيه مصر من شح النقد الأجنبي وخفض متكرر لقيمة العملة منذ مارس آذار 2022، مما زاد من المصاعب التي يواجهها الكثير من المصريين مع تدهور مستوى المعيشة في السنوات الماضية.

وقالت وفاء يسري (40 عاما) وهي من سكان القاهرة ولجأت للعمل سائقة في خدمة أوبر "كل ما نسمعه هو التضخم"، وأضافت أنه لم يعد لديها ما يكفي من المال لتعليم أطفالها في المدارس الخاصة على الرغم من انتقال زوجها للعمل في الكويت لتحسين الدخل. وقالت "أجبرني ذلك على التفكير بشكل مبتكر لأنه لا توجد هنا وظائف متوفرة برواتب مناسبة".

كان محللون توقعوا أن يبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين السنوي في المدن المصرية مستوى قياسيا في يونيو حزيران نتيجة لتأثير مستوى الأساس وزيادة الطلب من جانب المستهلكين في عطلة عيد الأضحى.

وقال البنك المركزي المصري إن التضخم الأساسي، الذي يستبعد الوقود وبعض المواد الغذائية المتقلبة، سجل أيضا مستوى قياسيا بلغ 41 بالمئة في يونيو حزيران ارتفاعا من 40.3 في مايو أيار.

ومن المحتمل أن يؤدي استمرار ارتفاع التضخم إلى زيادة الضغط على البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل المقرر في الثالث من أغسطس آب. وأبقى البنك على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماعين الأخيرين، بعد زيادات بلغت في الإجمالي ألف نقطة أساس منذ مارس آذار 2022.

أسعار الطاقة

من شأن رفع أسعار الكهرباء، وهو ما أرجأته الحكومة في محاولة لتخفيف أثر التضخم، إلى زيادة ضغوط الأسعار خلال الصيف.

وقال ألين سانديب من نعيم للسمسرة "في حالة رفع تعريفة الكهرباء في يوليو تموز، يمكن أن يظل التضخم السنوي مرتفعا لفترة أطول".

وخفضت مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي بنحو النصف منذ مارس آذار 2022 بعدما كشفت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا عن أوجه خلل في الاقتصاد ودفعت القاهرة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي في إطار حزمة دعم بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

لكن المراجعة الأولى للبرنامج تأخرت وسط حالة من الغموض حول مدى التزام مصر بتعهداتها بتطبيق نظام مرن لتحديد سعر الصرف فضلا عن برنامج الحكومة لتعزيز دور القطاع الخاص، بما يشمل بيع حصص في الشركات الحكومية.

وقالت منى بدير من بنك البركة "التضخم السنوي الأساسي سيكون مدفوعا في الغالب بأسعار المواد الغذائية مع استمرار موسم العيد في تغذية الطلب، فضلا عن الأثر غير المواتي لأساس المقارنة السنوي" وتوقعت أن يسجل التضخم 33.6 بالمئة في يونيو حزيران.

وقالت كالي ديفيس من أكسفورد إيكونوميكس أفريكا "وجهة نظرنا تفترض أن قيمة الجنيه المصري ستنخفض مقابل الدولار مرة أخرى هذا العام" متوقعة أن يصل التضخم الرئيسي إلى 34.8 بالمئة في يونيو حزيران.

عدم خفض قيمة العملة مجددا

بدوره ألمح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن من المستبعد خفض قيمة العملة مرة أخرى قريبا، وقال إن تلك الخطوة من شأنها أن تضر بالأمن القومي والمواطنين.

وخفضت مصر قيمة الجنيه حوالي 50 بالمئة منذ فبراير شباط 2022 بعدما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تخارج المستثمرين الأجانب من سوق أدوات الخزانة المصرية ونقص حاد في العملة الأجنبية.

ووعدت مصر بالسماح للعرض والطلب بتحديد سعر العملة في إطار حزمة إنقاذ حجمها ثلاثة مليارات دولار وقعتها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر كانون الأول.

وظل سعر الصرف الرسمي ثابتا عند حوالي 30.90 جنيه للدولار لأكثر من ثلاثة أشهر بينما تراجعت العملة المصرية في السوق السوداء إلى حوالي 39 جنيها للدولار.

وقال السيسي "نحن مرنين فيه... لكن عندما يتعرض الموضوع لأمن مصر القومي وإن الشعب المصري يضيع.. لا، لا، لا، لا".

وأضاف "بتكلم بجد. هذ الموضوع أنا أقوله على الهواء. عندما يكون تأثير سعر الصرف على حياة المصريين وممكن يضيعهم، لا ما نقعدش في مكانا، لا ما نقدرش".

ومضى يقول "حتى لو الكلام ده يتعارض مع.. حتى لو الكلام ده يتعارض مع.." ولم يتم عبارته لكنها إشارة واضحة لالتزامات مصر مع صندوق النقد الدولي.

ولم يبدأ الصندوق بعد مراجعة كانت مقررة في مارس آذار لمستوى التقدم الذي أحرزته مصر في تحقيق التزاماتها بموجب اتفاق ديسمبر كانون الأول.

وبالرغم من الخفض الحاد لقيمة الجنيه ثلاث مرات منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لا تزال العملة الأجنبية نادرة بالسوق ولا تزال واردات حيوية مثل مدخلات التصنيع والزراعة دون سبيل إلى دخول البلاد.

بيع أصول مملوكة للدولة

من جهته قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن مصر وقعت عقودا لبيع حصص في أصول مملوكة للدولة بقيمة 1.9 مليار دولار في إطار برنامج لدعم القطاع الخاص وجمع العملة الصعبة.

ويُعد بيع هذه الحصص ضروريا لتخفيف مصر الضغط الذي يواجهه الجنيه منذ فترة طويلة وجذب الدولار الذي تشتد الحاجة إليه وإطلاق إصلاحات اقتصادية في إطار برنامج قرض من صندوق النقد الدولي حجمه ثلاثة مليارات دولار.

وقال مدبولي إنه من أصل 1.9 مليار دولار، سيجري دفع 1.65 مليار دولار بالعملة الأجنبية.

وكان هدف الحكومة جمع ملياري دولار من مبيعات الحصص بحلول نهاية يونيو حزيران، لكن جهودها واجهت تأخيرات في الشهور القليلة الماضية، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه في السوق الموازية. وفقد الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مطلع العام الماضي وفق سعر الصرف الرسمي وسجل التضخم ارتفاعات قياسية.

وقالت وزيرة التخطيط هالة السعيد إن العقود تضمنت صفقة لبيع حصص أقلية في ثلاث شركات بقطاع النفط والبتروكيماويات لصندوق أبوظبي للثروة السيادية (القابضة إيه.دي.كيو) مقابل 800 مليون دولار، وصفقة لجمع 700 مليون دولار عن طريق زيادة رأس مال شركة تمتلك مجموعة فنادق في مصر، وصفقة لبيع حصة 31 بالمئة شركة العز الدخيلة للصلب مقابل 241 مليون دولار.

وقالت الوزيرة لرويترز بعد مؤتمر صحفي حضره كبار أعضاء مجلس الوزراء "كل الصفقات انتهت وهي وملزمة".

وأضافت أن الحصة في الفنادق، التي تشمل عقارات تاريخية في القاهرة والإسكندرية والأقصر، مُنحت للشركة العربية للاستثمارات الفندقية والساحلية (أيكون)، ذراع الضيافة لمجموعة طلعت مصطفى العقارية المصرية.

وقال مدبولي إن الحكومة تجاوزت الربع تقريبا فيما يتعلق بقائمة تضم 32 شركة حكومية أعلنت العام الماضي أنها ستبيع حصصا فيها، وتستعد لبيع حصص في شركات أخرى لاحقا.

وأضاف أن مصر تتوقع زيادة التدفقات الداخلة من العملة الصعبة بواقع 70 مليار دولار سنويا إلى 191 مليار دولار بحلول 2026.

وقالت وزيرة التخطيط للصحفيين إن الصفقات التي تتوقع الحكومة إتمامها في الأشهر القليلة المقبلة تشمل صفقة تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار لمزرعة الرياح في جبل الزيت وحصة في الوطنية للبترول المملوكة للجيش ومحطة كهرباء بنتها شركة سيمنس.

رفع الحد الأدنى للأجور

وفي سياق متصل قالت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إن مصر سترفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص بواقع 300 جنيه (9.72 دولار) إلى ثلاثة آلاف جنيه شهريا اعتبارا من يوليو تموز.

يأتي القرار بعدما استبعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي فيما يبدو تخفيض قيمة العملة مرة أخرى عما قريب بعد ثلاثة تخفيضات حادة أدت إلى تراجع قيمة الجنيه بنحو 50 بالمئة مقابل الدولار منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير شباط 2022.

ورفعت الحكومة في أبريل نيسان الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة إلى 3500 جنيه (113.45 دولار).

* المصدر: رويترز

ذات صلة

بين موت الغرب ونهضة الشرقالبنية الحجاجية.. خطبة الزهراء (ع) مثالامتى يحق للمواطن المشاركة في القرارات الحكومية؟الإدارة الأمريكية الجديدة وتصوّرات الصدام والتوتر والوفاقالحياة المشتركة في الشرق الأوسط